استفتاء كردستان وأثره على سورية والمنطقة
سبتمبر 21, 2017 4131

استفتاء كردستان وأثره على سورية والمنطقة

حجم الخط

أولاً: مقدمة  
يتوزع الكُرد بين أربع دول هي بترتيب توزع أعدادهم: تركيا، إيران، العراق، سورية. ولم تتوقف محاولات الكُرد لتأسيس دولة منذ القدم وحتى اليوم. ويُعتقد أنّ أوائل الإمارات/الدول الكردية التي تأسست (بعد العصر الأسلامي) كانت الدولة الحسنوية (941–1014م) والدولة الشدادية (951-1088م) و(الدولة المروانية (982–1097م). 
وفي العصر الحديث كانت (جمهورية مهاباد) التي أعلنها (القاضي محمد) عام 1946، والتي شملت مناطق من كردستان إيران، أول جمهورية كردية ذات حُكمٍ ذاتي يتم تأسيسها في العصر الحديث بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنّها لم تدم سوى 10 أشهر بسبب افتقارها للدعم الدولي، وخذلانها من قبل الاتحاد السوفيتي آنذاك، والذي دعم الجمهورية في بداية تأسيسها، لكنه سرعان ما تخلى عنها بعد اتفاقات مع شاه إيران. 
بقي الكُرد منذ أمد بعيد يسعون لإنشاء دولة كردية تحظى باستقلالية وباعتراف دولي، ولتحقيق هذا الهدف شهدت المناطق الكردية في تلك الدول حركات وثورات كثيرة منها حركة بدرخان عام 1842، ويزدان شير عام 1853، وعبيد الله النهري عام 1880، ومحمود الحفيد عام 1919، وسمكو الشكاكي عام 1920، والشيخ سعيد عام 1925، وسيد رضا عام 1937، ومصطفى البرزاني عام 1943 و1961، والقاضي محمد-جمهورية مهاباد عام 1946، وحزب العمال الكردستاني عام 1978، إلى غير ذلك من الحركات. 
ولم تخلُ هذه الثورات من توجهاتٍ شخصية لبعض القادة لتأسيس إمارات خاصة (عائلية أو عشائرية) مثل: محمود الحفيد، وسمكو، وعز الدين شير.
وفي 7/6/2017 أعلن مسعود البرزاني رسمياً، وبالتوافق مع غالبية الأطراف السياسية الكردستانية، عن إجراء استفتاء حول استقلال كردستان العراق في 25/9/2017، وهو تاريخ رمزي مرتبط بثورة أيلول التي أعلنها والده (مصطفى البرزاني) عام 1961 ضد النظام العراقي آنذاك.
ومنذ ذلك الحين، تسود الأوساط السياسية في العراق وخارجه التكهنات حول ما يمكن أن يؤدّي إليه الاستفتاء، وما إذا كان سيحصل أصلاً أم سيشهد تأجيلاً في اللحظة الأخيرة، والدوافع التي تقف خلف هذا الاستفتاء المستفز لحكومة بغداد ولحكومات المنطقة بأسرها. 
ويحاول هذا التقرير دراسة المعطيات السياسية التي تكتنف الاستفتاء، والأسباب التي يمكن أن تقف خلف تنظيمه، وردود الفعل المتوفرة حتى الآن، والسيناريوهات الممكنة لما بعد تنظيمه، وأثر الاستفتاء على الكرد في المنطقة، وعلى دول الجوار. 

ثانياً: إقليم كردستان العراق  
تبلغ مساحة إقليم كردستان العراق ما يقارب (40,000) كم²، باستثناء (المناطق المتنازع عليها)، ويبلغ عدد السكان حوالي 5.2 مليون نسمة موزعين على أربع محافظات، هي: هولير/أربيل، دهوك، السليمانية، حلبجة(1) . تحده سورية من الغرب، تركيا من الشمال، وإيران من الشرق والجنوب. والإقليم غني بالنفط، حيث يبلغ احتياطي النفط فيه (60) مليار برميل (باستثناء نفط كركوك) (2).
وتوجد في إقليم كردستان العراق عدد كبير من الأحزاب السياسية التي تتنافس على مقاعد برلمانه الذي تأسّس عام 1992، وهي بالترتيب: الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة رئيس الإقليم مسعود البرزاني، ولديه حالياً 38 مقعداً في برلمان الإقليم، وحركة التغيير والتي كان يرأسها نوشيروان مصطفى الذي توفي في 19 أيار 2017 وخلفه في المنصب (عمر سيد علي)، ولديها 24 مقعداً، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال الطالباني الرئيس العراقي السابق، ولديه 18 مقعداً، والاتحاد الاسلامي الكردستاني برئاسة صلاح الدين بهاء الدين، ولديه 10 مقاعد، والجماعة الإسلامية برئاسة علي بابير، ولديها 6 مقاعد(3). بالإضافة إلى عدد من الأحزاب الأخرى الأصغر حجماً والمقاعد المخصصة للمكونات.


