تنظيم الدولة في عام 2020 توقّعات ومآلات
حجم الخط
تنظيم الدولة في عام 2020 توقّعات ومآلات
شهد عام 2019 انحسار سيطرة تنظيم الدولة الجغرافيّة في آخر جيوبه في سوريّة إضافة إلى فقدانه قائده الرمزي "الخليفة" ونائبه بعمليّات أمريكيّة مركّزة وذلك بالتوازي مع اعتقال عدة شخصيّات فاعلة فيه كانت متخفّية في مناطق متفرقة من العراق وسورية وتركيّا أواخر العام الفائت.
على الرغم من الظروف الميدانيّة التي فَرَضَتْها أحداثُ الميدان إلا أن التنظيم استطاع استيعاب الواقع العسكريّ الجديدَ من خلال مبدأ الخلايا النائمة وحرب العصابات فبدأت حملاته الأمنيّة والفرديّة بالتصاعد في كلٍّ من سوريّة والعراق ضدّ مختلف الفاعلين المحلّيّين والعسكريّين حتى وصلت إلى مستويات مرتفعة في الربع الأخير من عام 2019 على الرغم من إطلاق سبع حملات أمنيّة شاملة ضدّه في مناطق تَخَفِّيه ضمن محافظات العراق بالتوازي مع عمل التحالف الدولي على منع إعادة تنظيم شبكاته بالتعاون مع قسد في مناطق سيطرتها، ممّا يشير إلى نجاحٍ نسبيٍّ واضح في عمله على إعادة ترميم شبكاته الأمنيّة والاستخباريّة وأداء مؤسساته الإعلاميّة.
من ناحية أخرى استطاع التنظيم ضبط حالة غياب القيادة إثر مقتل زعيمه السابق من خلال السيطرة على مفاصل التنظيم وإعادة تعيين قائدٍ جديدٍ له والبدء بإعادة ترميم هيكله "التنظيميّ" و"الأمنيّ" على حدّ سواء ودعم تكثيف عمليّات التنظيم العسكريّة في الأطراف كوسط وغرب إفريقيا ووسط وشرق آسيا.
تشير هذه المقدّمة المقتضبة إلى أن التنظيم سيستمرّ في عام 2020 باستغلال الظروف العالميّة والإقليميّة المحيطة بأماكن وجوده لدعم شبكاته وبقائه وتطوير استراتيجيّاته، وتعينه في ذلك النقاط الآتية:
أ. القدرة على استقطاب المجنّدين:
يتميّز تنظيم الدولة في استقطابه للمجنّدين عن تنظيم القاعدة بأمرين:
أحدهما: استقطابه أعدادًا هائلة من المجنّدين دون الالتفات إلى تعمّقهم في علوم الدين والتزامهم السلوكيّ به بداية ثم إخضاعهم لتراتبيّة صارمةٍ متّصلة بالقيادات المسؤولة في المنطقة واتصال هذه القيادات بشكل رسميّ مع القيادة التي تحكم النواة الصلبة لأجهزة التنظيم.
أما الأمر الثاني فهو اعتماده على جوهرية التسويق لنفسه باعتباره "الحلم" الإسلامي الذي تحقق بعد مئة سنة –تقريبًا- من سقوط الخلافة، أي أنه يتخذ من "واقعيّة التجربة" التي أعلنت في الموصل وسوريّة سبيلاً لجذب مزيد من المتعاطفين والمهمّشين، حيث لم يعد على من يريد الانضمام لتنظيمات الجهاديين أن يستندوا إلى ماضٍ تاريخيّ مثاليٍّ للخلافة بل يمكنهم أن يستندوا إلى الخلافة التي أسقطها التحالف الدولي والتي زرعت الرعب في قلوب كل من شاهد إصداراتها، مما يجعل هذه الدعاية استغلالاً للـ"الذّاكرة الحيّة" ودافعًا لـ "الانتماء" إليها لسنين مقبلة طويلة.
ب. القدرة على إعادة التموضع:
تشير المتابعة الميدانية لعمليات التنظيم "المتكررة" في العالم إلى ارتفاعٍ واضحٍ لها في كلٍّ من سوريّة والعراق ووسط إفريقيا وانحسارها في أفغانستان ووجود تهديدات أمنيّة له في شرق آسيا ووسطها وفي بعض الدول الأوروبيّة كفرنسا وبريطانيا وهولّندا
تشير تحركات التنظيم الأخيرة إلى تعزيز استقلاليّة تحركات الفروع الكبيرة التابعة للقيادة في العراق وذلك بحسب الظروف المحيطة في أماكن انتشارها، مما يرشّح احتمال تمدّد التنظيم في ملاذاتٍ جغرافية آمنة في كلّ من المثلثات الحدودية لدول "مالي، النيجر، بوركينا فاسو" إضافة إلى تعزيز حضوره في شمال شرق نيجيريا حيث شهدت عمليّات التنظيم في هذه الدول ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بعام 2018، حيث كثّف التنظيم تحركاته ضد قواعد جيوش هذه الدول وعمل في الآونة الأخيرة على إثارة رعب السكان المحليين –غير المسلمين- ودفعهم للنزوح باتجاه مناطق أكثر أمنًا، مما يشير إلى سعي التنظيم لتعزيز نفوذه في منطقة الساحل الإفريقي من خلال محاولته إنشاء منطقة ملاذ آمن في منطقة غنيّة بالثروات الطبيعية وتمثّل الشركات الأجنبيّة العاملة فيها أهمّ موارد اقتصاد بعض الدول الأوربية، كالشركات العاملة في استخراج الذهب و الألماس .
ت. القدرة على إقلاق الأمن العالمي:
بالتوازي مع هجمات التنظيم في مناطق وجوده الأساسيّة سيقوم التنظيم في عام 2020 بهجمات مقلقة في مناطق مختلفة من العالم، كشرق آسيا كما في الفلبّين ووسط آسيا المطلة على طرق التجارة المرتبطة بطريق الحرير الجديد وترشّح هنا دول مثل طاجيكستان وأوزبكستان لذلك، إضافة إلى رفع التنظيم حرصه على استغلال تكتيك "الذئاب المنفردة" في الدول الأوروبيّة وذلك على نحو مشابه للهجوم الفردي الذي وقع في لندن في الأسابيع الأخيرة، حيث تظهر هذه الهجمات قدرة التنظيم على الاستمرار، ويزيد هذه النقطة تعقيدًا عودة معتقلي وأطفال مجندي التنظيم الأجانب لدولهم الأصليّة، حيث تخشى هذه الدول من أن يكون هؤلاء ممرًّا لظهور نسخٍ أشدّ وأقوى من نسخة "التنظيم" الأولى، حيث يمثّلون تهديداً أمنيًّا مباشرًا لهذه الدول نظرًا لتمرُّسهم القتالي، وامتلاكهم خبرات عسكريّة عمليّة لا تتوفّر لمتطرفي أوروبّا، إضافة إلى خبراتهم العالية في استخلاص المعلومات الأمنيّة، وقدرتهم على إنشاء الخلايا النائمة واستقطاب العناصر الجدد، وتشكيل طليعة جديدة من الجهاديّين، وبالتالي فإن عودة أفرادَ خاضوا معارك مع التنظيم يشكل تهديدًا حقيقيًّا لهذه البلاد خاصّة مع وجود أعداد كبيرة من المتطرفين في السجون الأوروبية والذي يمكن إطلاق سراح بعضهم قريبًا مما يجعل خطر اجتماع العناصر القادمة من الشرق الأوسط بالعناصر القديمة متزايدًا.