قراءة في عملية "غصن الزيتون" وانعكاساتها على القضية السورية
Şub 01, 2018 2475

قراءة في عملية "غصن الزيتون" وانعكاساتها على القضية السورية

Font Size

أيمن أبو هاشم 

دلالات التوقيت 

يشكل توقيت انطلاق الحملة العسكرية التركية، على مناطق سيطرة قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ( PYD ) في الشمال السوري، من أدق وأخطر القرارات التي اتخذتها القيادة التركية خلال محطات الصراع في سورية، ولعلّ التأخير في عملية "غصن الزيتون" التي كانت حاضرة بقوة في حسابات الأمن القومي التركي، منذ أن بدأ الوجود العسكري الكردي في التمدد على طول الحدود السورية – التركية،  إنما يعكس حجم الصعوبات والتعقيدات التي واجهت أنقرة، حين توقفت عملية درع الفرات التي قامت بها في أيلول / سبتمبر 2016، عند مدينة الباب ولم تَستكمل حينها إنجاز بقية أهدافها، وبقيّ ما تراه تركيا تهديداً لأمنها القومي قائماً، بسبب الأهمية الاستراتيجية لمدينة عفرين، وما تخشاه تركيا في حال تمّ وصلْ عفرين بالوجود الكردي في (عين العرب،كوباني/ والجزيرة ) من اكتمال حلقات قيام الكيان الكردي بغض النظر عن مسميّاته المتداولة، لاسيما أن عفرين تشكل الممر الضروري، الذي يؤمن وصول ذلك الكيان إلى البحر المتوسط غرباً. حين وصف الرئيس أردوغان في معرض إعلانه البدء بعملية " غصن الزيتون" ، أن صبر بلاده قد نفذ على " التهديدات  الإرهابية " لم يكن ذلك هو العامل الحاسم باتخاذ القرار النهائي، بقدر ما جاء ضمن سياق التفاهمات التركية – الروسية، حول العديد من الجوانب السياسية والميدانية المتعلقة بالقضية السورية. لم تكن الخطوة التركية أيضاً بعيدة عن جس نبض الموقف الأمريكي، من مواجهة  ما تراه أمريكا استهدافاً لحليفها الأهم في الساحة السورية، واتضح من ردود الفعل الروسية والأمريكية على عملية "غصن الزيتون" خلال أسبوعها الأول، أنها جاءت بعد تنسيق تركي مع الطرفين الأساسيين في المشهد السوري، ولكن في ظل أزمة الثقة بين الطرفين التركي والأمريكي، ، ولم يكن الإيرانيين بعيدين عن ذلك، وجاءت إشارات الموافقة، في صمتهم حيال القرار التركي بالمواجهة. 

