خيارات سوريا للردّ على التصعيد الإسرائيلي
أعلنت إسرائيل أن عملياتها العسكرية التي تصاعدت منذ أواخر شباط/ فبراير 2025 تهدف إلى حماية الدروز تارة، والأقليات تارة أخرى، بحسب ما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأمر الذي ردّ عليه الأهالي في السويداء بمظاهرات في ساحة المدينة "الكرامة" ترفض تلك التصريحات.
كانت الضربات العسكرية على المواقع السورية تهدف إلى إضعاف الميليشيات الإيرانية، وضمان عدم تحقيقها للتفوق العسكري عليها، وكانت تلك الضربات تنفذ بالتنسيق مع القيادة الروسية في سوريا الملتزمة بضمان أمن إسرائيل، وضمان تصديها لأي تهديد أمني لها انطلاقاً من سوريا، إلا أن الضربات استمرت بعد سقوط نظام الأسد وانسحاب الميليشيات الإيرانية.
اعتمدت الإدارة السورية في وقت مبكر من وصولها إلى السلطة على أن تُقدِّم خطاباً إيجابياً لأمن واستقرار المنطقة ودول الجوار تحديداً، وتأكيد عدم قدرتها وإرادتها في أن تشكل تهديداً أو تقوم بالعدوان على أيّ دولة بما في ذلك إسرائيل، دون ذكر الوصول إلى معاهدة سلام أو التطبيع معها، وحددت حكومة دمشق أن ما تحتاجه الدولة السورية هو بناء اقتصادها وبناها التحتية.
بالمقابل ظهر الموقف السوري واضحاً في القمة العربية التي عُقدت من أجل غزة بداية آذار/ مارس 2025، حيث أكد الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مشاركته في القمة أن العدوان الإسرائيلي على سوريا هو استغلال لمرحلة انهيار النظام، وأن القضية الفلسطينية هي قضية كل عربي، رافضاً ما تم تداوُله من تهجير لسكان غزة.
الموقف الإسرائيلي بدوره كان واضحاً في الرفض المطلق للتعامل بإيجابية مع الحكم الجديد في دمشق، لتجد الإدارة السورية نفسها أمام العديد من الخيارات والإجراءات على الصعيد الداخلي والخارجي لوضع حدّ للضربات العسكرية الإسرائيلية تتمثل بالخُطوات التالية:
• العمل على إضعاف التيار المناوئ لها في السويداء ومناطق انتشار المكون الدرزي في دمشق، لقطع الطريق على توظيفه من قِبل إسرائيل من خلال المرجعيات الدينية في فلسطين وتأثيرها على امتداداتها في سوريا، فقامت الحكومة السورية بعقد اتفاقيات مع الوجهاء والمسؤولين في السويداء وجرمانا ضِمن الإطار الوطني والخطاب المتوازن، مع ضمان مشاركة واسعة من المكوِّن الدرزي في المؤسسات العسكرية والأمنية، والعمل ضِمن مناطقهم.
• تعمل الإدارة السورية على تعزيز دور الدول الإقليمية التي من الممكن أن تؤثر في السياسة الإسرائيلية بناءً على العلاقات فيما بينها، وتسعى تلك الدول إلى ملء الفراغ الناجم عن انكفاء النفوذ الإيراني، وتأتي في مقدمتها تركيا والسعودية الداعمتان للاستقرار من خلال دعم الحكم الجديد في سوريا، مع إصرارهما على وحدة الأراضي السورية.
• تعزيز دور اللوبي السوري الأمريكي الذي يقوم بنشاطاته مع السياسيين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالاعتماد على أن من مصلحة الولايات المتحدة بناء علاقات مع الإدارة السورية الجديدة كما فعل الأوربيون، ودعت الإدارة الأمريكية بناء على هذه الرؤية الحكومة الإسرائيلية بعد ضرباتها العسكرية التي تزامنت مع التوترات التي شهدتها مناطق انتشار المكون الدرزي، إلى الامتناع عن أيّ تصرفات قد تُسهِم في زعزعة استقرار سوريا، وأكدت أن احترام سيادة سوريا وسلامتها الإقليمية يُعَدّ أمراً بالغ الأهمية.
• الانفتاح على اليهود السوريين في إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، حيث بدأ المجتمع اليهودي السوري في الولايات المتحدة العمل لتحسين موقف إدارة ترامب من الرئيس السوري أحمد الشرع، ودفعها للتعامل مع دمشق، وتخفيف العقوبات، مؤكدين أن سوريا تُمثّل "ساحة محورية لحقوق الأقليات في الشرق الأوسط".
• منح روسيا بعض الامتيازات في سوريا، مثل السماح لها بإنشاء نقاط للمراقبة جنوب سوريا، على غرار نقاط المراقبة التي أنشأتها لمراقبة نشاط الميليشيات الإيرانية قبل سقوط نظام الأسد، أو التوصل مع إسرائيل لاتفاق يشكل ضمانة لها بعدم تهديد أمنها انطلاقاً من سوريا.
• التنسيق والتواصل مع الجهات والمنظمات الدولية صاحبة العلاقة للضغط على إسرائيل وإلزامها باتفاقية فضّ الاشتباك 1974، أو العمل على تطويرها بما يتناسب مع التطورات التي حصلت.
في المحصلة ترى الحكومة السورية أن التصعيد العسكري الإسرائيلي المتزامن مع بعض الفوضى الداخلية يُعَدّ أمراً مرفوضاً على مستوى السيادة السورية، فضلاً عن أنه استغلال سيئ من حكومة نتنياهو يؤدي إلى تشكيل عائق أمام تحقيق الاستقرار والسلام في المناطق كافة، ومع ذلك فإن الحكومة السورية تسعى إلى إعادة تفعيل اتفاقية فضّ الاشتباك مستعينة بالحلفاء الإقليميين والدوليين والجهود الأممية لوضع حدّ للتدخلات الإسرائيلية السلبية في سوريا.