بعد دخول الاحتجاجات شهرها الرابع: إدلب إلى أين؟
يونيو 10, 2024 2190

بعد دخول الاحتجاجات شهرها الرابع: إدلب إلى أين؟

حجم الخط

تشهد مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب ومحيطها احتجاجاتٍ مستمرةً منذ 25 شباط/ فبراير 2024، طالبت -وما تزال- بإسقاط أبي محمد الجولاني، وحلّ جهاز الأمن العامّ، وإطلاق سراح معتقلي الرأي.  

شهدت الاحتجاجات في بدايتها اتساعاً سريعاً من حيث عدد نقاط التظاهُر والمتظاهرين، فبعد أن سجلت في جمعتها الأولى بتاريخ 1 آذار/ مارس 5 نقاط تظاهُر ارتفع هذا العدد في جمعتها الثانية إلى 15 نقطة تظاهُر في مدن وبلدات مختلفة من ريفَيْ إدلب وحلب الغربي، وبعد هذا الاتساع السريع دخل المسار الاحتجاجي حالةً من الثبات النسبي من حيث أعداد نقاط التظاهُر والمتظاهرين استمرت مدّة شهرين.  

مع دخول الاحتجاجات شهرها الثالث وزيادة التنسيق بين مكوناتها استطاع الحراك كسر حالة الثبات والمراوحة، وبدأت الاحتجاجات بالتوسع من حيث عدد نقاط التظاهر التي وصلت إلى 20 بتاريخ 3 أيار/ مايو في جمعة "لا شورى حتى إسقاط الجولاني". في غضون ذلك، بدأ الحَراك تنظيم المظاهرات المركزية، وكان أكبرها مظاهرة مدينة إدلب إضافةً للمظاهرتين المركزيتين في جسر الشغور ومخيمات أطمة، وفي 8 أيار/ مايو تم الإعلان عن تشكيل تجمُّع الحَراك الثوري الذي يمثل عدة تيارات، وفي 12 من الشهر ذاته أعلن الحراك عن أول اعتصامٍ له مقابل المحكمة العسكرية في إدلب في محاولة لاعتماد أساليب احتجاج جديدة أكثر تأثيراً على الهيئة.  

أثار اتساع الحراك وتطوُّره مخاوف الهيئة، ما دفعها لاعتماد مقاربةٍ جديدةٍ تقوم على استعمال الحل الأمني نسبياً، حيث قامت في 14 أيار/ مايو بفض اعتصام المحكمة العسكرية، ونشرت في اليوم ذاته قواتها في معظم المدن ومحاور الطرقات الرئيسية، بهدف التعامل مع أي ردة فعل شعبي على فضّ الاعتصام، وبالفعل، قامت هذه القوات بتاريخ 17 أيار/ مايو بقمع المحتجين في جسر الشغور وطريق "إدلب – بنش" ومنعهم من القيام بمظاهرات مركزية، ثم بدأت سلسلة من الاعتقالات لمحركي الاحتجاجات.  

بالتوازي مع استعمال الحلّ الأمني ضدّ الاحتجاجات تمارس الهيئة سياسة الاحتواء تجاه الحَراك، من خلال إظهار الاتفاق على التفاوض مع قادة الحَراك؛ حيث أعلنت قبولها لتوصيات مبادرة الإصلاح العامّ إثر حوادث الاعتداء المسلّح من قِبل الهيئة في كل من جسر الشغور وطريق "إدلب – بنش"، وقامت بسحب مجموعاتها العسكرية لفتح باب التفاوض لكن بغرض استغلاله وتحويله لصالحها؛ وتمكّنت من إفشال المفاوضات مع قيادة الحَراك، وسرعان ما فتحت مسارات تفاوُض مع الكُتَل المناطقية والتيارات داخل الحَراك كلّ على حِدَة.  

إنّ ردّة فعل المجتمع المحدودة على فضّ اعتصام المحكمة العسكرية، وقمع المحتجين في جسر الشغور و طريق "إدلب – بنش"، إضافة إلى عدم الاستجابة لدعوى العصيان المدني التي أطلقها تجمُّع الحَراك بتاريخ 24 أيار/ مايو إثر قيام الهيئة باعتقال عدد من المحتجين، كانت عاملاً مشجِّعاً للهيئة على الاستمرار بسياستها القائمة على الجمع بين الاحتواء والمواجهة.  

يدخل الحَراك شهره الرابع وسط حالةٍ من التراجُع التدريجي لأسباب ذاتية وموضوعية، ما قد يقلل من قدرته على استقطاب فئاتٍ مجتمعية جديدة إليه، في ظل استمرار مساعي الهيئة لإفشال محاولات تطوير أساليبه ومنع تحوُّلها إلى اعتصامات ومظاهرات مركزية والحيلولة دون تماسُك الحَراك وتياراته الداخلية.  

عموماً يبدو أنّ الحَراك آخِذ بالتراجع التدريجي بسبب سياسات الهيئة القائمة على المواجهة والاحتواء، لكن ذلك لا يعني قدرتها على إنهاء الاحتجاجات؛ لأن استعمال القوة والحلّ الأمني قد يدفع مزيداً من الشرائح الاجتماعية للانضمام للاحتجاجات أو على الأقل تقديم الحماية إليها بأساليب مختلفة، لا سيما أنّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردّية يُمكن أن تُضفي مزيداً من الاستياء على أداء الهيئة وسلوكها، مع غياب آفاق الحلّ السياسي الذي يُمكن أن يُعزز من حالة اليأس، ويدفع لموجات احتجاج أكبر تكون فيها الهيئة بموقع العاجز عن تقديم أي تحسُّن ملموس للواقع السياسي والاقتصادي والأمني.  

على أي حال يُواجه الحَراك المناهض للهيئة تحديات مختلفة؛ حيث تغيب الرؤية السياسية الموحّدة لتياراته حول مرحلة ما بعد تحقيق أهدافه بإسقاط الجولاني وحل جهاز الأمن العامّ، إضافة لعدم تماسُك صفوفه الداخلية، فهو يضمّ تيارات وشخصيات متباينة فيما بينها، مما يُشكِّل ثغرة من الواضح أن الهيئة تعمل على استغلالها.