بوادر فشل التفاهم بين الأمم المتحدة والنظام السوري : ما مصير آلية المساعدات الإنسانية؟
مضى أسبوعان على توصّل الأمم المتّحدة والنظام السوري إلى تفاهم يمنح الأخير بموجبه إذناً لإدخال المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى لمدّة 6 أشهر، مع تمديد التفويض الممنوح بإدخال المساعدات من معبري باب السلامة والراعي لمدّة 3 أشهر إضافية.
لكنّ تسليم المساعدات الإنسانية من معبر باب الهوى بموجب التفاهم بين الطرفين لم يُستأنف حتى اللحظة، مما دعا إلى طلب عقد جلسة خاصة في مجلس الأمن الاثنين 21 آب/ أغسطس، تعقبها مشاورات مغلقة لمناقشة الوضع الإنساني في سورية.
والتفاهم يشمل شروط النظام التي منح بها الإذن للأمم المتحدة من أجل استخدام معبر باب الهوى، بحيث لا يكون لها أي تواصل مع الكيانات المصنفة لديه كـ "إرهابية" -يُقصد بذلك الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ- والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر، والهلال الأحمر العربي السوري بالإشراف على توزيع المساعدات في المناطق الخارجة عن سيطرته شمال غرب البلاد، إضافة إلى عدم تدخل العقوبات أحادية الجانب في عمليات الإغاثة الإنسانية.
وفي 8 آب/ أغسطس 2023، طلب وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث من مجلس الأمن تفويضاً معدّلاً لآلية المراقبة التابعة للأمم المتحدة ( UNMM ) التي أنشئت تحت سلطة الأمين العام بموجب القرار 2165 (2014) والتي انتهى العمل بها بعد استخدام روسيا الفيتو في 11 تموز/ يوليو، ضد تمديد القرار 2672 (2023) ومع انتهاء القرار انتهت أيضاً صلاحية بعثة الأمم المتحدة في معبر باب الهوى الحدودي.
ويبدو أنّ طلب الأمم المتحدة جاء كاستجابة لرسالة من النظام منح فيها الإذن لتمديد دخول المساعدات من معبري الراعي وباب السلامة الحدوديين لمدة 3 أشهر، حتى 13 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وتضمنت شروطاً جديدة، كاستخدام صيغة معدلة للآلية تضمن وجود ترتيبات "المراقبة الصارمة والمستقلة لشحنات المساعدات على الحدود"، بينما كان التفاهم قد تم على استمرار العمل وفق الآلية المعمول بها في القرار 2165 (2014).
آلية الرصد المعول بها حالياً تقتضي أن تقوم الأمم المتحدة، وبموافقة البلدان المعنية المجاورة لسورية، بمراقبة تحميل شحنات الإغاثة الإنسانية في مرافق الأمم المتحدة ذات الصلة، ومراقبة فتح أي شحنة منها بعد ذلك من قِبل سلطات الجمارك للبلدان المعنية المجاورة، من أجل المرور إلى سورية عبر المعابر الحدودية. ويبدو أن النظام لا يرى أن مراقبة سلطات الجمارك التركية للشحنات كافية، وأنه لا بد من وجود سلطات أخرى إلى جانبها.
بذلك، تواجه آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية مصيراً مجهولاً مرّة أخرى مع عودة الانقسام داخل مجلس الأمن حولها، والذي يضعها أمام 5 سيناريوهات، وهي:
- العمل وفق تفاهم بموجب بيان صحفي أو رئاسي من مجلس الأمن، ويقضي باستمرار دخول المساعدات الإنسانية ضمن مفاعيل القرارات السابقة مع توصيات للأمم المتحدة بتشديد المراقبة والرصد الجيد للمساعدات وإبلاغ المجلس بالتطورات.
- العمل وفق آلية معدّلة عن القرار 2165 (2014)، وهذا طلب النظام أصلاً، والذي يعني استمرار العمل ببنود القرار 2672 (2023) -مثل قضايا التعافي المبكّر والمساعدات عبر الخطوط- مع تعديل على آلية المراقبة.
- العمل وفق الآلية القديمة بموجب القرار 2165 (2014)، بما يعني تمديد القرار 2672 (2023)، وهذا طلب تدعمه مجموعة P3 (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا) وبعض الدول الأعضاء الأخرى ذات التفكير المماثل؛ حيث تفضل الحصول على إذن من مجلس الأمن لتسليم المساعدات عبر الحدود من أجل تسهيل تدفق يمكن التنبؤ به ودون عوائق.
- العمل وفق آلية ثنائية خارج نطاق مجلس الأمن، وهو طلب الصين وروسيا والإمارات العربية المتحدة، حيث ترى أن إيصال المساعدات إلى شمال غرب سورية مسألة ثنائية بين الأمم المتحدة والنظام، وأنّ عدم وجود قرار يعيد تفويض آلية المساعدة عبر الحدود بعد استخدام الفيتو ضد القرار 2672 ينفي كل تدخلات للمجلس بشأن القضايا الإنسانية في سورية، ويلغي تأثير جميع البنود الواردة في القرارات السابقة، وأنه لا حاجة من الآن فصاعداً لتوفير إحاطات المجلس الشهرية بشأن التطورات الإنسانية في سورية وفق متطلبات الإبلاغ المنصوص عليها في القرار 2672 بذريعة أنها لم تعد سارية.
- العمل وفق آلية خاصة بالمانحين خارج نطاق مجلس الأمن، نتيجة انهيار التفاهم الثنائي بين النظام والأمم المتحدة، واختيار مجموعة P3 تقديم المساعدات عبر صندوق خاص للمانحين مثل آلية إنصاف لتشكيل بديل عن المساعدات المقدّمة عبر الأمم المتحدة إلى سورية.
بالنتيجة، في ظل الانقسام الحاصل داخل مجلس الأمن حول آلية دخول المساعدات إلى سورية، فإن تفاهم الأمم المتحدة مع النظام يبدو في طريقه نحو الانهيار قبل بدء تنفيذه، ما لم يتوصل الأعضاء في الجلسة الخاصة والمشاورات المغلقة إلى "تفاهم" بينهم يتيح استمرار تسليم المساعدات الإنسانية عبر الحدود.