دير الزور إلى أين في ظل الصراع على البادية السورية؟
يوليو 10, 2017 2938

دير الزور إلى أين في ظل الصراع على البادية السورية؟

حجم الخط

مقدمة 
كانت الأنظار موجهة إلى دير الزور والبادية السورية منذ أن أطلق التحالف الدولي بدعم قوات محلية معركة السيطرة على الموصل في العراق منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2016 وعلى الرقة في سورية أواخر أيار/ مايو 2016، باعتبار هذه المنطقة آخر المعاقل التي سيتجه إليها تنظيم داعش ويتحصن مقاتلوه وأمراؤه فيها. 
وفي ذلك التوقيت بدأت التحركات الفعلية على الأرض حينما شن مقاتلو جيش سورية الجديد والمعروف حالياً بـ "مغاوير الثورة"، في أواخر أيار/ مايو 2016، هجوماً واسعاً انطلاقاً من قاعدة التنف عند الحدود المشتركة العراقية – الأردنية – السورية، باتجاه مدينة البوكمال الاستراتيجية التي تعتبر المعبر الرئيسي الذي يصل معاقل تنظيم داعش بين سورية والعراق. 
كانت إيران وروسيا تضع في الخطة العسكرية المشتركة التوجه إلى شرق البلاد، منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2015، وهو ما أعلنت عنه حينها قاعدة حميميم المركزية، بأن الطرفين اتفقا على دعم ميليشيا النظام السوري للتوغل شرقاً لهدفين، أول يتمثل بتطهير الطريق الواصل بين دمشق وبغداد من تنظيم داعش، وهو يعكس طموح إيران بتأمين طريق بري يصل بين طهران وساحل المتوسط، وثانٍ يتمثل بمنع تشكل منطقة عازلة مدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية شرق سورية. 
وبالفعل استطاعت طهران وموسكو التقدم إلى عمق البادية السورية في ذلك التوقيت، حيث سيطرت الميليشيات التي تدعمها على مدينة تدمر وسط البلاد في 27 آذار/ مارس 2016. لكن سرعان ما تجمدت العمليات العسكرية في الشرق بسبب أولوية محاربة فصائل المعارضة السورية على جبهات البلاد المختلفة، ولعدم المقدرة على تأمين الموارد الكافية لشن هجمات تشمل الطرفان بنفس التوقيت. وحينما استطاعت روسيا وإيران تحقيق إنجازات عسكرية كبيرة على حساب المعارضة السورية المدعومة غربياً وإقليمياً، عادت مجدداً للتوجه نحو شرقي البلاد، بعدما وظف تنظيم داعش تركيزها على حلب واستعاد السيطرة على مدينة تدمر ومحيطها وصولاً إلى مطار المحطة الرابعة T4 في غضون أربعة أيام فقط. 
يبدو أن روسيا وإيران أيقنتا أن التوجه شرقاً يحتاج إلى موارد كافية بشرية وعسكرية، ما يتطلب تجميد بقية الجبهات مع المعارضة السورية، ما استدعى الطرفان في أوائل أيار/ مايو 2017، لاقترح إقامة عدة "مناطق لتخفيف حدة التصعيد". ومنذ ذلك الحين أصبحت القوة العسكرية لميليشيا النظام السوري موجهة بشكل كبير باتجاه محاور البادية السورية التي تبدأ من شرقي حلب وشرقي حمص وشرقي دمشق وتنتهي في البوكمال بعد أن تمر بوادي الفرات. 
وتجدر الإشارة أيضاً، أن الصراع على البادية السورية الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، لا يقتصر فقط على الفاعلين المتمثلين بالنظام السوري والمعارضة السورية المسلحة، بل يشمل قوات سورية الديمقراطية التي وضعت موطئ قدم لها في محافظة دير الزور، منذ أن سيطرت على محطة الكبر النووية مطلع آذار/ مارس 2017 والتي تقع في ريف دير الزور الشمالي. 

