خريطة الصراع في ليبيا المكونات والمستقبل
أبريل 24, 2020 8000

خريطة الصراع في ليبيا المكونات والمستقبل

حجم الخط
تمهيد
مضى عامٌ كامل على الصراع المحتدم بين الأطراف الليبية على العاصمة "طرابلس"، حيث أطلق اللواء "خليفة حفتر" حملة عسكرية مطلع شهر نيسان/ أبريل عام 2019 ضد قوات "حكومة الوفاق الوطني" المعترف بها دولياً، بهدف دخول العاصمة وإخضاع كامل البلاد لسلطة حفتر من الناحية السياسية، تمهيداً لاستكمال السيطرة على ليبيا جغرافياً، بعد أن استطاع الاستحواذ على شرق وجنوب وجزء واسع من شمال البلاد.
وشهدت المواجهات المندلعة منذ العام الماضي متغيرات ميدانية عديدة، فقد تداول الطرفان السيطرة على مدن الساحل الغربي والمواقع القريبة من الحدود التونسية، فيما تركزت المواجهات بشكل أساسي في جنوب وجنوب شرق وجنوب غرب طرابلس.
وقد تأثرت العمليات العسكرية ونتائجها بالأدوار الدولية، حيث أن الفاعلين الدوليين أسهموا بشكل واضح في استمرار الصراع من خلال دعم طرفيه، نتيجة تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية لهؤلاء الفاعلين.
ولم تفلح المساعي الأممية ولا جهود بعض الأطراف الدولية، كمؤتمر برلين، حتى اليوم في وضع حد للنزاع المسلح، ودفع الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات للتوصل لحل سياسي نهائي، ليشهد شهرا آذار/مارس الماضي، ونيسان/أبريل 2020 تصاعد وتيرة المعارك، مع تبدل وضعيات الطرفين وتصبح القوات المتحالفة مع حكومة "الوفاق" في موقع المبادر للهجوم؛ بعد الاكتفاء بالدفاع لأكثر من عشرة أشهر.
دعوات الأمين العام للأمم المتحدة لوقف إطلاق النار في أماكن النزاع حول العالم بهدف مكافحة وباء "كورونا" هي الأخرى لم تتجسد على أرض الواقع، على الرغم من اكتشاف إصابات بالفايروس ضمن الليبيين.
وتسود تكهنات في بعض الأوساط الدولية عن ضرورة التعامل مع الصراع في ليبيا على أنه سيكون "صراع طويل الأمد"، في ظل التنافس الدولي المحموم على النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في البلاد.
ويستعرض هذا التقرير خريطة الصراع في ليبيا، حيث يتناول أطراف الصراع وأسبابه، والعوامل الفاعلة فيه، وواقع السيطرة الحالية، والمستقبل المحتمل للصراع في ضوء تموضعات الفاعلين المحلية والدولية الحالية. 
 
أولاً: من هم أطراف الصراع المحليين في الوقت الحالي؟
1-قوات "خليفة حفتر"
التحق "خليفة حفتر" بالجيش الليبي وهو شاب، وساهم عام 1969 في الانقلاب العسكري على الملك "محمد السنوسي" الذي أوصل العقيد "معمر القذافي" إلى السلطة، ليصبح حفتر من أبرز ضباط نظام "معمر القذافي"، وعضواً في مجلس قيادة الثورة الذي حكم البلاد منذ الانقلاب.
وقع حفتر في الأسر مع مئات الجنود الليبيين خلال حرب "تشاد" عام 1986، وعندها كان قائد القوات الليبية في تشاد ويحمل رتبة عقيد، فتبرأ "القذافي" منه ومن الأسرى الليبيين، فقامت الولايات المتحدة الأمريكية بترتيب نقله إلى زائير، فالتحق بصفوف "جبهة الإنقاذ الليبية" المعارضة لنظام "معمر القذافي" في آواخر عام 1989 وأسس جناحاً عسكرياً لها تحت اسم "الجيش الوطني الليبي".
غادر حفتر زائير إلى كينيا، ثم دخل الولايات المتحدة ضمن برنامج اللاجئين وكثف من تواصلاته مع وكالة الاستخبارات المركزية بهدف العمل على إسقاط نظام "القذافي"، ودعم انتفاضة ضده انطلقت من جبال "برقة" عام 1996.
عاد حفتر إلى ليبيا مع انطلاق الانتفاضة الشعبية في شباط/فبراير 2011 ضد "معمر القذافي"، وجرى تعيينه شهر نيسان/أبريل 2011 قائداً للقوات البرية التي تحارب قوات القذافي، لكنه غادر بعد فترة إلى الولايات المتحدة، ثم عاد إلى ليبيا في حزيران/يونيو 2012 وبدأ تحركاته من أجل تشكيل خلية عسكرية سرية بهدف تأسيس قوات تابعة له، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير مع حلول مطلع عام 2014.
في شهر شباط/فبراير عام 2014 أعلن حفتر تجميد عمل الهيئة التشريعية في ليبيا المعروفة باسم "المؤتمر الوطني"، التي جرى انتخابها في تموز/يوليو 2012 خلفاً للمجلس الوطني الانتقالي الليبي؛ والذي مثّل السلطة التشريعية خلال الثورة الليبية، كما دعا حفتر إلى حل المؤتمر الوطني وتشكيل حكومة مؤقتة تُشرف على انتخابات تشريعية جديدة، ليتبع خطوته تلك بإطلاق عملية عسكرية في شهر أيار/مايو عام 2014 ضد "مجلس ثوار بنغازي" المدعوم من المؤتمر الوطني، وسمّيت العملية وقتها بـ "عملية الكرامة" وكانت أهدافها المعلنة "محاربة التنظيمات الإرهابية".
