هل تُنقذ الخصخصة الاقتصاد السوري؟
أبريل 23, 2025 3035

هل تُنقذ الخصخصة الاقتصاد السوري؟

حجم الخط

تمهيد    

رسمت المادة 11 من الإعلان الدستوري المؤقت هدف الاقتصاد السوري الجديد بتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية الشاملة وزيادة الإنتاج ورفع مستوى معيشة المواطنين، وبأن الاقتصاد يقوم على مبدأ المنافسة الحرة والعادلة ومنع الاحتكار، ليتبنَّى الدستور المؤقّت الموقَّع من قِبل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع في 3 آذار/ مارس 2025 صفات اقتصاد السوق الحر الاجتماعي التنافسي.    

يتطلّب الانتقال من النهج الاشتراكي الذي كان متبَعاً -واستُخدمت فيه آليات اقتصاد السوق الاجتماعي والرأسمالية لأسباب وظيفية وضرورات مرحلية- خلال العقود الماضية من حكم البعث والنظام السابق إلى نهج السوق الحر مجموعة من الإجراءات الهيكلية والوظيفية للاقتصاد، بينها منع الاحتكار وتمكين الملكية لوسائل الإنتاج، مما قد يستدعي تبني بعض إجراءات وأشكال الخصخصة لما يُسمَّى القطاع العامّ سابقاً.    

لكن مع تأكيد الإعلان الدستوري على تبني اقتصاد السوق الحر الاجتماعي التنافسي لم تُظهر كلمات وزراء الحكومة الانتقالية المعلَنة بتاريخ 29 آذار/ مارس 2025، مواقف واضحة أو آليات محددة لمعالجة أُطْرُوحات الخصخصة التي قدمها وزراء حكومة تصريف الأعمال السابقة خلال تقديم بيانهم الوزاري في حفل أداء القَسَم.    

رغم الأهمية الظرفية للخصخصة كحلّ لواقع الاقتصادي السوري بعد سقوط النظام، لم تُشر لها وثيقة العهد الوطني الختامية الصادرة عن مؤتمر الحوار الوطني السوري في 25 شباط/ فبراير 2025، فالفقرة 13 طالبت بإطلاق التنمية الاقتصادية بسياسات تحفيزية تشجع وتحمي الاستثمار، وكذلك الفقرة 14 شددت على رفع العقوبات الدولية، والفقرة 15 شددت على إصلاح المؤسسات العامة وإعادة هيكلتها وحَوْكَمتها، بالرغم من تخصيص المؤتمر مجموعات خاصة لمناقشة تطوير الاقتصاد.    

أولاً: سياسات الخصخصة المستترة للنظام السابق    

لم يكن الاقتصاد السوري اشتراكياً كاملاً، بل استخدم النظام السابق الاشتراكية كأداة للحفاظ على شموليته [1] . وقد مارَسَ نظام الأسد -الأب والابن- الخصخصة المتسترة تحت غطاء الشراكات والامتياز مع الدول الحليفة، فيما لم يتبنَّ نظاماً اقتصادياً - اجتماعياً موصوفاً ومعرَّفاً، بل طبَّق نظاماً مختلطاً، وحاول دائماً العمل على سياسات خاصة تناسب ضرورات المرحلة؛ حيث إن عمليات جمع الضرائب ورفع الدعم كانت تناسب مرحلة عجز مؤسسات الدولة، ورغبة النظام بتحقيق مزيد من الموارد، كما أن سياسة التحرير الجزئي لسعر الصرف هدفت لحصد مزيد من الموارد بالقطع الأجنبي، وكانت سياسته نحو تحويل بعض المؤسسات العامة لشركات تهدف إلى تسديد الديون المترتِّبة عليه لبعض الدول مثل إيران وروسيا عَبْر خصخصتها من خلال منح تلك الدول حقوق امتياز.    

كانت طبقة الأثرياء والشخصيات الاقتصادية لدى النظام مكوَّنة من 3 فئات رئيسية توزعت حَسَب المرحلة؛ حيث تكوّنت الفئة الأولى في عهد الأسد الأب من البرجوازية الثرية التقليدية في سوريا والمسؤولين والضباط، وكانت الفئة الثانية في عهد الأسد الابن قبل عام 2011 مكوَّنة من أبناء المسؤولين والضباط من عهد الأسد الأب، بينما كانت الفئة الثالثة بعد عام 2011 مكوَّنة من رجال الأعمال الصاعدين بشكل رئيسي، مع استمرار وجود بعض الشخصيات من قبل عام 2011.     

