التهريب من السجون.. استراتيجية أم تكتيك عند تنظيم الدولة
Sep 11, 2020 2887

التهريب من السجون.. استراتيجية أم تكتيك عند تنظيم الدولة

Font Size

"التهريب من السجون"
استراتيجية أم تكتيك عند تنظيم الدولة

عرابي عبد الحي عرابي

مطلع شهر آب/أغسطس قام تنظيم الدولة في أفغانستان بهجوم مركّزٍ على السجن المركزي في مدينة جلال أباد بولاية ننغرهار شرقي البلاد أدّى إلى مقتل قرابة 30 عنصرًا من حراسة السجن وإصابة 50 عنصرًا آخرين –بحسب الإعلام الرسمي- بينما أكّد التنظيم أن عدد القتلى تجاوز 100 قتيل وعشرات الجرحى، على الرغم من أن الهجوم بحسب الإعلام الأفغاني الرسمي تمّ عبر 30 انغماسيًّا، فيما أكد التنظيم أن الهجوم نفّذته مجموعة تتكوّن من أحد عشر انغماسيًّا، لم ينجُ منهم سوى اثنان. 
لم يكن الهجوم ذاته متوقّعًا، إلا أنه شكّل ضربةً لدعاية الإعلام الأفغاني الذي يتحدّث باستمرارٍ عن قضائه على تنظيم الدولة، ومحوِ قدراته –بحسب تعبير الرئيس الأفغاني أشرف غني- إلا أن أبرز نتائج الهجوم كانت تحرير نحو 300 عنصر من عناصر تنظيم الدولة جُلّهم ممّن اعتقِل أواخر عام 2019، ومطلع عام 2020، كما أنه ليس من الغريب أن يكون الهجوم مركّزًا وعنيفًا؛ حيث استخدِمت سيارة مفخخة تحمل قرابة طن من المتفجرات لنسف البوابة الأماميّة للسجن المحصّن. 

دلالة الحدَث؟ 
على الرغم من أن الواقعة تحمل رسائل واضحة للتحالف الرئاسيّ في أفغانستان تفيد بتصاعد قوة التنظيم واستطاعته تحرير عناصر معتقلة له، كما تحمل رسائل موجّهة لحركة طالبان التي انخرطت في العملية التفاوضيّة مع الولايات المتحدة، وتعمل على استخراج معتقليها من سجون الحكومة من خلال الضغط الأمريكي، ليؤكّد رفضه لهذا الأسلوب وتفضيله أسلوب الإفراج بالقوة أو الإكراه فما يفرج عنه بقوة السلاح ليس كمن يفرج عنه بطلب أمريكي. 

