الحملة على الغوطة الشرقية الدوافع والسيناريوهات المحتملة
Feb 28, 2018 3118

الحملة على الغوطة الشرقية الدوافع والسيناريوهات المحتملة

Font Size
مقدمة 
تحيط منطقة الغوطة الشرقية بأجزاء من دمشق، وتمتد من مدينة دوما حتى جرمانا والمليحة وعقربا، وتضم مجموعة من المدن والبلدات، منها دوما وعربين وسقبا وحمورية وحزة وكفر بطنا وزملكا وحرستا ومنطقة المرج، إضافة إلى عشرات القرى والبلدات.
وتمتلك الغوطة الشرقية أهمية استراتيجية باعتبارها المدخل الجنوبي الشرقي لمدينة دمشق، واتصالها الجغرافي المباشر عن طريق جوبر بالأحياء الشرقية منها، إضافة إلى إشرافها المباشر على طريق مطار دمشق الدولي، ومجموعة من الطرق البرية التي توصل إلى محافظتي درعا والسويداء باتجاه الحدود الأردنية، وأخرى إلى الحدود العراقية من جهة الشرق.
وتعيش الغوطة الشرقية حصاراً مستمراً فرض عليها منذ أواخر عام 2012، حرمها من دخول المواد الغذائية والطبية، وهو ما يُهدد حياة ما يُقارب 350 ألف مدني بكارثة إنسانية، حيث توجد حالياً في الغوطة 720 حالة طبية حرجة على قائمة الإخلاء الطبي، إضافة إلى عشرات حالات سوء التغذية التي عجزت الأمم المتحدة عن مساعدتها.
وقد شهدت الغوطة الشرقية خلال السنوات السبعة الماضية العديد من المجازر، واختبرت مختلف أنواع الأسلحة، كان أشدها الهجوم بالسلاح الكيمياوي عام 2013، وتعرضت إلى عشرات الحملات العسكرية في السنوات الأخيرة، التي لم تستطع تحقيق تقدم خاصة في جهة جوبر، كما قامت فصائل الغوطة عدة مرات بشن معارك على أطراف دمشق في عدد من النقاط من جهة الدخانية وتل كردي وجوبر وحرستا، تسببت بخسائر كبيرة في صفوف قوات النظام، وأدت إلى استنفار كبير، وشكلت تهديداً جدياً على العاصمة دمشق.
وشُملت الغوطة الشرقية باتفاق خفض التصعيد في 22 تموز/ يوليو 2017 بعد وساطة مصرية، لكنها تعرضت لاحقاً إلى مئات الغارات والقذائف التي أطلقتها قوات الأسد والطيران الروسي، وعدد من محاولات الاقتحام من عدة جبهات.
 
الحملة العسكرية
شنت قوات الأسد حملة عسكرية شرسة ومركّزة على الغوطة الشرقية ما بين 5 حتى 8 شباط/ فبراير 2018 أدت إلى سقوط 244 قتيلاً من المدنيين وأكثر من 1250 جريحاً(1) ، ترافقت مع غارات جوية وقصف صاروخي ومدفعي عنيف، وتراجعت وتيرة الحملة العسكرية عدة أيام، تم فيها استقدام قوات وآليات إضافية من جبهات حماة، خاصة قوات سهيل الحسن الملقب بالنمر للمشاركة فيما أسماها النظام "معركة تطهير الغوطة".
عاودت قوات الأسد تصعيدها بشكل غير مسبوق وأعنف من المرة السابقة في 19 شباط/ فبراير، بالتزامن مع تصريحات لافروف التي قال فيها: إن "تجربة تحرير حلب قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية"(2)
وقد ركز القصف على المناطق السكنية والأسواق والمستشفيات ومراكز الدفاع المدني، واستعملت قوات الأسد فيها مختلف أنواع الأسلحة، كالبراميل المتفجرة والصواريخ والقذائف العنقودية وقذائف النابالم والفوسفور الحارق، وصواريخ محملة بالكلور.
وقد بدأت قوات الأسد المدعومة من المليشيات الإيرانية هجومها البري في 25 شباط/ فبراير 2018، من طرف بلدات الزريقية، وحزرما، وحوش الضواهرة، والريحان، متجاهلة قرار مجلس الأمن بإقرار الهدنة، لكنها تكبدت خسائر فادحة مما أجبرها على التراجع. 
وتعرّضت مدينة دمشق منذ بداية الحملة العسكرية على الغوطة إلى سقوط قذائف مجهولة المصدر في مناطق متفرقة غير متاخمة للغوطة، ادّعى إعلام النظام أن مصدرها الغوطة الشرقية، وقد أدت إلى قتل وجرح العشرات من المدنيين، كان أعنفها الصاروخ الذي استهدف منطقة ركن الدين، والذي أكد شهود عيان أنه نتج عن قصف طائرة حربية.
