الدين والدولة في سورية
يوليو 28, 2020 4130

الدين والدولة في سورية

حجم الخط

قراءة في كتاب | الدين والدولة في سورية

عرابي عبد الحي عرابي

تمهيد
تنوعت الموضوعات التي توسّع فيها الباحثون الغربيون في دراساتهم حول سوريّة خاصة مرحلة ما بعد الاستقلال، وبالرغم من الأهمية التي تحظى بها سوريّة إلا أن معظم الدراسات التي ألفها الباحثون الغربيون تمحورت حول الوضع السياسي والصراعات الإقليمية إضافة إلى تناول النظام الحاكم وتفكيك أبعاده الداخلية، وذلك كما تبينه الكتب الشهيرة، ككتاب لعبة الأمم مايلز كوبلاند، أو كتابي "الصراع على سوريّا" و"الأسد: الصراع على الشرق الأوسط" للصحفي البريطاني باتريك سيل، أو كتب نيكولاس فاندام "الصراع على السلطة في سوريا" و"تدمير وطن، الحرب الأهلية في سورية" أو كتاب "سوريّة الدولة المتوحشة" لميشيل سورا، أو كتاب ستيفِن هايدمان: "التسلطية في سورية، صراع المجتمع والدولة". 
في جانب آخر نجد عددًا من الدراسات –أقل من النمط الأول- يسلّط الضوء على بنية المجتمع السوريّ وأفكاره وجذور التديّن الشعبي وحضوره في النسيج الاجتماعي أو إبداع الشعب السوري في مقاومته للتسلط البعثيّ، ومستوى الفاعلية بين الشبكات المحلية والدينيّة. 
يمكن ذكر العديد من الدراسات في هذا المجال، كدراسة ليزا وادين "السيطرة الغامضة، السياسة والخطاب والرموز في سورية المعاصرة" وكذلك الكتب المخصصة لتناول الجماعات الدينيّة بشكل مباشر، على مراحل وحقبٍ مختلفة، كحقبة العهد العثماني كما في كتاب ديفيد كومينز "الإصلاح الإسلامي: السياسة والتغيير الاجتماعي في سوريا في نهاية العهد العثماني"، وكتاب إسحاق وايزمان "بدايات الحداثة: الصوفية والسلفية والعروبة في دمشق في نهاية العهد العثماني"، وكتاب الحركات الإسلامية في سورية لمؤلفه يوهانس رايسنر، وذلك بالاعتماد المباشر على المصادر المفتوحة بشكل أساسي كالأرشيف الرسمي والصحف اليومية والمراجع المكتوبة أو المرئيّة والمذكرات الشخصية وتحليل النصوص المختلفة في الكتب المعاصرة لتلك الحقب، أو من خلال الاعتماد المباشر على اللقاءات والمقابلات والبحث الميداني، كالدراسة المشتركة لـ "لورا رويز دي إليفيرا" و"تينا زينتل" المسمّاة بـ "نهاية العقد الاجتماعي البعثي في سوريا بشار الأسد: قراءة في التحولات الاجتماعية السياسية من خلال الجمعيات الخيرية"، أو كتاب "الدين والدولة في سورية، علماء السنّة من الانقلاب إلى الثورة".
تتسم دراسة المجتمع الديني في سورية بأهميّة مركّبة، فهي من ناحية ترتبط بدراسة الفاعلين الاجتماعيين وبنية التشابُك بين الجماعات المكوّنة للمدارس والحركات الدينية، ومن ناحية أخرى فهي دراسة لجذور الوعي الديني الذي يشكّل أساسًا مهمًّا في فهم المجتمع السوري ودافعًا لترجيح اختيارات معينة في مختلف الأحداث والسياقات. 
على الرغم من أهمية الكتب التي عنيت بدراسة الدين والمكونات المختلفة لمجتمعه كالحركات السياسية أو الطرق الصوفية أو الجماعات المتنوعة، إلا أن هذه الدراسات لم تغص في عمق التشابُك البينيّ والكيفية التي تتفاعل من خلالها الجماعات الدينية مع الواقع السياسي والاجتماعي، الأمر الذي يبرز أهمية كتاب توماس بيريه "الدين والدولة في سورية، علماء السنة من الانقلاب إلى الثورة" -الذي نحن في صدد عرضه- عمّا سواه، حيث يُعنَى بشكل أساس في رصد شبكات العلماء التقليديين في سورية وتأقلمهم مع الواقع المحيط بهم سواء في منعطفات السياسة والمجتمع، إذ تمثّل هذه الشبكات الجزء الأهمّ من التكوين الديني الإسلامي في سوريّة فكريًّا واجتماعيًّا. 