وفي شهر آب/أغسطس 2014 جرت انتخابات برلمانية في بنغازي بتوصيات من لجنة منبثقة عن المؤتمر الوطني العام، لكن تيارات عديدة في المؤتمر رفضت لاحقاً الاعتراف بالبرلمان الذي تمخض عن تلك الانتخابات، فتم نقل مكانه إلى "طبرق" بدلاً من بنغازي، فأصبح يُعرف باسم "برلمان طبرق" ويرأسه "عقيلة صالح"، وصار يُعد بمثابة هيئة تشريعية موالية لقوات حفتر، انبثق عنه "الحكومة المؤقتة" ويرأسها "عبد الله الثني"، ومقرها في مدينة البيضاء.
تمكنت قوات حفتر في شهر تموز/يوليو 2017 من الانتصار على "مجلس ثوار بنغازي" وحسمت معركة بنغازي لصالحها، بعد تدخل تشكيلات عسكرية كانت تتبع لجيش "معمر القذافي" وكتائب "سلفية مدخلية" لصالح حفتر.
تنامت قوة اللواء الليبي حفتر نتيجة جهود بعض اللاعبين الدوليين، فأصبحت تضم تشكيلات وفصائل متنوعة ذات توجهات مختلفة وهي:
أ. تشكيلات من جيش "معمر القذافي"
التحق بحفتر تشكيلات عسكرية كانت تتبع للجيش الليبي في عهد القذافي، وأبرزها: اللواء 32، واللواء 12، وكتيبة محمد المقريف، وكتيبة خميس، واللواء 26 مشاة، واللواء 22 ترهونة (اندمج لاحقاً مع اللواء السابع كانيات، وأصبح لواءً كبيراً اسمه اللواء التاسع)، وقوات الصحوات (والتي تضم اللجان الشعبية التي كانت تساند القذافي في معاركه مع المعارضة، وساهمت الصحوات في تفوق حفتر على "مجلس ثوار بنغازي" في شهر تموز/يوليو 2017 عندما أحكم سيطرته على المدينة، كما تشارك اللجان الشعبية حالياً في الهجوم على طرابلس انطلاقاً من محور المطار القديم في منطقة "قصر بن غشير" جنوب شرق طرابلس).
ب. مقاتلون قبليون
التحق بقوات حفتر مقاتلون قبليون، انحازت قبائلهم لحفتر ضد حكومة الوفاق الوطني، والفصائل العسكرية التابعة للحكومة والأخرى التي تحالفت معها.
وتأتي قبيلة "الفرجان" التي ينتمي لها "خليفة حفتر" في طليعة القبائل المساندة له، وتنتشر في مناطق سرت وترهونة وأجدابيا، بالإضافة إلى جزء من قبيلة "القذاذفة" التي ينتمي لها "معمر القذافي"، وينتشر هذا القسم في سرت والجفرة.
ومن القبائل الليبية الداعمة لـ حفتر: العبيدات (ينحدر منها عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق الموالي لحفتر)، والحاسة، والبرغاثة، والبراعصة، والعواقير.
وفي غرب ليبيا تعتبر قبيلة "ورشفانة" أبرز القبائل المساندة لحفتر، بالإضافة إلى قسم من قبيلة الزنتان، وفي الجنوب تنحاز له قبيلة "المقارحة" المنتشرة في منطقة براك الشاطئ، وقبيلة "أولاد سليمان" المنتشرة في سبها.
ويتمتع حفتر بتأييد غالبية القبائل الموجودة في منطقة الهلال النفطي شمال البلاد، وأبرزهم "المغاربة" و"الزوية"، بالإضافة إلى قبيلة "الكفرة" في جنوب شرق البلاد.
ج. كتائب سلفية
انخرطت كتائب ذات توجه "سلفي مدخلي" في الصراع إلى جانب "خليفة حفتر"، بعد فتوى أصدرها الشيخ السعودي "ربيع بن هادي المدخلي" في شهر نيسان/أبريل عام 2019 تطلب من أتباعه في ليبيا مساندة حفتر(1).
والكتائب المدخلية التي تساند حفتر هي: كتيبة النداء بقيادة محمود الورفلي، وكتيبة التوحيد بقيادة أشرف الميار. وقد أدّت هاتان الكتيبتان دوراً أساسياً في قتال "مجلس ثوار بنغازي" الذي كان يحاصر جيوب قوات حفتر في منطقة "الرجمة" ببنغازي عام 2014، قبل أن تنقلب الموازين لصالحه عقب تدخل القوات السلفية المدخلية والقبلية واللجان الشعبية الموالية سابقاً لمعمر القذافي، ويسيطر حفتر على المدينة عام 2017.
ومن الكتائب السلفية المدخلية الموالية لحفتر أيضاً، كتيبة سنابل السلام في منطقة الكفرة ويقودها عبد الرحمن الكيلاني، وكتيبة الكانيات بقيادة أسرة الكاني، وتستقر في مدينة ترهونة أهم قاعدة انطلاق للهجوم على طرابلس من المحور الجنوبي الشرقي، والكتيبة 604 مشاة في سرت، وكتيبة طارق بن زياد المتمركزة في قاعدة "الوطية" غرب ليبيا.
د. مقاتلون من جنسيات أخرى
تتلقى قوات حفتر الدعم من عدة مجموعات غير ليبية وهي: 
- قوات الدعم السريع السودانية (الجنجويد) بقيادة الجنرال محمد حمدان حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني الذي قاد الانقلاب على عمر البشير
- جيش تحرير السودان-جناح عبد الواحد نور. 
- جيش تحرير السودان جناح مني مناوي. 
- تجمع قوات تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر. 
- ويصل تعداد القوات السودانية المختلفة الداعمة لـ حفتر إلى 1400 مقاتل(2).
- ميليشيا "فاغنر" الروسية، والتي ينتشر المئات من عناصرها على محاور القتال حالياً في جنوب طرابلس(3).
وجندت "فاغنر" الروسية مؤخراً بالتعاون مع مخابرات نظام الأسد المئات من المقاتلين السوريين، وأرسلتهم إلى ليبيا من أجل القتال إلى جانب حفتر، والمساهمة في حماية حقول النفط(4).
