كيفية حماية اللاجئين السوريين من الترحيل والإعادة القسرية
يونيو 08, 2023 3389

كيفية حماية اللاجئين السوريين من الترحيل والإعادة القسرية

حجم الخط


في 15 حزيران/ يونيو 2023، سيجتمع المانحون الدوليون في بروكسل للسنة السابعة على التوالي؛ بغرض التعهد بجمع مليارات الدولارات كمساعدات للسوريين، ومحاولة إيصال رسالة للسوريين سواء داخل البلاد أو خارجها مفادها أن معاناتهم ما تزال حاضرة في الأذهان. سيستضيف الاتحاد الأوروبي وحده هذه المرة فعاليات مؤتمر بروكسل حول مستقبل سورية والمنطقة، بعد أن تشارك الاتحاد مع الأمم المتحدة في استضافة المؤتمر حتى عامين ماضيين. ورغم أن الولايات المتحدة هي أكبر المانحين للاستجابة الإنسانية الدولية في سورية، إلا أنها لا تتولى قيادة المؤتمر؛ حيث يُعَدّ هذا الحدث في الأساس فعالية للتعهدات تجمع العديد من الحكومات والمنظمات غير الحكومية.

إنّ النزاع السوري المستمر منذ 12 عاماً مجمّد في الوقت الحالي؛ إذ لا يوجد حل سياسي يلوح في الأفق. أصبحت سورية مدمرة اقتصادياً ومنقسمة إقليمياً إلى عدة مناطق نفوذ. ما تزال حالات الاختفاء القسري والقتل وانتهاكات حقوق الإنسان تحدث في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، ورغم ترحيب القوى الإقليمية بعودة الأخير إلى صفوفهم، فإن الوضع المعيشي في سورية ما يزال غير قابل للتعافي، مع عدم وجود أي مؤشر على عمليات إعادة الإعمار، ومع استمرار احتكار بشار الأسد للسلطة رغم أنه يحكم بلداً في حالة خراب.

مع ذلك، هناك مزيد من الحديث على الصعيد الدولي، خاصةً من حكومات استضافت معظم اللاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم الملايين، عن عودة أولئك اللاجئين إلى وطنهم بطرق ما، أو حتى ترحيلهم وإعادتهم قسرياً. ووفقاً للعديد من الخبراء والمنظمات المدنية، فإن نطاق البدائل المتاحة -ألا وهي إعادة التوطين والاندماج في بلد آخر- ليس منخفضاً حالياً مثلما هو عليه منذ بداية الحرب. فقد قضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية تقريباً على أي توقع بإمكانية إعادة توطين أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين بصورة قانونية. وفي تركيا ولبنان والأردن، التي تستضيف ما يزيد عن 5.4 مليون لاجئ سوري، هناك اعتراض شديد ومتزايد في الرأي العامّ بشأن وجودهم؛ حيث زادت بشكل كبير عمليات الترحيل غير القانوني.

وفقاً لوكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تستضيف لبنان أكثر من 800 ألف لاجئ سوري، رغم أن المنظمات غير الحكومية الدولية تقدر أن الرقم الفعلي يصل إلى ما يقرب من ضعف ذلك، أي 1.5 مليون؛ لأنّ الحكومة توقفت عن تسجيل اللاجئين رسمياً لدى الأمم المتحدة عام 2015. في الوقت ذاته، تستضيف تركيا 3.4 مليون سوري، والأردن أكثر من 660 ألف سوري. هذه الدول أظهرت سخاءً هائلاً، حتى عند مقارنتها بالاستجابة الأوروبية للحرب في أوكرانيا. لبنان والأردن لديهما أعلى نسبة من اللاجئين في العالم؛ حيث يمثل اللاجئون حوالَيْ 20% من إجمالي سكان لبنان وأكثر من 10% من سكان الأردن. وقد استقبلت تركيا مزيداً من اللاجئين بأعداد أكبر من أي دولة أخرى في العالم منذ عام 2011؛ حيث يشكل اللاجئون 5% من سكانها، تسعة من عشرة منهم سوريون. بالمقارنة، استقبلت بولندا حوالَيْ 1.5 مليون لاجئ أوكراني، وهو يمثل 4% من إجمالي سكانها.