الحراك السياسي
أثارت الحملة العسكرية الشرسة الكثير من ردود الفعل الدولية، خاصة مع ورود الصور والفيديوهات التي تشير إلى حجم الكارثة الإنسانية الحاصلة هناك. فقد أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بياناً قالت فيه: إن الكلمات ليس "بإمكانها أن تُنصف الأطفال القتلى وأمهاتهم وآباءهم وأحباءهم"(3) ، في حين اعتبرت الأمم المتحدة أن ما يجري في سوريا هو "إبادة وحشية" و"جحيم على الأرض"(4) .
ومن جهة أخرى استنكر عدد من رؤساء الدول الأوروبية المجزرة التي تجري بحق المدنيين في الغوطة، والتي تفاعل معها الإعلام الأوروبي المقروء والمكتوب، فيما لم يُسجّل أي تعليق عربي، سوى من قطر(5)
وفي 22 من شباط/ فبراير 2018 اجتمع مجلس الأمن لأول مرة لمناقشة الوضع في الغوطة ومشروع القرار الذي طرحه كل من الكويت والسويد على مجلس الأمن في وقت سابق من شهر شباط/ فبراير من أجل إقرار هدنة إنسانية في الغوطة مدتها شهر، تتيح إدخال المساعدات الإنسانية للسكان المحاصرين. وقد استغرق المجلس يومين آخرين لإقرار المشروع بعد تعديلات في بعض البنود لضمان موافقة روسيا. وحمل القرار الرقمَ (2401). 
ونص القرار على "وقف الأعمال العسكرية في سوريا، ورفع الحصار المفروض من قبل قوات النظام عن غوطة دمشق الشرقية، وبقية المناطق الأخرى المأهولة بالسكان لمدة 30 يوماً، على أن يدخل حيز التنفيذ بشكل فوري"، مستثنياً العمليات التي تجري ضد داعش، والقاعدة، وجبهة النصرة.
وتشير بنود القرار ذات الطابع الإنساني إلى أن هيئات الأمم المتحدة هي المعنية بالتقييم، كما أن استبدال روسيا بعض العبارات بأخرى تشير إلى رغبة روسيّة في كسب المزيد من الوقت، خاصة مع وجود استثناءات لتطبيق القرار في مناطق وجود هيئة تحرير الشام، الأمر الذي قد يكون حجة لأي هجوم لاحق في أي مكان.
وعقب ساعات على دخول الهدنة حيز التنفيذ، تجاهلت قوات النظام قرار مجلس الأمن، وبدأت بهجوم بري مدعوم بغارات جوية سورية وروسية وإيرانية، مما أدى إلى تصعيد في الموقف السياسي، إذ أصرّت الأمم المتحدة على لسان أمينها العام على تطبيق قرار الأمم المتحدة دون تأخير(6) ، فيما اتهمت وزارة الدفاع الروسية فصائل الغوطة بالإعداد لهجوم كيمياوي على الغوطة الشرقية، واتهام قوات الأسد بالمسؤولية عنه(7)
 
السيناريوهات المحتملة للحملة
يحمل الهجوم على الغوطة انعكاساً للصراعات بين الفاعلين الإقليميين والدوليين على السيطرة والنفوذ في سوريا، خاصة أن ملف الغوطة يشهد تأثيراً سعودياً ومصرياً، وحتى قطرياً، فيما يحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى الإيرانيين على وجه الخصوص، ويؤثّر بشكل كبير على المنطقة الجنوبية، ومن ثم على كل من الأردن والولايات المتحدة وإسرائيل.  
واستناداً إلى المعطيات الميدانية في الغوطة الشرقية، واستقراء المواقف الدولية والإقليمية، يمكن حصر السيناريوهات الممكنة فيما يأتي: 
السيناريو الأول: سيناريو حلب الشرقية
في هذا السيناريو تعمل قوات النظام على إشعال المعارك البرية والتركيز على استهداف المدنيين بشكل عنيف، بعد ضرب النقاط الحيوية كالمشافي ومراكز الدفاع المدني، من أجل الضغط على فصائل الغوطة وإجبارها على الاستسلام، وقبولها بحل لإنقاذ المدنيين، ومن ثم تهجير الفصائل المسلحة والقسم الأكبر من المدنيين باتجاه إدلب أو درعا، وهو السيناريو الذي أثبت نجاحه في داريا وحلب الشرقية، والذي لمّحت روسيا أكثر من مرة مؤخراً لإمكانية تطبيقه.
