ماذا وراء تواصُل بوتين مع الشرع؟
مارس 25, 2025 268

ماذا وراء تواصُل بوتين مع الشرع؟

حجم الخط

أعلن موقع الرئاسة الروسية بتاريخ 20 آذار/ مارس 2025 أن الرئيس فلاديمير بوتين بعث رسالة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، أعرب فيها عن دعمه للجهود المبذولة لاستقرار الوضع في البلاد في أسرع وقت ممكن من أجل ضمان سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، وأكّد استعداد روسيا المستمر لتطوير التعاون العملي مع السلطات السورية في كامل نطاق العلاقات الثنائية من أجل تعزيز العلاقات الودية التقليدية بين روسيا وسوريا.  

هذا هو التواصل الثاني المباشر بين الرئيسين؛ حيث أجرى بوتين اتصالاً هاتفياً مع الشرع بتاريخ 12 شباط/ فبراير 2025، تضمّن -وفق ما نشره موقع الرئاسة الروسية- سياقاً يتسق مع الرسالة الحالية التي أرسلها، مع الإشارة في الاتصال إلى أهمية تنفيذ مجموعة من التدابير الرامية إلى تحقيق تطبيع وطني مستدام، وتنشيط الحوار السوري الداخلي، بمشاركة القُوى السياسية والجماعات العِرْقية والدينية الرائدة.  

في غضون ذلك، استمر المسؤولون الروس في انتقاد الحكم الجديد في سوريا؛ حيث قال وزير الخارجية سيرغي لافروف في مقابلة بتاريخ 12 آذار/ مارس "المنتصرون والوحدة الوطنية أمر مختلف بعض الشيء، آمل أن تكون هناك وحدة وطنية في سوريا، لكن الوضع حتى الآن خطير للغاية". سبق ذلك بيوم، تصريح آخر للافروف عبّر فيه عن قلق موسكو حول ضمان السلام والأمن لجميع المجموعات السياسية والعِرْقية والدينية في سوريا، في إشارة إلى أحداث الساحل، وقال إنه التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني خلال زيارته إلى تركيا يومَيْ 23 و24 شباط/ فبراير، وتم التأكيد في اللقاء على سياسة تهدف إلى ضمان الوفاق الوطني والعمليات السياسية الشاملة، وأنه تم تقديم جميع الضمانات اللازمة من الجانب السوري.  

على أي حال، جاءت رسالة الرئيس الروسي بعد فشل روسيا في الحصول من مجلس الأمن على إدانة الحكومة السورية، وتحميلها مسؤولية أحداث الساحل، في الجلسة التي دعت إليها روسيا والولايات المتحدة بتاريخ 10 آذار/ مارس، والتي شنّ فيها مندوب روسيا الدائم نيبينزيا هجوماً شديداً على من وصفهما بـ "زعماء سوريا الجُدد"، وحذّر من صعود الجهاديين في سوريا، وقارن بين القتل الطائفي للعلويين والإبادة الجماعية في رواندا، وانتقد حل "الحكام الإسلاميين الجُدد" للجيش السوري، وسياسة خفض القوى العاملة في القطاع العامّ بشكل كبير، وحذّر من أن سيناريو العراق قد يتكرر مرة أخرى، وأن تحرُّكات الحكام الجدد خلقت "أساساً فاسداً" للانتقال السياسي، وأعرب عن قلق روسيا من أن المقاتلين "الإرهابيين" الأجانب يلعبون دوراً مدمراً.  

رغم ظهور تقارُب روسي أمريكي في جلسة مجلس الأمن لكن مع ظهور موقف أوروبي مخالف بقيادة دولتين دائمتَي العضوية فرنسا وبريطانيا، يبدو أنه ظهرت قناعة لدى روسيا بأن الملف السوري سيشهد استعصاء في إدانة الحكم الجديد، على غرار الاستعصاء الذي شهده الملف في الفترة التي منعت فيها روسيا إدانة نظام بشار الأسد.  

من جانب آخر، جاءت رسالة الرئيس الروسي بعد عقد مؤتمر بروكسل 9 للمانحين في 17 آذار/ مارس 2025 والذي تمت فيه لأول مرة دعوة الحكومة السورية لحضوره ممثَّلة بوزير الخارجية أسعد الشيباني، وأدان البيان الصحافي المشترك للرؤساء المشاركين الهجمات العنيفة التي شنّتها فلول النظام على قوات الأمن، كما دعم فيه الاتحاد الأوروبي الخُطوات التي قامت بها الحكومة السورية، والتي وصفتها رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون دير لاين بأنها خطواتٌ مُشجعة للغاية، واستشهدت بتوقيع الإعلان الدستوري، والاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ولتأكيد الدعم الأوروبي، ومع نهاية المؤتمر عمدت ألمانيا إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق بتاريخ 20 آذار/ مارس 2025 بحضور وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في زيارتها الثانية إلى سوريا بعد سقوط النظام.  

فيما يبدو أن روسيا لا تريد خسارة سوريا لصالح الاتحاد الأوروبي، وتكرار الموقف الحاصل في أوكرانيا، خصوصاً مع وجود أصوات أوروبية طالبت بإغلاق القواعد العسكرية الروسية، وأن سوريا يمكن أن تكون "معركة مؤجلة" مع الأوروبيين ريثما تنتهي روسيا من حل معضلة أوكرانيا.  

في الواقع، يُمكن وصف مواقف ورسائل روسيا من الحكم الجديد في سوريا بأنها متضاربة في الوقت الحالي الذي لم يتضح فيه بعدُ موقف روسي نهائي من الوضع في سوريا، أو أنها تسلك نهج الضغط للحصول على تنازُلات من الجانب السوري في ملفات عديدة مثل القواعد الروسية، والمقاتلين الأجانب، والمصالح والاستثمارات الاقتصادية، وعدم المطالبة بتسليم بشار الأسد، أو بتعويضات عن الخسائر التي لحقت بالبلاد بسبب التدخل العسكري الروسي.  

أخيراً، ليس مستبعَداً -رغم التضارُب في سياسات روسيا تجاه سوريا- إعلان موقف إيجابي مشترك بين روسيا والاتحاد الأوروبي وأطراف عربية ودولية من الحكم الجديد في سوريا، والسعي نحو استقرار داخلي، وسِلْم أهلي، بما يحلّ بعض المشاكل المتعلقة بالشأن السوري مثل قضية اللاجئين، وترك الموقف العدائي للجانب الإسرائيلي الرافض وبشكل قطعي لهؤلاء الحُكام، والذي من المتوقَّع أن يستمر في أعماله العسكرية في مناطق محدودة جنوب سوريا.