أهداف العملية 
كان مسعى تركيا لتحقيق هدفها الرئيس من وراء هذه العملية، يكمن في إنهاء مشروع قيام كانتون كردي على حدودها، وعلى الأقل في المرحلة الأولى، تقويض وجود هذا الكانتون غرب نهر الفرات، ومنع كل إمكانيات وصله بالمناطق الكردية شرق النهر، بما يحول دون إقامة كيان كردي في سوريا مستقبلاً، من خلال تفكيك بؤر التوسع التي حاولت القوات الكردية بدعم أمريكي وتغطية روسية، الاستناد عليها لفرض مشروع (روج آفا ) الذي يقوم على إدماج مناطق عربية وكردية ضمن نطاق جغرافي موحد. كانت الهواجس التركية من انتقال حلم "غرب كردستان السوري" إلى الداخل التركي، هي الحقيقة الحاسمة التي أعادت صياغة المواقف التركية من القضية السورية، والتي دفعت تركيا للدخول في مساومات وتفاهمات مع الروس، لاسيما منذ معركة حلب، وما تلاها من اتفاقيات خفض التصعيد عشية انطلاق مسار آستانة في 23/1/ 2017، وتعززت تلك التفاهمات طردياً بين الطرفين، رغم كل محطات التوتر السابقة واللاحقة بينهما، مع تصاعد مخاوفها المشتركة من السياسات الأمريكية في سورية، لاسيما منذ قدوم الرئيس ترامب، وخلال عام من سياسات إدارته حيال الملف السوري. بالطبع ترافق كل ذلك مع تغيير الأولويات التركية في علاقتها بالوضع السوري، وانتقالها من طرف رافض لأي حل في سوريا بوجود نظام الأسد، إلى طرف لديه استعداد للمساعدة في حل سياسي يتم بمشاركة النظام، مع تغييرات فارقة  ذات صلة بالبيت الداخلي التركي، لاسيما بعد انقلاب 15 تموز، وإعادة تنظيم المؤسسة العسكرية، بما يقوي توجهات وقرارات القيادة السياسية التركية، وهو ما يفسر وجود رأي عام تركي مؤيد لعملية " غصن الزيتون" لم يكن ممكناً توفره في ظل مناخات الاستقطاب الداخلي خلال الفترة التي سبقت الانقلاب. 
بالمعنى العسكري الاستراتيجي، وكي يتحقق الهدف المطلوب من العملية، لا يكفي السيطرة على عفرين وحزامها الريفي ذات الأغلبية الكردية، وإنما لابد من استعادة "منبج ومثلث الشيخ عيسى وتل رفعت" بما يؤدي إلى ربط الريف الشمالي والشرقي لمدينة حلب بمدينة إدلب. 
قد يرى البعض وهو محق أن ثمة أهداف أخرى، تتعدّى الهدف التركي بإنهاء التهديد الكردي، وهذا ما يجب أن يؤخذ بالحسبان والإهتمام، إذ أن حرص تركيا على تأمين مصالحها في شمال سوريا، بات يرتبط بعدة قضايا متشابكة، من أهمها تمكين النازحين المتواجدين على الشريط الحدودي، من العودة إلى مدنهم وقراهم، التي هجّروا منها على يد قوات ال pyd، وقوات النظام، ومن ثم التخفيف من عبء اللاجئين المتواجدين في المخيمات التركية، ومن يعيشون منهم كذلك في المدن التركية، وتذليل العقبات الأمنية التي كانت تحول دون عودتهم، والعمل على توفير شروط الاستقرار كما حدث في جرابلس بعد تحريرها. لكن يبقى الأهم على الصعيد الجيو استراتيجي بالنسبة لتركيا، أن تبقى صاحبة التأثير الأساسي في منطقة شمال سوريا، وهي المنطقة التي تشكل مجال نفوذها الحيوي في القضية السورية، في ضوء الصراعات بين الأطراف الدولية والإقليمية على تقاسم مناطق النفوذ، ولإدراك تركيا أن الطبيعة السكانية في هذه المنطقة تشكل  بيئة مجتمعية حليفة لطبقتها السياسية الحاكمة، وامتداد لحزام أمنها القومي، وأن أي تسوية قادمة لابد أن يكون لتركيا دور اللاعب الأساسي فيها.  