ثالثاً: نبذة تاريخية 
شهد إقليم كردستان العراق العديد من الحركات التي سعت إلى تأسيس دولة كردية أو حكم ذاتي كردي، ولعل أولها في العصر الحديث كانت حركة الشيخ (محمود الحفيد) عام 1918 ضد الإنكليز، وانتفاضة البرزانيين بقيادة (عبدالسلام البارزاني) عام 1932. وكانت الحركة الأبرز هي تلك التي بدأها (مصطفى البرزاني) عام 1943، وأعاد إشعالها عام 1961، وتُوّجت في النهاية بعقد اتفاق (الحكم الذاتي للكُرد) بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مصطفى البرزاني والحكومة العراقية في 11 آذار 1970. إلا أنّ الخلافات بين كرد العراق وحكومة بغداد لم تتوقف، وخصوصاً بعد تعديل السلطات العراقية لإتفاق الحكم الذاتي وإضافة حق الرئيس العراقي حل المجلس المحلي لإقليم كردستان  كما لم تتوقف معها الخلافات بين طهران وبغداد نتيجة لدعم شاه ايران ثورة الكورد المسلحة.
وأدّت المباحثات بين الحكومة العراقية والإيرانية آنذاك حول الموضوع إلى توقيع "اتفاقية الجزائر" الشهيرة في 6/3/1975، والتي وقّعها عن الحكومة العراقية نائب الرئيس آنذاك صدام حسين، وعن الحكومة الإيرانية شاه إيران محمد رضا بهلوي، ونصت على تخلي العراق عن نصف شط العرب وأراضٍ أخرى  لصالح إيران مقابل وقف الدعم الإيراني لكُرد العراق. 
ضعُفت الصدامات المسلحة بين الطرفين بعد اتفاقية الجزائر، وتوقفت بسبب الحرب الإيرانية-العراقية (1980 – 1988). بعد انتهاء الحرب ارتكب النظام العراقي مجزرة (حلبجة) في 16/3/1988، ونفّذ عمليةً أطلقت عليها حكومة صدام اسم "الأنفال"، وأدّت إلى تغييب ما يقارب (180) ألف كردي عراقي، وتسببت هذه المجازر بتهجير معظم الكُرد باتجاه الجبال، فيما توجّهت معظم القيادات إلى إيران. 
بعد حرب الخليج الأولى 1990 فرضت الولايات المتحدة حظراً للطيران على مناطق شمال العراق بما منح الفرصة لطرد الجيش العراقي، وسيطرة البيشمركة على معظم المناطق الكردية في العراق. 
وفي عام 1992 شكّل إقليم كردستان العراق أول برلمان منتخبٍ بشكل ديموقراطي. إلا أنّ هذه الأجواء لم تدُم طويلاً، حيث ما لبثت أنّ دبّت الخلافات والانقسامات الداخلية بين الحزبين الرئيسين: الحزب الديمقراطي الكردستاني (بقيادة مسعود البرزاني) وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (بقيادة جلال الطالباني)، وتطوّرت الخلافات إلى صدامات مسلحة امتدت بين عامي (1994–1998)، أدّت إلى مقتل الآلاف من الطرفين، وتوقف القتال بينهما بوساطة أمريكية بعد التوقيع على اتفاقية (واشنطن) بحضور وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك مادلين أولبرايت في أيلول/سبتمبر 1998. 
لم تنجح الاتفاقية سوى في وقف الاقتتال بين الطرفين، بينما ترسّخ الانقسام الداخلي، فأصبحت السليمانية وحلبجة والمناطق المحيطة بها منطقة خضراء (نسبة إلى اللون الأخضر الطاغي على شعار حزب الاتحاد الوطني الكردستاني) وأربيل ودهوك والمناطقة المحيطة بها منطقة صفراء (نسبة إلى اللون الأصفر الطاغي على شعار الحزب الديمقراطي الكردستاني). وترسخ هذا الانقسام شعبياً أيضاً، وتحول إلى نوع من الكراهية المتبادلة بين الطرفين.
بعد حرب العراق عام 2003 توفرت للإقليم فرصة لنزع الاعتراف بقواته وإقليمه من البرلمان العراقي، وهو ما حصل في الدستور العراقي الذي اعتُمِد شعبياً عام 2005(4) ، وخصّص نسبة (17%) من ميزانية الدولة للإقليم. 
في 12/6/2005 استلم (مسعود البرزاني) منصب رئاسة إقليم كردستان العراق بشكل رسمي، وأعيد انتخابه في 25/7/2009 بنسبة 70% من الأصوات، ومع أنّ المدة القانونية لمنصب الرئاسة (وهي دورتان رئاسيتان، مدة كل واحدة منها 4 سنوات) قد انتهت عام 2013، فإنّ مسعود البرزاني ما زال منصبه، وقد تم التمديد فترته الرئاسية لمدة سنتين عن طريق البرلمان، وبعد انتهاء فترة التمديد في 19/8/2015 تم تقديم مشروع من طرف الحزب الديمقراطي الكردستاني للتمديد له لمدة سنتين اضافيتين، إلا أنّ الأحزاب الأخرى لم تقبل بذلك، وتسبب الخلاف بتعطيل البرلمان منذ عام 2015 وحتى تاريخ 15/9/2017، حين عُقدت أول جلسة للبرلمان بعد سنتين من تعطيله.
 
رابعاً: أزمات الإقليم  
أدّت الظروف الموضوعية في العراق والمنطقة إلى منح إقليم كردستان العراق فرصاً اقتصادية وسياسية مميزة منذ عام 1992 وحتى اليوم، كان أهمّها الوضع الاقتصادي الصعب في بقية العراق منذ عام 1992 وحتى 2003 بسبب ظروف الحصار، ثم انهيار الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي منذ عام 2003 وحتى اليوم تقريباً. الأمر الذي منح الإقليم فرصاً ليكون واحة من الاستقرار في بلدٍ منهك. 
لكن ظروفاً ذاتية وأخرى موضوعية حدّت من قدرة الإقليم على الاستفادة من هذه الفرص، أهمّها ضعف الحوكمة الرشيد، حيث يتم توزيع معظم المناصب العامة على أساس الولاءات العشائرية (5) والحزبية، إضافة إلى الانقسام الداخلي، فالإقليم منقسم عملياً بين حزبين، يتصرّف كل منهما في مناطق نفوذه بشكل مستقل (الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية وحلبجة) و(الديمقراطي الكردستاني في هولير/أربيل ودهوك)، كما يمتلك كل منهما أجهزة أمنية وعسكرية مستقلة(6) ، بالإضافة إلى نظام اقتصادي خاص. 
وتسبّب هذا الانقسامُ الداخلي في الارتباط بأطراف خارجية لمصالح حزبية، فارتبط حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعلاقات وثيقة مع إيران، وأتبع ذلك بعلاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني أيضاً، بينما توجّه الحزب الديمقراطي الكردستاني نحو بناء علاقات مع تركيا لتصبح المنطقة (الخضراء) ذات نفوذ إيراني، و(الصفراء) ذات نفوذ تركي. 
ويعاني اقتصاد إقليم كردستان العراق أيضاً من اعتماده بشكل كبير على الصناعة الاستخراجية، في ظلّ ضعف كبير في الاستثمارات الزراعية والصناعية والتحويلية، بما يدفعه لاستيراد الغالبية المطلقة من احتياجاته من إيران وتركيا. وتذهب معظم عوائد النفط كرواتب لموظفي حكومة الإقليم . 
ووصلت ديون الإقليم لما يقارب (20) مليار دولار. وتتأثر موازنة الإقليم بشكل كبير بأسعار النفط الذي تشكّل عوائده حوالي 90% منها.
ويأتي توجّس الدول المحيطة في مقدمة الظروف الموضوعية الخارجية، حيث اختلفت هذه الدول فيما بينها في كل شيء تقريباً، واتفقت على منع نمو المشروع الكردي الوليد. 
 