ويعتمد نجاح هذا السيناريو على قدرة قوات النظام البرية والميليشيات الأجنبية الداعمة لها على تحقيق انهيارات سريعة في دفاعات فصائل الغوطة، بما يُخلخل بشكل كبير إيمان الحاضنة الشعبية في الغوطة بإمكانية الصمود والبقاء، ويدفعها لممارسة الضغط على الفصائل لتطبيق هذا السيناريو.
وبلا شك، فإنّ هذا السيناريو هو الأفضل بالنسبة إلى النظام وداعميه الإيرانيين على وجه الخصوص، إذ إنه سيزيل التهديد الأخير عن دمشق، ويساعد في تنفيذ التغيير الديمغرافي الذي تسعى إليه طهران في دمشق ومحيطها. 
لكن نجاح هذا السيناريو يبدو صعباً ومستبعداً، نظراً إلى وجود اختلافات كبيرة بين أحياء حلب الشرقية وداريا وحمص القديمة من جهة، وبين الغوطة الشرقية من جهة أخرى. فالرقعة المحاصرة في الغوطة الشرقية تصل مساحتها إلى ما يقارب 90 كيلومتراً مربعاً، مقابل 3 كيلومترات مربعة في حلب، وقد تأقلمت مدن الغوطة مع واقع الحصار المفروض عليها منذ سنوات، وتمكنت من إيجاد الحلول البديلة التي تسمح لها بالبقاء، كما أن عدد سكان الغوطة الشرقية الحالي يفوق بعشر مرات تقريباً عدد سكان القسم الشرقي من حلب، وهم حاضنة متجانسة اجتماعياً، ومرتبطة بشكل عضوي بالفصائل العسكرية التي تنتمي للمكان وللمجتمع المحلي، بخلاف معظم مقاتلي الفصائل التي كانت موجودة في أحياء حلب الشرقية. 
كما أن تفاصيل المكان الجغرافية تساعد المقاومين على الصمود، فيما تزيد من صعوبة الموقف بالنسبة إلى المهاجمين. فوجود البساتين الواسعة يسهّل عمليات الكر والفر، كما أن المساحة الواسعة تحدّ بشكل كبير من أثر الضربات الجوية، على خلاف المباني العالية والمتقاربة في أحياء حلب وحمص. 
ومن الناحية السكانية، فإنّ تنفيذ عملية تهجير منظّمة لنحو 350 ألف شخص، أي أكثر من 10 أضعاف من تم تهجيرهم من حلب الشرقية، سيكون أمراً بالغ الصعوبة. أما في حالة خروج الفصائل المسلحة من الغوطة مع بقاء المدنيين وفقاً لبنود مصالحة يتم الاتفاق عليها، فإن التداخل الاجتماعي بين المقاتلين والأهالي سيدفع الكثير منهم للخروج مع المقاتلين، بما سيحوّل عملية التهجير إلى عملية تفوق في حجمها تلك التي جرت في حلب. 
السيناريو الثاني: الهجوم المضاد
في هذا السيناريو يدفع الضغط العسكري المتزايد فصائل الغوطة إلى شن هجوم باتجاه دمشق، باعتبار أن المعركة هي معركة وجود بالنسبة إليهم.
ويتوقف نجاح هذا السيناريو على قدرة الفصائل على تجاوز خلافاتها والتنسيق فيما بينها، والتحرك في أكثر من نقطة بشكل متزامن، وقدرتها على إحداث ثغرة في خطوط الحماية، حيث سيكون مرجحاً تجاوب الحاضنة الشعبية داخل الغوطة بشكل إيجابي وفعال مع هذا التحرك ودعمه بشدة، مهما كانت فاتورة الدم، وسيجذب هذا التحرك العسكري كل من هو قادر على حمل السلاح في الغوطة للمشاركة في المعارك، مما سيشكل دفعة معنوية كبيرة لكافة مناطق المعارضة خارج الغوطة، وستدفع الفصائل في تلك المناطق -لو بالإحراج- إلى تحريك جبهاتها مع النظام. كما يتسبب الهجوم على دمشق بتوهين نفسي كبير جداً لحاضنة النظام الشعبية.
كما يمتلك الهجوم على دمشق ميزة عسكرية مهمة، لكونه يعطّل قدرة الطيران الحربي على المساندة، نظراً لأن المعارك ستتحول مباشرة إلى حرب شوارع، كما أن الآليات العسكرية الثقيلة لن تتمكن من الحركة بسهولة في شوارع ضيقة، فضلاً عن الكثافة السكانية المرتفعة في كل الأحياء الملاصقة للغوطة. 