التحديّات والمخاطر 
تصعيد اللهجة التركية مع استمرار عملية " غصن الزيتون " يشير إلى تصميم تركي على انجاز المهمة، في مقابل تعبير  قيادة ال pyd، عن شعورها بالخذلان من الموقفين الأمريكي والروسي، ويتواصل تقدم القوات المشاركة في العملية، ومن ضمنها بصورة أساسية فصائل من الجيش الحر، ومع نهاية الأسبوع الأول من العملية، تتزايد مخاوف المقاتلين الأكراد، مع سيطرة القوات المهاجمة على نقاط استراتيجية في ناحيتي شيخ حديد وراجو غربي عفرين، وسيطرتها على تلال وقرى تقع في شمالها الغربي، ولعلّ طبيعة المنطقة الجبلية الوعرة التي تدور المعارك فيها، تجعل من سباق الأتراك لحسم المعركة بأسرع ما يمكن، ليست مهمة سهلة رغم التقدم الذي تم إحرازه. ولا يمكن التكهن بسهولة عن سير المعارك إذا ما تأخر حسمها، أو برزت معيقات أدت إلى وقفها قبل استكمالها، كما حدث في عملية درع الفرات سابقاً، وهي أيضاً مهمة أكثر صعوبةً على الصعيد السياسي، في ظل عدم ثقة الأتراك من ردود الفعل الأمريكية على العملية لسببين أساسيين:
  ( الأول ) لأن التقارب الروسي – التركي الذي كانت " غصن الزيتون " أحد ثماره العملية، يشكل مصدر قلق وإزعاج للأمريكان، فنجاح تركيا في تحقيق أهدافها من وراء العملية، يؤدي إلى إضعاف الورقة الكردية، التي تستخدمها أمريكا كعنصر ضغط على الأتراك، وأداة لتنفيذ المصالح الأمريكية في شرق سوريا، ومن شأن إنهاء مطامع القيادات الكردية الحليفة لأمريكا في منطقة غرب النهر، أن يؤثر سلباً على الخطط المتعلقة بالوجود الأمريكي الطويل في المنطقة الشرقية
( الثاني ) خشية الولايات المتحدة من تطور التفاهمات الروسية – التركية، سواء ما تعلق منها بتداعيات عملية " غصن الزيتون " على مناطق خفض التصعيد في إدلب وريفها، أو على صعيد الدعم التركي لمؤتمر سوتشي، وما سيعنيه ذلك من الدفع لإنجاح التصور الروسي للحل السياسي في سوريا، وحصولها على أوراق قوة، تفاوض من خلالها الغرب والأمريكان على العديد من الملفات العالقة بينهما، في منطقة البلقان ومشكلات اقتصادية لم تسوى بعد.
السببان المشار إليها، ربما يوضحان لغة المواربة والغموض في التصريحات الأمريكية الأخيرة، لجهة مطالبة الأتراك بعدم توسيع العملية، أو التذرع بالحرص على حياة المدنيين، رغم سجل أمريكا وحليفها الكردي، بانتهاكاتهما المشهودة بحق المدنيين خلال معارك الرقة ودير الزور، ورغم حرج الموقف الأمريكي الواقع بين تجنب المواجهة مع تركيا، والضرر الذي ينظر إليه الأمريكان في حال نجاح العملية التركية، فإن بقاء الموقف الأمريكي على عدم تدخله حتى الآن، ليس أمراً ثابتاً ولا يمكن الركون إليه من الجانب التركي، وعلى