أولاً: أقسام كتاب الدين والدولة في سورية 
يتألف نص الكتاب من مقدمة للمترجم د. حازم نهار، إضافة إلى مقدمة للمؤلف ثم تمهيد وست فصول. 
جاءت مقدمة المترجم بعنوان: "الإسلام السياسي في سورية المعاصرة"، إلا أنها لم تأت للتعريف بمنهج الباحث، وإنما اقتصرت على عرض سريع لفصول الكتاب وركّزت بشكل واسع حول واقع الخلافات السياسية بين الإسلاميين "السياسيين" وبين النظام وعرضٍ سريع للجماعات الأخرى كالقبيسيات وصولاً إلى تشكيل الفصائل الجهاديّة في سورية إبان العمل المسلح في الثورة، مما يجعل من مقدمة بعيدةً عن منهج الكاتب ومراده، إضافة إلى أخطاء كثيرة اعترت الترجمة خاصة في كتابة الأسماء الواردة في نص المتن، كاسم الدكتور نور الدين عتر، حيث أثبتها في المتن باسم "عطر" واسم الشيخ الشهير تاج الدين الحسني، حيث أثبتها باسم "الحسّاني". 
ابتدأ الكتاب بفاتحةٍ أو مقدمة للتعريف بالجهود الرسمية لمأسسة العلماء والجماعات الدينية إبان الاستقلال وصولاً إلى انقلاب حزب البعث ورفضه دمج العلماء في جهاز الدولة، مما منحهم مرونة واستقلالاً في إدارة فعالياتهم وأنشطتهم. 
ركّز الفصل الأول على عرض المشهد الديني وأهم شخصياته بدءًا من الانتداب الفرنسي مرورًا بالتحولات التي عرضت لتغيّر النخبة الدينية في حلب ودمشق وظهور علماء جدد استمدّوا حضورهم من أشكال جديدة من النشاط الاجتماعي والديني مما منحهم أهمية متصاعدة في المجتمع المتغيِّر، وساعدوا في الحفاظ على هويته، على الرغم من تحديث التعليم الديني، وصولاً إلى حرب النظام ضد وجود جماعة الإخوان.
تناول الفصل الثاني دور العلماء في سنوات 1979-1982، إضافة إلى دراسة الاستراتيجيات التي استخدمها النظام لتعزيز العلاقة بينه وبين المشايخ الذين تقربوا منه، فيما ركز الفصل الثالث على إيضاح العقيدة التي يعرف العلماء السوريون أنفسهم من خلالها، خاصة تيار الإصلاح والسلفيّة، وتحوّل المشايخ التقليديين إلى ثقل أساسيّ في هذه المعمعة كونهم الجزء الأهم في النسيج الديني السوري. 
أما الفصل الرابع فقد أوضح الكيفية التي تحالفت من خلالها النخبة المالية مع العلماء ودورهم في تمويل بناء المساجد والمدارس والجمعيات الخيرية، ودور هذه الجهور في تطوير العمل الخيري على الرغم من القيود المفروضة على المجتمع ككلٍ آنذاك. 
سعى الباحث في الفصل الخامس لتحليل الأسباب التي تميز العلماء التقليديين عن التيار الإصلاحي الحركي في مسائل مختلفة خاصة السياسة، حيث يرى أنه بالرغم من العداء المترسخ لدى الطرفين لعقيدة البعث إلا أن الشبكات الدينية التقليدية تهتم بالهوية المجتمعية أكثر من اهتمامها بواجبات الحاكم، ولذا فإن تعاملها مع السياسة ينطلق من هذه القضية، بينما ينطلق نشاط الإصلاحيين وتفكيرهم بوصفهم قوة تبحث عن المشاركة الفاعلة في السلطة وتأسيس النظام السياسي، ومن ثم فإن العلماء بطبعهم يميلون للتركيز على المصالح القطاعية بدلًا من التركيز على التحول الهيكلي للنظام.