كان الثابت الوحيد عند النظام هو التمسُّك بمركزية الاقتصاد وإدارته وجَبْي موارده؛ حيث تحكَّم بمفاصله فعلياً عَبْر شخصيات أو مكاتب خاصة تابعة له، مثل المكتب الاقتصادي للقصر الجمهوري المرتبط ببشار الأسد، والأفرع الأمنية التي كانت تُجرِي عمليات التسويات الضريبية للتجّار، وتفرض رقابة على عمليات التحويل من وإلى سوريا، كما أدّى المكتب المركزي الاقتصادي لحزب البعث دور المُشرِف على السياسات الاقتصادية.    

في ظلّ ذلك، فشلت مؤسسات النظام في أداء دورها؛ حيث تم استهلاكها كلياً، وأصبحت الوزارات والمؤسسات متهالِكة وغير قادرة على تأدية واجباتها الحيوية الرئيسية، وكان النظام لتحقيق رغبته لجَنْي مزيد من الموارد لتمويل الحرب بشكل رئيسي مستعِدّاً للقيام بخُطوات عملية في خفض نفقاته ورفع موارده، دون فتح الاقتصاد للتحرُّر، بل للرقابة الشديدة والعمل بجانب المستثمر لابتزازه أو مشاركته [2] . بينما كان إصدار النظام لتشريعات وقوانين اقتصادية في السنوات الأخيرة يهدف غالباً إلى تهيئة بيئة قانونية واقتصادية تتيح الانتقال من النظام البعثي الاشتراكي إلى رأسمالية الدولة المسيطرة بخصخصة جزء من القطاع العامّ وأملاك الدولة الخاصة ثم تقديمها كرأس مال إلى نموذج اقتصادي يتبنى عملية خصخصة مستترة، من خلال الامتيازات والتحوّل إلى شركات مساهمة عمومية وعمومية قابضة، بالشراكة مع شركات محلية وأجنبية، ربّما رأسمال بعضها ديون الحرب، في ظلّ عدم وجود جهات رقابية حقيقية وغياب الشفافية والمساءَلة والعدالة والمساواة أمام القانون [3] .    

ثانياً: توجُّه سوريا الجديد للخصخصة    

مع وصول السلطة الجديدة للحكم سارعت حكومة تصريف الأعمال إلى إعلان التوجه لخصخصة 107 شركات عامّة مع الاحتفاظ بالشركات الإستراتيجية، دونما المساس بأصول الطاقة والنقل، وأكد وزراء الشأن الاقتصادي في حكومة تصريف الأعمال أن سياسة الإصلاح الاقتصادي ستكون مُعتمِدة على الخصخصة، جاء ذلك بالتوازي مع قيام هيئة إدارة المعابر البرية والبحرية -وهي جهاز لم يكن موجوداً سابقاً وتم تشكيله من السلطة الجديدة- بمنح حق امتياز تشغيل مرفأ اللاذقية لشركة فرنسية بعد فسخ عقد الشركة الروسية.    

في تخلٍّ عن سياسة التوظيف الاشتراكية أعلنت أيضاً حكومة تصريف الأعمال نيتها إعادة هيكلة القطاع الإداري ومعالجة الترهل الإداري والبطالة المقنَّعة، خاصةً الموظفين الأشباح غير العاملين، وتخفيض عدد الموظفين الحكوميين من 1.3 مليون موظف إلى 600 ألف موظف، ورفع الرواتب الحكومية 400% [4] .    