الأغلب فإن عنصر المفاجأة في تغيير الموقف الأمريكي، بما يصب في عرقلة العملية وتصعيب نجاحها، مما يجب أن يؤخذ على محمل الجد، في ظل ساحة مفتوحة على استدارات وتبدلات في مواقف الأطراف المعنية. لذلك أعتقد أن الموقف الأمريكي يشكل تحديّاً وخطراً في آن، بل قد يكون الخطر الأكبر في حال قررت أمريكا دعم الطرف الكردي غرب النهر، لأن مثل هذا الخيار فيما لو تبنته إدارة ترامب، سيؤدي إلى تداعيات خطيرة على العلاقة الأمريكية – التركية، وعلى مختلف جبهات الصراع. أما بقية التحديّات المتعلقة بإمكانية وجود سيناريوهات بديلة عن استمرار العملية حتى نهايتها، ومن هذه السيناريوهات المحتملة: تسليم عفرين والمناطق الخاضعة لسيطرة الpyd  في شمال حلب إلى قوات النظام، إذ غدا هذا الخيار خلف ظهر الأحداث الجارية بعد انطلاق العملية، ليس بسبب رفض القوات الكردية لهذا العرض قبل المعركة، وإنما وهو الأهم لحرص روسيا على كسب الموقف التركي، ودوره في دفع الحل السياسي وفق الرؤية الروسية في مؤتمر سوتشي المزمع عقده نهاية الشهر الجاري، وما سينجم عنه من مقررات ونتائج. 
في الجهة الموازية لردود الأفعال الدولية على العملية، لا تشكل المواقف الأوروبية المستاءة من العملية التركية، لاسيما فرنسا التي دعت إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن في 24/ يناير كانون الثاني/ ما يرقى أن يكون تحديّا فعلياً للحسابات التركية، فقد حكمت المخاوف الأوروبية المتعلقة باللاجئين السوريين، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع أنقرة، حدود الموقف الأوروبي الذي أعرب في أغلبه عن تفهم المخاوف التركية
إن عملية " غصن الزيتون " والنتائج التي ستفضي إليها، ستحدد معالم وحدود النفوذ التركي في سوريا، وانعكاس الحل  السياسي على مصير منطقة شمال سوريا، ولن يكون مجرد ضربة تركية لخاصرة الpkk في سورية في حال نجاح العملية، وهو الاحتمال الأقوى في ضوء موازين القوى الراهنة، بقدر ما سينعكس على تراجع دور هذا الحزب ضمن الساحة التركية، وبعد خسارة كركوك وفشل الاستفتاء على إقليم كردستان العراق، ستشكل هزيمة ال pyd  في منطقة غرب النهر، خسارة جديدة لإمكانيات إقامة الحلم الكردي في مختلف دول الإقليم التي يتواجد فيها الكرد، وفي حال فشل العملية وهو الاحتمال الأضعف، سيشكل ذلك فرصة كبيرة لتحويل مشروع " روج آفا " إلى حقيقة واقعة، وتأمين المصالح الأمريكية – الكردية المتبادلة، والتي ستقوم على حساب وحدة الجغرافيا السورية، وانحسار النفوذ التركي ودوره في المشهد السوري، وإعادة تدوير التحالفات بين الدول المتدخلة بناءً على المعطيات الجديدة بعد العملية. 

