إجراءات عملية يُمكن أن تخفّف معاناة سورية من الأسد
Sep 05, 2023 2489

إجراءات عملية يُمكن أن تخفّف معاناة سورية من الأسد

Font Size


نشر موقع "جيروزاليم بوست" مقال رأي بقلم مراسل الموقع في الشرق الأوسط المتخصص في القضايا الأوراسية، تحدّث فيه عن الحلّ الذي يمكن أن يخلّص السوريين من معاناتهم، عَبْر مطالب حركة العاشر من آب التي أطلقت بياناً خلال الاحتجاجات الأخيرة في مناطق مختلفة من سورية، خاصة في السويداء؛ حيث يؤكد الكاتب أن الخلاص لن يكون إلا من خلال تحقيق تلك المطالب ومطالب المحتجين في الساحات الداعية لرحيل بشار الأسد ونظامه. 

شهد الأسبوعان الأخيران من آب/ أغسطس احتجاجات شعبية مناهضة للنظام السوري جنوب البلاد، بما في ذلك إضراب العديد من المتاجر التي كانت تتظاهر ضد الزيادات المستمرة في أسعار السلع الأساسية. بدأت المظاهرات الحاشدة كمطالب واسعة النطاق بالإصلاح الاقتصادي، وسرعان ما تحولت إلى دعوات لإسقاط بشار الأسد والإطاحة بنظامه. 

وفي 28 آب/ أغسطس، تجمع المتظاهرون في مدينة السويداء جنوبي البلاد، وهي موطن لأغلبية الأقلية الدرزية؛ حيث أظهر مقطع فيديو نشره موقع "السويداء 24"، وهو موقع إخباري وإعلامي، عدة مئات من الأشخاص مجتمعين في ساحة مركزية يلوحون بالأعلام الدرزية ويرددون شعارات مثل "يسقط بشار الأسد". 

اندلعت الاحتجاجات بسبب قرار النظام في 16 آب/ أغسطس بخفض دعم الوقود، لكن العامل الأساسي والرئيسي الذي تسبّب بهذه الموجة من الاحتجاجات كان الانخفاض المستمر في قيمة الليرة السورية وهو الأمر الذي فرض عبئاً مالياً متزايداً على ميزانيات العائلات في البلاد. 

لقد شهدت الليرة السورية تراجُعاً طَوال فصل الصيف، لتصل إلى سلسلة من أدنى مستوياتها التاريخية كما سجلت في آخِر انخفاض خسارة تُقدَّر بثلاثة أضعاف قيمتها مُقارنةً بسعرها أواخر عام 2022، حيث تحولت في السوق السوداء -وهي دائماً أكثر من السعر الرسمي- إلى سعر 15 ألفاً مقابل الدولار الواحد. علماً أنّ سعر صرف الدولار كان في آذار/ مارس 2011، بعد بَدْء الاحتجاجات في سورية 47 ليرة. 

تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن ما لا يقل عن 90% من السوريين يعيشون في فقر تامّ، وأن أكثر من 60% من السكان يكافحون من أجل تأمين احتياجاتهم الغذائية اليومية الأساسية، ومع فرض العقوبات الدولية على النظام بسبب سياساته القمعية، وفرض العقوبات على حقول النفط الرئيسية في البلاد، والتي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، يتعرض جميع السكان لانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر وطويل الأمد، مما أسهم بوضوح في تفاقُم مستويات الإحباط لدى السوريين. 

ومعلوم أنّه طوال فترة الاضطرابات السياسية والمواجهات العسكرية والكوارث الإنسانية التي شهدها العَقْد الماضي، كان رئيس النظام بشار الأسد يتلقى دعماً ثابتاً وتأييداً من مناطق معينة في سورية، كالمنطقة الساحلية معقل الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد نفسه، لكن حالياً بدأت المعارضة تنتشر هناك أيضاً، وفي تحدٍّ نادر، أغلق المتظاهرون العلويون مؤخراً فروعاً لحزب البعث، وطردوا مسؤولين حكوميين، ومزقوا ملصقات تحمل صور الأسد. 

رغم تدهور الوضع بشكل واضح، تشير تقارير وسائل الإعلام إلى أن قوات الأمن التابعة للنظام أصدرت تعليمات بالبقاء بعيداً عن الاشتباك مع المواطنين، في حين لم يُصدر النظام حتى الآن أيّ بيانات رسمية حول الاحتجاجات المتزايدة، ويبدو أن أحد التفسيرات هو أن الأسد -من أجل تجنُّب الإضرار بعودته الأخيرة إلى جامعة الدول العربية- ربما يمارس سياسة ضبط النفس على نحو غير معهود. لا شكّ أنه كان يفكر بأنه طُرد عام 2011 من الجامعة العربية بسبب العنف الذي أظهره أثناء قمع احتجاجات الربيع العربي المناهضة للنظام، وعلى ما يبدو أنه لا يريد تكرار ذات السيناريو الآن. 