السياق العسكري وخارطة القوى في البادية السورية

تتوزع خارطة النفوذ العسكري في البادية السورية على أربعة محاور رئيسية تمثلها ثلاثة أطراف عسكرية محلية وهي "ميليشيا النظام السوري، الجيش السوري الحر، قوات سورية الديمقراطية" والتي تتنافس فيما بينها على مناطق سيطرة تنظيم داعش. وتلعب هذه الأطراف بشكل أو بآخر دور الوكيل لأطراف إقليمية ودولية أبرزها "الولايات المتحدة الأمريكية، إيران وروسيا". وهذه المحاور هي:
المحور الأوسط: والذي ينطلق من مدينة تدمر وسط البادية شرقي حمص، ويمر بمدينة السخنة والمحطة الثالثة T3، ويتجه نحو مدينة دير الزور والحدود العراقية السورية في البوكمال. وتسيطر ميليشيا النظام السوري بشكل كامل على مفاصل ومجنبات هذا المحور.
تواجه ميليشيا النظام السوري مواجهة كبيرة من قبل تنظيم داعش في هذا المحور، ويعود ذلك إلى التكتيك العسكري المتبع من قبل التنظيم، حيث يضع غالباً ثقله العسكري في جبهات هذا المحور، وتحتاج ميليشيا النظام إلى السيطرة على مدينة السخنة والمحطة الثالثة T3 لتؤمن لنفسها نقاط ارتكاز في معركة دير الزور المقبلة، وبدون السيطرة عليهما تبقى حدود محافظة دير الزور الغربية مؤمنة بشكل كامل من قبل التنظيم. وعدم السيطرة عليهما يمكن أن تعيق بشكل كبير أي تقدم من المحور الشمالي الغربي أيضاً.   
المحور الشمالي الغربي: والذي يمتد من ريف حلب الشرقي مروراً بريف الرقة الجنوبي وتحديداً عند مدينة الرصافة ليتجه نحو مدينة السخنة ويلتقي فيها مع المحور الأوسط الذي يتجه نحو مدينة دير الزور فالحدود العراقية السورية في البوكمال. وتتولى ميليشيا النظام السوري السيطرة على نقاط انطلاق هذا المحور بشكل جزئي في حين ما زال القسم الأبرز فيه خاضعاً لسيطرة تنظيم داعش الذي يمتد بين ريف حلب الجنوبي وبين ريف حماة الشرقي. 
بدأت معالم هذا المحور تتضح مع سيطرة ميليشيا النظام السوري على مدينة الرصافة جنوب محافظة الرقة، وكان الاعتقاد بأن سبب هذه السيطرة ينبع من رغبة ميليشيا النظام المشاركة في معركة الرقة، لكن يبقى هذا الاحتمال مستبعداً أمام احتمال آخر وهو تأمين محور جديد لمعركة دير الزور. لكنها تحتاج لتأمين هذا المحور قبل التقدم من الرصافة باتجاه مدينة السخنة وسط البادية، وتحركات ميليشيا النظام تؤشر إلى سعيها لتحقيق ذلك، فعملية التأمين يجب أن تكون بالسيطرة على كامل ريف حلب الجنوبي حتى المنطقة الممتدة بين أثريا – الرصافة، وعلى كامل المنطقة شرقي حماة والممتدة بين حقل الشاعر – أثريا. 
وتبدو هذه المهمة بالغة الصعوبة، لأن سيطرة ميليشيا النظام على نقاط متقدمة في هذا المحور جاءت بسبب تكتيك تنظيم داعش الذي اتبعه، بتنفيذ انسحابات واسعة في ريف حمص الشمالي وريف حلب الشرقي، مع حفاظه على خطوط الدفاع الرئيسية الممتدة على طريق إمداد النظام بين حلب وحماة وعلى خطوط التماس مع مطار T4 في ريف حمص الشمالي. 
وعدا عن هذه الصعوبة، يمكن الاعتقاد بوجود عائق آخر، متمثل بعدم رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تقدم ميليشيا النظام السوري من هذا المحور، بدلالة إسقاطها المقاتلة سوخوي-22 في مدينة الرصافة، فيما يبدو وكأنها إما تعرقل تقدم ميليشيا النظام في هذا المحور المهم أو ترغب في ترك موطئ قدم فيه لقوات سورية الديمقراطية في حال أرادت إشراكها في معركة دير الزور في محور ثالث إضافي. 
المحور الجنوبي الغربي: والذي ينطلق من جنوب تدمر باتجاه المثلث الحدودي بين العراق – سورية – الأردن، ومن الجهة الشرقية لمحافظتي ريف دمشق والسويداء ويحاذي المحور الأوسط، ويتجه من منطقة الحميمة والمحطة الثانية T2 نحو مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية. وتتوزع السيطرة على هذا المحور بين ميليشيا النظام السوري من جهة وبين فصائل الجيش السوري الحر من جهة أخرى. ويتضمن قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في التنف والزكف عند المثلث الحدودي الجنوبي.