استراتيجية أم تكتيك؟ 
بعيدًا عن الوقوف المطوّل في جزئيات هذه الواقعة، لا بدّ من رؤية أفكار التنظيم في هذه القضية عبر نافذة أكثر شمولية.
في العدد 246 من جريدة النبأ الأسبوعية التي يصدرها ديوان الإعلام المركزي في التنظيم، نلاحظ تخصيص التنظيم لمقالين مطوّلين أحدهما مخصّص لوصف مجريات تهريب سجناء سجن جلال أباد، في حين أن الثاني يوضّح استراتيجيّة التنظيم في العمل على استخلاص المعتقلين من صفوفه لدى خصومه؛ حيث هناك أساليب كثيرة يمكن اتباعها، أولها الهجوم المباشر، وآخرها المال والرشوة، هكذا يريد التنظيم أن يوصل رسالته!
إن استراتيجية التنظيم الشهيرة بـ "هدم الأسوار" ممتدّة منذ بدء تأسيس الزرقاوي في العراق لجماعته الجهادية، حيث كانت العملية الأولى بقيادة "عمر جمعة" المعروف باسم أبي أنس الشامي، فحاول السيطرة على سجن أبي غريب وإطلاق سراح الجهاديين المعتقلين فيه في شهر أيلول/سبتمبر 2004، مرورًا بنجاح المحاولة الثانية عام 2013 حيث استطاع التنظيم اقتحام سجني أبو غريب والحوت وإطلاق سراح نحو 600 عنصر توجّه أغلبهم لمساندة التنظيم في سورية. 
أُعلِن عن استراتيجية "هدم الأسوار" مطلع 2012 إلا أن التنظيم في هذه الأثناء استمر بهجماته الاستنزافية الاعتيادية إلى تموز/يوليو 2013، وقد كانت نتيجة تحرير الأسرى انضمام قيادات وخبرات قويّة لصفوفه، مشكّلين بذلك دعامة أساسيّة في عمليّات التنظيم الكبيرة وهيكلته في كلٍّ من سوريّة والعراق. 
تحتل استراتيجية "تحرير الأسرى" ركنًا أساسيًّا في أدبيات التنظيم، فلا يكاد خطابٌ من خطابات قيادييه وناطقيه الإعلاميّين يخلو من الإشارة إلى وجوب "تحرير الأسرى" والوعد بتحقيق ذلك، كما يلاحَظ أن التركيز على هذه النقطة قد تصاعد في خطابات أبي بكر البغدادي بعد السيطرة على آخر معاقل التنظيم في سوريّة مطلع عام 2019 إضافة إلى التركيز على هذه النقطة في خطابات الناطق الجديد باسم التنظيم -أبو حمزة القرشي- حيث قدّم وعودًا ونصائح -في خطاباته الثلاث- تتمحور حول هذه القضية. 
يؤكّد التنظيم أن الأولوية والاستراتيجية هي لتحرير الأسرى بقوة السلاح إلا أن أساليب أخرى يتبعها التنظيم، كاستبدال الرهائن، خاصة أولئك الذين لهم قيمة عالية أمنيًّا أو حكوميًّا أو عشائريًّا، إضافة إلى دفع الأموال للفاسدين من الأجهزة الأمنية أو قسد لتهريب السجناء واللاجئين أو لتحسين أوضاعهم ومعاملتهم في السجون أو المخيمات، كما يركّز التنظيم كذلك على اغتيال الشخصيات التي تعمل في السجون، بهدف ترويع السلك الأمني، ومنعهم من الاستمرار في تعذيب معتقلي التنظيم ودفع بقية العاملين في السجون لتحسين معاملتهم(1)