يأتي هذا التوجّه بعد أنّ كلّف إسقاط نظام الأسد وحزب البعث حملاً ثقيلاً على الدولة والشعب في حربه التي شنّها ودامت 14 عاماً، تسببت في تهجير ونزوح أكثر من نصف سكان البلاد، ودمار ما يقارب 40% من البِنْية التحتية وخسارة نحو 800 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي، وتأخُّر التقدم الاقتصادي والاجتماعي بنحو 40 عاماً، وانخفاض للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 50%، وارتفاع معدل الفقر من 33% قبل الحرب إلى 90% حالياً، بينما بلغت نسبة الفقر المُدقِع 66%، واحتياج 75% من السكان لمساعدات إنسانية، تشمل الرعاية الصحية والتعليم والوظائف والأمن الغذائي والمياه والطاقة والمأوى، وانخفاض إنتاج الطاقة في البلاد بنسبة 80%، وتضرُّر 70% من محطات توليد الكهرباء، مما أدى إلى انخفاض قدرة الشبكة الوطنية بنسبة 75%، وتهدُّم 25% من المساكن، واحتياج البلاد إلى 55 عاماً لتصل لمستويات ما قبل الحرب في حال بقاء النمو عند مستوياته الحالية 1.3% [5] .    

في ظلّ التكلفة الثقيلة تواجه السلطة الجديدة واقعاً يتطلب منها إستراتيجية وطنية شاملة تتضمن الإصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة الاقتصاد، وفي سبيل ذلك أعلن الرئيس أحمد الشرع عن نية تبنِّي اقتصاد سوق يتيح المنافسة الحرة والعادلة [6] . وطالبت السلطة الجديدة الجهات الدولية برفع العقوبات عن الدولة وتحرير سوريا من القيود التي فُرضت على النظام السابق وتقديم المساعدات من أجل التعافي المبكر وإعادة الإعمار، وقامت السلطة بتوحيد الرسوم الجمركية في عموم البلاد، وتسعى لوضع قانون ضريبي يُبسّط النظام الضريبي ويحفز التصدير ويحقق العدالة، وأعلنت عن جاهزيتها لخلق بيئة استثمارية عصرية جاذبة للاستثمار في ظلّ السوق الحر [7] ، والتركيز على خصخصة الاقتصاد؛ حيث أعلن وزير الخارجية أسعد الشيباني أن الحكومة تسعى لخصخصة الشركات الحكومية، لكنها تلاقي صعوبات في إيجاد مشترين [8] .    

ثالثاً: متطلبات نجاح السلطة الجديدة في الخصخصة    

تهدف سياسة الخصخصة إلى تحسين الأداء، ورفع الكفاءة الاقتصادية، وزيادة المنافسة، وخلق أسواق جديدة، والمساهمة في خفض نسبة البطالة، وتوسيع قاعدة الملكية ونمطها، وخفض العجز الحكومي المالي، وتنشيط أسواق رأس المال، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتسريع تطوير البنى التحتية، والحصول على التكنولوجيا، والانفتاح على الأسواق العالمية والاستثمارات، والترويج للإصلاح الاقتصادي، وتفرُّغ الحكومة لمهامها الرئيسية [9] . ولنجاح عملية الخصخصة لا بد من وجود عدة شروط أو متطلَّبات من الممكن أن تقوم بها الحكومة الانتقالية في سوريا من خلال السعي لما يلي:    

خلق توافُق وطني ناتج عن حوار للمرجعيات المجتمعية والسياسية والاقتصادية، مؤيدة للخصخصة ومتفهِّمة لها ضِمن عملية واضحة وشفافة تضمن الرقابة القانونية والسياسية والمساءلة القضائية والمجتمعية، وكذلك لا بد من القيام بجملة خُطوات منها إعداد البيئة القانونية والمؤسساتية اللازمة لتنظيم عملية الخصخصة وإدارتها [10] ، لضمان أن تكون العملية اقتصادية مخططة لا أداة سياسية لتصفية الحسابات، أو للاستئثار بثروات البلاد وتسخيرها لمصالح فئوية سلطوية جديدة -أوليغارشية جديدة تكرر تجربة روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بتخصيص الشركات العامة وتملُّكها لصالح مديرين ومتنفذين قُدَامى نهبوا الثروات دون أن تحقق الخصخصة أهدافها.    

إيجاد بيئة تحليلية للأصول المستهدَفة بالبيع من خلال دراسة حالتها الاقتصادية وتحليلها، وإنْ كان سيتم إعادة هيكلة الشركات المستهدَفة بالبيع وتجميعها أو تفكيكها، وكذلك جدوى عمليات تطهير تلك الأصول من التزاماتها، ثم إطلاق عمليات البيع في ظروف ملائمة، مع إعداد المعايير التي سيتم على أساسها تقييم الأصول العامة من أجل ضمان البيع بسعر عادل، وكيفية التعامل مع العمالة الزائدة بما يحفظ حقوق العمال.    