أسهمت عوامل القوة المذكورة إلى جانب الدعم الدولي بسيطرة حفتر على شرق ليبيا ومساحات كبيرة من جنوبها ووسطها على مدار الأعوام الماضية.
وفي نيسان/أبريل 2019 شن حفتر حملة عسكرية باتجاه غرب البلاد، وهدفها السيطرة على "طرابلس" وكامل الساحل الغربي الليبي، وفي هذه الأثناء استطاع التوغل في شمال البلاد وبسط سلطته على مدينة سرت ومينائها وقاعدتها الجوية.
2-حكومة الوفاق الوطني
توصلت أطراف الصراع الليبية وعلى رأسها ممثلون عن "برلمان طبرق" و"المؤتمر الوطني العام" وممثلين عن المجالس المحلية في مصراتة وطرابلس إلى اتفاق في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2015 في مدينة "الصخيرات" المغربية، وبرعاية من الأمم المتحدة، وحضور ممثل عن الاتحاد الأوروبي. نص الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية ومجلس رئاسي يرأسه رئيس الحكومة التي سيتم تشكيلها، واعتبار "برلمان طبرق" الهيئة التشريعية للبلاد، بالإضافة إلى تأسيس مجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة إعادة الإعمار(5).
وسبق ذلك إعلان المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا "برناردينو ليون" عن تكليف "فائز السراج" عضو "برلمان طبرق" برئاسة حكومة الوفاق الوطني في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2015، وتم إسناد مهمة رئاسة المجلس الرئاسي له، المتفق عليه في "الصخيرات" المغربية.
رفض "برلمان طبرق" برئاسة "عقيلة صالح" تعيين "السراج" رئيساً للحكومة وللمجلس الرئاسي، واعتبر أن من حضر اتفاق "الصخيرات" وقع بصفته الشخصية وليس باسم البرلمان.
في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر 2017، أي بعد مرور عامين كاملين على اتفاقية "الصخيرات"، أعلن اللواء الليبي "خليفة حفتر" انتهاء العمل بالاتفاقية، ورفض إخضاع "الجيش الليبي" إلى أية جهة أخرى مهما كانت لها شرعية دولية إذا لم تكن منتخبة من الشعب، وبذلك فإن أي جسم منبثق عن الاتفاقية يعتبر منتهي الصلاحية(6).
ومع الموقف الذي اتخذه حفتر، أصبح في مواجهة حكومة الوفاق الوطني برئاسة "فائز السراج" والمؤلفة من 16 وزيراً من بينهم" السراج" نفسه، والذي يتبوأ منصب وزير الدفاع وقائد الجيش الليبي، بالإضافة إلى "المجلس الرئاسي" المؤلف من تسعة أعضاء، و"المجلس الأعلى للدولة" الذي يضم 145 عضواً، وانحاز لهم 50 نائباً تخلوا عن "برلمان طبرق" واتخذوا من طرابلس مقراً لاجتماعاتهم منذ نيسان/أبريل عام 2019، وتم إطلاق تسمية "مجلس نواب طرابلس" عليهم، وتساندهم هيئة الأركان للجيش بقيادة اللواء "محمد الشريف". 
انحازت لحكومة الوفاق الوطني في هذا الصراع التشكيلات التي أطلقت عملية "فجر ليبيا" في تموز/يوليو 2014 رداً على عملية "الكرامة" التي أطلقها حفتر آنذاك، ومن بين تشكيلات غرفة عمليات "فجر ليبيا" ما يُعرف بـ "الدروع" وهي قوات تتبع للجيش الليبي الذي جرى تشكيله بعد سقوط نظام "معمر القذافي"، بالإضافة إلى كتائب ثوار "مصراتة" و"ثوار الزاوية".
وتقاتل "قوات حماية طرابلس" إلى جانب "حكومة الوفاق الوطني"، وهي قوات تأسست في كانون الأول/ديسمبر 2018 بعد محاولة اللواء السابع ترهونة اقتحام طرابلس، وتتألف هذه القوة من فصائل عديدة هي: كتيبة ثوار طرابلس، ولواء النواصي، وقوة الردع والتدخل المشتركة، وكتائب تاجوراء، والكتيبة 92 مشاة، والكتيبة 155 مشاة، وكتيبة يوسف البوني.
وتعتبر "قوات الردع الخاصة" التابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، والكتيبة 301 التابعة لرئاسة الأركان في الحكومة من التشكيلات الرئيسية التي تصد هجوم حفتر على طرابلس(7).
ويساند حكومة الوفاق الوطني قائد عسكري بارز يدعى "أسامة الجويلي"، ومعه كتيبته المنحدرة من مدينة الزنتان، و"الجويلي" قاد المجلس العسكري في الزنتان في المعارك ضد نظام "معمر القذافي" وتمكنت كتيبته من أسر "سيف الإسلام القذافي" عام 2011، ثم شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية التي جرى تشكيلها بعد سقوط "القذافي"، وقامت حكومة الوفاق الوطني بترقيته إلى رتبة لواء، وتعيينه آمراً للمنطقة العسكرية الغربية في ليبيا.
 
ثانياً: أسباب الصراع
1-صراع السلطة
من الدوافع المهمة في الصراع الليبي هو البحث عن السلطة كنتيجة لحالة الفراغ التي نشأت بعد سقوط "القذافي"، وقد بدأت عملية البحث عن السلطة منذ أن أعلن "خليفة حفتر" انتهاء صلاحية السلطة التشريعية في البلاد ممثلة بالمؤتمر الوطني العام، وكذلك تجميد الإعلان الدستوري الذي تم إقراره بعد سقوط "القذافي"(8).