كذلك يبدو أنه يعتقد أن قبضته على السلطة لن تتزعزع، بدعم من إيران وروسيا والجامعة العربية، وأنه قادر على تجاوُز عاصفة الاحتجاج هذه، إلا أن سيولة الوضع يمكن أن تفاجئ الأسد بتطوُّرات غير مُتوقَّعة. 

في 28 آب/ أغسطس، أفاد موقع العربي الجديد بأن جماعة معارضة جديدة تُطلق على نفسها اسم حركة 10 آب قد انطلقت في سورية وأن العديد من مؤسسيها ومؤيديها ينتمون إلى الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الأسد، وبينما تعلن الحركة أنها تدعم المقاومة السلمية وغير الطائفية، فإنها تدعو مع ذلك إلى الإطاحة بالنظام. 

نوع جديد من المعارضة السورية 

ويؤكد الجسم الجديد من المعارضة، الذي يقول إن لديه الآلاف من الأعضاء داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، أنه نوع جديد من المعارضة السورية، بعد أن تعلموا من الأحداث العنيفة التي أعقبت الانتفاضة السورية عام 2011، ويتذكرون أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية ضد مجموعات من السوريين المعارضين بشدة للحكومة كنوع من دفاعه عن وجوده، إضافة إلى القتل والاستهداف المروّع للمدنيين الأبرياء. 

ورغم أن حركة 10 آب ما تزال في بداياتها، إلا أنها وضعت خطة منظمة لتحقيق هدفها الثوري حيث يقول مُؤسِّسوها إنه في أقل من شهر انتشر الحراك الثوري في جميع أنحاء سورية، ليشمل مجموعة واسعة من الطوائف والأعراق، وتقول الحركة إن لديها “خلية” في كل مدينة في أراضي النظام. وذكرت صحيفة العربي الجديد أن الحركة بدأت تشقّ طريقها بين الجيش وأجهزة الأمن في البلاد أيضاً، ويزعم الموقع أيضاً أن أعضاء من مختلف الفروع الأمنية، يشعرون بالإحباط من الوضع الاقتصادي والسياسي، ويتواصلون مع الحركة لتقديم دعمهم. 

وللجسم المُعارِض الجديد صِلات مع ما لا يقل عن 5 جماعات معارضة سرية أخرى في جميع أنحاء سورية، وكذلك سيتعين عليها التصدي للأجهزة الأمنية الضخمة التي تدعم النظام حيث يتم اعتقال السوريين بانتظام بسبب نشرهم على وسائل التواصل الاجتماعي شعارات مُعارِضة للنظام أو التعبير عن آراء مناهضة للحكومة. 

لم يعترف النظام علناً بوجود حركة 10 آب، وفي 21 آب/ أغسطس، أفادت صحيفة "عنب بلدي"، وهي وسيلة إعلام محلية معارضة، عن موجة من الاعتقالات في اللاذقية ومناطق أخرى كانت تُعتبر موالية للنظام استهدفت أعضاء الحركة. 

ولقد رافق إطلاقَ الحركة بيانٌ يطالب، من بين أمور أخرى، بأن تقوم حكومة النظام برفع الحد الأدنى للأجور إلى 100 دولار شهرياً على الأقل، وتوفير الكهرباء لمدة 20 ساعة على الأقل يومياً (المعدل الحالي هو 3 ساعات في معظم المناطق)، وإطلاق سراح حوالَيْ 136 ألف سجين سياسي. 

في الحقيقة هذه إجراءات عملية يمكن أن تخفف من الصعوبات التي يعاني منها حالياً أولئك الذين يعيشون في مناطق النظام. لكن الحركة لها هدف أكثر جوهريةً بكثير، أَلَا وهو مستقبل مفعم بالأمل لجميع السوريين، وبالنظر إلى دروس التاريخ والفوضى التي ألحقها الأسد بالبلاد، تخلص حركة 10 آب إلى أن ذلك لا يمكن تحقيقه إلا من خلال المطالبة بإسقاط الأسد ونظامه. 

ترجمة: عبد الحميد فحام 

المصدر: (جيروزاليم بوست)