المسح الإقليمي الثامن حول إدراكات ونوايا اللاجئين السوريين بشأن العودة إلى سورية، الذي نشرته مؤخراً مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، يؤكد مرة أخرى -وبالفعل يُعزّز الاتجاهات السابقة في هذا الاتجاه- أن الغالبية العظمى من السوريين لا يرغبون في العودة إلى وطنهم، سواء في العام المقبل (93.5%) أو خلال الخمس سنوات القادمة (51.3%). إضافة إلى أنّ عدد السوريين الذين يرغبون في العودة في يوم من الأيام يتناقص تدريجياً كل عام، حيث انخفض من 76% عام 2018 إلى 43.5% عام 2023.

إن احتياجات اللاجئين السوريين في هذه الدول المضيفة تشهد ازدياداً كبيراً. وتتشابك المشاكل الداخلية بشكل قاتم مع الصدمات العالمية الناجمة عن جائحة "كوفيد-19" وتغيُّر المناخ والحرب في أوكرانيا. ويواصل الاقتصاد اللبناني الانهيار، بينما يعيق الجمود السياسي المستمر؛ نتيجة لعدم القدرة على اختيار رئيس، أي إمكانية لإجراء إصلاحات مبتغاة. ولقد تضررت البنية التحتية والاقتصاد التركي بشكل ينذر بالخطر جراء الزلزال المدمر الذي وقع في شهر شباط/ فبراير، وأثَّر على مناطق تعيش فيها أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين مثل أنطاكيا وغازي عنتاب. وأفاد العديد من اللاجئين السوريين المتأثرين مباشرة بالزلازل بمواجهتهم التمييز في توفير المساعدة والمعونة الإنسانية، حيث إن فترة "ما بعد الزلزال" تشهد موجة جديدة من مشاعر الكراهية الموجهة ضد السوريين، والتي يدفعها القادة السياسيون الذين يسعون للاستفادة السياسية من الكارثة"، وفقاً لمركز العدالة والمساءلة في سورية. وفي الأردن تزداد البطالة لا سيما بين الشباب، مما يزيد من احتمال تكرار مشاعر العداء تجاه اللاجئين. ووفقاً للمسح الأخير للمؤشر العربي للمسح، فإن الثقة الأردنية في الحكومة تتضاءل يوماً بعد يوم، وتشهد الإضرابات والاحتجاجات ارتفاعاً ملحوظاً.

تُشكّل المخاوف الديموغرافية والهُوِيّة المتعلقة باستمرار إقامة اللاجئين السوريين في هذه الدول المضيفة في المنطقة مثار خلاف بين الفرقاء. إن استمرار وجود غالبية من السكان السُّنة السوريين سيغير التوازن الهشّ للنظام السياسي الطائفي في لبنان وسيضيف إلى تاريخه المرير مع سورية، الذي كان يميزه الاحتلال العسكري السوري الطويل خلال وبعد الحرب الأهلية اللبنانية مزيداً من الكراهية بين الشعبين. 

في حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تركيا، استهدف الرئيس رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو اللاجئين السوريين، حيث تعهد أردوغان بإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم في حال أُعيد انتخابه، فيما أثار كيليتشدار أوغلو غضب القوميين المتشددين من خلال تضخيم عدد اللاجئين في البلاد بشكل مُبالَغ فيه، ووعد بطرد جميع اللاجئين في حال فوزه بالرئاسة. ومع تناقص التمويل الإنساني، تُثار شكوك حول استمرار الأردن في استضافة العديد من اللاجئين السوريين. في اجتماع إقليمي استضافته عمان في أيار/ مايو 2023؛ لبحث الأوضاع في سورية، ناقش وزراء ودبلوماسيون عرب ما وصفوه بـ "مسار سياسي عربي للوصول إلى حلّ للأزمة"، بما في ذلك عودة اللاجئين.

