الأزمة السورية تُجسّد التقاعُس الجماعيّ للاتحاد الأوروبي مجدداً
يونيو 05, 2024 1981

الأزمة السورية تُجسّد التقاعُس الجماعيّ للاتحاد الأوروبي مجدداً

حجم الخط

يستمر الصراع السوري بالتفاقم إنسانياً وَفْقاً للتقارير الصادرة عن جهات دولية رسمية؛ حيث يوجد أكثر من 70% من السوريين بحاجة ماسّة للمساعدات و90% يعيشون في فقر شديد، بينما يعاني اللاجئون من ظروف قاسية ويعتمدون على المساعدات الدولية. يستمر الصراع في وقت تعرقل فيه الأعمال العدائية إعادة الإعمار وسط تردُّد الاتحاد الأوروبي وتنافُس القُوى الدولية الأخرى. هذا مضمون مقال للكاتب بارت رمبوتس على موقع The Brusseles Times بعنوان: "الأزمة السورية: التقاعُس الجماعيّ للاتحاد الأوروبي يطاردنا مجدَّداً.        

نص الترجمة:        

أظهر تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (OCHA) نُشر في شباط/ فبراير 2024 وبيانات قُدِّمت في مؤتمر بروكسل الثامن حول "دعم مستقبل سورية والمنطقة"، أن من بين عدد سكان البلاد البالغ نحو 24 مليوناً، هناك أكثر من 70% منهم هم بحاجة ماسّة حالياً إلى المساعدات.        

وتشير التقديرات إلى أن 90% تقريباً من إجمالي السكان يعيشون في فقر شديد بسبب انهيار البِنْية التحتية والمؤسسات المتبقية في البلاد. ويعيش 7 ملايين سوري كلاجئين في البلدان المجاورة، ويعتمدون على المساعدة المستمرة من الجهات المانحة الدولية. كما تشير التقديرات إلى أن نصف مليون شخص لقوا حتفهم خلال الحرب السورية، مع وجود 150 ألفاً آخرين في عداد المفقودين، ومصيرهم مجهول حتى يومنا هذا.        

في غضون ذلك، فقدت الليرة السورية أكثر من 90% من قيمتها، ووصل التضخم إلى مستويات قياسية، ويعاني ما تبقى من الإنتاج المحلي من نقص الاستثمار ومشاكل عديدة تؤدي إلى انخفاض الإنتاج، مما يُشكِّل تحدياً هائلاً أمام المجتمع الدولي لمنع الأزمة الاقتصادية من التسبُّب في ارتفاع جديد في أعمال العنف في جميع أنحاء البلاد وحتى في المنطقة بشكل أوسع، وثبت أنه ما من تسوية سياسية تلوح في الأُفُق لإنهاء الصراع بسبب عدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضدّ النظام الوحشي الذي ارتكب العديد من الفظائع ضدّ شعبه في محاولة للبقاء في السلطة.        

ما تزال الأعمال العدائية المستمرة تعرقل عملية إعادة الإعمار الحيوية، ومن المفترض أن يتم توزيع المساعدات الدولية على أساس الاحتياجات وبشكل متناسب، لكن النظام يستخدمها كسلاح. وقد ساهم منع وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة في شمالي سورية التي لا تزال تحت سيطرة قوات فصائل المعارضة أو تحكمها الإدارة الكردية المستقلة في انعدام الأمن الغذائي الحادّ وانتشار الأمراض القابلة للعلاج بين السكان المتضررين.        

لا يوجد بلد آمِن يمكن العودة إليه        

يواصل السوريون الذين ما زالوا يملكون القدرة على البحث عن طرق لمغادرة البلاد، الخروج طلباً للجوء، مما يؤدي إلى هجرة غير مسبوقة للأدمغة فيما يتعلق بالآفاق الاقتصادية المستقبلية للبلاد، ويقوم معظمهم باجتياز رحلات صعبة ومحفوفة بالمخاطر في محاولة للوصول إلى برّ الأمان. واعترف منسِّق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريلJosep Borrell) ) في المؤتمر بأن الوضع الإنساني في سورية لم يتحسَّن وحذر من محاولات الاتحاد الأوروبي لتشجيع اللاجئين على العودة "طوعاً" إلى سورية التي لا تزال غير آمِنة بالنسبة لهم.

يظلّ الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للمساعدات الإنسانية لسورية، لكن الدول المجاورة له، تركيا ولبنان والأردن، تُركت في الغالب لتحمل المهمة الضخمة المتمثلة باستضافة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين بمفردها. ولم تصل الأموال الموعودة من بلدان أخرى للمساعدة في تخفيف هذا الضغط إلا بشكل متقطع، كما لم يتم تعويض التخفيض الذي نفذه برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة العام الماضي بشكل كامل من قِبل الاتحاد الأوروبي والجهات المانحة الأخرى.        