مراجعة ضمان تحسين الأداء للمنشآت المُخصخصة، عَبْر رفع القدرة التنافسية في السوق وزيادة استثمار التكنولوجيا المتقدمة، وتوسيع نطاق سوق رأس المال المحلي والأجنبي، بتعزيز النظام المصرفي وسوق الأوراق المالية، وكيفية مواجهة تداعيات الخصخصة على الأسعار ومعدلات البطالة ومخاوف الانكماش والركود، وآليات ضمان مراعاة العدالة الاجتماعية، وكيفية التصرف في حصيلة الخصخصة وإدارة الواردات الجديدة في استثمارات حقيقية تنموية وليس لتغطية عجز الموازنة وسداد الديوان.    

هذه الشروط تُشدّد عليها المؤسسات الاقتصادية الدولية، ومنها البنك الدولي، كخلاصة لنجاح عمليات الخصخصة في الدول النامية، والتي تعتبر أنّها عملية تقوم بها الحكومة من أجل تقليص دورها في تملُّك أو إدارة المؤسسات بهدف إشراك أو إيجاد دور أكبر للأفراد أو الشركات الخاصة في تنمية الاقتصاد الوطني [11] . لكنّ الخصخصة تعني أيضاً نقل الملكية العامة أو إسناد إدارتها إلى القطاع الخاص، أو بالتحول إلى الملكية الخاصة عن طريق بيع المشروعات كلياً أو جزئياً إلى القطاع الخاص.    

رابعاً: أبرز أشكال الخصخصة وأساليبها    

ليس مُحدَّداً أي أساليب وأشكال ستتبنّاها السلطات الجديدة في سياساتها بالخصخصة، لكن من المؤشرات الصادرة عن الفريق الاقتصادي، وعن وزير الخارجية يُرجَّح أن الأسلوب الذي سيتم اللجوء إليه هو البيع المباشر لمستثمرين أجانب من خلال العطاءات، فالفريق يُخطّط لخصخصة المصانع الحكومية والموانئ، ويسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية، لكن هذا التوجُّه تعترضه تحدِّيَات أهمها إيجاد مشترين.    

فيما يبدو أنّ الرغبة لدى السلطة الجديدة بالانخراط بالمجتمع الدولي وآلياته هي التي تقودها إلى تبني الخصخصة، وكذلك يدفعها تدنِّي أداء المشروعات العامة وتضاؤُل قدرة الحكومة وكفاءتها، وبسبب عجز الميزانية الحكومية وتراجُع المستوى التكنولوجي والحَوْكَميّ لديها.    

يأتي ذلك، مقارَنةً مع توسُّع بعض الدول في الخصخصة، والتي لم تستثنِ منها سوى مجالات الأمن والدفاع والقضاء وأجهزة رسم السياسات العامة وصياغة القوانين وأجهزة الرقابة والتنظيم وضبط الأسعار [12] . عموماً، أمام السلطة الجديدة في سوريا مجموعة من الأساليب التي يُمكن أن تتبعها في عملية الخصخصة، وهي:    

عقود الإدارة والخدمات: تكون بمنح القطاع العامّ للخاص عقوداً لأداء أعمال محددة مع احتفاظ الدولة بكامل السلطة على المرفق العامّ إدارياً وفنياً ومالياً، فيما يكون القطاع الخاص منفذاً فقط للعقود مثل عقود الصيانة والتشغيل والتنفيذ، ويكون سبب اختيار هذا الأسلوب من العقود عجز الكفاءات الإدارية عن قيادة المؤسسات العامة.    

عقود الإيجار: مثل تأجير المرفق لمستثمر ليقوم بإدارته وتشغيله وصيانته، وكذلك تأجير شركات توزيع الكهرباء، ويكون هذا الأسلوب عندما تواجه الدولة مشكلة في جذب المستثمرين.    

عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT: يقوم المستثمر ببناء وتصميم وتنفيذ المشروع وتشغيله وصيانته، ثم نقل ملكية المشروع للدولة في نهاية المدة بعد تقاضيه لأرباحه خلال فترة التشغيل، وقد يكون التمويل مشتركاً أو من جانب المستثمر. وهذا الأسلوب غالباً يكون عند عدم توفُّر سيولة وخبرة كافية لإنشاء المشروع.    

عقود تسليم المفتاح: حيث تمول الدولة المشروع ويقوم المستثمر ببناء المشروع وتشغيله. ويكون هذا الأسلوب عند عدم توفُّر الخبرة.    

عقود الامتياز: حيث يمول المستثمر المشروع بالكامل، وتُمنح له بالمقابل الحرية وحق الامتياز في إدارة المرفق وأسلوب تقديم الخدمات وصيانته، وله امتيازات بالتوسعة والتسعير مثل بناء محطات توليد الطاقة مع تفويض بالاحتكار لمدة معينة. وغالباً ما يكون هذا الأسلوب في قطاعات تحتاج تكنولوجيا حديثة وسيولة وخبرة كبيرة.    

التخصيص الكامل: حيث يتم بيع جميع الأصول في المرفق العام للقطاع الخاص ليصبح هو المالك والمدير والمشغِّل، وله الحق بتحصيل رسوم الخدمة أو ثمن السلعة بشكل مباشر من المستهلك. وقد يتم التخصيص عَبْر بيع كامل المؤسسة أو بعد إعادة هيكلتها وتوزيعها على شركات بتحسين كفاءتها ورفع سعرها. ويكون البيع بعدة أساليب منها: البيع المباشر بالمزاد العلني، والعطاءات لمستثمرين محليين أو أجانب، ويُستخدم عند رغبة الدولة بإدخال تكنولوجيا حديثة وعجزها عن توفير السيولة اللازمة. ويُعتبر هذا الأسلوب شفافاً وواضحاً وسريعاً بتحقيق موارد مالية كبيرة في حال توفُّر بيئة قانونية وحَوْكَمية.    

هناك أسلوب بيع الأسهم في الأسواق المالية أو طرحها للاكتتاب العامّ، وغالباً ما يكون للمشروعات الضخمة، ويُحقّق هذا الأسلوب رضاً جماهيرياً، ويمنع سيطرة الشركات الأجنبية على الشركات الإستراتيجية، ويحتاج لبيئة أسواق مالية متطورة. وقد يكون البيع للعمال بالشركات عَبْر طرح الأسهم عليهم بنِسَب تكافئ تعويضاتهم، وغالباً ما يكون للشركات الخاسرة التي تكون أغلب أصولها معدّات ولا ترغب الدولة بتحديثها. وقد تَفرض الديون الممتازة الخارجية على الدولة بيع بعض شركاتها للجهات الدائنة كمقايضة عن الدَّيْن عند انعدام قدرتها على السداد، وبذلك تتخلّص من الدَّيْن وتوفّر نفقات الهيكلة والبيع لكن تُوضَع تلك الشركات بأيدٍ أجنبية.    

خُلاصة    

حتى لو كانت الخصخصة خياراً حتميّاً أمام الفريق الاقتصادي الجديد لسوريا من أجل حلّ الأزمة الاقتصادية؛ بسبب شُحّ الموارد وافتقار الخزينة العامة للاحتياطيات ولوجود العقوبات وغياب الدعم الدولي المباشر، فمن غير الصحي الاستجابة لضغوطات الإنفاق بمعالجتها بموارد الخصخصة، فلا يجب أن تتم العملية بتسرُّع يجعلها مشكلة بحدّ ذاتها، بافتقادها للتوافُق الوطني وبغياب الجهة التشريعية المُنتخبة وضعف الكفاءة الحكومية والإدارية والمؤسساتية، وعدم إنجاز الحَوْكَمة القضائية، وتهلهل قوى إنفاذ القانون والجهات الرقابية المالية والإدارية، إضافةً لغياب دراسات وآليات تحقيق العدالة الاجتماعية، ولضعف بيئة المصارف وسوق الأوراق المالية، واضطراب وهشاشة أدوات تحليل المؤسسات وتقييمها وتحديد قيمتها الحقيقية.    