خامساً: استفتاء وأول دولة كردية 
منذ عام 2014 أعلن رئيس إقليم كردستان العراق (مسعود البرزاني) عن عزمه إجراء استفتاء شعبي (غير ملزم) حول استقلال إقليم كردستان، أو البقاء ضمن الدولة العراقية، إلا أنّ دخول تنظيم الدولة (داعش) للموصل وشنكال حال دون ذلك. وفي عام 2017 أعاد الحديث مرة أخرى وبجدية أكثر عن هذا الموضوع. 
وفي 7/6/2017 أعلن مسعود البرزاني رسمياً عن توقيت الاستفتاء في 25/9/2017 (8)، وهو تاريخ رمزي مرتبط بثورة أيلول التي أعلنها والده (مصطفى البرزاني) عام 1961 ضد النظام العراقي آنذاك.
وكانت المناطق الكردية قد شهدت استفتاء سابقاً في كانون الثاني/يناير 2005، وتجاوزت نسبة المصوتين للاستقلال فيه 98.9%، كما قامت جامعة دهوك برعاية منظمة أمريكية بإجراء استطلاع للرأي شبيه بالاستفتاء نهاية عام 2016 وكانت نسبة الراغبين بالاستقلال 84%.
يمكننا الجزم من الآن بأنّ نتيجة الاستفتاء ستكون لصالح الاستقلال والانفصال عن العراق، ولكن التحدي الكبير للحزب الديمقراطي الكردستاني وأنصاره هو في نسبة المؤيدين، ففي حين وصلت نسبة المؤيدين عام 2005 إلى 98.9% فإنّ تحقيق نسبة مماثلة هذه المرة سيكون شبه مستحيل بسبب الأزمات الداخلية في الإقليم، ووجود معارضين للحزب الديمقراطي الكردستاني وسياساته، وفي مقدمتهم (حركة التغيير/كوران) التي تعدّ ثاني أكبر قوة في البرلمان بعد الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهي تعتبر قرار الاستفتاء خاطئاً، وينبغي تأجيله لما بعد حل المشاكل الداخلية، وفي مقدمتها (تفعيل البرلمان)، ومواضيع تتعلق بالتوزيع العادل للثروات(9) .
ويرى الكثير من المعارضين أن الاستفتاء سيكون فرصة لتكريس سلطة البارزاني وأسرته وأنصاره فهم يخشون أن يستأثر الحزب على مقاليد الدولة، لذلك فمن المتوقع أن يمتنع عدد من معارضي الاستفتاء عن التصويت، وقد يصوتون بالرفض مما سيشكل إحراجاً كبيراً لداعمي الاستقلال، فنسبة 60% و70% للموافقين على الاستقلال تعتبر ضئيلة ومخيبة لحدث مهم كهذا، وستوحي مثل هذه النتيجة بوجود مشاكل كبيرة في العلاقات الداخلية في الإقليم، خاصة وأن حلم الاستقلال يراود معظم الكُرد في العراق بدون استثناء، وظهور هذه النسبة لن تكون بشير خير لمستقبل ما بعد الاستفتاء. 
من طرفه قام رئيس الإقليم مسعود البرزاني بعدة خطوات لرأب الصدع الداخلي وحشد الدعم السياسي والجماهيري للاستفتاء ومنها إعلانه أنّه لن يترشح لولاية رئاسية جديدة، وذلك أثناء مقابلة مع صحيفة عكاظ السعودية(10) ، وأعاد هذا الموقف أكثر من مرة بعد ذلك، وكذلك محاولات عديدة لتفعيل البرلمان، والتي انتهت بالاتفاق على عقد الجلسة الأولى للبرلمان المعطّل منذ 2015 في 14/9/2017 (11)
إلا أنّ الأحزاب المعارضة تنظر بعين الارتياب لهذه الإجراءات، وتخشى أن تكون محاولات التفافية للحصول على دعم شعبي للاستفتاء. ولذا لم تشارك كل من حركة التغيير/كوران، والجماعة الاسلامية في جلسة البرلمان التي عقدت بعد عامين من التعطيل، وصوت البرلمان في هذه الجلسة على قرار إجراء الاستفتاء في موعده(12).
 
أسباب ودواعي الاستفتاء  
تكمن العديد من الأسباب وراء رغبة إقليم كردستان العراق بإجراء استفتاء حول الاستقلال في مثل هذا التوقيت، وأهمها:
• رغبة حكومة الإقليم في استغلال الاوضاع التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط عموما والعراق خصوصاً – بعد ظهور تنظيم الدولة – والحصول على مكاسب من هذه الأوضاع، وأهمها الاحتفاظ بالمناطق التي سيطرت عليها خلال الحرب ضد تنظيم الدولة، وأبرزها على الإطلاق ضمُّ المناطق المتنازع عليها  لإقليم كردستان العراق، وتثبيت ذلك دستورياً، والاعتراف بحق الإقليم في بيع النفط دون الرجوع لبغداد.
• التقدم خطوة للأمام في موضوع الاستقلال (إن لم يحدث بعد الاستفتاء)، والتحضير له، بالاعتماد على ما سيكسبه الإقليم من نتائج استفتائه على الصعيد العراقي والإقليمي والدولي، فأي شيء سيكسبه الإقليم أقل من الاستقلال سواء أكان (التثبيت الجغرافي للوضع الحالي، أو الاعتراف بحق بيع النفط...) سيساعده في مسيرته نحو الاستقلال. فعلاقة هولير/أربيل بعد الاستفتاء مع بغداد لن تكون في كل الأحوال كالعلاقة بين الطرفين قبل الاستفتاء، ولاسيما في الحدّ من تحكّم بغداد بميزانية الإقليم، وصادرات النفط.
• الأسباب الداخلية المتعلقة بالحزب الديموقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود البرزاني، والذين يرون في الاستفتاء وسيلة لكسب التأييد الشعبي، وإحراج خصومهم من الكرد، داخل كردستان العراق وخارجها. فضلاً عن رفع الحرج الذي وقع به مسعود البرزاني نتيجة تعطيل البرلمان لأكثر من سنتين.
 