 تأثير العملية على الثورة السورية
تأتي عملية " غصن الزيتون" بعد خسارات متتالية، تعرضت لها المناطق المحررة والبيئات الحاضنة للثورة، وكانت تلك الخسارات – كما هو معلوم – بفعل حصيلة الدعم الروسي والإيراني للنظام، ودور روسيا من خلال مناطق خفض التصعيد، في تحييد الثوار عن جبهات مواجهة النظام، وتصعيدها  ضد المدنيين ودأبها فرض شروط الاستسلام على المناطق الثائرة، بالتوازي مع محاولاتها منذ مسار آستانة وما تسعى إليه مؤخراً من خلال سوتشي، لفرض حل سياسي يُعيد تأهيل النظام. منذ التقارب الروسي - التركي، كانت حصيلة ما نشأ عن هذا التقارب من تفاهمات حول مناطق خفض التصعيد،  ذات تأثيرات سلبية على موازين القوى لغير صالح قوى الثورة، ونظراً لدور وأهمية تركيا على صعيد الواقع الثوري في الشمال السوري، وفيما يتعلق باللاجئين السوريين في أراضيها، كان ثمة حرص تملية الجغرافية السياسية، وعوامل تاريخية بين الشعبين، للحفاظ على تركيا كصديق للثورة، رغم كل المخاوف والقلق من تداعيات التفاهمات الروسية – التركية على واقع الثورة ومستقبلها. مع ذلك جددت عملية " غصن الزيتون " الآمال بأن يؤدي استئصال تنظيم الpyd  في مناطق سيطرته شمال سورية، إلى حل العديد من المشكلات السياسية والإنسانية، التي نجمت عن سيطرته على عدة مناطق عربية، وأبعد من ذلك تلاقي الهواجس التركية مع هواجس قوى الثورة السورية، على ضرورة التخلص من خطر المشروع الانفصالي الكردي على الطرفين،  وبالتالي لا يكفي النظر للأهداف التركية من وراء العملية، بمعزل عن دوافع فصائل الجيش الحر المشاركة فيها، وعدا عن التأثير التركي المعروف على هذه الفصائل، فإن أغلب قيادات وعناصر هذه الفصائل لديها دوافع وطنية ومحلية تقف خلف مشاركتها تلك. من أبرزها: صراعات الفصائل مع القوات الكردية، ودور الأخيرة بالتنسيق مع قوات النظام قبل وخلال معركة سقوط حلب، وفي مناطق متعددة من الريف الشمالي والشرقي، وتنسيقها كذلك مع الروس، ومسؤوليتها عن تهجير مئات ألوف المدنيين من مدن وقرى الريف الشمالي، مع العلم أن أغلب قيادات وعناصر الفصائل المشاركة، من المتأثرين بصورة مباشرة هم وعوائلهم من المآسي الإنسانية، التي تسببت فيها القوات الكردية بحق الأهالي في تلك المناطق ذات الأغلبية العربية. قياساً عليه لا يمكن فصل مواقف الفصائل عن الانطباع السائد لدى السكان العرب في مناطق شرق سوريا، وقد عانت مناطقهم أيضاً في الحسكة من عمليات تهجير منظمة قامت بها قوات الpyd ، ومن معاملة سيئة عايشها المدنيون من قبل تلك القوات أثناء وبعد انتهاء معاركها مع ( داعش ) في الرقة ودير الزور، وجميعها عوامل عززت مخاوف العرب من نزعات الهيمنة والانفصال، التي كشف عنها تنظيم  pyd، واستغلاله الدعم الأمريكي، لفرض حقائق على الأرض تنظر إليها الأغلبية العربية كخطر يهدد وحدة سوريا أرضاً وشعباً. وهي دوافع ذات أهمية لفهم حماس الفصائل للقتال إلى جانب الأتراك، بمواجهة ما يعتبرونه عدواً خطيراً ومشتركاً على كليهما. 
بوسعنا أن نتصور الآمال التي يُعلّقها مئات الألوف من النازحين الذين شردوا من بيوتهم، بسبب سيطرة قوات الpyd ، على مدنهم وقراهم في الريف الشمالي منذ ثلاث سنوات، وهم يترقبون هزيمة تلك القوات، التي ستفتح الطريق أمام عودتهم إلى بيوتهم، بعد رحلة طويلة من الصبر والعذاب قضوها في مخيمات بائسة لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة. 
من مقلب آخر لا تحجب أهداف عملية "غصن الزيتون" التي يتلاقى عليها الثوار مع الطرف التركي، مخاوف وهواجس البيئات الحاضنة للثورة، من أن يكون ثمن عملية " غصن الزيتون " إفساح الطريق أمام النظام لاستعادة سيطرته على مدينة إدلب وريفها، وهناك من يرى في المعارك الساخنة في ريف إدلب الجنوبي، وفي مطار أبو الضهور والقرى المحيطة به، ما ينبئ عن مشروعية مثل تلك المخاوف، وإن كان ثمة استياء من سيطرة " هيئة تحرير الشام" على إدلب وريفها، ولكن على أن لا يكون البديل هو النظام والإيرانيين. بجميع الأحوال يعلم الروس أن الدور التركي ضروري في الترتيبات المتعلقة بمدينة إدلب وريفها، وأن الأتراك لا يتحملون أي تصعيد عسكري على المدينة، سيؤدي في حال حدوثه إلى تهجير ما يقارب ثلاثة ملايين مدني باتجاه الحدود التركية، ولذلك فمن المرجّح سعي الطرفين الروسي والتركي لإنضاج تسوية خاصة بهذه المنطقة، ستكون ذات صلة وثيقة بالحل السياسي المطروح، وربما متوقفة على مدى التقدم في المسار السياسي في المرحلة القادمة.
تبقى القضية الأهم على المستوى الإنساني لبيئات الثورة، أن عملية " غصن الزيتون " في حال تحقيق أهدافها، ستخلق المناخ الواقعي لإقامة المنطقة الآمنة شمال حلب، بعد أن رفضها الأمريكان على طول الخط، وإن مطالبتهم بها اليوم على وقع العملية التركية، ليس اكثر من محاولة للالتفاف على مسعى أنقرة بإنهاء الوجود الكردي غرب النهر، علماً أنه من الناحية العملية لا جدوى من إقامة منطقة آمنة، في ظل منع القوات الكردية من عودة الأهالي إلى بيوتهم، ولعلّ هذا هو السبب في إصرار أنقرة على الاستمرار في العملية، وتكريس فهمها الخاص للمنطقة الآمنة بلا أي وجود للقوات الكردية فيها. 