ورغم أن الولايات المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي يعتبرون أعلى المانحين للتعامل مع الأزمة السورية منذ سنوات، إلا أن دعمهم لا يُسهِم إلا في القليل لمواجهة الواقع القائم، مثل تفاقُم أوضاع اللاجئين في المنطقة والشكاوى في الدول المضيفة مثل تركيا ولبنان. 

يعتبر الكثير أن اللغة المستخدمة في البحث عن نوع من الحل السياسي في سورية، في مؤتمر بروكسل وقمم دولية مماثلة، قديمة، حيث يتم تكرار قرارات الأمم المتحدة الرئيسية مثل قرار مجلس الأمن 2254 الذي وضع خريطة طريق غامضة لـ "الانتقال السياسي" وضرورة استمرار الوصول الإنساني. لم تتحقق أي إجراءات معنوية نحو الخطط المحددة في القرار 2254 منذ صدوره في عام 2015، وبالطبع لم يُظهِر نظام الأسد أيّ اهتمام بالمضي قُدُماً في تنفيذها.

البيانات التي تصدر بعد كل انعقاد لمؤتمر بروكسل تعكس تقلص الاستثمار السياسي في سورية من قِبل الدول الغربية التي حتى الآن استمرت في دعم الاستجابة الإنسانية. ورغم أنها تدعي تحديد ليس فقط الالتزام المالي والإنساني للمجتمع الدولي تجاه الشعب السوري، إنما أيضاً العناصر السياسية التي تهدف إلى "حل النزاع في سورية"، إلا أن هذه البيانات لم تتغير بشكل جوهري على مرّ السنين، وتضاف إليها تحريرات طفيفة فقط عند الضرورة، مثل اللغة المتعلقة بجائحة "COVID-19" واللقاحات. عندما يتعلق الأمر باللاجئين، مثلاً، يواصل الاتحاد الأوروبي التأكيد على ضرورة "العودة الآمنة والطوعية والكريمة"، على الرغم من أنها في الواقع غير ممكنة بالنسبة لمعظم اللاجئين.

هذا الوضع القائم يعكس حقيقة أن الولايات المتحدة وأوروبا وبقية المجتمع الدولي غير قادرين على إنتاج حلّ واقعي فيما يتعلق بسورية. وفي حديثهم الخاص، يشعر المسؤولون الأوروبيون والأمريكيون بأسف على أن الاتفاق الإقليمي الجديد حول إعادة انضمام الأسد إلى جامعة الدول العربية يترك لهم خيارات محدودة.

لكن الحقيقة هي أن عدداً قليلاً من الفاعلين كان قبل هذا التوجه الإقليمي الجديد يتوجه نحو التطبيع مع الأسد. وقد استمر الانسحاب الدولي من التفاعل مع الملف السوري بشكل متصاعد على مر السنين، حتى قبل الحرب في أوكرانيا، ولا يوجد دليل على وحدة في أوروبا ومع الولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع إعادة الأسد إلى الساحة الدبلوماسية في المنطقة.

غالباً ما تعتمد الولايات المتحدة وأوروبا بشكل زائد على فرض العقوبات في سياساتهما تجاه سورية، مع الاستمرار في الأمل في تغيير النظام. ومع ذلك، فإن نظام الأسد يستعيد عافيته، ويعتقد الخبراء أن العقوبات تؤثر على السوريين أكثر من الأسد وحلفائه، خاصة العقوبات الصارمة المفروضة من قِبل الولايات المتحدة، بما في ذلك في إطار قانون قيصر لا تشمل فقط الأفراد من النظام، لكن أيضاً أي منظمات قائمة تعتبر داعمة للأخير، مما تسبب في اضطرابات كبيرة في قطاع المساعدات ويعرقل تقديم دعم فعّال للمنظمات المدنية المحلية.

على أي حال، يجب ألا يتجاهل صُنّاع السياسات في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سورية بعد الآن. فطالما أن لديهم بعض النفوذ المالي، يجب أن يستخدموه لجعل وجود اللاجئين السوريين في المنطقة أكثر قابلية للإدارة لأن عدم القيام بذلك سيؤدي إلى مغادرة المزيد من اللاجئين السوريين ومحاولتهم الوصول إلى أوروبا عَبْر العبور الخطير للمتوسط، وزيادة الاضطراب في الشرق الأوسط.

