حوالات مالية أقل نسبياً: عيد الأضحى يؤكد فشل الإصلاحات النقدية للنظام السوري
خلال الأشهر الفائتة عمل مصرف سورية المركزي التابع للنظام -وهو الجهاز المسؤول عن السياسة النقدية في سورية- على مجموعة من "الإصلاحات في السياسات النقدية"؛ حيث قام بزيادة الرقابة على البنوك وشركات الصرافة والحوالات، وعدّل من سعر دولار الحوالات عدة مرات ليرفع سعر الصرف ويخفض بالتالي قيمة الليرة، إضافة إلى رفع سعر الفائدة إلى 11 %، كما سمح بإدخال أموال أكبر بالعملة الأجنبية عَبْر المنافذ الحدودية، وطرح مزيداً من النقود من فئة 5000 ليرة سورية بطبعة جديدة دون استبدالها بأي فئات أخرى، وأعطى توصيات بمنح تسهيلات ائتمانية للمنشآت الإنتاجية.
في غضون ذلك كانت وزارة المالية في حكومة النظام -وهي الجهاز المسؤول عن تنفيذ السياسة المالية- تعمل على جمع الأموال من البنوك عن طريق طرح سندات خزينة بالليرة السورية؛ حيث قامت بطرح أوراق بمئات المليارات خلال الفترة الماضية.
هناك تناقُض واضح في السياسات المعمول بها من قِبل النظام؛ سواءً بين السياسات النقدية ذاتها أو بين السياسات النقدية والمالية. يُمكن تفسير هذا التناقض بأن تلك السياسات لا تستهدف ضبط الأسعار ولا تخفيض معدلات البطالة، ولا رفع معدل النمو الاقتصادي، بل جلب مزيد من القطع الأجنبي لتمويل الحرب، وزيادة الرقابة على المجتمع بحيث يتم السيطرة على كل ما يدخل أو يخرج من البلاد، حتى لو تم ذلك بالاستعانة بالأفرع الأمنية.
وعلى الرغم من الإجراءات المتخذة من قِبل مؤسسات النظام، يُلاحَظ أن الحوالات المالية التي دخلت مناطق النظام في فترة عيد الأضحى والأيام التي سبقتها كانت أقل من أي عيد سابق، حيث لم تشهد مكاتب الحوالات ازدحاماً كما كان في المواسم السابقة. ويبدو أنّ ذلك يعود إلى عدة أسباب أبرزها:
فشل سياسة النظام في تثبيت سعر الصرف؛ حيث أدّى تحريكه أكثر من مرة لانهيار في قيمة الليرة، وجعل سعر السوق يبقى أعلى من سعر دولار الحوالات بفرق واضح، مما دعا عدداً كبيراً من الراغبين بإرسال الحوالات للتريث حتى وقت مناسب.
رغبة النظام بضبط عمليات التحويل عن طريق حملات أمنية واعتقال عدد من التجار أو الأشخاص القادرين على تسليم الحوالات، والتي أدّت لانقطاع المنافذ غير الرسمية. بالتالي هناك عدد كبير من الأشخاص لا يجرؤون على التسلُّم عَبْر بطاقاتهم الشخصية نتيجة تخوُّفهم من أن يكون المرسل مطلوباً للنظام وتتم محاسبتهم على الأموال المتسلَّمة حتى لو كانت مبالغ بسيطة.
تعدُّد الكوارث وفشل حكومة النظام بتقديم أي خدمات أو تعويضات للمتضررين جعل المرسلين الدوريين يستنف د ون مواردهم في عمليات التحويل، حيث كانوا قد أرسلوا في مرحلة الزلزال الذي ضرب البلاد قبل عيد الأضحى بثلاثة أشهر تقريباً، وهذا ما يجعلهم أقل قدرة على الإرسال بشكل دوري.
بالنتيجة، هدفت السياسات المتبعة من قِبل مؤسسات النظام النقدية والمالية إلى جمع أكبر كمية ممكنة من القطع الأجنبي عَبْر عدة طرق، إلا أن تخبُّط هذه السياسات وتضارُبها فيما بينها أدّى إلى انهيار غير مستقر لسعر صرف الليرة السورية، وانخفاض حجم الحوالات النقدية من الخارج خاصة في فترة عيد الأضحى المبارك، وهروب المتعاملين مع البنوك التجارية.