استهداف الكلية الحربية في حمص :  المستفيدون والرسائل
أكتوبر 06, 2023 3517

استهداف الكلية الحربية في حمص : المستفيدون والرسائل

حجم الخط



شهد حفل تخرُّج في الكلية الحربية التابعة للنظام السوري في حمص استهدافاً بالمتفجرات يوم 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عقب انتهاء الحفل ومغادرة المسؤولين وكبار ضباط النظام الذين كان من بينهم وزير الدفاع ومحافظ حمص.      

أدَّى التفجير لوقوع عدد كبير من القتلى والمصابين في صفوف الضباط الجدد المتخرجين من الكلية ومن عوائلهم الذين كانوا يشاركون في الحفل بحسب مصادر النظام.      

تملك العديد من الجهات الخارجية القدرة على تنفيذ هذا الاستهداف، إذا صح أنه حصل باستخدام الطيران المسير، ولكنه احتمال ضعيف، نظراً لضعف المصلحة في تنفيذ مثل هذا العمل بالنسبة لهؤلاء الفاعلين.      

ومن خلال قراءة مصالح الفاعلين، فإن هناك طرفين يمكن أن يستفيدا مما حصل، وهما النظام السوري وإيران:      

النظام السوري      

يملك النظام مصلحة مباشرة في حصول استهداف مماثل، إذ يحتاج في الوقت الحالي إلى حدث ضخم يُمكّنه من إعادة ضبط حاضنته، ويعيد التأكيد لهم بأن الخطر عليهم لم ينتهِ بعد، وأنَّه بكل عيوبه هو الضمانة الوحيدة لأمنهم.      

هذا الدافع مرتبط بمظاهر التفلّت غير المسبوق التي بدأت تظهر في الآونة الأخيرة بسبب الأوضاع الاقتصادية، بالتوازي مع التأثير الذي تتركه أحداث السويداء وعدم قدرة النظام على الرد فيها.      

استهداف الخريجين في الكلية الحربية وسط مدينة حمص بمثل هذا المكان والحجم يُعيد إلى الذاكرة حادثة مدرسة المدفعية بحلب عام 1979، والتي وظفها النظام آنذاك لحملة قمع واسعة أعاد من خلالها سيطرته على كامل سورية.      

ما يُعزز احتمال هذا السيناريو هو طبيعة التعاطي الإعلامي من طرف النظام مع تفجير حمص، فعلى غير المعتاد في القضايا المماثلة، بدأ إعلام النظام نشر التفاصيل وبشكل مفصل بعد وقت قصير جداً، وانطلقت بالتوازي حملات تجييش في كل صفحات التواصل الاجتماعي المؤيدة للنظام، بصورة أقرب ما تكون للحملة المنظمة.      

إيران      

تملك إيران هي الأخرى مصلحة مباشرة في القيام بمثل هذا الاستهداف؛ حيث تسعى إيران في الوقت الراهن إلى تعظيم دورها في سورية، وإعادة صياغة الشروط التعاقدية بينها وبين النظام، مستفيدة مما حصل في أذربيجان من التغاضي الروسي عن قيام أذربيجان باستعادة إقليم ناغورنو كاراباخ، وخذلانها لأرمينيا التي كانت تحتمي تاريخياً بالروس.      

كما تحتاج إيران في هذا الوقت إلى حادث بمثل هذا الحجم في سورية، يعطي الذريعة لإيران والنظام للتصعيد ضد مناطق المعارضة السورية، الأمر الذي يُشكّل ضغوطاً ميدانية على تركيا.      

من جانب آخر فإنَّ حصول مثل هذا الاستهداف المؤثر يُظهر عجز جيش النظام حتى عن حماية نفسه، كما يُظهر هشاشة الوضع الأمني للنظام، ويساعد إيران على إعادة صياغة شروط العلاقة مع دمشق، بعيداً عن محاولاتها المستمرة للموازنة بين موسكو وطهران، واستخدام العلاقة مع روسيا من أجل تجنُّب الاستجابة للضغوط الإيرانية.      

وكخلاصةٍ، فإنه ربما تكون رواية النظام صحيحة فيما يتعلق باستهداف المسيرات، وفي هذه الحالة فإما أنها مسيرات انطلقت من مناطق قريبة جداً، أي من مناطق سيطرة النظام نفسه، أو أنَّها مسيرات متطورة تم استقدامها من مسافة بعيدة، ولكن يبقى احتمال أن يكون الاستهداف قد تم بطريقة أخرى، سواء بقصف من مكان قريب أو تفجير في المكان.      

ورغم أن المنطقة التي تم استهدافها هي منطقة عسكرية بالكامل، حيث تُحاط الكلية الحربية على بُعد أقل من 1 كم بالفرقة الجوية 22 وقيادة قوات حرس الحدود، وفي نطاق أوسع تتواجد العديد من المطارات الحربية وقطاعات الدفاع الجوي، بما فيها قطاعات روسية، إلا أنَّ هذا الانتشار لا يحدّ من إمكانية وصول المسيرات، نظراً لضعف إمكانية التعامل معها حتى على مستوى الجيوش الكبرى (كما حصل في الهجوم على الكرملين)، ناهيك عن دفاعات الجيش السوري البدائية.      

وضِمن المعطيات الأولى يبدو أن النظام السوري هو المستفيد الأول، أو سيسعى على الأقل لتعظيم استفادته من الحدث إلى أقصى درجة، وفي الغالب فإنّه سيسعى في الأيام المقبلة للتحشيد الكبير سياسياً وإعلامياً، من أجل الدفع باتجاه عمل عسكري تجاه مناطق الشمال السوري، بحيث يتحول التركيز الشعبي نحو تلك المنطقة، باعتبارها "المنطقة التي تضمّ أولئك الذين قاموا بهذا العمل"، بدلاً من التركيز على ما يحصل في الجنوب.