واجهت سورية والمجتمع الدولي العديد من التحديات المتعلقة بالصراع المتواصل في البلاد التي أنهكتها الحرب والفوضى، بما في ذلك حرب بالوكالة متعدِّدة الأطراف، وعدد غير مسبوق من اللاجئين الذين أغرقوا المنطقة بأعدادهم وبدؤوا بالتوجه نحو دول الاتحاد الأوروبي، وظهور وهزيمة مبدئية لتنظيم إرهابي عابر للحدود، بالإضافة لفرض واحدة من أشدّ العقوبات المفروضة على أيّ دولة في الذاكرة الحديثة. ولكن مع كل ذلك فشل الاتحاد الأوروبي في إدراك غايات إيران وروسيا من مساعدة نظام الأسد على الصمود والبقاء.        

حتى الزلزال الذي دمر مساحات واسعة وتجمُّعات سكانية بأكملها في جميع أنحاء تركيا وسورية أوائل عام 2023 لم يتمكن من تجديد الجهود الدولية لدعم الشعب السوري في أحرج أوقات الحاجة. لقد استمرّ تدفُّق المساعدات الدولية إلى تركيا، لكن كل تلك المساعدات لم تكفِ سوى جزء صغير من المناطق المتضررة في سورية. ومرة أخرى أدى التنافُس بين الأطراف وتضارُب مصالحهم إلى ترك الشعب السوري في العراء بلا مأوى ولا مُعِيل.        

لا حلّ سياسي يلوح في الأُفُق        

أكدت الكلمات التي ألقاها عدد من الممثلين الحاضرين في مؤتمر بروكسل، على أهمية الإيفاء بالالتزامات المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 في عام 2015، ولكنهم فشلوا في إدراك أنه لم يتم بذل أيّ جهد ذي معنى منذ سنوات عندما يتعلق الأمر بإلزام جميع الأطراف بوقف دائم لإطلاق النار، والعمل من أجل تحقيق انتقال سياسي بقيادة وتحكُّم سوري كامل، ومكافحة تنظيم داعش المنبعث من جديد، والقيام بدعم حقيقي فيما يتعلق بتقديم أطراف هذا التنظيم للعدالة في محاكمة دولية، أو تقديم المساعدة والخبرة المستمرة بمقدار كافٍ على الأرض.        

وبسبب مطالب الأطراف المتنافسة، تجاهل الغرب متعمِّداً العمليات المنظمة التي تهدف لإعادة عناصر تنظيم داعش رغم تفاقُم الوضع في مرافق احتجازهم الواقعة على امتداد منطقة شمال شرقي سورية. يسلط تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية الضوء على الانتهاكات الممنهجة التي تحدث ضد السجناء في هذه المعسكرات بسبب نقص حرج في الموارد والدعم والتدريب. ولقد فشل المجتمع الدولي في المساعدة في محاكمة المقاتلين الأجانب وتسهيل عودة عائلاتهم إلى بلدانهم الأصلية.        

تقاعُس الغرب في ذلك الوقت كان تحذيراً مبكراً لحدوث مشكلة أو خطر محتمل، حيث لم يكن الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي قادراً و/أو غير مستعِدّ للتصرُّف كمُدافع عن المعايير والقِيَم التي يزعم أنه يؤمن بها، مما جعل المنافسين الجيوسياسيين يستغلون هذا الوضع عن طريق ملء الفراغ الذي تركه الغرب بسياسات وتمويل وإجراءات شاملة.        

يستمر الغرب في التنصُّل من هذه القِيَم والمسؤوليات المرتبطة بها، ويتعامل فقط مع المشاكل حينما تظهر بالقرب من حدوده، فيبدأ بالتفكير لإيجاد حلول لمثل هذه المشاكل مع ضيق كبير في الوقت مع عمليات تشريعية معقَّدة، مما يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لمزيد من التلاعب السياسي الخفيّ والاستغلال السياسي، وما الاتفاقيات الأخيرة التي أبرمها الاتحاد الأوروبي مع مصر ولبنان لمساعدتهما في إدارة ملفّ الهجرة، على الرغم من المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في هذيْنِ البلدين، إلا أمثلة على ذلك.        

إن ذكر الممثل الأعلى بوريل للحاجة إلى النظر بطريقة عملية نحو الحلول المحتملة للأزمة السورية هو أمر مُحبِط؛ لأنه كان غامضاً بشكل متعمَّد ويجسد التردُّد عندما يتعلق الأمر بنهج مشترك للاتحاد الأوروبي تجاه هذه الأزمة وغيرها من الأزمات المستمرة. ولذلك لا ينبغي للغرب أن يتفاجأ بأن شركاءه الدوليين سيستمرون في الإصغاء إلى قُوًى عُظْمى أخرى، في حين يجازف الغرب بأن يصبح أكثر عُزْلةً تدريجياً.        

 

ترجمة: عبد الحميد فحام        

المصدر: The Brusseles Times