ويمتلك هذا السيناريو احتمالاً منخفضاً، نظراً لشدة تحصينات النظام في المداخل المتاخمة لدمشق، لكنه سبق لتلك الفصائل أن تمكنت بشكل منفرد من اختراق تلك الدفاعات والوصول إلى نقاط متقدمة أكانت من جهة جوبر أو الدخانية أو حرستا، لكنها لم تتمكن من المحافظة على ما تحققه من تقدّم في كل مرة. 
السيناريو الثالث: اتفاق ينهي التصعيد
يعمل عدد من الأطراف الدولية والإقليمية للبحث عن تسوية فيما يتعلق بملف الغوطة، الذي أصبح متعدد الرعاة، على خلاف ملف الشمال أو الجنوب. 
وتدرك الأطراف الداعمة للنظام، خاصة إيران، أن قدرتها على حسم ملف الغوطة عسكرياً قدرة محدودة، لكنها تسعى إلى تحسين شروط الاتفاق الذي يجري البحث في تفاصيله. 
ويحاول كل الأطراف في هذا السيناريو، بما فيها الفصائل المعارضة والنظام، الاستفادة من عامل الزمن قدر الإمكان، إذ يسعى المدافعون للصمود أطول فترة ممكنة، بما يساعدهم على الاحتفاظ بمكتسباتهم الحالية على الأقل، فيما يسعى المهاجمون إلى الضغط بأكبر شكل ممكن قبل التوصل إلى أي اتفاق. 
ويمكن أن يتحقق هذا السيناريو على أحد شكلين: 
1- هدنة مؤقتة لمدة شهر، بما يمنح الأطراف الدولية والإقليمية فرصة أطول للتوصل إلى اتفاق يراعي أكبر قدر ممكن من مصالح هذه الأطراف.  
2- هدنة طويلة، لستة أشهر على الأقل، تشبه في مضمونها العام الاتفاقات التي وقّعتها فصائل جيش الإسلام وفيلق الرحمن بشكل منفرد مع روسيا منتصف عام 2017، وسرى مفعولها مدة ستة أشهر. 
 
الخاتمة 
رغم شراسة الحملة العسكرية التي يشنّها النظام السوري، وبدعم من حلفائه الأجانب، خاصة إيران على الغوطة الشرقية منذ بداية شهر شباط/ فبراير، فإنّ من غير المتوقع أن يتمكّن من حسم المعركة لصالحه على غرار ما فعله في مدينة داريا أو في أحياء حلب الشرقية. 
ويبدو أن المهاجمين والمدافعين عن الغوطة يدركون أن النهاية سوف تكون بتدخل من الأطراف الدولية والإقليمية، يُساعد في التوصل إلى اتفاق جديد لخفض التصعيد في الغوطة، على غرار بقية المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة. 
لكن استهداف الغوطة الحالي هو انعكاس أيضاً للصراع بين الفاعلين الإقليميين والدوليين على الملف السوري. ومن ثم فإنّ من المتوقع أن تحسم المعركة صراع الفاعلين الإقليميين على السيطرة في الغوطة، لا سيطرة الفاعلين المحليين على الأرض. 
الهوامش
1- تصعيد عسكري غير مسبوق على الغوطة الشرقية في شباط/ فبراير 2018 يحصد أرواح العشرات من المدنيين، تقرير لمركز "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، تاريخ النشر 22 شباط/ فبراير  2018، 
2- تصريح لافروف: تجربة تحرير حلب قابلة للتطبيق في الغوطة الشرقية،من تقرير عرض على قناة RT-arabic، تاريخ النشر 19 شباط/ فبراير 2018، 
3- بيان الحرب على الأطفال في سوريا: تقارير عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى بين أطفال الغوطة الشرقية ودمشق، المدير الإقليمي لليونيسيف لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خيرت كابالاري،تاريخ النشر 20 شباط/ فبراير 2018، 
4-  من خطاب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، تاريخ النشر 21 شباط/ فبراير 2018،
5- "بغض النظر عن الخلافات السياسية، ما يجري في الغوطة الشرقية هو جرائم ضد الإنسانية، وتبقى حماية المدنيين في هذه الحالة مسؤولية المجتمع الدولي التي لا يجوز أن يتملص منها"، تميم بن حمد ، تاريخ النشر 24 شباط/ فبراير 2018، 
6-  قرارات مجلس الأمن يكون لها معنى فقط إذا طبقت بشكل فعلي، ولهذا السبب أتوقع أن يُطبق القرار فوراً. من حساب الأمين العام للأمم المتحدة على تويتر، تاريخ النشر 26 شباط/ فبراير 2018، 
7- الدفاع الروسية: مسلحو الغوطة يخططون لهجمات باستخدام الغاز السام واتهام الجيش السوري، وكالة سبوتنيك الروسية، تاريخ النشر 25 شباط/ فبراير 2018،