بدلاً من مجرد التعهد بتقديم مساعدات للاجئين السوريين، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أن تعملا معاً للدفع نحو احتواء اللاجئين في البلدان المضيفة في المنطقة، بما في ذلك الحصول على حماية قانونية وحقوق أخرى ملائمة، إضافة للحق في العمل، حيث سيمكّن ذلك السوريين من الاعتماد على أنفسهم أكثر. إن الحكومات المضيفة في المنطقة قد حالت بشكل كبير دون تأمين وثائق قانونية وتعليم وتدريب للسوريين خوفاً من تمديد إقامتهم أو حتى تحويلها إلى إقامة دائمة. 

يجب أن توضح الولايات المتحدة وأوروبا مع الخبراء السوريين والمنظمات غير الحكومية الإقليمية أن جميع المعنيين، بما في ذلك السوريون أنفسهم، يرغبون في رؤية عودة اللاجئين إلى ديارهم، لكن يمكن تحقيق هذا الهدف الطويل المدى المشترك بشكل أكثر فعالية من خلال تأمين حماية وحقوق على الأقل مؤقتة للاجئين في البلدان المضيفة. يجب تصوير تثبيت وضع اللاجئين وزيادة وصولهم إلى الحقوق الأساسية كمتطلبات أساسية لضمان قدرة السوريين على دعم عودتهم إلى ديارهم في نهاية المطاف.

هذه اللغة يجب أن ترافقها عروض مالية كافية، مع التركيز على المنظمات المحلية، وخاصة تلك التي يقودها اللاجئون أنفسهم، وذلك في إطار ما يعرف بـ "المساءلة تجاه السكان المتضررين"، حيث تكون هذه المنظمات أقرب إلى المستفيدين وبالتالي لديها فَهْم أفضل لاحتياجاتهم والتحدِّيَات التي يواجهها اللاجئون. يجب أن يتركز الدعم أيضاً على مساعدة السكان المحليين في البلدان مثل تركيا ولبنان والأردن، نظراً للصعوبات الهائلة التي تواجهها هذه المجتمعات من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والاستياء الذي يثيره الشعور بأن اللاجئين يتلقون مساعدة لا تقدم للمجتمعات المحلية. وما يزال على أوروبا والولايات المتحدة استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، وهو أمر هام بالنسبة للمساعدة التي قدمتها الدول الإقليمية في استضافة العديد من السوريين لفترة طويلة.

يجب على الولايات المتحدة وأوروبا أن تواصل التأكيد على أن الوقت ليس مناسباً لعودة اللاجئين إلى سورية، وهذه الرسالة يمكن توصيلها بشكل أفضل بشكل مشترك. ومع ذلك، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا في الوقت نفسه الدفع نحو مزيد من مراقبة الظروف داخل سورية ومصير السوريين الذين يقررون العودة فعلياً. فإجبار اللاجئين السوريين على العودة وممارسة ضغوط عليهم للمغادرة أدى بالفعل إلى إعادتهم إلى بلدان مثل لبنان ومحاولات للوصول إلى بلدان ثالثة، وقد تحقق ذلك بشكل أكبر في أوروبا. يجب على المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين أن يتحدثوا بحزم وبصوت واحد ضد الترحيلات غير القانونية وتكتيكات الضغط التي تجري في لبنان وتركيا وأحياناً حتى في الأردن.

مؤتمر المساعدة السوري الذي سيُعقَد في حزيران/ يونيو، يُمثِّل فرصة للدول والجهات المانحة لمعالجة واقع اللاجئين السوريين في المنطقة بشكل فعّال وضمان حماية حقوقهم وكرامتهم. وبينما يواجه اللاجئون السوريون مخاطر متزايدة من الترحيل والعداء، يمكن لمؤتمر بروكسل أن يضمن عدم نسيانهم.

بقلم: كيلي بيتيلو
ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: داون