قامت فصائل الجيش السوري الحر بالسيطرة على مساحة واسعة في هذا المحور خلال معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد" التي أطلقتها في 18 آذار/ مارس 2017، وبعد سيطرتها على كامل المنطقة الممتدة من ريف دمشق الشرقي وريف محافظة السويداء الشرقي، بدأت تتوجه شمالاً باتجاه السخنة مروراً بمحمية التليلة، وذلك بهدف قطع الطريق على ميليشيا النظام السوري، لكن هذه الأخيرة سارعت إلى السيطرة على المواقع التي سيطرت عليها فصائل المعارضة في ذلك الاتجاه، ومن ثم شنت هجوماً على محور طريق دمشق بغداد وعلى مناطق بئر القصب ودكوة، بهدف إعاقة تقدم فصائل المعارضة باتجاه الشرق ومنعها من السيطرة على منطقة الحميمة والمحطة الثانية T2، وبهدف تأمين محيط مطار السين العسكري والضمير العسكري وتأمين خطوط الدفاع عن الغوطة الشرقية والقلمون الشرقي. كما قامت ميليشيا النظام بالتوازي من ذلك بالتقدم من جنوب محمية التليلة باتجاه الحميمة واستطاعت السيطرة على شريط ضيق يحاذي مناطق سيطرة فصائل الجيش الحر ويصل إلى الحدود العراقية.
وتسعى ميليشيا النظام السوري من خلال هذا المحور إلى الوصول لمدينة البوكمال والتي بدونها لا معنى للسيطرة على جميع النقاط في محيط الحميمة والمحطة الثانية، حيث يبقى من السهل شن هجمات على مواقع تمركز الميليشيات سواءً من قبل تنظيم داعش أو من قبل فصائل الجيش السوري الحر التي أصبحت شبه معزولة عن محافظة دير الزور. 
وتحاول كل من موسكو وطهران السيطرة على البوكمال حتى يتم تأمين محطة الغاز الثانية T2 ومنطقة الحميمة التي يمكن أن يتم فيها بناء قاعدة عسكرية للتمركز، في ظل سعي ميليشيا النظام السوري السيطرة على كامل محطات نقل النفط في سورية (T2، T3، T4) في الوقت الذي تسعى فيه الميليشيات المدعومة من إيران للسيطرة على بقية المحطات الواقعة في البادية من الجانب العراقي وهي (T1، T5). كما أن الوصول للبوكمال يعني تأمين الطريق البري بين طهران والمتوسط، في حال وصلت الميليشيات من الجانب العراقي إلى مدينة القائم. 
المحور الشرقي الشمالي: والذي يمتد من جنوب محافظة الحسكة عند الحدود السورية العراقية حتى مدينة معدان في ريف الرقة الشرقي، ويتجه ضمن تفرعين أحدهما يحاذي مدن وادي الفرات حتى مدينة دير الزور، وآخر يحاذي مدن وادي دجلة حتى مدينة دير الزور. وتتولى قوات سورية الديمقراطية السيطرة على نقاط انطلاق هذا المحور. 
لم تخض قوات سورية الديمقراطية معارك باتجاه مدينة دير الزور، باستثناء سيطرتها على عدة مواقع متقدمة في الريف الشمالي للمحافظة بهدف قطع طريق إمداد التنظيم الرئيسي مع الرقة، حيث كانت تعمل على قطع خطوط الاتصال قبل بدئها معركة السيطرة على عاصمة تنظيم داعش في سورية. 
لكن هذه المواقع المتقدمة تساهم بشكل من الأشكال في وضع احتمال مشاركة قوات سورية الديمقراطية بمعركة دير الزور المرتقبة، إما بشكل كامل لقواتها، أو من خلال المجموعات العربية داخلها والمتمثلة بقوات النخبة التي يقودها أحمد الجربا، لكن بعد إعادة هيكلتها بما يتناسب مع المعركة. ويبقى هذا الأمر مناطاً بالسيناريوهات المحتملة للمعركة في ظل التنافس بين الفاعلين الدوليين على تركة تنظيم داعش شرقي البلاد.
ويعتبر هذا المحور من أهم المحاور العسكرية في معركة السيطرة على دير الزور، فهو يشرف على منطقة الجزيرة أهم قلاع تنظيم داعش في المحافظة والتي تحتوي على الموارد الطبيعية، والسيطرة عليه تجعل الجزيرة الفراتية مكشوفة بالكامل، ومن المعلوم أنه لا يمكن لجهة ما أن تسيطر على الجزيرة الفراتية في دير الزور، وألا تكون مسيطرة على نظيرتها الشامية، ويبقى هذا الأمر مناطاً بمدى التفاهمات الدولية حول حكم دير الزور. 