في حين أن الفصل السادس حاول عرض الإصلاحات التي انطلقت بعد عام 2008 بعد محاولة تفجير مبنى يتبع لأحد أجهزة الاستخبارات في دمشق وذلك بهدف وضع السلطة يدها على المجتمع الديني وإدماجه بشكل كامل في مؤسسات الدولة، كإنشاء معاهد جامعية لخريجي الثانويات الشرعية والبدء بتعديل الشهادات للعلماء الحاصلين عليها من دول أخرى كمصر وزيادة الموظفين المدنيين في حقول وزارة الأوقاف إضافة إلى دعم التغيير في إدارة مؤسسة كفتارو "مجمع أبو النور" لتعزيز السيطرة عليه. 
إضافة إلى ذلك فقد حاول في الأقسام الأخيرة من الفصل عرض سلوك العلماء خلال السنة الأولى والانقسامات التي ظهرت في صفوفهم جراء الانحياز للثورة أو النظام أو الصمت عن الدخول في هاتين الخانتين، وصولاً إلى ظهور تكتلات علمائية جديدة في الثورة جراء خروج أعداد كبيرة منهم إلى المنفى باختيارهم. 

ثانيًا: كتاب الدين والدولة، المؤلف والنظريّة
توماس بيريه، باحث بلجيكي يحاضر في جامعة أدنبرة حول الدراسات الإسلامية المعاصرة، لديه العديد من الكتب والمقالات والدراسات المحكّمة حول الإسلام وكان مشرف التحرير حول كتاب "الإسلام المعاصر" الصادر عن جامعة أدنبرة، ولديه أبحاث حول شبكات الجهاديين المعاصرة، إضافة إلى دراساته عن المجتمع الديني في سورية. 
حاز توماس الدكتوراه في العلوم السياسية والاجتماعية من جامعة العلوم في باريس والجامعة الكاثوليكية في لوفيان عام 2009 وهو في الأصل خريج في تخصص التاريخ الحديث من جامعة لييج  عام 2001، ولديه شهادة في الماجستير في العلاقات الدولية والعلوم السياسة من جامعة بروكسل الحرة عام 2003، ودرجة ماجستير أخرى في السياسة المقارنة للعالم الإسلامي من جامعة العلوم في باريس عام 2010، وقد اشترك في منحة بحثية في جامعة برينستون في قسم دراسات الشرق الأدنى بعد إتمامه الدكتوراه عام 2010. 
يشير الباحث السوري محمد تركي الربيعو إلى أنّ توماس هو تلميذ مباشر للأكاديمي الفرنسي المتخصص في الدراسات الإسلامية "جيل كيبل" وأنه حين جاء إلى سورية عام 2004 لإجراء دراسته حول الجماعات الدينية في سورية كان مهمومًا بضرورة تجاوز مقاربتي "الإسلام الرسمي/الإسلام السياسي" لصالح التركيز على النخب الدينية المحلية مثل جماعة زيد في دمشق، وجماعات الكلتاوية والشعبانية في حلب، حيث إنها لا تنتمي إلى كلا الطرفين وتقوم بأداءٍ فعّالٍ في "أسلمة المجتمع"(1).
تدور محاور الكتاب حول تحولات النخبة الدينية في سورية، فيحاول استكشاف تاريخها وهياكلها والمنظمات التي انبثقت منها وعلاقاتها بالنخب الاقتصاديّة والسياسية والعسكرية والممارسات الاجتماعية التي تمكّنها من التغلغل وفرض الحضور مع الفاعلين الآخرين، إضافة إلى المرور البسيط على بعض الخلافات الفكرية بين جماعات السلفية والتديّن العلميّ التقليدي، بالتوازي مع تركيز بيريه يركز على النواحي العملية لهذه الفئة المجتمعية.