سادساً: المواقف من الاستفتاء  
كردياً 
انقسمت المجموعات السياسية في الإقليم بين مؤيد للاستفتاء وبين مُطالب بتأجيله حتى تتهيأ الظروف، إلا أنّ الغالبية أيدته، بينما اقتصرت المعارضة على (حركة التغيير/كوران) و(الجماعة الإسلامية)(14) . وتتهم "حركةُ كوران" الحزبَ الديمقراطي الكردستاني باستغلال الاستفتاء للتغطية على مشاكل وأزمات الإقليم، واستغلال الاستفتاء لمصالح حزبية. 
ورغم عدم رغبة حزب العمال الكردستاني في تحقيق أي مكاسب للحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود البرزاني، لكنّه لم يبد موقفاً معارضاً للاستفتاء. إلا أنّ من المتوقع أن يُحاول الحزب تعطيل الاستفتاء في منطقة شنكال/سنجار، وقد لا يَسمح بإجرائها في المناطق الخاضعة لسيطرته. 
أما حزب الشعوب الديمقراطي التركي، والذي يعدّ الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني، فقد أعلن أكثر من مرة أنّه يؤيّد الاستفتاء وسيفعل ما بوسعه لإنجاحه، ويؤيد ما سيُقرّره سكان الإقليم(15) .
ويؤيدّ كُرد سورية في معظمهم الاستفتاء، ويعتبرونه فرصة تاريخية، وخاصة أنصار المجلس الوطني الكردي، الذين نظموا تجمعات جماهيرية كبيرة في سورية وأوروبا. وتُظهر متابعة وسائل إعلام الأحزاب الكردية السورية المقربة من إقليم كردستان مدى دعمهم للاستفتاء، فبعد إعلان موعد الاستفتاء أصبحت المواد والأخبار التي تنشر على مواقعهم أكثر من تلك التي تُنشر عن كرد سورية (موقع يكيتي ميديا مثالاً). 
ويتحضّر المجلس الوطني الكردي منذ الآن لتنظيم احتفالات وتجمعات جماهيرية في المناطق الكردية في سورية بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء، وسبق ذلك تنظيم تجمعات جماهيرية للاحتفال بقرب موعد الاستفتاء ودعماً له (16)
ولم تُبدِ الإدارةُ الكردية الذاتية في سورية ممثلة بحزب الاتحاد الديمقراطي أي موقف رافضٍ للاستفتاء حتى اليوم؛ غير أنّ وسائل الإعلام المقربة من الحزب تروّج لفكرة أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني يُحاول التغطية على مشاكله الداخلية بموضوع الاستفتاء، كما قامت قوى الأمن التابع للإدارة الذاتية (الأسايش) باعتقال عدد من مناصري المجلس الوطني الكردي عشية احتفالهم دعماً للاستفتاء (17).
 
إقليمياً  
العراق
رفضت حكومة بغداد إجراء الاستفتاء، وصرّح معظم المسؤولين العراقيين بضرورة التركيز حالياً على قتال تنظيم الدولة وإعادة اعمار الموصل، وتأجيل هذه المواضيع لما بعد ذلك، كما ظهرت دعوات من مجموعات عسكرية مقربة من دوائر النفوذ في بغداد تطالب بتهجير الكرد من بغداد في حال انفصال الإقليم عن العراق(18)
ويتأثر المزاج الشعبي في الإقليم بشكل طردي بالحملة السياسية العراقية المناهضة للاستفتاء، ومن المتوقع أن تؤدّي مناهضة السياسيين العراقيين إلى زيادة نسبة التصويت، وهو ما يدفع السياسيين العراقيين إلى التأكيد في خطاباتهم على حق الكرد العراقيين في تقرير مصيرهم، في محاولة لتخفيف الأثر الشعبي الكردي(19)
وقبل الاستفتاء بمدة قصيرة ارتفعت حدّة التصعيد من قبل بغداد، ولاسيما بعد قرار البرلمان إقالة محافظ كركوك (د. نجم الدين كريم) المحسوب على الاتحاد الوطني الكردستاني (20)، وتصويت البرلمان العراقي على رفض الاستفتاء في إقليم كردستان(21) .
تركيا
اعتبرت تركيا قرار الاستفتاء "خطيراً"، و"خطأ فادحاً"(22)  و"لعباً بالنار"(23) ، إلا أنّ من غير المتوقع أن تقوم تركيا بأي عمليات عسكرية أو مقاطعة اقتصادية للإقليم في حال أعلن استقلاله، ويعتقد أن تصريحات المسؤولين الأتراك تستهدف إرضاء القوميين الأتراك أكثر مما تستهدف الإقليم، فالعلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين الطرفين لاسيما في التصدي للتمدد الإيراني، وحزب العمال الكردستاني تجري على مستويات عالية، ومن غير المتوقع أن تضحي بها تركيا من أجل خطوة الاستفتاء، أو حتى الاستقلال إن تحقق. وقد أكدت ذلك عندما صرحت "إنها لن تغلق حدودها أو تغلق خط أنابيب النفط إلى منطقة جيهان التركية..." إذا ما نفّذ الإقليم قراره بالاستفتاء أو الاستقلال.
إيران
يبدو الرفض الإيراني لاستقلال إقليم كردستان هو الأشد والأكثر خطورة من سابقيه على مستقبل إقليم كردستان العراق(24) ، حيث ترفض انفصال الإقليم كي لا يشجع خطوات مماثلة من قبل مكونات أخرى في العراق، وهو البلد الذي تعدّه ساحة خلفية لها، كما أن استقلال إقليم كردستان سيكون ملهماً لكُرد إيران، ومشجعاً لهم على المطالبة باستحقاقات مماثلة عاجلاً أم آجلاً. ولذا فإنّ من المتوقع أن تقوم إيران عبر حكومة بغداد وميليشيات الحشد الشعبي بممارسة الضغط العسكري لخلق أزمات أمنية للإقليم، كما يمكن أن تقوم بإغلاق المعابر الحدودية مع الإقليم، وبالتالي خلق أزمة في المناطق التي تعتمد على البضاعة الإيرانية.
الدول العربية 
دعت جامعة الدول العربية من طرفها إلى الحفاظ على وحدة العراق(25) ، وقام الأمين العام لجامعة الدول العربية بزيارة لإقليم كردستان العراق بغرض اقناع حكومة الإقليم بالعدول عن قرار الاستفتاء (26)
ويعتقد أن السعودية والإمارات هما الأكثر ميلاً لدعم استقلال كردستان، نتيجة لخلافاتهم مع تركيا وإيران، وحتى مع حكومة بغداد.
دولياً 
طالبت معظم الدول المهتمة بالمنطقة بتأجيل الاستفتاء إلى ما بعد القضاء على تنظيم الدولة وإعادة الإعمار، وأبدوا مواقفهم الداعمة لبقاء عراق موحد، ودعوا إلى استمرار التفاوض بين أربيل وبغداد للتوصل لاتفاق مشترك حول موضوع الاستفتاء. وقد صدر مثل هذا الموقف من الولايات المتحدة(27) ، وبريطانيا(28) ، وفرنسا (29) .
وشكّل الموقف الاسرائيلي الداعم للاستفتاء ولإقامة (دولة كردستان) استثناءً ملفتاً، فرغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رفيعة بين إقليم كردستان واسرائيل فقد أظهرها موقفها إعلامياً على أنّها حليف كبير للكُرد. 
ويعود الموقف الاسرائيلي الداعم لاستقلال كردستان إلى عام 2014 عندما طرح مسعود البرزاني موضوع الاستفتاء لأول مرة، حيث قال رئيس الوزراء نتنياهو: "يجب علينا أن ندعم طموح الكُرد للاستقلال، إنهم يستحقون ذلك"(30) . وكذلك مؤخراً في تغريدة له على موقع تويتر (31) .
الموقف الاسرائيلي جاء لكسب دولة رفيقة في الشرق الأوسط وبالتالي فك شبه العزلة الإقليمية، وكذلك الاستفادة من ثروات الإقليم النفطية، والتي قد تشتريها اسرائيل بأسعار أقل من السوق العالمية بسبب حاجة الإقليم لبيع انتاجه، وقد سبقت أن اشترت اسرائيل شحنة نفط من نفط إقليم كردستان بلغت (19 مليون برميل)(32) . كما أنّ الموقف الاسرائيلي المبكر الداعم للاستقلال جاء لكسب الجماهير الكردية عاطفياً، وتهيئة الأوضاع لفتح علاقات مستقبلية، وهو ما سيبني لأول مرة دعماً شعبياً لعلاقات ديبلوماسية مع إسرائيل.
فضلاً عن كل هذا وذاك يعتقد بعض المطلعين أن إسرائيل تتطلع مستقبلاً الى ربط الدولة الكردية الوليدة بها من خلال تمرير خط أنبوب نفط كركوك عبر المناطق الكردية في سورية وصولاً الى البحر المتوسط، مما يعني عملياً القضاء على ميناء جيهان التركي. وربما يكون التخوف التركي من هذا الاحتمال أحد أسباب تدخلها عسكرياً في سورية من خلال عملية درع الفرات.
وما زالت كل المواقف الرافضة للاستفتاء أو الداعية لتأجيله حتى اليوم مواقف كلامية، ولم تترجم على أرض الواقع عملياً، ومن المتوقع أن تظل كذلك باستثناء احتمال تنفيذ إيران لخطوات عملية رداً على قرار الاستقلال (إن تم اتخاذه بعد الاستفتاء) كإغلاق المعابر الحدودية، والضغط على الحكومة العراقية لعدم القبول بالاستقلال، واستخدام الميليشيات المقربة منها في العراق لتهديد أمن الإقليم.
من جهة أخرى فإن الاعتراف بدولة كردستان قد لا يأتي مبكراً فمعظم الدول التي طالبت بتأجيل الاستفتاء، وأبدت رغبتها بالحفاظ على عراق موحد لن تعترف سريعاً بدولة كردستان، خاصة إن كانت من طرف واحد ودون موافقة بغداد.
 
