مؤتمر وحدة الصف الكردي: المضامين والمآل
أبريل 29, 2025 2413

مؤتمر وحدة الصف الكردي: المضامين والمآل

حجم الخط

مقدّمة

بتاريخ 26 نيسان/ إبريل 2025 عُقد مؤتمر الوحدة الكردية باسم "كونفرانس وحدة الصف والموقف الكردي في روجآفايي كردستان" في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة شرق سوريا، بهدف توحيد موقف القوى السياسية الكردية في سوريا.

ساهمت جملة من العوامل الداخلية والخارجية في إنجاح انعقاد المؤتمر، وأبرزها سقوط النظام السوري وما نجم عنه من إعادة تشكُّل للخارطة السياسية والتحالفات الداخلية بين القُوى المحلية وانتهاء المسار التفاوضي بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري، وانسحاب المجلس الوطني الكردي من الائتلاف الوطني لقُوى الثورة والمعارضة السورية المُنحل، وعدم نجاحه في التواصل مع السلطة السورية الجديدة وتقديم نفسه كممثل عن المكون الكردي.

كذلك، ساعدت عوامل خارجية في إنجاح انعقاد المؤتمر، وأبرزها الضغوط الأمريكية والفرنسية والإقليمية الجادة على القوى السياسية الكردية السورية ووضعها أمام استحقاق التوحّد تمهيداً للحوار مع السلطة السورية الجديدة كخيار وحيد لضمان حلّ القضية الكردية في سوريا بعد سقوط النظام، خاصةً مع شروع قوات التحالف الدولي بإعادة انتشار قواتها في سوريا ضِمن خُططها لانسحاب كامل أو شِبه كامل خلال الأشهر المقبلة، كما أن نداء زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان لحلّ الحزب وإلقاء السلاح وتشجيعه للخيار السياسي والتفاوضي وإيصاله رسائل بهذا الخصوص للتنظيمات التابعة للحزب في سوريا أفسحت المجال لهامش محدود من الشراكة للقوى الكردية الأخرى.

أولاً: تفاصيل المؤتمر ومضامينه

حضر المؤتمر حوالَيْ 400 شخص من قادة وممثلي الأحزاب والقوى السياسية الكردية السورية وعلى رأسها أحزاب الوحدة الوطني الكردية PYNK التي يرأسها حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وأحزاب المجلس الوطني الكردي ENKS، وعدد من مسؤولي قسد ومسد ومؤسسات الإدارة الذاتية ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية والدينية من المقيمين في مناطق سيطرة قسد ومن محافظات دمشق وحلب وحماة واللاذقية، إضافة لموفدين ومبعوثين عن أهم الأحزاب السياسية الكردية العراقية والتركية وأهمّها: منظومة المجتمع الكردستاني KCK التي أسسها حزب العمال الكردستاني، والمؤتمر الوطني الكردستاني KNK، وحزب الأقاليم الديمقراطية BDP، وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب DEM، والحزب الديمقراطي الكردستاني KDP، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني PUK. دولياً حضر مبعوث عن وزارة الخارجية الأمريكية، فيما كان لافتاً غياب ممثل الخارجية الفرنسية التي لعبت دوراً رئيسياً في تنسيق الاتفاق ورعايته ابتداءً من مراحله التشاورية الأولى قبل أشهر.

مع انطلاق المؤتمر تمّ انتخاب لجنة رئاسية له، متفَق عليها مسبقاً بين حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وقيادة المجلس الوطني الكردي ENKS بواقع 2:1، وتمّت تسميتها بـ "ديوان المؤتمر"، وتضمّ كلاً من الرئيسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي بروين يوسف والقيادية في حزب الاتحاد الديمقراطي والرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد ورئيس المجلس الوطني الكردي في سوريا محمد إسماعيل.

جرى خلال المؤتمر المصادقة على وثيقة "الرؤية السياسية الكردية المشتركة" التي لم يتم نشر بنودها بشكل رسمي، وهي أيضاً تمّ الاتفاق عليها مسبقاً بعد جولة اجتماعات مكثفة بين حزب الاتحاد الديمقراطي وقيادة المجلس الوطني الكردي بدعم ورعاية فرنسية أمريكية ومن القُوى السياسية الرئيسية في إقليم كردستان العراق، وتضع الوثيقة أُسس الرؤية والحلّ السياسي للقضية الكردية في سوريا من منظور القُوى الكردية المشارِكة في المؤتمر، وتضم الوثيقة 26 بنداً مقسمة بالشكل التالي:

في المجال الوطني السوري: 15 بنداً طالبت بأن يكون نظام الحكم في سوريا برلمانياً بغرفتين يعتمد مجالس للمناطق في إطار النظام اللامركزي، وبتشكيل جمعية تأسيسية برعاية دولية تضم ممثلي المكونات السورية لصياغة دستور بمبادئ ديمقراطية وتشكيل حكومة من كافة المكونات السورية بصلاحيات تنفيذية كاملة، وبإيقاف التغيير الديمغرافي في المناطق الكردية وكافة المناطق السورية وإلغاء نتائجه، والاعتراف بالديانة الإيزيدية ديانةً رسمية في الدولة.