يحاججُ المؤلف في كتابه حول قضيّة مركزيّة وهي أن المشهد الديني في سوريّة ليس موحّدًا، وما نراه من الاتفاق الشكلي في التوجهات ما هو إلا شكل من أشكال "التجاور" بين مواقع الجماعات من ناحية، وتشابك في المصالح وضرورات التأقلم من ناحية أخرى، وقد استند في ذلك على مقابلات موسعة أجراها -في معظمها- بين عامي 2005 و2008 شملت مشايخ تقليديّين وعلماء ومفكرين ومثقفين ضمن الجماعات الإسلامية السوريّة إضافة إلى مقابلته للناشطين السياسيّين الذين يميلون إلى المرجعية الإسلاميّة خاصة المقرّبين -أو المنتمين- من جماعة الإخوان المسلمين، بالتوازي مع استناده إلى المصادر المفتوحة والأدبيات والمذكرات المنشورة لرموز هذه الجماعات. 
إذًا؛ فالكتاب لم يكنْ في وارد الحفر –إلا عرضًا- في واقع الاختلاف السياسيّ بين الإسلاميين أنفسهم ثم بينهم وبين السلطة السياسيّة، كما فعلت الدراسات الأخرى التي ركّزت على التأريخ للصراع بين الإخوان والنظام، وإنما سعى الكتاب لوصف البنية التي تتشكل بها/عليها الجماعات الدينيّة، ليصلَ إلى نظريّة حول تعمّد النظام منح هذه الجماعات الاستقلاليّة وعدم مأسستها/ تأميمها كما فعلت دولٌ أخرى، وإنما حرص على عدم ظهور منافسة سياسيّة منها مع فتح المجال لها في البقاء في نسيج المجتمع وبناء فضاء خاصٍّ لها فيه. 
يقارن الباحث -ليؤكّد هذه المقولة- بين واقع الجماعات الدينية والمدارس التقليدية في حال ما بعد الاستقلال وما بعد سلطة البعث/الأسد، فيرى أن الدولة السورية إثر الاستقلال حاولت مأسسة المدارس العلمية الدينيّة وجماعات العلماء على الطريقة التي مأسست بها مصر الأزهر ومجلس الإفتاء الأعلى، أو من خلال إنشاء لجنة كبار العلماء كما قامت السعودية، وذلك من خلال تشكيل لجنة الإفتاء العامة حيث يرأسها مفتٍ يتبع له مفتو المحافظات ثم إتباع الأملاك الوقفية للدولة ووضع سلطتها على المساجد أجمعها من خلال مديريات الأوقاف وصولاً إلى إنشاء وزارة أوقاف تتحكم بتعريف المشيخة واستقلال المشايخ المعنوي والاقتصادي، وهنا يحاجج بيريه بأن هذه المحاولة انتهت مع انقلاب البعث عام 1963 حيث لم يكن للعلماء التقليديين خطرٌ أمني حقيقي يهدد استقرار النظام. 
لقد كانت مصادر المشايخ والجماعات الدينية المبعثرة محدودة اقتصاديًّا، كما أن أيديولوجية الحزب الحاكم كانت ترى في المستقبل ازدهارًا قويًّا للاقتصاد الاشتراكي وأفكاره، ومن ثمّ فإن المجتمع سيلفظ الرجعيّة ورموزها "كالمشايخ والعلماء"، وربما تشكل مسألة إقالة المفتي العام أبو اليسر عابدين وتعيين كفتارو مكانه طريقة جديدة لإدارة الملف الديني وإلغاء ثقل مؤسسة الإفتاء التي حاولت بناء هرميّة معيّنة للعلماء في سورية، ودفع جماعات العلماء نفسها لبناء فضاءاتها الخاصة، وقد ترافق ذلك مع ظهور الجامعات والمعاهد الدينية الرسميّة الأمر الذي دفع لتحوّلَين أساسيين: أولهما تغيّر وجهة التقدير من النخبة الاجتماعيّة من المشايخ والعلماء إلى خريجي الجامعات والمثقفين الجدد، وثانيهما تغيّر التقدير لأشخاص الجماعات العلمية وذلك بظهور أسماء جديدة من العلماء واختفاء بيوت علمية راسخة كالغزّي والكزبري فغدت الشخصيات الجديدة محور الاهتمام المعاصر من المتدينين مع تلاشي ذكر العائلات الدينية التي كانت مهيمنة على مناصب الإفتاء وتسرّب أبناؤها إلى حقول أخرى كالطب والحقوق والسياسة.