وتجلى الصراع على السلطة أيضاً في رفض "برلمان طبرق" وتيار من "المؤتمر الوطني العام" القرارات المنبثقة عن اتفاق "الصخيرات" في المغرب في كانون الأول/ديسمبر 2015، ثم انقلاب حفتر على الاتفاقية احتجاجاً على تسليم "فائز السراج" رئاسة المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني، رغم أن ذلك تم بإشراف مباشر من الأمم المتحدة(9).
2-قصور جهود الأمم المتحدة
اقتصرت جهود الأمم المتحدة في الملف الليبي منذ سقوط معمر القذافي على الجانب السياسي، دون رعاية خطوات عملية لهيكلة المؤسسة العسكرية واستيعاب مختلف الفصائل التي شاركت في قتال جيش القذافي، بالإضافة إلى بقايا هذا الجيش نفسه. 
كما أن الجهود الأممية لم تتنبه إلى أهمية الدفع باتجاه تشكيل مؤسسات أمنية قادرة على ضبط الأمن وفوضى السلاح، وتستطيع تولي مسألة مكافحة انتشار التنظيمات المتطرفة، الأمر الذي أفسح المجال لتشكيلات عسكرية محددة لاستغلال هذا الفراغ، واستخدام السلاح لفرض رؤيتها على باقي الأطراف تحت ذريعة ضبط الأمن ومكافحة الإرهاب.
3-الصراع الفكري
أدى إقرار المؤتمر الوطني العام الليبي الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع إلى معارضة تيار "علماني" يمثله حفتر(10)، وهذا ما دفعه لاحقاً لإعلان تجميد المؤتمر الذي يمثل السلطة التشريعية في البلاد مطلع عام 2014، واتجاهه لمحاربة "مجلس ثوار بنغازي" المدعوم من المؤتمر الوطني العام.
وانحاز غالب التيار "السلفي المدخلي" إلى حفتر بسبب خلافاته الفكرية مع الأطراف الإسلامية الأخرى التي أيدت حكومة الوفاق الوطني، وهذا الخلاف ليس مقتصراً على ليبيا بل عرفته دول الصراع الأخرى كاليمن ومصر.
وتحظى حكومة الوفاق الوطني التي يحاربها حفتر بدعم من تيارات وفصائل إسلامية التوجه أبرزها حزب العدالة والبناء، وغرفة عمليات "فجر ليبيا" سابقاً، ويترأس المجلس الأعلى للدولة حالياً المنبثق عن حكومة الوفاق الوطني "خالد المشري" وهو عضو سابق في حزب العدالة والبناء الإسلامي.
4-التدخلات الدولية
ارتفع مستوى التدخلات الدولية في الصراع الليبي في الفترات الأخيرة، حتى تحوّل الصراع إلى حرب بالوكالة حسب وصف الكثير من المتابعين للمشهد الليبي. 
ويؤثر في أحداث ليبيا الجارية حالياً تسع دول على الأقل، تسعى للحفاظ على مصالحها في بقعة جغرافية مهمة من حيث الموقع، ومصدراً أساسياً للطاقة في العالم. وتتوزّع هذه الدول وفق عدّة محاور، كما يلي: 
أ. تحالف السعودية – مصر- الإمارات
تشكل الدول الثلاث تحالفاً في الملف الليبي، وتقوم بتقديم دعم عسكري ومالي بشكل مستمر لقوات حفتر.
وقد ساندت الإمارات قوات حفتر بطائرات مسيرة بدون طيار من طراز Wing Loong II الصينية، نشرتها في مطاري "الجفرة" و"الوطية"، وعززتها لاحقاً بمنظومات دفاع جوي من طراز Pantsir-S1 من أجل مواجهة الطائرات بدون طيار التركية(11).
وتسعى الإمارات من خلال دعم حفتر إلى تأمين السيطرة على كامل الموانئ الليبية، لما سيحدثه ذلك من تأثير على الدور الإماراتي في مشروع "الطريق والحزام" الصيني. 
وقدمت مصر من جهتها الدعم الجوي للواء حفتر عن طريق شن غارات ضد خصومه، وأرسلت لقواته عتاداً عسكرياً بالإضافة إلى وحدات من مشاة البحرية، وكذلك أوفدت المستشارين العسكريين وبالأخص في مجال الطيران، ويتواجدون في قاعدتي "الوطية" و"الجفرة"(12). وتريد مصر تأمين مصالحها في منطقة شرق المتوسط، وضمان وجود حكومة "صديقة" في طرابلس. 
وتتولى الإمارات والسعودية دفع مكافآت مالية لصالح فصائل سودانية تنحدر من إقليم دارفور وهي: جيش تحرير السودان وتجمع قوات تحرير السودان، بالإضافة إلى قوات الدعم السريع التي يقودها الجنرال "محمد حميدتي" أحد مدبري الانقلاب على الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير.
وتعتبر فتوى "ربيع المدخلي" التي تحض أنصاره في ليبيا على القتال إلى جانب حفتر مؤشر على الدعم السعودي، على اعتبار أن "المدخلي" معروف بولائه للسلطات السعودية.
ب. تحالف قطر – تركيا
تحظى ليبيا بأهمية اقتصادية لدى تركيا من قبل انطلاق الثورة ضد "معمر القذافي"، حيث امتلكت الشركات التركية المختلفة وخاصة العاملة في مجال البناء 304 عقود في ليبيا عام 2010، كما أن الموقع الجغرافي المطل على شرق البحر المتوسط ووفرة النفط المنخفض التكلفة زاد من اهتمام تركيا بليبيا، في ظل تنامي الرغبة التركية بترسيم الحدود المائية في منطقة حوض شرق المتوسط الغنية بالثروات الطبيعية، والمعارضة التي لاقتها أنقرة من تحالف مصر–اليونان–إسرائيل إلى جانب بعض الدول الأوروبية، بالتالي أصبحت بحاجة لشراكات مع أطراف دولية من دول حوض شرق المتوسط.
