إنعاش حزب البعث.. لماذا يسعى بشار الأسد لتفعيل دوره؟
سبتمبر 03, 2024 1820

إنعاش حزب البعث.. لماذا يسعى بشار الأسد لتفعيل دوره؟

حجم الخط


في 28 آب/ أغسطس 2024 ترأس بشار الأسد اجتماعاً للقيادة المركزية للحزب، وهو الاجتماع الثاني المعلَن بعد انتخابات القيادة المركزية الجديدة في نيسان/ إبريل، وبعد انتخابات مجلس الشعب في تموز/ يوليو، وعقب خطابه المطوَّل أمام المجلس، الذي حضره أعضاء القيادة في 25 آب/ أغسطس؛ حيث يعمل بوضوح على تفعيل منظومة الحزب وتصديره مجدداً للداخل والخارج بأنّه ما زال مسيطِراً على الحياة السياسية ومحقِّقاً للأغلبية التي تُمكّنه من قيادة البلاد. 

ليس من عادة النظام السوري أن يُظهر اجتماعاته مع قياداته إلا في حال رغبته توجيه رسائل مباشرة لجمهوره، ففي السابق غالباً ما كان يستدعي قياداته للقصر ويُقدّم التوجيهات لهم، ويبدو ذلك في سياق ترتيب الأسد لمنظومة الحزب استعداداً للاستحقاقات القادمة، وقد أقرّ الاجتماع عدداً من القرارات، تظهر من الناحية الشكلية أنّها إعادة حَوْكَمة للمنظومة الحزبية، ومن الناحية الفعلية يبدو أنّها تريد أن تنتهي إلى تهيئة الحياة السياسية لتعديلات دستورية يُخطط لها الأسد بعد استثمار الظروف الخارجية لرفع الحظر عن استمراره في الحكم، وهذه القرارات: وضع نظام داخلي للجنة المركزية، يتضمّن تحديد دورها ومهامها وعلاقتها بالقيادة المركزية وبكافة البنى الحزبية، وتبني كتلة الحزب في مجلس الشعب دوراً في تعديل النظام الداخلي للمجلس خلال الفترة القادمة، ووضع نظام مالي للحزب يضمن السيطرة والمسؤولية المالية لموارده وميزانيته. 

يريد الأسد أن يُظهِر امتلاكه برنامجَ عملٍ جديداً خاصاً بالشأن السياسي والحزبي، فضلاً عن رغبته بتقديم دَفْعة لقيادته الجديدة التي تعمل على إنعاش الحزب ليعود إلى أداء دوره السياسي السابق بحمل الواجهة السياسية للنظام، حيث أقر الاجتماع وضع نظام داخلي لِلَّجنة المركزية التي تضم 94 قياديّاً فازوا بانتخابات الحزب الموسَّعة ليرسم لها مهامّ رسمية جديدة. 

كما يريد الأسد من توجيه كتلة الحزب في مجلس الشعب نحو تعديل النظام الداخلي للمجلس تنشيط  أدائه؛ حيث اعتبر تعديل نظام المجلس هدفاً بحدّ ذاته بمجمَل خطاباته الأخيرة. وكأنّ المشكلة السياسية في سورية بالنصوص القانونية وليست بطريقة الحكم وسلوك الأجهزة والسلطات. كذلك يريد الأسد من توجيه الحزب لاعتماد نظام مالي جديد يضبط موارده الكبيرة إظهار مدى قدرته على السيطرة وحجمها، وذلك بعد تسريبات الفضائح والتجاوزات المالية للقيادة المركزية السابقة، والتي اضطرت القيادةَ الجديدةَ لإصدار بيان في 2 آب/ أغسطس الجاري، وهذه المرّة الأولى التي يعترف فيها الأسد بالفساد المالي داخل الحزب الحاكم لأكثر من 60 عاماً. 

يعمل الأسد على إعادة ترتيب سلطات النظام وتحقيق التوازن بينها، ومخاطبة كوادر الحزب لإعادة تفعيل دورهم من جديد ضِمن استعراض وتسويق لعودة الحياة السياسية؛ حيث طلب من طاقم السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية إلى الدول الأخرى في اجتماعاتهم الدورية في آب/ أغسطس الترويج بأنّ النظام استعاد توازُنه، واستطاع ترتيب بيته الداخلي، وأطلق مشاريعه لتحديث بِنْيته الإدارية، وينتظر مساعدات إعادة الإعمار بعيداً عن الانتقال السياسي وعودة اللاجئين، وأن فرص الاستثمار في سورية مرتفعة. في الواقع تدفع هذه التحضيرات سلطات النظام وكوادره السياسية لإعداد جملة قوانين جديدة يعزز بها الأسد من مراكز أعضاء مجلس الشعب ومكتسباتهم المادية؛ لتهيئتهم لدور إضافي يرغب أن يقوموا به في السنوات القادمة. 

مع عودة النظام للجامعة العربية، ومضيّ التطبيع العربي معه، واحتمال نجاح التطبيع التركي معه، وأمل النظام في إعادة تقييم سياسة الاتحاد الأوروبي تجاهه على أساس "لاورقة" الدول الثماني، وانتظاره مكافأة إعادة التأهيل نتيجة مواقفه بعد حرب غزة، ومع إقراره حزمة قرارات يُصدّرها كإصلاحات، خصوصاً إعادة تعريف علاقة الحزب بالسلطة، التي قد يدرجها تحت عنوان "تعديل النظام السياسي" في البلاد، فإن ذلك قد يدفع الأسد مبكّراً لتعديل دستور 2012، لتعجيل الحصول على المكاسب المَرْجوَّة منه. 

في الواقع لن يُفوّت الأسد فرصة تمرير التعديل الدستوري عَبْر اللجنة الدستورية المشكَّلة برعاية الأمم المتحدة وَفْق القرار 2254 إنْ تعثّرت مساعيه في تقويض هذا المسار، وبالتالي اختزال العملية السياسية، وجميع القرارات الدولية بمجرّد إصلاح دستوري، لكنّه غالباً ما يُفضّل صياغة تعديل دستوري منفرد يُشرف عليه، ويُقدّمه للمجتمع الدولي كبديل عن القرارات الأممية، وأنه بذلك يكون قد استجاب للمطالبات الدولية المستمرة لتعديل سلوكه الداخلي والخارجي. 

أخيراً إنّ مزاعم الأسد من قرارات وإصلاحات تهدف إلى إظهار قدرته على إعادة البلاد إلى ما قبل عام 2011، وصولاً إلى صياغة تعديل دستوري للتخلّص من القيود التي وضعها في دستور عام 2012، الذي تنتهي بموجبه ولايته الرئاسية منتصف عام 2028؛ حيث لا تسمح المادة 88 لترشُّحه إلّا لولايتين فقط، وكان وَقْتَذاك محاولة منه للالتفاف على الحَراك عام 2011 حيث صوّره كاستجابة للمطالب الشعبية، وصدّره كنوع من الإصلاحات السياسية.