لم تستطع الجماعات العلمائية تشكيل هرميّة متماسكة بشكل موحّد، وقد كان ذلك بهندسة واضحة من السلطة، وقد ساعدها في ذلك سيطرتها على الأوقاف وعمل الأئمة والخطباء فيها، حيث عمدت السلطة إلى عدم منح الخطباء وموظفي الأوقاف الدينيين أي حقوق معتبرة، فالغالب الأعمّ منهم لا يملك حقوق الموظف من ساعات الدوام والعطلة والتعويض والتقاعد كما أنهم لا يمتلكون نقابة أو هرميّة تمثّلهم في الأوساط الإدارية أو السياسية، ونظرًا لهذا الإهمال المتعمَّد في مأسسة الجماعات الدينية –الذي يؤدي لتقويتها وتغلغلها في جسد المؤسسات الرسمية- أدى إلى انقسامها إلى فئات مشيخية ومجموعات كبيرة متنافسة ومختلفة في التقرب أو الابتعاد عن النظام، وهذا بحدّ ذاته يفسّر اقتراب بعض الرموز الدينية من قيادة النظام "الطائفيّة" بهدف استغلال هذا القرب لزيادة نفوذهم في المجتمع لا في مؤسسات الدولة ولدعم التديّن التقليدي فيه لا لتنمية التدين الحرَكيّ، ويوضّح هذا الأمر –كذلك- الكيفيّة التي استطاع النظام من خلالها اجتثاث جذور الإخوان وطريقة تحجيم المشايخ في "المؤسسات الرسمية" وأن حضورهم اقتصر على دورات تحفيظ القرآن والمعاهد التعليمية وإنشاء الثانويات الشرعيّة إضافة إلى محاولة الاندماج مع المجتمع المدني من خلال الجمعيات الخيرية، مما يدفع بيريه ليقول إن هذه الجماعات والشبكات لم تكن يومًا جماعات وظيفية؛ وإنما على العكس من ذلك، استطاعت أن تكتسب بمهادنتها للسطلة انتشارًا أوسع في الحياة اليوميّة السوريّة.
يسرد الكتاب في عرضه قراءة واسعة لتطورات المرونة لدى العلماء السوريين، بدءًا من ظهور نخبة دينية جديدة إثر الاستقلال، وانتهاء بالغزو الواسع لفضاءات الميديا الصوتية والسمعية في حقبة بشار الأسد. 
استطاع الشيخ محمد النبهان –من عشيرة الخضيرات- اختراق المجتمع الحلبي وأرسى قواعد متنامية لأبناء الريف فيه من خلال تخصيص أغلب مقاعد مدرسته "دار نهضة العلوم الشرعية" المعروفة شعبيًّا باسم "الكلتاوية" أو "النبهانية" لهم، وبذلك ظهرت طبقة جديدة من المشايخ في حلب، بينما تركّز الثقل المدنيّ للعلماء في جماعات أخرى كجماعة الشيخ عبد الله سراج الدين، وعبد القادر عيسى أو نديم شهابي أو عبد الكريم حياني، على الرغم من الرسوخ التقليدي لمناهجهم التربوية والدينية. 
في دمشق ظهرت جماعات أخرى كجماعة زيد التي استطاعت أن تستقطب عناصر كثيرة من نخبة النسيج الدمشقي إثر المرونة التي أحدثها الشيخ عبد الكريم الرفاعي في طريقة التعليم الدينية وتحفيظ القرآن، ومع تطاول الزمن ظهرت نخب إفرادية أخرى لها فضاءاتها الخاصة، كمحمد حبش المفسّر والمتحدث في جامع فخر الدين الرازي في حي البرامكة، الذي سلك طريقًا مختلفًا عن مشايخ دمشق في تأويل الدين وقراءة أحكامه وطبيعته، مما جعله مقربًا من النخبة العلمانية وحاضرًا في المؤتمرات الباحثة عن التجديد والتآخي بين الأديان، في حين أن د. محمد راتب النابلسي صار اسمًا معروفًا لدى الشباب لحديثه اللطيف ولشهرته في الأوساط الإذاعية والتلفزيونية على نحو ينافس نجوم الفنّ.