وتقوم الاستراتيجية التركية في ليبيا على فكرة دعم إنشاء حكومة مركزية، تستطيع من خلال العلاقة معها تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية، ولذلك تعاطت أنقرة بإيجابية مع اتفاق "الصخيرات" وما تلاه من تشكيل حكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي.
وفي إطار تنفيذ الاستراتيجية التركية القائمة على دعم حكومة مركزية في ليبيا والتحالف معها، وقعت أنقرة اتفاقية أمنية وملاحية وعسكرية مع حكومة الوفاق الوطني، لتكون هذه الاتفاقية بمثابة غطاء شرعي للتحركات التركية العسكرية والسياسية الحالية في ليبيا(13).
تصاعد الدعم التركي لحكومة الوفاق منذ توقيع الاتفاقية المشتركة في نهاية آواخر عام 2019، واتخذ شكل إرسال مستشارين عسكريين، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار ومنظومات دفاع جوي، وقد أشرفت أنقرة على نقل الآلاف من المقاتلين السوريين المتحالفين مع أنقرة إلى محاور القتال حول العاصمة طرابلس، وهذا الدعم انعكس بشكل واضح مؤخراً على واقع الميدان(14).
وإلى جانب تركيا التي تدعم حكومة الوفاق بشكل مباشر عسكري، يوجد الدعم القطري الذي يتخذ غالباً شكل الدعم السياسي والاقتصادي، سواءً للموقف التركي في ليبيا أو لحكومة الوفاق نفسها(15).
 
ج. الاتحاد الأوروبي
يعاني الموقف الأوروبي في ليبيا من الانقسامات، جراء وجود حالة من اختلاف المصالح أو تعارضها.
وتشترك الدول الأوروبية في مخاوفها من التقارب الروسي – التركي في ليبيا وتهميش المصالح الأوروبية، لكنها أيضاً تعاني من تنافس المصالح فيما بينها، ويمكن تحديد ثلاث دول أوروبية فاعلة في الملف الليبي وهي:
فرنسا
الدعم الفرنسي للواء الليبي "خليفة حفتر" قديم، ويعود إلى بداية شهر أيار/مايو 2014 بعد إطلاق حفتر عملية "الكرامة" تحت شعار "محاربة الإرهاب"، حيث أوفدت الاستخبارات الفرنسية مستشارين إلى بنغازي من أجل مساعدة حفتر في تخطيط الهجمات والعمل على تزويده بالمعلومات، كما ساهم المستشارون العسكريون الفرنسيون عام 2016 في بناء حفتر لقوات منظمة بالاعتماد على الوحدات العسكرية التي كانت تتبع لنظام "معمر القذافي" سابقاً(16).
وتتالت المؤشرات على وجود وحدات عسكرية فرنسية مساندة لحفتر على الأرض، وكان أبرزها فرار 13 خبيراً عسكرياً فرنسياً من قاعدة "الوطية" في شهر نيسان/أبريل عام 2019 بعد تعرضها لهجوم من قوات "حكومة الوفاق"(17)، ثم لاحقاً العثور على صواريخ مضادة للدروع من طراز "جافلين" الأمريكية في مدينة "غريان" جنوب طرابلس، تم بيعها في وقت سابق لفرنسا، لتعترف وزارة الدفاع الفرنسية أن وحدة عسكرية كانت في "غريان" من أجل مكافحة الإرهاب(18).
وترى فرنسا في اللواء الليبي حفتر أنه شخص قوي قادر على ضبط الأمن في ليبيا، بالإضافة إلى أنها ستتمكن من خلال علاقاتها الوطيدة معه من الحصول على امتيازات بما يخص استخراج النفط وعقود الاستثمار.
إيطاليا
تتعامل إيطاليا مع ليبيا على أنها منطقة نفوذ تاريخية لها، ولذلك فإنها تتحرك في هذا الملف وفق مصالحها الخاصة، فهي ترى في شركة " توتال" الفرنسية العاملة في المجال النفطي مهدداً حقيقياً لشركة "إيني" الإيطالية التي تمتلك استثمارات في ليبيا منذ عام 1959.
ورغم الاعتراف الإيطالي بشرعية "حكومة الوفاق" التي يرأسها "فايز السراج"، لكنها لم تتجه لتقديم الدعم العسكري لها، لأنها تفكر في الحفاظ على توازنها مع مختلف الأطراف الليبية وعدم التأثير سلباً على إمدادات النفط.
وقد عملت إيطاليا على التنسيق مع تركيا في بداية الأزمة الليبية في شهر نيسان/أبريل 2019، لكنها سرعان ما رفضت الاتفاقية الموقعة بين أنقرة وحكومة الوفاق في تشرين الثاني / نوفمبر 2019، خشيةً منها أن تنزلق الأوضاع لحرب طويلة الأمد يكون لها تأثير على مصالحها.
ومنذ بداية عام 2020 باتت إيطاليا تتحرك بشكل مختلف بهدف لعب دور أكبر في ليبيا، حيث التقى وزير الخارجية الإيطالي "لويجي دي مايو" مع كل من "السراج" وحفتر، كما عقد لقاءً مع وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف".
ألمانيا
تبحث ألمانيا عن تخفيض حدة الصراع في ليبيا، والتوصل إلى حل سياسي نهائي ينهي التدخلات الخارجية، ولذلك كثفت الخارجية الألمانية جهودها منذ حزيران/يونيو 2019 من أجل عقد مؤتمر دولي لبحث الحل السياسي في ليبيا، وقد تمكنت من ذلك في مطلع عام 2020(19).
وتمتلك ألمانيا استثمارات بقيمة 2 مليار دولار في قطاع النفط الليبي، وتقوم الشركات الألمانية بعمليات التنقيب وتكرير النفط في ليبيا منذ عام 1958.
وقد شهدت الفترة التي تلت مؤتمر برلين نوعاً من التقارب بين الموقفين الألماني والإيطالي، حيث يدفع الطرفان للحد من تدفق السلاح إلى ليبيا، ودفعا باتجاه إطلاق عملية بحرية لدول الاتحاد الأوروبي بهدف مراقبة الشواطئ الليبية تدعى "إيريني".
