دلالات تجديد تمويل آلية التحقيق الأممية في الجرائم الأشدّ خطورةً في سورية
نجحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2023 في التصويت بالموافقة على تجديد تمويل الآلية الدولية المحايدة المستقلة للمساعدة في التحقيق والملاحقة القضائية للأشخاص المسؤولين عن الجرائم الأشدّ خطورةً وَفْق تصنيف القانون الدولي المرتكبة في سورية منذ آذار/ مارس 2011 وتم التصويت في الجلسة المخصصة لإقرار الميزانية البرنامجية المقترَحة من اللجنة الخامسة لعام 2024.
شكّل هذا التصويت فشلاً جديداً لروسيا في رفض مشروع قرار تقدمت به إلى جانب 12 دولة أبرزها: الصين وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا فضلاً عن النظام السوري. يتضمن القرار طلب وقف تمويل الآلية؛ حيث حصل على تأييد 19 دولة فقط من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كانت الجمعية العامة قد أنشأت، بموجب قرارها 71/248 في كانون الأول/ ديسمبر 2016 الآلية، وقررت أن يكون تمويلها في البداية من تبرُّعات الدول الأعضاء، على أن يُعاد النظر في مسألة التمويل ليكون من الميزانية العادية للأمم المتحدة في أقرب وقت ممكن، وهو ما حصل في كانون الأول/ ديسمبر 2019، حيث صوَّتت الجمعية العامة بالموافقة على ذلك، وبدأ تمويل الآلية من الميزانية العادية اعتباراً من 1 كانون الثاني/ يناير 2020، كما واصلت الآلية استكمال الموارد اللازمة لعملها بتمويل من خارج الميزانية من المانحين لتعزيز تنفيذ ولايتها.
منذ ذلك الوقت، وفي كل عام، تُقدّم روسيا ذات مشروع قرار الاعتراض على تمويل الآلية وتفشل في ذلك. لا تقتصر التحدِّيات التي تواجه عمل الآلية على محاولة وقف التمويل فقط، بل تتعداه إلى العراقيل التي يضعها النظام أمام فِرَق التحقيق الدولية ولجانها، ومنعها من دخول البلاد، ورفض الاعتراف بولايتها، أو التعامل معها، أو الردّ على أسئلتها وطلباتها، فضلاً عن عدم الاعتراف بجميع التقارير الصادرة عنها.
يبعث تجديد تمويل الآلية رسالة قوية بأنّ توثيق انتهاكات النظام لحقوق الإنسان يجب أن يستمر؛ لضمان الملاحقات القضائية ضدّ مرتكبيها ولضمان حقوق الضحايا، كما يضمن استمرار تزويد المحاكم الوطنية في عدد من الدول الأوروبية بالملفات والمعلومات اللازمة لتحريك الدعاوى الجنائية ضد مرتكبي الجرائم في سورية.
وبالنتيجة إنّ تجديد الآلية المحايدة يعكس ثبات الموقف الدولي تجاه النظام السوري رغم مسارات التطبيع معه -التي جعلت عام 2023 عام التطبيع- وأن الإصلاحات المُعلَن عنها من قِبله مثل مراسيم العفو -التي يُحاول تقديمها كاستجابة منه لمسارات التطبيع وامتثالاً لنهج الخُطوة مقابل خُطوة- هي إصلاحات خادعة لا يُمكن أن تُقابَل بأي تغيُّر دولي تجاهه ما لم يستجِبْ لخُطوات جدية وحقيقية في قضايا حقوق الإنسان والعملية السياسية وَفْق القرارات الأممية.