لا يُمكن إنجاز ملف الخصخصة في بضعة أشهر، فمصر تُنفّذ برنامجها بالخصخصة منذ عام 1991، وضِمن برامج زمنية متتالية لثلاثين سنة، فلا مانع أن تجتهد الحكومة السورية الانتقالية بدراسة آليات الخصخصة المقترَحة وتهيئة الظروف رَيْثَما يكتمل تحقُّق المستلزَمات والشروط المطلوبة لنجاح عملية الخصخصة، وأن تنطلق عمليات الخصخصة بالتدريج وليس بطرح 107 شركات كتلة واحدة في سوق الخصخصة من ضِمن 300 شركة ومؤسسة مملوكة للقطاع العامّ في سوريا.    

كما يمكن للحكومة الانتقالية -التي لا تمتلك التفويض القانوني الكامل لإدارة عمليات الخصخصة وتنفيذها بالبيع- أن تستغلّ أساليب الخصخصة الأخرى والتشارك بإدارة المرافق العامة والاعتماد لتلبية المشاريع الضرورية على عقود البناء والتشغيل ونقل الملكية BOT، وأن تُخطّط الحكومة الانتقالية لتحويل نقاط ضعف وتهديدات الخصخصة إلى نقاط قوة وفرص للاستثمار والاقتصاد السوري في المستقبل.    

أخيراً، لمّا كان الإصلاح الاقتصادي يُعبّر عن عملية منظَّمة للتغيّر في الاقتصاد بهدف خفض أو إزالة الاختلافات الداخلية والخارجية من خلال مجموعة متنوعة من التغيُّرات في السياسة العامة كأساس لتحقيق نمو قابل للاستمرار، فبالتالي -وضِمن التوجُّه العامّ القائم من قِبل السلطة السورية الجديدة على تفعيل آليات السوق وتقليص دور الدولة- فإن الخصخصة تُعتبر جزءاً من برنامج إصلاح اقتصادي شامل، ولنجاح الإصلاح لا بدّ من اكتمال عناصره وتوفير بيئة منافِسة لنجاح الخصخصة عَبْر تحقيق الاستقرار السياسي والأمني، ورفع كفاءة الأجهزة الحكومية، واختيار التوقيت المناسب لأوضاع الدولة والسوق لنجاحها، فالخصخصة تنجح عندما تكون خياراً ضِمن عدّة بدائل.    

 


 

[1]  جوزيف ضاهر، الاتحادات العمالية في سوريا تحت المجهر.. التاريخ والتوظيف والمعارضات العمالية، مؤسسة فريدريش إيبرت، 01/07/2023،  الرابط  .    

[2]  الاقتصاد السوري.. السياسات والمقاربات 1970-2024، مركز جسور للدراسات، 28/10/2024،      الرابط .    

[3] نحو نموذج صيني: هل تمهد قوانين النظام الجديدة للخصخصة. مركز جسور للدراسات، 06/04/2024،      الرابط .    

[4] سوريا تعيد هيكلة الاقتصاد عَبْر الخصخصة، الجزيرة 31/12/2025،      الرابط .    

[5] آثار الصراع في سوريا: اقتصاد مدمَّر وفقر مستشرٍ، موقع أخبار الأمم المتحدة، 20/02/2025،      الرابط .    

[6]  مقابلة خاصة مع الرئيس السوري أحمد الشرع، تلفزيون سوريا، 03/02/2025      الرابط .    

[7]  كلمة وزير الخارجية الشيباني مع توني بلير في ملتقى دافوس، العربية الحدث، 22/01/2025،      الرابط .    

[8] Syria to dismantle Assad-era socialism, says foreign minister, 22/01/2025,      Link .    

[9]  عبد العظيم المغربل، بين الضرورة والجدل.. هل تنجح الخصخصة في سوريا بإنقاذ القطاع العامّ؟، تلفزيون سوريا، 28/02/2025،      الرابط .    

[10] طاهر حمدي كنعان وحازم تيسير رحاحلة، الدولة واقتصاد السوق: قراءات في سياسات الخصخصة وتجاربها، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016.      الرابط    

[11] تعريف البنك الدولي للخصخصة.    

[12]  أمل البوعيشي السنوسي، الخصخصة وآثارها الاقتصادية، دار البداية عمان، مكتبة طريق العلم، طبعة أولى عام 2015.    


 

الباحثون