ماذا بعد القصف المتبادل جنوب سورية بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية؟
تشهد مناطق من محافظتَي القنيطرة ودرعا جنوب سورية عمليات قصف متبادَل بين إسرائيل والميليشيات الإيرانية، على خلفية اندلاع حرب غزة في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023؛ حيث استهدفت إسرائيل 8 مواقع عسكرية، إما تم استخدامها لإطلاق قذائف مدفعية باتجاه الجولان المحتل أو يُتوقع استخدامها لذات الغرض.
والمواقع التي استهدفتها إسرائيل هي منشآت عسكرية ومدنية تابعة للنظام السوري وتستخدمها الميليشيات الإيرانية، لا سيما حزب الله، ولا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن الجولان المحتل، ويقع 6 منها في درعا و2 في القنيطرة، وأبرزها سرية عابدين وسرية صيدا الجولان وسرية المجاحيد، إضافة لمواقع أخرى في تل الجموع وزيزون ووادي جملة ونبع الفوار؛ حيث يتم استخدامها لأغراض التسليح والدعم اللوجستي وتجميع القوات؛ حيث تحتوي تلك المنشآت على شاحنات متوسطة الحجم تضمّ أسلحة وصواريخ ومُعَدّات عسكرية وأجهزة خاصة بالمراقبة والرصد والتشويش.
اقتصر القصف الذي نفّذته الميليشيات الإيرانية على إطلاق قذائف المدفعية، بينما استخدمت إسرائيل القذائف والصواريخ والطيران الحربي والمسيَّر والاستطلاع. لا تُشير عمليات القصف التي تقوم بها قوات النظام والميليشيات الإيرانية إلى وجود ترتيبات قتال تنمّ عن القيام بهجوم جبهوي نحو الجولان المحتل، لكن بالمقابل يبدو من الرد السريع والمُركّز على مصادر النيران الذي تنفذه إسرائيل استعداد إسرائيل وجاهزيتها لخيار القتال البري، لا سيما أنّ الجيش الإسرائيلي نفّذ خلال الفترة الماضية عدداً من عمليات التوغّل البري داخل الأراضي السورية شق خلالها الطرقات وأقام النقاط العسكرية اللازمة لأي عملية عسكرية.
تُحاول إيران إظهار إمساكها بقرار العمليات العسكرية من الجبهة السورية؛ فمثلاً أجرى قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني زيارة إلى سورية منتصف تشرين الأوّل/ أكتوبر لإظهار متابعته لغرفة العمليات المشتركة التي تم تأسيسها قبل أشهُر بدعوى مراقبة الوضع الحالي وتنسيق نشر القوات، لكن ميدانياً ما يزال القصف الذي تنفذه الميليشيات الإيرانية محدوداً للغاية، ويقع ضِمن قواعد الاشتباك، وهناك محاولة واضحة لتوسيع حالة التصعيد بحيث لا تشمل المواقع الإسرائيلية في الجولان المحتل بل تشمل القواعد العسكرية الأمريكية في سورية.
إنّ تحوُّل القصف المتبادَل إلى عمليات قتالية يرتبط بالوضع المتأرجح بين المواجهة والمفاوضة بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة، وهناك حسابات أخرى ترتبط بتقدير إيران لموقف النظام الذي تلقَّى تحذيرات غربية، إضافة إلى موقف روسيا التي تُعتبر ضامناً لوقف إطلاق النار جنوب سورية، فضلاً عن الواقع العملياتي للجبهة؛ فتنفيذ هجمات انطلاقاً من الحدود اللبنانية أكثر تأثيراً على إسرائيل من تلك التي تنطلق من الحدود السورية.
بالمحصلة من غير المتوقَّع أن تلجأ إيران لتوسيع القصف جنوب سورية إلى مواجهة عسكرية مع ميليشياتها، وهي غالباً ما ستُوظّف الأعمال العسكرية التي تقوم بها ضد المواقع الإسرائيلية والأمريكية كأداة ضغط وتفاوُض مع الولايات المتحدة لخدمة مصالحها وملفاتها المتشابكة سواء في سورية أم خارجها، بدورها إسرائيل لا تريد توسيع رقعة العمليات رغم جاهزيتها العسكرية، وفي حال اضطرت إلى ذلك فستلجأ إلى الاعتماد أكثر على الضربات الجوية عَبْر توسيعها وتكثيفها.