د. روسيا
دخلت روسيا على خط التحالف مع اللواء الليبي "خليفة حفتر" بعد عدة أشهر من إطلاق الأخير لعمليته العسكرية على طرابلس، رغبة من موسكو في تأمين موطئ قدم جديد لها على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، الأمر الذي يتيح لها المزيد من التأثير على سياسات دول الاتحاد الأوروبي.
وقامت روسيا بإرسال مرتزقة من ميليشيا "فاغنر" للمشاركة في الهجوم على حكومة الوفاق في طرابلس، كما بدأت مؤخراً بتجنيد مقاتلين سوريين من مناطق سيطرة النظام السوري وإرسالهم للقتال في ليبيا إلى جانب قوات حفتر.
 
ثالثاً: عوامل قوة مهمة في الصراع
1. سلاح الجو
أ. قوات حفتر
يتفوق اللواء الليبي "خليفة حفتر" على حكومة الوفاق بما يتعلق بسلاح الجو سواء على صعيد عدد الطائرات أو عدد القواعد الجوية التي يمتلكها وأهميتها الجغرافية والاستراتيجية، حيث ورث عن نظام "معمر القذافي" عدة أسراب من الطائرات القتالية بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي من طراز s200 وpka3.
ساهمت القوات الجوية المصرية بشكل كبير بتطوير سلاح الجو لدى حفتر عن طريق إرسال خبراء وفنيين، ودعم حفتر بقطع الغيار اللازمة لإعادة تأهيل بعض الطائرات وتفعيلها مجدداً، كما أن الإمارات وروسيا أرسلوا لقوات حفتر العديد من الطائرات من طراز "ميغ 21" و"سوخوي 22".
وتمتلك قوات حفتر في الوقت الحالي ست طائرات من طراز "ميغ 21" الجيل الثالث، و12 طائرة من طراز "ميغ 23" وخمس طائرات من طراز "سوخوي 22"، و12 طائرة من طراز "MI35" و"MI24"، بالإضافة إلى ثلاث طائرات من طراز "ميراج إف 1".
وتسيطر قوات حفتر على ثمان قواعد جوية منتشرة على امتداد ليبيا وهي: قاعدة طبرق، وقاعدة الأبرق، وقاعدة بنينا في بنغازي، وقاعدة الجفرة، وقاعدة الوطية، وقاعدة القرضابية قرب سرت، وقاعدة تمنهنت، وقاعدة اللويغ.
وتعتبر قاعدة "الجفرة" أهم قاعدة جوية في ليبيا على الإطلاق بحكم موقعها في وسط البلاد والذي يتيح لمن يسيطر عليها استخدام سلاح الجو في كافة أنحاء ليبيا، وتأتي قاعدة "الوطية" في الدرجة الثانية من حيث الأهمية لأنها تسمح بتسيّد الجو على كامل الساحل الليبي الغربي، لكنها الأولى من حيث التحصينات والمساحة والبنى التحتية، ولديها القدرة على استيعاب قرابة 7000 جندي.
ودعمت الإمارات مؤخراً سلاح الجو التابع لـ حفتر بطائرات بدون طيار من طراز "وينغ لونغ 2" صينية الصنع، يتم إطلاقها من قاعدتي "الجفرة" و"الوطية"، بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي من طراز "بانتسير".
ب. حكومة الوفاق
تمتلك حكومة الوفاق قرابة 10 طائرات حربية من طرازات "ميغ 25" و"ميغ23" و"لام39" و"ميراج إف 1".
وتسيطر حكومة الوفاق على قاعدتين جويتين فقط هما: الكلية الجوية في مصراتة، وقاعدة امعيتيقة بالقرب من طرابلس. وقام الجيش التركي في الأشهر الأخيرة بنشر طائرات بدون طيار من طراز "بيرقدار" و"العنقا" في هاتين القاعدتين، وتلعب هذه الطائرات مؤخراً دوراً مهماً في مساندة حكومة الوفاق في عملياتها البرية، وخاصة العملية الأخيرة في الساحل الغربي.
وركزت تركيا منظومات دفاع جوي من طراز "حصار" في تلك القواعد من أجل حمايتها.
2-حقول النفط والموانئ
أ. قوات حفتر
تُسيطر على الحصة الأكبر من حقول النفط وأهم الحقول الخاضعة لنفوذها: حقل الشرارة، وحقل آمال، وحقل الفارغ، وحقل الطن، وحقل سرير، وحقل مسلة، وحقل النافورة.
ويقدر إنتاج الحقول النفطية الواقعة في مناطق نفوذ قوات حفتر بـ 900 ألف برميل يومياً، لكن في الآونة الأخيرة لجأ حفتر لتعطيل إنتاج العديد من الحقول كنوع من الضغط على حكومة الوفاق التي تتولى عملية البيع وقبض العائدات باعتبارها حكومة معترف بها دولياً.
وتُسيطر قوات حفتر على موانئ هامة على البحر المتوسط وهي: ميناء طبرق، وميناء درنة، وميناء بنغازي، وميناء السدرة، وميناء رأس لانوف النفطي.
ب. حكومة الوفاق
لا يوجد الكثير من حقول النفط في مناطق سيطرة حكومة الوفاق، ويعتبر حقل زلطن البالغ إنتاجه اليومي 30 ألف برميل أكبر حقل في هذه المناطق.
وتشرف حكومة الوفاق على إدارة موانئ: مصراتة، والزاوية، وزليتين، وطرابلس. ويتواجد في بعض هذه الموانئ مصافٍ لتكرير النفط، لكنها توقفت غالبها خلال منذ شباط/فبراير 2020 بسبب قطع حفتر لإمدادات النفط من حقول شرق البلاد ومنطقة الهلال النفطي.