تأثير العملية على مكونات المجتمع  
لم تلبث تصريحات النظام السوري، التي توعد من خلالها بالرد على التدخل التركي في عفرين، أن أكدت عجز هذا النظام عن حماية مفهوم السيادة، بعد أن أصبح أسير مصالح وتفاهمات حليفه الروسي، وقد أصبح واضحاً لكافة مكونات الشعب السوري بمن فيهم الكرد، أن هذا النظام ليس فقط غير قادر على تجسيد الوحدة العضوية بين هذه المكونات، بل هو السبب الأساسي في الشروخات والتصدعات المجتمعية  فيما بينها. واليوم تكشف تطورات الأحداث في عفرين وبقية المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في سورية، أن سياسة فرض الوقائع بالقوة كما فعلت قيادة الPYD ، طيلة الفترة السابقة وقبولها الاستقواء بالأمريكان والروس، لتمرير مشروعها الانفصالي في ظل ضعف واستنزاف الحالة السورية، إنما هي سياسة كارثية قامت على فلسفة الإقصاء والإملاء، على حساب بقية مكونات الشعب السوري، بل وتلاعبت بالقضية الكردية وفق حسابات غير سورية وبالضد منها، وأنتجت أحقاداً أهلية ومجتمعية، بسبب منطق التوسع والهيمنة الذي مارسه حزب ال Pyd بحق أغلبية الشعب السوري المتمسك بوحدة وطنه، رغم كل المآسي التي عايشها في السنوات الماضية على يد النظام، وقد أصاب الكرد أنفسهم قسطاً كبيراً من قمع ومظالم الاستبداد الأسدي، وإن ضرب واستئصال وجود هذا الحزب الكردي الفاشي، مصلحة للكرد قبل العرب، على أن يقترن ذلك بعدم تعميم ما اقترفه هذا الحزب  على الأخوة السوريين الكرد، الذين تضرروا أيضاً بسببه سياساته الخاطئة، وهي مسؤولية مزدوجة تقع على عاتق قوى الثورة السورية، وعلى القوى الوطنية الكردية، التي تتشارك في رفضها سلوك وارتباطات حزب ال PYD، وتدرك أن مصير الكرد في سوريا هو من مصير الشعب السوري، وأن الضامن الحقيقي لحقوق الكرد في سوريا، هي دولة الحرية والمواطنة  والعدالة. 
إن الرسائل التي بعث بها مقاتلو فصائل الجيش الحر، عند دخولهم قرية راجو، عبّرت عن حرصهم على حماية اخوتهم الكرد في تلك المناطق، وهي رسائل إيجابية من شأنها أن تنزع الأحقاد التي حاول حزب الpyd ، زرعها بين العرب والكرد، ولا يجوز أن ننكر أن ثمة أخطاء سابقة كانت وقعت فيها فصائل الجيش الحر، أثناء دخولها إلى مناطق كردية في حلب وريفها، ولم يعد مقبولاً تكرارها، إذا كان البحث عن مستقبل يضمن حرية كل السوريين هو الغاية الأسمى، وعلى أهمية عملية " غصن الزيتون " إذا ما حققت أهدافها، في إزاحة أحد العوامل  التي أعاقت تفعيل الدور الكردي في مواجهة الاستبداد الأسدي، فإن مهام استعادة وحدة كافة مكونات لمجتمع السوري، هو التحدي الأكبر الذي يجب العمل عليه، من كل المؤمنين بمشروع التغيير الوطني في سوريا، والمدافعين عن وحدة الشعب والأرض السورية.

 

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تمثل آراء الكاتب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز جسور للدراسات