تضخيم البعث ماذا يريد بشار الأسد؟
نوفمبر 22, 2024 1128

تضخيم البعث ماذا يريد بشار الأسد؟

حجم الخط

يسعى رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى تضخيم دور حزب البعث وإنعاشه؛ عَبْر إعادة دور قيادته المركزية الذي فقدته بعد عام 2011؛ حيث وسَّع بشكل غير مسبوق منذ نشأة البعث كتلته النيابية في الدور الرابع لمجلس الشعب عام 2024، إضافة إلى إعادة هيكلة مكاتبه لتُشرف على عمل الحكومة والنقابات عَبْر المكتب الاقتصادي ومكتب النقابات الشعبية. 

قامت القيادة المركزية للحزب في تموز/ يوليو 2024 بعزل نقيب المهندسين الزراعيين عبد الكافي خلف وتعيين علي سعادات بديلاً عنه، في انتهاك للقوانين المعمول بها، لتكرر هذا الانتهاك في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر بإصدار القرار رقم 265/30 القاضي بتسمية حيدر حكمت فرداوي نقيباً عاماً لمحامي سورية، وأسامة أبو الفضل نائباً لنقيب المحامين، ورنا محمد عوني المدني أمينة للسر بنقابة المحامين السوريين المركزية، مستبقة اجتماع مجلس النقابة المناط به هذه المهمة، مما اضطر المجلس لاحقاً للإعلان عن إجراء انتخابات وفوز مَن سمّاهم الحزب. 

يريد النظام إعادة دور حزب البعث كذراع السلطة السياسي المتحكم بالحياة السياسية والنقابية، والتأكيد بأنّ الحزب كان –وسيبقى- قائداً للدولة والمجتمع؛ فما زال يتحكم بمجلس الشعب عَبْر 169 عضواً، وتَحضُر القيادة المركزية مؤتمرات النقابات وتدير مؤتمراتها بعد أن يبدأ المؤتمر أو الاجتماع بترديد شعار الحزب، وكأن تلك المؤتمرات اجتماعات حزبية. 

إن قرارات قيادة البعث الأخيرة وإنفاذها بحق النقابات تُعتبر مخالفةً للدستور والقوانين؛ حيث يريد النظام إيصال رسالة بأن الدستور عُدّل شكلاً، لكن بقي مضمونه فعّالاً من خلال القانون رقم 53 لعام 1979، الذي ما زال ساري المفعول ولم يبطل، ويُنفّذ المادة رقم 8 من دستور 1973 ويُنظّم قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، ويُشرف على جميع المنظمات الشعبية والنقابات المهنية والجمعيات. كما أن المادة رقم 4 والمادة رقم 34 من القانون 30 لعام 2010 من قانون تنظيم مهنة المحاماة فرضتَا على نقابة المحامين التنسيقَ مع القيادة المركزية للحزب. 

عادةً ما يُدير النظام الحياة النقابية عَبْر توجيهات حزب البعث لعناصره في مجالس قيادة تلك النقابات التي تتبعه بحكم الأمر الواقع؛ كون أغلب أعضائها وصلوا عَبْر قوائمه، كما حدث عندما قرّرت قيادة الحزب معاقبة 19 عضواً معظمهم أعضاء بالنقابات ومنهم نقيب الفنانين غازي محسن ونقيب المهندسين غياث قطيني، لترشُّحهم لعضوية مجلس الشعب دون انتظار الاستئناس الحزبي، وتلت العقوبة قيام مجلس نقابتَي الفنانين والمهندسين بعزل نقيبيهما. بالمقابل، تَدخّل الحزب هذه المرة مباشرة بتعيين نقيب المحامين ونوابه، في حالة تصعيد ومعاقبة للمحامين الذين شنوا حملة مناهضة لقرارات النظام بطرح مشروع قانون جديد، يتضمن تعدياً سافراً على صناديق النقابة وضمّ محامي مجلس الدولة إليها. 

ستشكل قرارات تدخُّل حزب البعث بالحياة النقابية تحدياً كبيراً أمام القانونيين والمطالبين باستقلال النقابات والالتزام بالدستور والقوانين؛ حيث إنّ هذه القرارات تنتهك المادة 10 من دستور عام 2012 التي تمنح المنظمات الشعبية والنقابات المهنية استقلالية وشخصية اعتبارية مستقلة، وتنتهك القوانين التي منحت سلطة اختيار النقباء ونوابهم لمجالس النقابات ومؤتمراتها. 

أخيراً إنّ تسلُّط البعث على الحياة النقابية يهدف إلى إضعاف النقابات وقطع الطريق على أيّ محاولة مستقبلاً لتفعيل دورها أو الاستفادة منها في الحلّ السياسي، في مُوازاةٍ لتسلُّطه على شركائه في الجبهة الوطنية التقدمية؛ حيث ضخم عدد نوابه على حساب أحزابها في دورات مجلس الشعب بعد عام 2012. إنّ تضخيم النظام لدور البعث يبدو بهدف تحقيق مزيد من السيطرة والتحكم، ليكون قادراً في المستقبل على التضحية بهذه الأدوار وليس سلطات القصر والرئاسة في حال فُرض عليه دولياً حلّ يتضمن تفعيل الحياة السياسية والنقابية وإشراك الأحزاب والمجتمع المدني فيه.