الدوافع الاقتصادية للمواجهات بين العشائر وقسد في دير الزور
تشهد مناطق دير الزور شرق سورية منذ أواخر آب/ أغسطس 2023، مواجهات واسعة وغير مسبوقة بين أبناء العشائر العربية من جهة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) من جهة أخرى. تفجّرت هذه المواجهات على خلفية حملة أمنية قامت بها قسد ضد مجلس دير الزور العسكري التابع لها، حيث اعتقلت قيادته واستهدفت بشكل عشوائي مدن وقرى ريف المحافظة الشرقي، مما خلّف قتلى وجرحى بين المدنيين.
لم تنتهِ بعدُ المواجهاتُ بين الطرفين، وتُشير المعطيات إلى احتمال استمرارها فترة أطول، لا سيما أنّ أسباب اندلاعها لا تقتصر على الانتهاكات والسياسات الأمنية التي تمارسها قسد ضد سكّان دير الزور؛ فهناك أسباب اقتصادية لا بدّ من الإشارة إلى دورها كمحرّك أساسي في خلق وتعميق الاستياء الشعبي، وهي:
· الحرمان من الثروات: منذ انتهاء العمليات العسكرية ضدّ تنظيم داعش وحقول النفط والغاز تُدار من قِبل كوادر حزب العمال الكردستاني، الذي يتحكم بشكل رئيسي بالموارد الناتجة عن مبيعات النفط دون أي إشراك للعشائر العربية التي باتت ترزح تحت وطأة غلاء الأسعار الأخيرة، وتأثّرت أعمالها بموجات الجفاف وأحداث المنطقة، وخلال المفاوضات التي عُقدت بين الطرفين لم تحضر قضية ثروات المنطقة بشكل مباشر، لكنها كانت موجودة كمطلب مُلحَق بإدارة المنطقة من قِبل أبنائها، لا سيما أنّ موجات الاحتجاج السابقة رفعت شعار إدارة حقول النفط والغاز.
· الفساد الإداري: تتركّز مشكلة الفساد الإداري في دير الزور بوجود كوادر من حزب العمال الكردستاني في كافة المؤسسات المدنية وهيمنتهم على قرار التعيينات في الإدارة المدنية والمجالس المحلية، وبالتالي تمنع سُكّان المنطقة المحليين من حقهم في اختيار ممثلين عنهم في تلك الكيانات وحقهم في تشكيلها بما يضمن قيامها بمهامها ومحاسبتها، وكان هذا الطلب حاضراً في موجات الاحتجاجات الحالية والسابقة وفي المفاوضات التي عُقدت بين الطرفين.
· الفساد المالي: تقوم كوادر حزب العمال الكردستاني ببناء ودعم شبكات الفساد المحلية والتغطية عليها في دير الزور، مما أدّى لاستنفاد معظم موارد المؤسسات والكيانات الخدمية والإنسانية، وعطّل دورها في تقديم وإيصال الخدمات لمستحقيها من سكّان المنطقة، وكذلك بناء وإصلاح البِنْية التحتية وغيرها، وكان ذلك سبباً في اندلاع موجات احتجاج سابقة في بعض أرياف المحافظة.
· عمليات التهريب: أنشأت كوادر حزب العمال الكردستاني بالشراكة مع قادة عسكريين محليين شبكات للتهريب عَبْر نهر الفرات، تقوم بنقل غير مشروع للسلع الأساسية من مناطق قسد في دير الزور إلى مناطق النظام السوري. مما أدى إلى استنفاد العديد من تلك السلع المدعومة مثل الدقيق والسكّر والمحروقات وغيرها، وكان إنهاء عمليات التهريب وتفكيك الشبكات التي تقوم عليها وترعاها أحد أبرز المطالب التي كانت حاضرة في الاحتجاجات المحلية.
أخيراً سواء حصلت التهدئة بين الطرفين أم حُسمت المواجهات لأحدهما فإن المسألة الاقتصادية ستبقى حاضرة في تحديد مصير المنطقة والاستقرار في دير الزور، كون قضايا الفساد المالي والإداري وعمليات التهريب والحرمان من الثروات حضرت بقوّة في المطالب والاحتجاجات السابقة والحالية.