دلالات إعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق
مارس 21, 2025 409

دلالات إعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق

حجم الخط

بعد إغلاق استمر 13 عاماً أعادت ألمانيا فتح سفارتها في دمشق يوم 20 آذار/ مارس 2025، وتمت مراسم الافتتاح بحضور وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، وهي زيارتها الثانية إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وتولّي السلطة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع مقاليد حكم البلاد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024. 

استبَقت ألمانيا هذه الخُطوة بالإعلان عن تعهُّدها بتقديم حزمة مساعدات إنسانية بقيمة 300 مليون يورو في مؤتمر بروكسل 9 للمانحين، وبيّنت أن ما يقارب نصف هذه الأموال سيُخصَّص للاجئين السوريين، والمجتمعات المستضيفة لهم في دول الجوار، فيما سيُخصَّص الجزء الآخر لتوفير الغذاء والخدمات الصحية وملاجئ الطوارئ، بالإضافة إلى تدابير الحماية للفئات الأكثر ضعفاً، على أن تتولى الأمم المتحدة، وعدد من المنظمات الإنسانية عملية الإنفاق داخل سوريا، وليس الحكومة السورية الجديدة. 

تم تفسير شرط الإنفاق هذا بأنه استمرار للموقف الحذر من ألمانيا في التعامل مع الحكومة السورية الجديدة، وفي أن الظروف لم تسمح بعدُ بالانفتاح الكامل عليها، وجعل المساعدات تمر من خلال المؤسسات الحكومية الرسمية، وخصوصاً بعد أحداث الساحل، وعدم التوصل إلى تفاهُم مع السويداء، وعدم بدء وضع الاتفاق مع الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها حيّز التنفيذ، مما دعا وزيرَ الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى التصريح عن تردُّده في حضور مؤتمر بروكسل تحسُّباً من أن يكون   "مسيَّساً ويروّج لروايات تخدم أجندات خارجية" في إشارة فيما يبدو لهذه القضايا الثلاث، وقضايا أخرى كان الأوروبيون قد تحدثوا عنها مثل مكافحة الإرهاب، والتخلص من برنامج الأسلحة الكيماوية. 

مع صدور البيان الصحفي المشترك عن مؤتمر بروكسل 9 الذي تضمّن إدانة "الهجمات العنيفة التي شنّتها فلول نظام الأسد على قوات الأمن"، والترحيب بالخطوة التي اتخذتها الحكومة السورية في إنشاء لجنة للتحقيق بأحداث الساحل، ومع اكتفاء رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بالإشارة إلى رغبة الاتحاد الأوروبي في دعم انتقال سياسي شامل، يضمن لجميع السوريين أن يتمتعوا بحقوق متساوية، وتمثيل متساوٍ للجميع رجالًا ونساءً على حد سواء، بغضّ النظر عن دينهم أو عِرْقهم أو أيديولوجيتهم، وأن تكون بلداً لا مكان فيه للعنف الطائفي، ويضمن لهم حرية التعبير عن آرائهم، وأن الاتحاد يرحّب ويدعم الخطوات التي اتخذتها الحكومة في عقد مؤتمر الحوار الوطني، وصياغة الإعلان الدستوري، وتشجيعه على تشكيل حكومة موثوقة وشاملة وغير طائفية، فقد تبددت مخاوف الحكومة السورية تماماً. 

يبدو أن ألمانيا أرادت قطع الشك باليقين في الموقف الإيجابي من دمشق، وعجّلت بفتح سفارتها فَوْر انتهاء أعمال مؤتمر بروكسل، والعودة الألمانية إلى دمشق ستفتح الباب لعودة أوروبية واسعة تشمل معظم -إنْ لم يكن كل- دول الاتحاد في فترة قربية. 

ألمانيا قد تكون معنية أكثر من غيرها من الدول الأوروبية باستقرار سوريا، فهي تستضيف الحصة الكبرى من اللاجئين السوريين في أوروبا، الأمر الذي حاول فيه اليمين المتطرف الإطاحة بالحكومات الألمانية المتعاقبة التي رفضت تغيير سياسة ألمانيا تجاه اللاجئين كما فعلت دول أوروبية أخرى، وزيادة الدعم الإنساني، ودعم جهود إعادة الإعمار، واستعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، سيعزز من فرص الاستقرار الذي يشجع اللاجئين السوريين على العودة الطوعية إلى بلادهم. 

الخُطوة الألمانية ستساعد الحكومة السورية أيضاً في موازنة علاقاتها الدولية سواء مع روسيا، أم مع تركيا، وتساهم في قطع الطريق على أي محاولة إيرانية للعودة إلى سوريا، وهي أيضاً تأتي مع عدم وضوح السياسة الأمريكية تجاه دمشق، والتي يبدو أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي سيسيران في طريق منفرد عن موقف الولايات المتحدة إذا ظهر أنه سلبي، بما يشبه من تبايُن مواقف الطرفين من أوكرانيا، وهي في كل حال رصيد يُضاف إلى الإنجازات التي حقَّقتها الحكومة السورية الجديدة.