في المجال القومي الكردي: 11 بنداً دعت إلى جعل المناطق الكردية ضِمن وحدة سياسية إدارية متكاملة في إطار سوريا اتحادية، والإقرار بالوجود القومي للشعب الكردي في سوريا كشعب أصيل، وضمان حقوقه السياسية والثقافية والإدارية والدستورية، بما في ذلك اعتماد اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية، وإحداث مؤسسات تعليمية وثقافية كردية، وضمان تمثيل الكرد في مؤسسات الدولة، ووضع نصوص قانونية لتقدير وضمان حقوق شهداء الثورة السورية وقسد والقُوى الأمنية والمعتقلين الذين قضوا في السجون وخلال مقاومة تنظيم داعش، وإلغاء السياسات والقوانين التي طُبقت بحق الكرد كمشروع "الحزام العربي" وتعويض المتضررين من هذه السياسات وإلغاء نتائجها، وتأمين العودة الآمنة للنازحين واللاجئين، وإعادة الجنسية السورية للمواطنين الكرد المجردين منها وفق إحصاء 1962، إلى جانب تخصيص نسبة من عائدات ثروات المناطق الكردية لتنميتها.

تخلّل المؤتمر قراءة كلمات ورسائل من الحضور وممثلي القُوى السياسية الكردية، وتضمّنت بعض الكلمات -التي تمّ نشرها فقط على وسائل الإعلام التابعة لحزب العمال الكردستاني والتنظيمات والقُوى التابعة له- إشادة وشكراً لدور الحزب في سوريا والقضية الكردية فيها، مثل كلمة عضوة الهيئة الرئاسية لمنظومة المجتمع الكردستاني KCK فوزة يوسف التي شكرت الحزب على إنجاح المؤتمر ودعمه واعتباره استجابة لما يسميه الحزب "نداء السلام" في إشارة للدعوة التي أطلقها قائد الحزب عبد الله أوجلان في 27 شباط/ فبراير 2025 لحلّ حزب العمال وإلقاء سلاحه.

انتهى المؤتمر بقراءة بيان ختامي تضمّن: التأكيد على نجاحه في صياغة رؤية سياسية كردية مشتركة تعبر عن إرادة جماعية ومشروع واقعي لحل القضية الكردية في سوريا كدولة لامركزية، والدعوة لاعتبار هذه الرؤية أساساً للحوار الوطني سواء بين القُوى السياسية الكردية ذاتها أم مع السلطة الجديدة في دمشق وسائر القُوى الوطنية السورية، والتأكيد بأنّه سيتم تشكيل وفد كردي مشترك في أقرب وقت للعمل على ترجمة هذه الرؤية إلى واقع سياسي من أجل التواصل والحوار مع الأطراف المعنية.

ثانياً: تأثير المؤتمر على اتفاق قسد مع الحكومة

تضمّنت الوثيقة السياسية التي صادَق عليها المشاركون في المؤتمر بنوداً أو مطالب تختلف عن الهدف الأساسي لانعقاده وهو توحيد القُوى السياسية الكردية؛ مثلما هو موضَّح أدناه:

وجود مطالب وتصوُّرات لشكل الدولة السورية ونظام الحكم فيها بشكل مُغاير لما تمّ إقراره مؤقتاً من خلال الإعلان الدستوري الذي تمّ اعتماده بعد سقوط النظام.

وجود مطالب ونقاط تُعيد مسار بناء الدولة السورية الجديدة إلى المرحلة صفر وتخالف معظم المبادئ الأساسية التي تم إقرارها عَبْر عدة خُطوات منها الإعلان الدستوري المؤقت بدعم وتوافُق عربي وإقليمي ودولي متفاوت خلال الأشهر التي أعقبت سقوط النظام السابق، مثل الإقرار المُسبق بالفيدرالية أو حتى مشروع إقليم أو دولة جديدة ضِمن الدولة السورية، بالدعوة لاعتبار المناطق الكردية وحدة سياسية إدارية متكاملة، والمطالبة بإعادة تشكيل الحكومة وبناء المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية والأمنية وفقاً للمحاصّة القومية والإثنية.

وجود مطالب خارج إطار صلاحيات الحكومة السورية المؤقتة مثل تغيير عَلَم الدولة وتعديل قوائم اللغات والأديان الرسمية للدولة، وهو ما يمثل طرحاً ذَا أثر تعطيلي على أي مسار تفاوُضي مستقبلي بين الحكومة السورية والهيئة الكردية المشتركة المُقرر تشكيلها بناءً على مخرجات المؤتمر.