الخيارات والسيناريوهات المتوقعة للمعركة

يعكس السياق العسكري للمعركة بين الفاعلين المحليين والدوليين، وجود عدة خيارات وسيناريوهات لمستقبل دير الزور في ظل الصراع على البادية السورية، وهي على النحو الآتي: 
1. فك الحصار عن دير الزور من قبل ميليشيا النظام السوري على المدى البعيد، وذلك انطلاقاً من مدينة السخنة التي تحاول هذه الميليشيات السيطرة عليها، وتحقيق هذا السيناريو يحتاج إلى فترة زمنية بعيدة لا تقل عن عام نظراً لصعوبة السيطرة على السخنة نفسها هذا من طرف، ولصعوبة التقدم باتجاه دير الزور بشكل سريع بسبب وعورة المنطقة وعدم القدرة على تغطية المساحات الواسعة والمكشوفة من طرف آخر.
2. دخول ميليشيا النظام السوري بمعارك استنزاف طويلة الأمد في ريف محافظة دير الزور غربي الفرات، نظراً لوعورة المنطقة وصعوبة التمترس فيها ولعدم امتلاك أعداد وافية من المقاتلين لتغطية هذه المنطقة. 
3. تجميد العمليات في محيط السخنة بعد السيطرة عليها وتركيز الجهود للوصول إلى البوكمال انطلاقاً من الحميمة، وحتى في هذا السيناريو، إن لم تستطيع ميليشيا النظام السوري الوصول للبوكمال فإن جميع المناطق التي يمكن أن تسيطر عليها في موازاة الحدود السورية العراقية لا تعني شيئاً ويمكن أن تخسرها خلال ساعات، في حال شن تنظيم داعش أو فصائل المعارضة هجوماً على مواقعها. 
4. أن تشن فصائل المعارضة المدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً واسعاً على مواقع ميليشيا النظام السوري شمال الزكف وسد الوعر عند المثلث الحدودي جنوب البلاد، وذلك بعد استنزاف قوتها من قبل تنظيم داعش، لكن مثل هذا الاحتمال يحتاج إلى أعداد كبيرة من المقاتلين لأن مثل هذا الهجوم يحتاج للوصول إلى البوكمال وإلا ستدخل المعارضة بدورها في معركة استنزاف لقوتها في الوقت الذي لا تمتلك فيه عناصر كافية. 
5. أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بنقل أعداد من مقاتلي المعارضة الذين دربتهم في قواعدها جنوب البلاد، نحو جنوب محافظة الحسكة، تحضيراً لمعركة دير الزور وشن الهجوم على أهم محاور المحافظة، وبسبب عدم رغبتها في استنزاف مقاتلي الجيش السوري الحر في المحور الغربي الجنوبي حالياً، وجعل عملياته منصبة للدفاع عن مواقعه التي تحاول ميليشيا النظام التقدم نحوها شرقي محافظتي السويداء وريف دمشق. 
6. أن تقوم قوات دولية مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل ويمكن أن تشكل الأردن عمادها، وذلك من الجبهة الجنوبية انطلاقاً من قاعدة التنف، في حال اقتربت فعلاً ميليشيا النظام السوري من السيطرة على مدينة البوكمال، لعرقلة توسيع نطاق سيطرتها أو الوصول إلى الحدود العراقية. 

الباحثون