سابعاً: سيناريوهات ما بعد 25 أيلول  
يظهر إصرار (مسعود البرزاني) على إجراء الاستفتاء ورفضه القاطع تأجيله بأنه يحمل رغبة واضحة وجدية في الاستقلال وإعلان دولة كردستان مستقلة، لكن لا يبدو أن هناك استراتيجية اقتصادية أو سياسية واضحة لما بعد الاستفتاء، رغم أن نتائج الاستفتاء محسومة قبل إجرائه، وستكون تحصيل حاصل.
وسيعني عدم حصول الاستقلال في ضوء هذا الإصرار والحشد الإعلامي والجماهيري خسارة كبيرة للحزب الديمقراطي الكردستاني الأمر الذي سيؤثر سلباً على شعبيته، إلا اذا حصل بدلاً من الاستقلال على الكثير من التنازلات من حكومة العراق المركزية، وأهمها تثبيت الحدود الجغرافية الحالية، أي الحدود بعد الحرب ضد تنظيم الدولة دستورياً، وأهمها ضم كركوك لإقليم كردستان، والحصول على اعتراف عراقي بحق الإقليم في بيع النفط دون الرجوع لبغداد. 
وهنا يمكن أن نتوقع 3 سيناريوهات لما بعد الاستفتاء :
1. خيار الكونفدرالية 
مع أنّ معظم التجارب الكونفدرالية كانت بدايات للفيدرالية لا الانفصال والاستقلال، كما حصل في سويسرا وغيرها، إلا أنّ الوضع مختلف هنا، حيث يمكن أن تكون الكونفدرالية خطوة أولى للاستقلال مستقبلاً، وهذا السيناريو سيأتي غالباً لعدة أسباب، منها: أزمات الإقليم الداخلية، والتي تحدثنا عنها سابقاً، ورفض الدول الإقليمية للاستقلال وإعلان دولة كردية، وخوف الإقليم من عدم حصوله على اعتراف دولي أو إقليمي في حال أعلن الاستقلال بشكل منفرد، لذلك من المتوقع أنّ يدخل الطرفان (أربيل وبغداد) في حوار لترسيم صيغة من التوافق تكون أقرب للنظام الكونفدرالي بحيث يسمح للإقليم بالتصرف بثرواته، وإعطائه صلاحيات لإقامة علاقات خارجية مستقلة عن علاقات بغداد، وبناء مؤسسات أمنية وعسكرية مستقلة، ومن طرفه يظل الإقليم ملتزماً بإعطاء نصيب بغداد (الذي سيتم الاتفاق عليه) من ثروات الإقليم، والالتزام بحماية كل طرف لمصالح الطرف الآخر.
تعقيدات هذا السيناريو كبيرة وأهمها النقاط التي سيتفق عليها الطرفان، وشكْل هذا النظام الكونفدرالي الذي يرضي الطرفين، فحكومة بغداد لن توافق سريعاً على مثل هذا العرض، والذي تعرف حتماً أنه يُشكّل خطوة نحو الاستقلال، كما أنّ الاتفاق على النسبة التي ستحصل عليها بغداد من ثروات الإقليم ستكون أكثر النقاط إشكالية، فالإقليم الغني بالنفط ولا سيما منطقة كركوك لن يرضى بسهولة التخلي عن نسبةٍ ترضي بغداد، وبغداد لن ترضى بالقليل. 
ويبقى هذا السيناريو متعلقاً بإصرار الإقليم على تطبيق نتائج الاستفتاء على أرض الواقع، حينها سيكون القبول بالنظام الكونفدرالي أقل ضرراً على بغداد من الانفصال الكلي للإقليم.
2. الاستقلال 
تظهر تصريحات رئيس الإقليم والحشد الإعلامي والجماهيري للاستفتاء أنّ الخطوة الثانية بعد الاستفتاء ستكون الاستقلال، ولاسيما ما يردده دائماً مسعود البرزاني بأنّ "حلمه أنّ يؤسس دولة كردية، وبعدها تنتهي مهمته". ولكن المعيقات الكثيرة التي تواجه هذا السيناريو تجعلنا نشك في نجاح هذه الخطوة.
معيقات السيناريو 
تعترض الإقليم الكثير من العوائق أمام سيناريو الاستقلال وبناء دولة حديثة:
أولها الاقتصاد الهش، وسوء الإدارة، فاقتصاد الإقليم يعتمد بشكل كلي على النفط التي تنتجه الشركات الأجنبية بالكامل، والذي يفتقر بدوره لحسن الإدارة والتوزيع العادل، بالإضافة لانخفاض أسعاره في السنوات الفائتة مما رفع ديون الإقليم إلى أكثر من (20) مليار دولار، وهددت بعض الشركات بسحب عمالها من الإقليم وتوقيف الانتاج، وما سيجنيه الإقليم من انتاج النفط سيعطيه رواتب لموظفيه بطريقة غير رشيدة، وهم بدورهم سيصرفونها على سلع يستوردها الإقليم من دول أخرى. بالإضافة إلى غياب حكومة رشيدة يمكنها إدارة الدولة الحديثة؛ فالفساد المعتمد على المحسوبية والعشائرية والحزبية منتشر بشكل كبير، وأصبح القضاء عليه صعباً ويستلزم سنوات طويلة. 
أما ثاني المعيقات فهو الانقسام الداخلي، والذي سيكون عائقاً أمام تأسيس دولة مركزية بقيادة واحدة، فما زال الإقليم حتى اليوم منقسم بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، مع تقسيم لمعظم مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية، 
ثالثاً سيخيف الرفض الإقليمي وخاصة الإيراني الإقليمَ من احتمالات قيام أحد هذه الأطراف مباشرة أو بالاعتماد على الميليشيات المقربة منها بعمل عسكري لتعكير صفو الدولة الحديثة، بالإضافة إلى صعوبة الاعتراف الدولي والذي سيعيق بناء علاقات خارجية للإقليم بمعزل عن بغداد. 
أما الدافع الأكبر لتطبيق مثل هذا السيناريو فهو رغبة القيادات السياسية الكردية في تحقيق حلمهما بدولة كردية، وهم يرون أنّ الفرصة سانحة الآن لذلك في ظل ما تشهده المنطقة من صراعات وأزمات، وهو ما يبدو منطقياً لولا ما يشهده الإقليم من مشاكل وانقسامات داخلية، ووضع اقتصادي سيء، وارتباطات خارجية للقوى السياسية في الإقليم والتي قد تستغل خاصةً من قبل إيران لضرب وحدة الإقليم .
كما يملك هذا السيناريو أهمية كبيرة بالنسبة لمهندسه مسعود برزاني، والذي يسعى بعد أربعين عاماً من قيادة الحركة الكردية في الإقليم إلى الحصول على إنجازه الخاص، والذي سيحوّله إلى "بطل قومي" لدى الكرد في العراق وخارجه، وسيسمح له بدخول كتب التاريخ كقائد للاستقلال، أو على الأقل كحامل لرايته. 
وإذا ما التزم البرزاني بتصريحاته الأخيرة عن نياته عدم الترشح للرئاسة مجدداً بعد الاستفتاء، فإنّ سيناريو الاستقلال، أو حتى الاقتراب منه، سيمثّل إرثه الأساسي، وهو ما يسعى كل السياسيون حول العالم لامتلاكه.  
3. مفاوضات والحصول على تنازلات
يمكن أن تؤدّي ورقة الاستفتاء إلى دفع بغداد للدخول في مفاوضات مع أربيل لترسيم الحدود الجديدة للإقليم، وتحديد نسبة الثروات التي يمكن للإقليم استثمارها دون الرجوع لبغداد، وفي هذا السيناريو لن يرضى الإقليم جغرافياً إلا ببقاء الوضع كما هو عليه الآن (وليس كما كان قبل 10 حزيران 2014)، وخاصة كركوك، والسماح له باستثمار ثرواته الباطنية دون الرجوع لبغداد، وسيكون هذا هو الحد الأدنى الذي يمكن لحكومة الإقليم القبول به كبديل عن الاستقلال. 
وسيلقى هذا السيناريو الترحيب من قبل بغداد باعتبار أن سيحافظ على وحدة الدولة، ويُمكّنها من الاستفادة من ثروات الإقليم، والمشاركة في ضبط سياساته الخارجية والأمنية، وغالباً ما سيكون هذا الخيار مرحباً به من قبل الدول الإقليمية والدولية. 
وتظهر المعطيات السياسية في الأيام الأخيرة ما قبل الاستفتاء رغبة من حكومة بغداد في هذا السيناريو، سواء أجري الاستفتاء أم تم تأجيله. 
 