بالمحصّلة، تُعَدّ الوثيقة السياسية بمعظم بنودها الرئيسية انقلاباً على اتفاق الدمج الذي تم توقيعه بين الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العامّ لقسد مظلوم عبدي في 10 آذار/ مارس بدعم ورعاية من قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وبترحيب عربي وإقليمي ودولي واسع، مما يزيد من احتمال تعطُّل المسار التفاوُضي القائم بناءً على هذا الاتفاق، وانتهاء أحد أهم بنوده المتضمِّن وقف إطلاق النار وعودة التصعيد العسكري بين الطرفين.

ثالثاً: فرص تنفيذ مخرَجات المؤتمر

لا يُعَدّ المؤتمر والوثيقة السياسية الصادرة عنه الأول من نوعه، إذ سبقته مؤتمرات واتفاقيات أخرى انتهت أو أُجهضت نتيجة عدم التزام الأطراف الموقِّعة عليها مثل وثيقتَيْ هولير1 وهولير2 عام 2012 واتفاقية دهوك عام 2014، لذا فإنّ تنفيذ مخرجات المؤتمر الأخير يواجه جملة من التحديات الداخلية والخارجية، أبرزها:

مدى التزام الأطراف الكردية بتنفيذ مخرَجاته خاصةً مع وجود مؤشرات أولية على غياب هذا الالتزام، قد يكون أبرزها عدم نشر وثيقته السياسية بشكل رسمي، وبمصادقة وتوقيع من الجهات المتوافقة عليه، مما يوحي باعتبارها مسوَّدة غير مُتفَق عليها بشكل كامل بعدُ.

استمرار الهيمنة والتدخل الواضح من حزب العمال الكردستاني والتنظيمات والقُوى التابعة له على مناطق سيطرة قسد وإدارتها، واحتمال تعطيلها للاتفاق مجدداً؛ لضمان استمرار هذه الهيمنة دون الدخول في شراكة جدية مع أي طرف آخر سواء من القوى الكردية أم الحكومة السورية الجديدة.

استمرار الأطراف الراعية للمؤتمر وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا ورئاسة إقليم كردستان العراق في دعم تطبيق مخرَجات المؤتمر، وعملها على تحييد أي تدخُّل سلبي على القُوى الكردية السورية المشاركة في الاتفاق، وإلزامها بالاستمرار في تنفيذ بنوده، لا سيما مع استمرار تدخُّل حزب العمال الذي خلق حالة من التناقض  بين بنود الوثيقة السياسية للمؤتمر واتفاق 10 آذار/ مارس المدعوميْنِ كليهما من فرنسا، والذي قد يُفسر غياب ممثل الخارجية الفرنسية عن المؤتمر؛ نتيجة عدم تبنّيها أو قبولها لكامل مضمون الوثيقة السياسية، رغم دعمها للهدف العامّ للمؤتمر والمتمثل بتوحيد القُوى السياسية الكردية السورية.

احتمال استغلال حزب الاتحاد الديمقراطي للوثيقة السياسية، باعتبارها فرصة تتوافق مع مشروعه، وتتيح له رفع سقفه التفاوضي مع الحكومة السورية أو خلق مسار بديل لنقض الاتفاق السابق الذي أبرمه عَبْر قسد مع الحكومة واستخدامه غطاء شرعياً بديلاً لتمرير مشروعه في سوريا وحمايته من الانهيار الكامل بعد انسحاب قوات التحالف في المرحلة المقبلة، على أنْ يعمل خلال هذه المرحلة على تفكيك القُوى السياسية الأخرى المشارِكة في المؤتمر وابتلاعها ضِمن هذا المشروع، واحتكار القرار الكردي في سوريا مرة أخرى، خاصةً أنّه ما زال يمتلك جميع أدوات القوة والسيطرة اللازمة لذلك، فضلاً عن تاريخ الحزب السابق في إجهاض مساعي توحيد الصف الكردي.

خُلاصة

يمكن القول: إنّ المؤتمر في إطاره العامّ جاء نتاجاً لظروف واستحقاقات سياسية داخلية ودعم وتوجيه إقليمي ودولي بهدف ضمان حقوق المكون الكردي في سوريا، لكن تم استغلاله واستثماره كمنصّة وغطاء لتمرير بعض المصالح الحزبية والمشاريع غير الوطنية العابرة للحدود من قِبل بعض القُوى الحزبية ذات الارتباطات الخارجية، مما يهدد حالة وقف إطلاق النار والاستقرار النسبي ومسار بناء الدولة التي دخلت فيها سوريا بعد سقوط النظام السابق، ويُشجّع أطرافاً محلية أخرى على التمسك بمطالبها ورفع سقفها للدفع باتجاه اللامركزية وإضعاف سيطرة الحكومة المؤقتة في دمشق، كما يفتح الباب لتدخُّل أجنبي واسع من قُوى ودول إقليمية وأجنبية.


 

الباحثون