دلالات إصدار النظام السوري قرار إلغاء المحاكم الميدانية
أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد الأحد 3 أيلول/ سبتمبر، المرسوم التشريعي رقم 32 لعام 2023، القاضي بإلغاء "محاكم الميدان العسكرية"؛ عَبْر إنهاء العمل بالمرسوم التشريعي رقم 109 لعام 1968 وتعديلاته، الذي تم إصداره بعد وصول حزب البعث إلى السلطة بانقلاب عسكري.
يتسم المرسوم رقم 109 بشموليته وتدخُّله في كافة المجالات، ومنحه صلاحيات واسعة لوزير الدفاع، والطابع السري لعمل المحاكم العسكرية المُؤسَّسَة بموجبه؛ حيث لا يحقّ لمن يمثُل أمامها توكيل محامٍ للدفاع عنه، كما أنّ أحكامها غير قابلة للطعن، ويتم تشكيلها من ضباط عاديين غير مختصين بالقانون، ويلحق بهم النائب العامّ العسكري فقط، لا تتقيد المحاكم بالأصول أو الإجراءات المنصوص عليها في القوانين.
وبموجب المرسوم الجديد يحقّ للمتهم الطعن في الحكم الصادر في الجهة التي ستُحال إليها القضايا التي كانت تُحال إلى المحاكم الميدانية، وهي القضاء العسكري، لكنّه بالمقابل يحمل جملة من الدلالات تعكس محاولة النظام توظيفه لصالحه وأبرزها:
- محاولة النظام إظهار استجابته لمطالب الدول العربية؛ باعتبار أنّ المرسوم تزامن مع جهود الدول العربية الرامية إلى إعادة تأهيله بناءً على نهج "خُطوة مقابل خُطوة" الذي تضمّن مطالبته بتقديم خطوات منها ما يتعلّق بالمعتقلين وإعادة اللاجئين.
- عدم جديّة النظام بإلغاء آلية عمل المحاكم الميدانية؛ بحكم وجود صلاحياتها لدى مؤسسات وشخصيات أخرى مثل القضاء العسكري ووزير الدفاع؛ لأنّ القضايا تُقدَّم إلى المحاكم الميدانية العسكرية بطلب من وزير الدفاع، والتي تُحال إليه بناء على اقتراح من أحد الأفرع الأمنية، أو القضاء العسكري، كما يقرر القضاء العسكري من جهة أخرى طابع السرية على بعض القضايا التي يرى أنه لا ضرورة لنشرها، كتلك التي تتعلق بالشرف على سبيل المثال.
- قدرة النظام على توجيه القضايا حسب رغبته؛ فقانون العقوبات وأصول المحاكمات العسكرية في سورية ينصّ على عدم قيام القضاء المدني ببتّ القضية إلا بعد أن ينتهي القضاء العسكري من الحكم فيها، هذا بحال التنازع على الاختصاص بين الجهازين، وعليه فإن القضاء العسكري سيعمل على توجيه القضايا المُحالة إليه من الأجهزة الأمنية بما يتناسب مع الرغبة غير المعلنة لتلك الأجهزة.
- قدرة النظام على التخلص من السجلات الخاصة بالمختفين قسريًا، ممن حُكم عليهم وأُعدموا بموجب قرارات من المحاكم الميدانية، وإحاطة المحاكمات التي هي قيد التنفيذ بالغموض؛ نظراً لعدم وجود مؤسسة قانونية وحقوقية تقوم بالرقابة على مؤسسات النظام.
بالنتيجة يبدو أن مرسوم إلغاء المحاكم الميدانية يندرج ضِمن التدابير الإدارية التي يحاول النظام من خلالها العمل على تحسين الصورة النمطية لأجهزته العسكرية والأمنية مادياً ومعنوياً؛ من خلال سنّ القوانين والقرارات وإصدار المراسيم، بالتزامن مع محاولات إعادة تأهيله، خاصة أن بعض القوانين التي تتعلق بالصلاحيات الممنوحة للأجهزة الأمنية والعسكرية، لا تُغيِّر من الواقع بدرجة كبيرة في ظل وجود جهات تقوم بذات مهامها.