ثامناً: تأثيرات الاستفتاء ونتائجه 
1. على الكرد 
مما لا شك فيه أن تأثير الاستقلال (إن تحقق) سيكون كبيراً على الكرد عموماً، فسيبعث الأمل من جديد بتحقيق حلم لازمهم على مدار مئات السنين، فهي المرة الأولى التي سيتم الإعلان فيها عن (دولة كردستان) منذ مئات السنين، إن لم يكن آلاف السنين. 
وستكون نتائج الاستفتاء وحدها ذات تأثير كبير على الكرد عموماً، وهذا ما سنشاهده بعد اعلان نتائجه مباشرة. ويشعر كرد تركيا وإيران أن الاستفتاء كان فرصة لاستعراض الحلم الكردي، وأنّه استطاع أن يضع هذا الحلم على خريطة المنطقة والعالم مرة أخرى، وهو ما يكفي للاحتفال به. 
على دول الجوار (تركيا وسوريا وإيران)
يتعلق تأثير الاستقلال على دول الجوار بدرجة كبيرة بتأثيرها على الكرد في تلك الدول، فتجربة إقليم كردستان العراق إن نجحت في الاستقلال ستكون حافزاً لكل من يسعى لذلك في تركيا وإيران وسورية، وستدفعهم للعمل من أجل تحقيق مثل هذا المكسب. 
وقد تُغيّر العديد من الأحزاب الكردية في دول الجوار أهدافها بالعيش المشترك ضمن دولها إلى التفكير بشكل جدي بالانفصال، أو الحكم الذاتي، وقد يكون كرد سورية الأقرب من غيرهم لفعل ذلك بسبب معطياتهم السياسية والميدانية . 
وتخشى إيران من أن يشكّل تأسيس دولةٍ كردية مستقلة في العراق مصدر رغبة بالانفصال لدى كرد إيران الأكثر عدداً من كرد العراق، أو على الأقلّ أن يشجع الكُرد الإيرانيين لمطالبة طهران بالمزيد من الحقوق. وفي تركيا كذلك، فالكُرد في تركيا أكثر عدداً من الكُرد في العراق وإيران، ومن شأن حصول كُرد العراق على الاستقلال وتأسيس أول دولة كردية أن يجعل كُرد تركيا أكثر اصراراً على المطالبة بوضع خاص لهم في مناطق تواجدهم في تركيا. 
إلا أنّ تركيا لن تسعى لقطع علاقاتها مع حكومة الإقليم، سواء إذا استقل أم لا، فالخطر الإيراني، وخطر حزب العمال الكردستاني، والميليشيات المقربة من إيران، وخطر المستقبل المرسوم لسورية كلها ستكون دوافع وأسباب لتركيا كي تحافظ على علاقات جيدة معه.
اقتصادياً سيكون تأثير إقليم كردستان إيجابياً على دول الجوار، فالنفط الذي سيُصدّر عن طريق تركيا وإيران ستزداد كميته، واعتماد الإقليم سيكون بالدرجة الكبيرة على دول الجوار، وسيؤدّي تحسن وضع الإقليم اقتصادياً إلى تشجيع استثمارات رجال الأعمال الأتراك والإيرانيين، كما سيكون الإقليم وجهة للأيدي العاملة من كُرد إيران وتركيا، وهو ما سيؤثر ايجاباً على اقتصاد تلك الدول. 
وسيشكّل العامل الاقتصادي الرافع الأقوى لموقف الإقليم مع تركيا، فآلاف الشركات التركية تعمل في الإقليم وستستفيد حتماً إن تطور اقتصاد الإقليم وزادت ايراداته. 
دولياً
قد يتأخر الاعتراف الدولي بالدولة الكردية في حال إعلانها من طرف حكومة الإقليم، وسيرتبط هذا التأخر غالباً بمحاولات إرضاء بغداد وطهران وأنقرة.
وبالمقابل فإنّ من المحتمل أن تقوم عدد من الدول بالاعتراف بالكيان الجديد، لأسبابها الخاصة أو نكاية بدول الجوار، وأبرز الدول المرشحة للاعتراف السريع هي: إسرائيل والسعودية وفرنسا. 
ومن غير المتوقع أن يتسبب استقلال إقليم كردستان بأزمات مع الدول الكبرى، فإقليم كردستان لديه علاقات جيدة مع معظم الدول الكبرى (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا...)، لكنها ستواجه مشكلة قانونية في العمل مع الإقليم باعتباره كياناً غير معترف به.
 