وتتولى "المؤسسة الوطنية للنفط" الخاضعة لحكومة الوفاق عملية بيع النفط الخام للدول، وبالتالي فإنّ عائدات النفط تذهب لخزينة الحكومة، وهذا ما دفع حفتر لإيقاف ضخ النفط باتجاه موانئ غرب البلاد.
 
رابعاً: واقع السيطرة الحالي
1-قوات حفتر
تسيطر قوات حفتر على كامل الشرق الليبي وأهم مدنه هي طبرق التي تعتبر معقلاً أساسياً لـحفتر، وبنغازي وإجدابيا بالإضافة إلى الجنوب الشرقي وأبرز مدنه "الكفرة"، والمساحة الأكبر من الشمال الليبي بما فيه منطقة "الهلال النفطي" ومدينة سرت وميناءها وقاعدتها الجوية.
وحتى ما قبل الثاني عشر من شهر نيسان/أبريل 2020، كانت قوات حفتر تتمركز في مساحات واسعة في ساحل ليبيا الغربي، إلا أن سيطرتها انحسرت حالياً وباتت تقتصر على "قاعدة الوطية" ومدينة "ترهونة" ومدينة "الزنتان".
ويخضع جنوب غرب ليبيا لسيطرة قوات حفتر، وأهم مناطقه مدينتي سبها وأوباري.
وتتمركز قوات موالية لـ حفتر في نقاط مؤثرة في جنوب وجنوب شرق طرابلس غرب ليبيا، أبرزها أجزاء واسعة من مدينة "بني وليد"، ومنطقة "قصر بن غشير"، كما توغلت مؤخراً قوات حفتر في منطقة "عين زارة" و"أبو سليم"، وهي محاور قتال تشهد اشتباكات يومية بين طرفي الصراع.
2-حكومة الوفاق
تسيطر حكومة الوفاق حالياً على بعض الأجزاء من الشمال (انحسرت سيطرتها في الشمال بعد خسارة سرت مطلع العام الحالي)، بالإضافة إلى المساحة الأكبر في غرب البلاد.
والمدن التي تخضع لسيطرة الوفاق في غرب ليبيا هي: مصراتة، والخمس، وطرابلس، والزاوية، وصرمان، والعجيلات، وزاورة، زلطن، ورقدالين، وصبراتة، ورأس جدير، والعزيزية، وغريان، ونالوت، والأصابعة، وغدامس، وجادو.
أي أن الشريط الساحلي الغربي الممتد من مصراتة إلى معبر رأس جدير الحدودي مع تونس، كلها منطقة نفوذ تتبع لحكومة الوفاق متصلة مع بعضها.
وتمكنت حكومة الوفاق والقوات المتحالفة معها من فتح الطريق الواصل بين مدينة مصراتة إلى رأس جدير التي يوجد فيها معبر حدودي باتجاه تونس، بعد عملية عسكرية شنتها في الثاني عشر من شهر نيسان/أبريل 2020، استعادت من خلالها سبع مدن هامة وهي: الصرمان، وصبراتة، والعجيلات، ورقدالين، وزلطن، والجميل، والعسة، وجميعها تقع على الساحل الغربي، لتضييق الخناق أكثر على قاعدة "الوطية" الاستراتيجية، التي لا تزال تحت سيطرة قوات حفتر حتى وقت إصدار هذا التقرير(20).
وفي الثامن عشر من شهر نيسان/أبريل 2020، شنت القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني هجوماً على مواقع اللواء التاسع التابع لقوات حفتر المتمركز في مدينة "ترهونة" جنوب شرق طرابلس، القاعدة الأساسية لإمداد القوات التي تهاجم العاصمة، وتمكنت قوات الوفاق من التوغل في المنطقة والسيطرة على معسكر "الحواتم" وعلى جزء من بلدة المصابحة(21).
وانطلق الهجوم على "ترهونة" من خمسة محاور، هي: 
- من الشمال: من منطقتي "الزطارنة" و"القره بوللي. 
- من الشرق: من جهة "مسلاتة". 
- من الجنوب الغربي: من جهة "غريان". 
- من الغرب: من منطقة "الطويشة". 
- من الجنوب: انطلق منه مقاتلو الوفاق من منطقتي "المشروع" و"صلاح الدين".
وفي حال استطاعت حكومة الوفاق من السيطرة على "ترهونة" فستتمكن من تأمين جنوب وجنوب شرق وجنوب غرب طرابلس إلى حد كبير، والحديث هنا عن محاور: وادي الربيع، وعين زارة، وقصر بن غشير، وصلاح الدين، والمشروع، وسوق الخميس امسيحل، وهي محاور تشهد محاولات مستمرة لقوات حفتر للتقدم من خلالها باتجاه أحياء العاصمة.
 
خامساً: مستقبل الصراع
تُركز الجهود التركية على إعادة التوازن لحكومة الوفاق الوطني، ودعمها كي تمتلك مقومات تجعلها قادرة على القيام بأعباء الحكم والإدارة، ومن ضمن هذه المقومات الثروة النفطية والمنافذ الحدودية والموانئ البحرية والمؤسسة العسكرية، تمهيداً لكي تكون الحكومة طرفاً أساسياً ووازناً في أي تفاهم أو حل سياسي للصراع في ليبيا، وبالتالي على الأرجح ستكون وجهة العمليات التركية وحكومة الوفاق الوطني بعد "ترهونة" هي مدينة سرت شمال البلاد، التي تفتح الطرق للتقدم باتجاه منطقة "الهلال النفطي"، وهذا ما سيزيد من موارد "الوفاق" ويوسع رقعة السيطرة الجغرافية.
كما أن قاعدة "الجفرة" الجوية وسط البلاد قد تكون هدفاً مستقبلياً محتملاً للعمليات التركية – الليبية المشتركة، لما لهذه القاعدة أهمية في السيطرة على الأجواء الليبية.
