نهج النظام السوري في التعامل مع احتجاجات السويداء المستمرة
يناير 26, 2024 2630

نهج النظام السوري في التعامل مع احتجاجات السويداء المستمرة

حجم الخط

تشهد السويداء جنوب سورية منذ منتصف آب/ أغسطس 2023 احتجاجات شعبية مستمرة، في أطول موجة احتجاج تمرّ بها المحافظة مقارنةً مع تلك التي كانت تشهدها بشكل متقطّع اعتباراً من عام 2011. ولأوّل مرة تمسّكت احتجاجات جبل حوران بالمطالب السياسية التي نادت بتغيير النظام وصولاً لإسقاطه في بعض الأحيان. 

اعتمد النظام السوري في مواجهة حراك السويداء على مجموعة من الأدوات، فضلاً عن استخدام العنف المنضبط؛ حيث عمل على شقّ صفّ القيادة الروحية الدرزية والعقاب الجماعي للسكان من خلال التضييق عليهم في مختلف الخدمات والمساعدات الإنسانية التي تقدمها المؤسسات الحكومية أو الجمعيات الخيرية المرتبطة به. 

على سبيل المثال تعمّد النظام بشكل واضح التأخير في تسليم الأهالي مخصَّصاتهم من مازوت التدفئة رغم كون السويداء منطقة جبلية شديدة البرودة، حيث لم يتمَّ توزيع سوى 25% من المخصَّصات حتى نهاية 2023. هناك أيضاً نقص في إمدادات المحروقات، مما أثّر على قطاع النقل الداخلي في المحافظة. كما زاد إهمال النظام لإصلاح منظومة آبار الثعلة المغذية لمدينة السويداء بالمياه؛ حيث تشهد أعطالاً مستمرة منذ شهور مما أدّى لخروج 90% تقريباً من الآبار عن الخدمة، وبالتالي انقطاع المياه بشكل شِبه كامل عن مناطق واسعة لا سيما الريف الشرقي للمحافظة، مما دفع السكان للاعتماد على سيارات نقل المياه (الصهاريج) ذات التكلفة المرتفعة. 

لقد شملت سياسات التضييق مجموعة من القطاعات الخدمية الأخرى مثل الصحة ورعاية المسنين. كما شهدت المحافظة تراجُعاً في ما تقدمه الجمعيات الإنسانية المرتبطة بالنظام مثل جمعيات (نور والرعاية الاجتماعية والوفاء للمعاقين جسدياً، ونبض، ومرساة). بشكل تدريجي تم تخفيض المساعدات المقدَّمة للمحتاجين، فضلاً عن تحكُّم الهلال الأحمر والأمانة العامة للمحافظة بملف المساعدات وتوزيعها واستغلالها لأهداف سياسية، كما حصل في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي عندما أوقف المحافظ جمعية "مرساة" عن توزيع معاطف شتوية لطلّاب المدارس في إحدى قرى المحافظة بعد رفض أهالي القرية دخول المحافظ مع وفد من حزب البعث إلى القرية لحضور عملية التوزيع، معتبرين دخولهم استغلالاً للمساعدات من أجل أهداف سياسية. 

حتى نهاية 2023، لم ينجح نهج النظام في إخماد احتجاجات السويداء، لكنّه ما زال مستمراً بتطبيقها، فهو على ما يبدو يراهن على أنّ سياسة التضييق والعقاب الجماعي، يمكن أن تؤدي مع الوقت إلى إضعاف الحراك المناهض له، خاصة أنه لا توجد في المحافظة منظمات مجتمع مدني مستقلة وقوية وقادرة -ولو جزئياً- على سدّ الفراغ في الخدمات والمساعدات الإنسانية الذي يخلفه تضييق مؤسساته والجمعيات الإنسانية المرتبطة به، كما أنّ العمل الإنساني الأهلي القائم على جمع التبرُّعات من المغتربين غير كافٍ -كمّاً ونوعاً- لمواجهة سياساته لا سيما في قطاع الخدمات، إضافةً إلى عدم وجود معابر خارجية يمكن من خلالها للسكان استيراد المحروقات وغيرها من الموادّ والمستلزمات التي يضطرون للحصول عليها من النظام الذي يُضيّق بها عليهم. 

هكذا اعتمد النظام السوري على تقليص الخدمات المقدَّمة في السويداء كنهج مخالف لتعامُله مع الاحتجاجات التي شهدتها المحافظة في السنوات الماضية؛ حيث كان يُعوّض المتظاهرين بخدمات بلدية وحكومية بسيطة من أجل إسكات أصواتهم. ويبدو أن النظام يعتبر أنّ حراك السويداء هذه المرّة مختلف، ويتبع معه السلوك الذي انتهجه مع غيرها من المناطق السورية التي خرجت عن سلطته، لكن مع فارق عدم استخدام العنف المفرط ضدها وإبقائه منضبطاً.