الخلاصة 
على الأغلب، فإنّ الاستفتاء سيجري كما هو مقرر في 25 أيلول 2017، وستعلن نتائجه في اليوم التالي، والتي لن تكون نسبة الموافقة على الاستقلال أقل من 80%، وقد تتجاوز 95% (يعتمد ذلك على تسوية الخلافات الداخلية بين القوى السياسية في الإقليم) . 
وقد لا تختلف أوضاع الإقليم في الأيام القليلة التي ستلي الاستفتاء، ولكن في غضون أشهر سيكون الوضع مختلفاً. 
ولا يبدو أن حكومة الإقليم قد وضعت خارطة طريق اقتصادية أو سياسية واضحة حتى اليوم لما بعد الاستفتاء، وهذا الغموض يوحي إما بأن الإقليم سيدخل "مغامرة" الاستقلال في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها، منها الرفض الإقليمي للاستقلال، وعدم الاعتراف الدولي بها، وسيكون غالباً قراراً عاطفياً لتحقيق "الحلم الكردي" وأحلام شخصية لقيادة الإقليم، وإما أن الغموض مقصود لذاته، ليكون ورقة ضغط على بغداد لتحسين شروط العلاقة بين الطرفين، خاصة إذا ما أظهرت نتائج الاستفتاء في بعض المناطق المتنازع عليها وخاصة كركوك دعماً للاستقلال، بما سيدعم موقف الإقليم بأنّ تلك المناطق كردستانية، ومن حق الإقليم أن يضمها ويجعل نتائج الاستفتاء دليلاً على ذلك. 
وفي حالة التفاوض بين بغداد وأربيل، وهو المرجح، فإنّ حصول الإقليم على ميزات وتنازلات سيسمح لقيادة الإقليم بتأجيل تطبيق نتائج الاستفتاء إلى وقت آخر، وإبقائها سلاحاً يتم التلويح به عند الضرورة. لكن حكومة الإقليم ستواجه مشكلة هذه المرة مع قواعدها الشعبية، وهي التي رفعت سقف توقعاتهم، وبالتالي فإنّ التوجه نحو سيناريوهات أخرى غير الاستقلال سيكون مكلفاً سياسياً لها، وهو ما سيساهم في رفع أسهم خصومها الداخليين.
 
المراجع: 

وانظر أيضاً: الجزيرة، كردستان العراق، 6/12/2014
2- المسلة، ارتفاع احتياطي النفط لإقليم كردستان إلى 60 مليار برميل، 10/3/2016
3- برلمان كوردستان، أعضاء البرلمان / الدورة الرابعة 2013

4- الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، دستور العراق

5- العشائرية مترسخة كثيراً في المجتمع الكردي في إقليم كردستان، فعشيرة البرزاني، والطالباني وزيباري وغيرها هي عشائر متنفذة، وتفضل في كثير من الأحيان مصالحها العشائرية على المصلحة العامة، فعلى سبيل المثال، يرأس مسعود البرزاني إقليم كردستان العراق، ونيجرفان البرزاني رئاسة الوزراء، ومسرور برزاني وسرور برزاني قيادات أمنية كبيرة في الإقليم، وفي الطرف الآخر يراس جلال الطالباني حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، ونجله قوباد طالباني يشغل منصب نائب رئيس الوزراء، وهم يوزعون المناصب والثروات على أساس القرابة العشائرية، فعائلة (زيباري) تعتبر من (أخوال) البرزاني ولديها نفوذ كبير في مناصب وسلطات الإقليم.
6- يمتلك الحزب الديمقراطي الكردستاني جهاز استخبارات باسم (بارستن) وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني يمتلك جهاز ( زانياري)، وبحسب شهادات قيادات من الأجهزة الأمنية فإنهما غير متعاونان نهائياً، على الرغم من تعاونهما مع أطراف خارجية (إيران وتركيا مثالاً).
7- يوجد في الإقليم عشرات آلاف من الموظفين الذين يتقاضون رواتب ولا يحضرون إلى أماكن عملهم.
8- رئاسة إقليم كوردستان، بيان صادر عن إجتماع رئيس إقليم كوردستان مع الأحزاب الكوردستانية المشاركة في برلمان وحكومة إقليم كوردستان، 7/6/2017
9- الموقع الرسمي لحركة كوران، حركة التغيير تصف قرار الاستفتاء بالحزبي وغير قانوني، 29/8/2017