بالمقابل فإن قوات حفتر والدول المساندة له تهدف إلى نزع الجغرافيا من يد حكومة الوفاق الوطني، مما سيؤثر على أوراقها السياسية وشرعيتها بشكل عام، وبناء على ذلك لن يكون مستغرباً أن تتلقى قوات حفتر دعماً جديداً من أجل محاولة استعادة المواقع التي خسرتها في غرب ليبيا لاستكمال عزل حكومة الوفاق عن محيطها الدولي، وبالتحديد تونس والجزائر، وهذا بطبيعة الحال سيكون في مرحلة لاحقاً لصد الهجوم الحالي على "ترهونة" القاعدة العسكرية الأهم لـ حفتر في غرب البلاد.
ومن الأهداف المحتملة مستقبلاً لقوات "حفتر" هي مدينة مصراتة، التي تعتبر معقل الفصائل المعارضة لـ "حفتر"، ودخولها يعني إضعاف المقاومة في طرابلس إلى حد كبير.
وفي حال قررت قوات "حفتر" مهاجمة مصراتة فيتوجب عليها أولاً السيطرة على "بوقرين" جنوب شرق مصراتة قبل التوجه إلى المدينة.

 
الخلاصة
من الواضح أن الصراع في ليبيا ازداد تعقيداً خاصة خلال العام الأخير، كانعكاس طبيعي لزيادة عدد اللاعبين الدوليين المؤثرين في هذا الصراع والزج فيه بثقل كبير، رغبةً من كل لاعب بأن يفرض رؤيته التي تحقق مصالحه في ليبيا عن طريق الفاعل المحلي الذي يدعمه.
وبالنظر إلى الواقع الميداني وخريطة السيطرة وتبدلاتها، فيمكن القول إن الدعم التركي الذي ازدادت كثافته منذ مطلع 2020 ساهم بشكل كبير في تعديل موازين المعركة لصالح حكومة الوفاق الوطني الليبية، وهذا بطبيعة الحال يجعل التكهن برد فعل معين من قبل المحاور الأخرى المساندة لقوات "حفتر" أمراً بديهياً، وبالتالي قد تتجه البلاد إلى موجة جديدة من الصراع تكون أكثر حدةً من الموجات السابقة، سيكون مسرحها الأساسي الساحل الشمالي الليبي ووسط البلاد والساحل الغربي أيضاً.
ومن غير المرجح أن تفلح الجهود الأممية على المدى القريب والمتوسط في وضع حد للنزاع الدائر في ليبيا، في ظل عدم تجاوب الأطراف الدولية المؤثرة والداعمة للفرقاء الليبيين، ونزوعها للخيار العسكري لتعظيم المكاسب قبل التوجه إلى طاولة المفاوضات، مما يجعل الانقسام الجغرافي للأراضي الليبية مرشحاً للاستمرار لفترة ليست قصيرة.
الهوامش
1- فتوى الشيخ "ربيع بن هادي المدخلي" الصادرة في الخامس من شهر نيسان/أبريل عام 2019/
2- معلومات حصل عليها مركز جسور عن طريق مصادر ميدانية ليبية.
3-
من هم المرتزقة الروس الذين يحاربون إلى جانب قوات حفتر في ليبيا؟، يورو نيوز، 19/12/2020
4-روسيا تواصل محاولات “تجنيد” سوريين إلى جانب “حفتر، عنب بلدي، 19/4/2020
5- أهم بنود الاتفاق الليبي بالصخيرات، موسوعة الجزيرة
6- خليفة حفتر يعلن انتهاء العمل باتفاقية الصخيرات في كانون الأول / ديسمبر عام 2017، DW، 17/12/2017
7- الكتيبة 301 مشاة تعود للانتشار والتمركز بمناطق جنوب طرابلس، ليبيا أوبزيرفر، 6/2/2019
8- خليفة حفتر يجمد عمل المؤتمر الوطني العام والإعلان الدستوري، شمس FM، 14/2/2014 
9-
رئيس "برلمان طبرق" يرفض مخرجات اتفاق الصخيرات، قناة الحرة، 19/12/2015 
10-
المؤتمر الوطني العام الليبي يقر الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع في شهر كانون الأول/ديسمبر 2013، العرب، 3/12/2013
11- نقل منظومة "بانتسير" من بلد عربي إلى آخر، سبوتنيك19/6/2019
12- مصادر ليبية تؤكد وجود قوات برية مصرية تدعم حفتر شرقي ليبيا، i24
وكذلك: مصر تدعم قوات حفتر بأنظمة تشويش ورؤية ليلية، العربي الجديد، 17/4/2019
13- بنود الاتفاق التركي الليبي في المجال العسكري والأمني، وكالة أنباء تركيا، 21/12/2019
14- المونيتور: المساعدات العسكرية التركية قلبت ميزان المعركة في ليبيا لصالح الحكومة الشرعية، ترك برس، 8/4/2020
15- قطر تدعم حكومة السراج وفقا لاتفاق الصخيرات، عربي21، 17/12/2019 
16- مقتل ثلاثة جنود فرنسيين في تحطم طائرتهم ببنغازي الليبية، بي بي سي عربي، 20/7/2019
17- الجزيرة نت حصلت على صور جوازاتهم.. موقوفو فرنسا بتونس عملاء استخبارات وليسوا دبلوماسيين، الجزيرة نت، 23/4/2019
18- باريس تعترف: الأسلحة التي عُثر عليها في غريان فرنسية ولنا قوات في ليبيا، يورو نيوز، 10/7/2019
19- ماس: ألمانيا تسعى لعقد قمة برلين حول ليبيا هذا العام، DW، 27/10/2019 
20- ليبيا.. حكومة الوفاق تسيطر على مدن الساحل الغربي وحفتر يقصف جادو، الجزيرة نت، 12/4/2020 
21- ليبيا.. حكومة الوفاق تسيطر على مدن الساحل الغربي وحفتر يقصف جادو، الجزيرة نت، 12/4/2020