أوّل زيارة لرئيس إيراني إلى سورية منذ عام 2011: الدوافع والدلالات
مايو 04, 2023 3392

أوّل زيارة لرئيس إيراني إلى سورية منذ عام 2011: الدوافع والدلالات

حجم الخط


وصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إلى العاصمة دمشق الأربعاء 03 أيار/ مايو 2023، لتكون هي الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني بشكل رسمي إلى سورية منذ أكثر من 13 عاماً، حيث اكتفى رؤساء إيران قبل هذه الزيارة بتبادل الاتصالات الهاتفية مع بشار الأسد وإرسال الوفود الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية إلى دمشق، رغم الدعم الكامل للنظام. بالمقابل زار الأسد طهران عام 2019 ثم عام 2022.

كان من المقرّر عقد أوّل زيارة للرئيس الإيراني إلى دمشق نهاية 2022، ثم تم تأجيلها إلى مطلع عام 2023؛ وبعد ذلك تم التراخي في تحديد موعد الزيارة، بعد أن فرضت إيران نفسها على مسار التطبيع الذي ترعاه روسيا بين تركيا والنظام، وتحول المسار الثلاثي إلى مسار رباعي.

يُلاحظ أنّ زيارة رئيسي إلى العاصمة دمشق تتزامن مع انطلاق زخم جديد لمسار التطبيع العربي مع النظام بعد تحسن العلاقات السعودية الإيرانية؛ حيث برزت مبادرات جديدة للحل في سورية بعد اجتماعي جدّة وعمّان، والتي رغم تباينها فهي تعكس نسبياً موقف إيران من التسوية في البلاد، والذي لا يتطابق مع العملية السياسية المعطّلة في جنيف ولا مع قرارات الأمم المتحدة.

بمعنى آخر، تجد إيران في الزيارة فرصة مناسبة لدعم موقف النظام المتشدّد إزاء التعامل مع مبادرات الحل الجديدة. هذا ينطبق على جميع القضايا؛ فسياسياً، يعمل النظام على فرض المبادئ الوطنية على أي مضامين دستورية ويجعلها شرطاً لاستئناف أعمال اللجنة الدستورية، ويحرص على استمرار التفلّت من القرار 2254 (2015). وعسكريّاً، يشترط النظام على تركيا سحب قواتها بشكل كامل من سورية ورفع الدعم عن فصائل المعارضة المسلّحة.

سابقاً، لم تكن هناك قيمة أو جدوى سياسية فعلية لزيارة أي رئيس إيراني إلى دمشق، في ظل العزلة الدولية المفروضة على النظام، والتي تُقوّض أي جهود لتحويل النفوذ الذي حقّقته إيران إلى مكاسب حقيقية. بينما تأتي زيارة رئيسي إلى دمشق حالياً بالتزامن مع تراجع جزئي في تلك العزلة، دبلوماسياً على أقل تقدير، مع استمرار عمليات التطبيع التي انخرطت فيها معظم الدول العربية وتركيا وبعض الدول الأوروبية.

سبقت الزيارة إجراء وفد إيراني اقتصادي زيارة إلى دمشق وتم عقد مباحثات مع النظام تتعلّق بالديون والمستحقات والنقل البحري والاستثمار وغيرها من القضايا. بمعنى أنّ إيران تعمل على استكمال البيئة القانونية لنفوذها الاقتصادي في سورية، عبر توقيع مزيد من الاتفاقيات والحصول على تعهدات تضمن لها تحصيل المكاسب والتعويضات خلال مرحلة إعادة الإعمار والتعافي المبكّر، والتي تتوقّع إيران -على ما يبدو– أن تشهد دعماً قوياً خلال الفترة القادمة.

وبحكم حضور وزير الدفاع وشخصيات عسكرية في الوفد المرافق للرئيس الإيراني فإن هناك جانباً عسكرياً للزيارة يتمثل بعقد اتفاقيات تقوم على الاتفاقيات الموقعة سابقاً مع النظام؛ حيث تهدف طهران إلى زيادة نفوذها بالسيطرة على قرار المؤسسة العسكرية بما في ذلك مجالات التدريب والتسليح ومعالجة مسألة الميليشيات على غرار الحشد الشعبي في العراق، بشكل يضمن تأسيس جيش داخل جيش.

عموماً، تحمل زيارة رئيسي إلى سورية دلالات سياسية وعسكرية أكثر مما هي اقتصادية، فإيران تريد في ظل انشغال روسيا في الحرب الأوكرانية إيصال رسالة لكل الفاعلين الدوليين والإقليميين بما فيهم إسرائيل على غرار ما حملته زيارة أحمدي نجاد إلى دمشق عام 2010 والتي جاءت بعد انتهاء حرب غزة عام 2008 وحرب جنوب لبنان 2006.