10- عكاظ، بارزاني لـ عكاظ: لن نتراجع عن الاستفتـــــاء.. وعقلية حكومة بغداد لا تختلف عن صدام!، 20/8/2017
11- الاتحاد الوطني الكوردستاني، الحزب الديمقراطي يوافق على خارطة طريق الاتحاد الوطني، 10/9/2017
12- باسنيوز، برلمان كوردستان يصادق على إجراء استفتاء الاستقلال في موعده، 16/9/2017
13- المناطق المتنازع عليها هي المناطق التي يعتبرها الإقليم جزءاً منه، وترفض الحكومة العراقية الاعتراف بذلك. وكان من المقرر بحسب المادة (140) من الدستور العراقي 2005 إجراء استفتاء شعبي في تلك المناطق بخصوص انضمامها للإقليم أو بقاءها ضمن الدولة العراقية، إلا أن الاستفتاء لم يحصل. وتشمل هذه المناطق (كركوك وسنجار وخانقين وزمار ومخمور والشيخان ومندلي وجلولاء والسعدية وشهربان، وطوز خورماتو.....) وتتوزع هذه المناطق بين محافظات (كركوك، نينوى، ديالى، صلاح الدين).
14- حركة كوران، نص البلاغ الصادر عن اجتماع حركة التغيير والجماعة الإسلامية، 4/9/2017
15- باس نيوز، الشعوب الديمقراطي: ندعم أي قرار يتخذه شعب كوردستان في الاستفتاء، 10/5/2017
16- المجلس الوطني الكردي، حضور الآلاف من الجماهير القومية احتفالية قامشلو لدعم الاستفتاء على استقلال كوردستان..!!، 15/9/2017
17- المجلس الوطني الكردي، اعتقال مجموعة من نشطاء أحزاب المجلس الوطني الكوردي من قبل ميليشيات الـ ب ي د!!، 14/9/2017
18- العربي الجديد، مليشيات عراقية تهدد أكراد بغداد... الرحيل أو القتل، 26/6/2017
وانظر أيضاً : صوت العراق، كرد فيليون يتظاهرون ويهددون بمقاضاة السياسيين الذين يصرحون ضدهم، 7/7/2017
19- مجلس النواب العراقي، همام حمودي : الإستفتاء سيضر بإستقرار المنطقة ومشاكلنــا سنحلها بالحوار، 16/8/2017
20- مجلس النواب العراقي، مجلس النواب يصوت على قانونين ويقيل محافظ كركوك، 14/9/2017
21- مجلس النواب العراقي، مجلس النواب ينهي قراءة ثلاثة قوانين ويصوت على قرار نيابي، 12/9/2017
22- وكالة الأناضول للأنباء، الخارجية التركية: قرار الإقليم الكردي حيال استفتاء الانفصال عن العراق "خطأ فادح"، 9/6/2017
23- وكالة الأناضول للأنباء، متحدث الحكومة التركية: بارزاني يلعب بالنار، 20/9/2017
24- وكالة فارس، طهران: موقفنا واضح من استفتاء كردستان العراق وتصريح رئيس الأركان في محله، 21/8/2017
وانظر أيضاً : وكالة فارس، الأركان الإيرانية: استفتاء كردستان العراق أمر مرفوض تماماً، 17/8/2017
25- جامعة الدول العربية، الأمين العام يؤكد ضرورة الحفاظ على وحدة وتماسك الدولة العراقية، 17/7/2017
26- جامعة الدول العربية، أبو الغيط يؤكد خلال زيارته للعراق ضرورة الحفاظ على وحدة العراق وقيام حوار مباشر ومنفتح بين الأطراف العراقية، 10/9/2017، 
وانظر أيضاً: رئاسة إقليم كوردستان العراق، رئيس إقليم كوردستان يستقبل الأمين العام لجامعة الدول العربية، 10/9/2017

27- رئاسة إقليم كوردستان، رئيس إقليم كوردستان ووزير خارجية أمريكا يتناقشان هاتفياً حول العلاقات بين أربيل وبغداد ومسألة الاستفتاء، 11/8/2017
28- رئاسة إقليم كردستان، رئيس إقليم كوردستان يستقبل سفير بريطانيا لدى ‏العراق، 15/6/2017
29- رئاسة إقليم كوردستان، رئيس إقليم كوردستان يستقبل وزيري خارجية ودفاع فرنسا، 27/8/2017
30-  المصدر (موقع إعلامي إسرائيلي)، إسرائيل تدعم استقلال الأكراد، 30/6/2014
31- تويتر، بنيامين نيتنياهو، 12/9/2017
32- المصدر، اتفاق النفط الكردي – الإسرائيلي، 24/8/2015

33- قد تستغل إيران مناصريها في حركة التغيير وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني لجعل السليمانية وحلبجة إقليماً ضمن إقليم كردستان العراق يتمتع باستقلال ذاتي، أو فدرالية ضمن دولة كردستان المستقل (إن تم إعلانها) وبذلك تكون قد وجهت ضربة قوية للإقليم ووحدته الجغرافية، ومع أنّ هذه السيناريو يبدو بعيداً خاصة في ظل رفض الأجيال الشابة لمثل هذا السيناريو، غير إن وجود ما يشبه (الكراهية) المتبادلة بين الأطراف السياسية في إقليم كردستان العراق قد يُسهّل كثيراً على إيران مثل هذه المحاولات.
34- اذا صوّت أنصار حركة التغيير، والجماعة الاسلامية بـ "لا" في الاستفتاء فقد لا تتجاوز نسبة الموافقة 70% وقد تكون أقل، ولكن من غير المتوقع أن يصوت أنصار الحركتين بـ لا، فالموقف الرسمي لا يُعبّر بشكل دقيق عن الموقف الجماهيري. وهذا ما سننتظر نتائجه بعد إعلان النتائج.

 

 

الباحثون