أزمة الوقود في سورية.. الأسباب والمآلات
بات مشهد أدوار الانتظار جزءاً من روتين يومي يألفه السوريون. وقد شهدت الآونة الأخيرة أزمة كبيرة للحصول على البنزين تمثلت في أدوار طويلة عند محطات الوقود في مختلف المناطق السورية الخاضعة لسيطرة النظام.
وتحاجج وزارة النفط – الوزارة المسؤولة عن عملية الإنتاج والتوزيع- بأن الأزمة سببها الرئيسي هو "الحصار الاقتصادي" المفروض على البلد إضافة لتوقف مصفاة بانياس المصفاة الرئيسية لعمليات تكرير النفط الخام حيث تم إطفاء المصفاة بكامل اقسامها مطلع شهر أيلول – سبتمبر الجاري من أجل إجراء حملة صيانة مستحقة منذ أكثر من خمسة أعوام(1).
بالتأكيد، تعود جذور الأزمة الحالية لأسباب تتعلق بخروج معظم الإنتاج من سيطرة النظام السوري، فهو ينتج حالياً 25 ألف برميل من النفط يومياً يتم استخراجها من حقول في البادية السورية قرب تدمر، وهي كمية صغيرة نسبياً يمكن أن تغطي حاجة 150-200 ألف سيارة يومياً في حال تم تكريرها، ويتم تخصيص الجزء الأكبر من هذه الكمية لصالح المؤسسات الرسمية كقوى الأمن و الوزارات الرئيسية في الحكومة، والتي تزود بالمحروقات عن طريق ما يعرف بقسائم البنزين والتي تباع في البلاد من قبل عناصر الأمن أو بعض كبار الموظفين للمواطنين بمبالغ كبيرة نسبياً.
ولا تدخل قيمة معظم مخصصات المؤسسات الحكومية بما فيها الأمن كمبيعات حكومية رسمية، لأن وزارة النفط لا تقوم فعلياً بتحصيل ثمنها.
ويستحوذ النظام على حقول غاز مهمة وذات غزارة نسبية كحقل شاعر في محيط تدمر وحقول قارة وديرعطية والبريج وصدد، وهي حقول تقع في ريفي دمشق وحمص، وتصل طاقتها الإنتاجية اليومية إلى خمسة ملايين متر مكعب من الغاز في الحد الأدنى، أي ما يكفي لإنتاج 1500 إلى 2000 ميغا وات ساعي يومياً. ورغم هذا تعمد الحكومة لعمليات تقنين كبيرة كونها تُصدّر بعض الكميات للبنان، وتعرض على كل من العراق ولبنان تزويده بالمزيد مقابل القطع الأجنبي.
ويعتبر أبرز عامل لتطور أزمة البنزين في الأشهر الأخيرة هو عمليات إغلاق الحدود غير الشرعية السورية اللبنانية ومثيلتها العراقية التي فاقت 200 نقطة، ويعتقد أن قرابة 90% من هذه النقاط تم إغلاقها فعلياً، وهي نقاط كانت تُستخدم في عمليات تهريب وبيع الوقود للنظام السوري.
لقد تعرض لبنان لأزمة مالية دفعته للتوقف عن السداد في آذار/مارس 2020، ثم انفجر أكبر مرفأ في البلاد، وتصاحب كل ذلك بموجة احتجاجات شعبية ضخمة جعلت الحكومة تستجيب نسبياً لإجراءات إغلاق معظم المنافذ غير الشرعية.
كما أن العراق يكافح منذ وصول حكومة مصطفى الكاظمي الحالية في شهر أيار/مايو لضبط البلاد، ويأتي ملف المعابر غير الشرعية على رأس أولويات الحكومة نظراً لما تمثله من خطر وتهديد أمني ومصدر تسريب لموارد البلاد، ولقد ساهمت هذه الخطوة بتوقف كميات كبيرة من النفط الخام ومشتقاته نحو مناطق سيطرة النظام.
كما شددت الولايات المتحدة الأميركية على حلفائها من قوات قسد المسيطرين على شرق سورية تجاه تهريب النفط لمناطق سيطرة النظام. ورغم أن الأمر ليس مضبوطاً كلياً، إلا أن الكميات لم تعد كما في أوقات سابقة.
وقد سعت روسيا – عبر توافق بين حزب الإرادة الشعبية الموالي لروسيا ومجلس سورية الديمقراطية- لضمان تدفق هذه الكميات مقابل مكاسب معينة لقوات سورية الديمقراطية، وهو أمر لم تظهر نتائجه كلياً بعد.
تحاول الحكومة السورية المعينة مؤخراً بموجب المرسوم 221 للعام 2020 برئاسة حسين عرنوس أن تسير وفق نهج الحكومة السابقة في إدارة الأزمة، حيث تحصر الحكومة عمليات توزيع النفط والخبز، وكذلك معظم المواد الغذائية بيدها، وتحاول تطوير آليات لتخفيف عمليات الازدحام دون أن تخفف من الأزمة، كآلية تسليم جرات الغاز عبر رسالة إلكترونية، مما يعني أن الانتظار -الممتد لشهور في بعض الحالات- سيكون في المنزل وليس عند دور الغاز، مستندة إلى "البطاقة الذكية" التي تُمنح لكل أسرة على صيغة "قسائم التوزيع" التي كانت تمنح في عهد حافظ الأسد، حيث تُخصّص كمية محددة للمواطنين بموجب هذه البطاقة يتم دفع مقابلها بسعر مخفض.
ولكن "البطاقة الذكية" تواجه مشكلة ضعف البنية التحتية التقنية اللازمة لتطويرها، فسورية تعد أحد أضعف دول العالم في اتصال الانترنت، كما أن شبكة الهاتف المتنقل تعاني من ضعف الإشارة وعدم توفر أبراج التغطية في مناطق كثيرة من البلاد.
ومع اقتراب موسم الشتاء ستواجه البلاد أزمة أخرى إضافية هي أزمة المازوت المخصص للتدفئة، حيث اعتمدت الحكومة السابقة سياسة تخصيص كمية محددة عبر البطاقة الذكية لكل أسرة، وحرمت أسراَ كثيرة من الكمية المخصصة لها نتيجة تأخر وصولها لما بعد فصل الشتاء أو عدم وصولها نهائياً.
جميع المقالات والاوراق التي تنشر في قسم آراء تعبر عن رأي كتابها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر المركز.