في قلب الاستراتيجية "سورية والعراق"
على الرغم من أهمية تحرير أسرى التنظيم في دول أخرى كأفغانستان أو نيجيريا، إلا أنها تبقى دول هامشٍ/أجنحةٍ للتنظيم، في حين أن العراق وسوريّة تمثلان قلب الثقل الجغرافي والتنظيمي للتنظيم، كما أن العراق يحتجز قرابة 12 ألف عنصر من التنظيم موزّعين على سجون مختلفة في بغداد ونينوى وديالى وصلاح الدين، في حين أن قسد تحتجز ما بين 10 آلاف –إلى 14 ألف عنصر خمسة آلاف منهم في سجن غويران في الحسكة –معظمهم أجانب-،
 بينما يتوزّع البقية على سجون بدائية وقليلة في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة السوريّة. 
واقع التدابير الأمنيّة الضعيفة –مبدئيًّا- يغري التنظيم بالهجوم على السجون التي تضم عناصره في مناطق قسد، إلا أن موانع مباشرة تشكّل عائقًا من اتخاذ هذه الخطوة حاليًّا، أهمّها: عدم امتلاك التنظيم لسيطرة جغرافية ممتدة تمكّن عناصره المحرّرين من الاستقرار فيها، إضافة إلى ضعف إمكاناته المادّية، وانخفاض مستوى التأييد الشعبي له في مختلف مناطق سورية والعراق. 
بناءً على ذلك فإن التنظيم يعمل في سورية والعراق على استمرار استنزاف الخصوم وتأمين مناطق معزولة ومستقرّة بعيدًا عن سيطرة الحكومة وقسد، لتكون الخطوة التالية الهجوم على إحدى السجون المكتظّة بعناصره وتحريرهم، ودفعهم للاستقرار مجدّدًا في أرضه أو ابتعاث بعضهم إلى دول مختلفة في الإقليم لتكوين شبكاتٍ جهادية متجدّدة وخلايا نائمة. 
من المؤكّد أن تحقيق هذا الأمر لا يبدو قريبًا، إلا أنّه من المتاح لعناصر التنظيم أنفسهم أن يقوموا بخططهم الذاتية للهروب، وهو ما وقعَ عدة مرات في العام الحالي، حيث شهد سجن غويران وسجن آخر في دير الزور عدة حالات استعصاء من قبل عناصر التنظيم، أدّت إلى هروب بعضهم ليلة 31 من آذار/مارس 2020 في سجن غويران.
باستطاعة التنظيم تحرير عناصره في سورية فإنه يضمن عدة أمور في غاية الأهمية، لعلّ أهمها رفد كوادره بعناصر مؤدلجة ومدرّبة سابقًا، وبالتالي ازدياد تصعيد عمليّاته في المناطق التي تنتشر خلاياه فيها، والانطلاق منها إلى مرحلة أعقدَ في الاستهداف والتنفيذ والانتشار. 
إضافة إلى ذلك فإن تنفيذ "وعد التحرير" و"هدم الأسوار" سيزيد من الرصيد الدعائيّ للتنظيم في المنطقة والعالم، وسيعيد إلى الأذهان قدراته في إقلاق شتى الدول التي تحاربه بأساليب بسيطة، مما سيزيد من تعقيد المشهد وذهاب الاستقرار في المنطقة، وظهور هوامش جديدة لتحرّك الجهاديين من خلالها. 

لماذا الآن؟ 
تدرك قسد تركيز تنظيم الدولة على السجون ومعسكرات الاعتقال في المناطق التي تسيطر عليها، ولذا فإنها لا تريد خسارة ما بنته ووصلت إليه بضربة قويّة في خاصرتها الأمنيّة، ولذا فإننا نرى -على خطٍّ موازٍ- أن قسد تزيد من إجراءاتها الاحترازية حول المخيّمات والسجون التي تديرها، فتحفر الخنادق، وتزيد من عناصر الحراسة، وتتعاون مع التحالف الدولي في تعزيز الأمن التقني عبر تركيب آلات تصوير حرارية على حدود هذه المخيمات والسجون.
بمتابعة مسيرة الجماعات الجهادية فإنه يلاحظ امتلاكها لاستراتيجية استغلال الهوامش البسيطة المتاحة لها، لاتخاذ خطوات تصعيدية تزيد من تعقيد المشهد، كافتعال أزمات أمنية أو استغلال الأزمات السياسية، ونلاحظ في هذا الإطار تصاعد عمليات تنظيم الدولة ضد قوات قسد منذ بدء انتشار وباء كورونا واتخاذ إجراءات مشددة سعيًا لتخفيف انتشاره. 
من المؤكّد أن العمليّة العنيفة التي قام بها التنظيم في جلال أباد نموذجٌ مصغّر لما يمكن فعله في سورية، إذا ما أتيحت الظروف المناسبة لتنفيذ مثل هذه العملية، وهو ما يتعزز بملاحَظة تصاعد نبرة الثقة في خطاب التنظيم -عبر إعلامه الرسمي- بقرب الخروج من السجون، بالتوازي مع سعيه الحثيث لتهريب ما يمكن تهريبه من نسوة التنظيم المحتجزات في مخيّمات الاعتقال كمخيم الهول.  

 

الهوامش:

1-   وقعت ثلاث حالات –على الأقل- لاغتيال شخصيات تعمل في سجون قسد عام 2020

 

جميع المقالات والاوراق التي تنشر في قسم آراء تعبر عن رأي كتابها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر المركز.