خريطة النفوذ والسيطرة في سوريا
ديسمبر 06, 2025 212

خريطة النفوذ والسيطرة في سوريا

حجم الخط

شهدت سوريا نهاية عام 2024 منعطفاً تاريخياً بسقوط نظام الأسد، غيَّر خريطة النفوذ والسيطرة كلياً، بعد استقرار نسبي بقيت عليه الخريطة منذ الربع الأول من عام 2020.

أعاد تحرير سوريا رسم خريطة الفاعلين المحليين، بخروج نظام الأسد من المشهد، وبداية مرحلة انتقالية أعلنتها الحكومة السورية الجديدة التي شكَّلتها فصائل معركة ردع العدوان، مع تغيُّر في حدود المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالتزامن مع ظهور أزمة نتج عنها مناطق سيطرة جديدة جنوب سوريا تحكمها القوات التابعة للشيخ حكمت الهجري في السويداء، واستمرار توغُّل القوات الإسرائيلية خارج حدود المنطقة العازلة المتفَق عليها في اتفاقية فكّ الاشتباك لعام 1974. 

تُظهر خريطة السيطرة في سوريا نهاية عام 2025 مشهداً سياسياً جديداً تتداخل فيه 4 أطراف رئيسية، هي الحكومة السورية وقسد وقوات الحرس الوطني في السويداء وإسرائيل، مع تبايُن في مستوى النفوذ وحجم السيطرة فيما بينها.

الحكومة السورية هي الجهة الرئيسية المسيطرة، وفضلاً عن السيطرة السياسية الواسعة والمجتمعية الكبيرة فإنها تسيطر جغرافياً على 69.3% من مساحة البلاد، وهي مساحة واسعة تشمل المدن الكبرى ومعظم البنى الإدارية والطرق الحيوية، لكنها لا تُسيطر على 4 مراكز محافظات، هي: القنيطرة والسويداء والحسكة والرقة.

هذا الامتداد يمنح الحكومة عمقاً إستراتيجياً لا تمتلكه أيّ جهة أخرى، ويُعزّزه عاملان أساسيان: الثقل الاجتماعي الذي تستند إليه في مناطق سيطرتها، وقدرتها على إدارة هذه المساحة عَبْر مؤسسات أمنية وعسكرية منضبطة بالمقارنة مع الأطراف الأخرى، وبذلك تُعَدّ خريطة الحكومة السورية الأكثر ثباتاً، والأقل عرضة للتقلب، بل المرشحة للتوسع بحال تبدَّلت الظروف الداعمة لبقية الأطراف.

بالمقابل، تسيطر قسد على 27.8% من مساحة البلاد، وتتموضع شمال سوريا وشرقها على امتداد جغرافي واسع؛ لكنه متباين من حيث الاستقرار الداخلي؛ حيث تعاني من تحدِّيَات كبيرة ومعقَّدة، أبرزها الضغط السياسي المرتبط بتنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس 2025، الذي يشكّل مدخلاً لإعادة ضبط علاقتها مع الحكومة السورية، إلا أن قسد تواصل المماطلة في تنفيذ هذا الاتفاق اعتماداً على دعم خارجي يوفر لها هامش مناورة، وإنْ كان لا يمنحها القدرة على تثبيت حدود نفوذها على المدى الطويل؛ لهذا تبقى مناطق سيطرتها الأكثر قابلية للتغير، سواء نتيجة تحرُّكات عسكرية أم تبدُّل المواقف الإقليمية والدولية، أم بسبب التوترات المجتمعية في داخل هذه المناطق.

قوات الحرس الوطني في السويداء التابعة للشيخ حكمت الهجري تُسيطر على 2.8% من مساحة البلاد، فيمثّل نفوذها حالة مختلفة من حيث الحجم والدور. ورغم محدوديَّة المساحة، تأتي أهمية هذا المجلس من موقعه الجغرافي ومن طبيعة الدعم المباشر الذي يتلقاه من إسرائيل، مما يجعل وجوده جزءاً من منظومة تهدف إلى إبقاء حالة عدم الاستقرار في الجنوب قائمة؛ فهو يُستخدم كأداة ضغط، ويضيف عبئاً سياسياً على الحكومة السورية، ويخلق بيئة تمنع تشكُّل استقرار كامل في محافظات الجنوب. هذه الوظيفة تجعل تأثير الحرس الوطني في السويداء يفوق أهمية المساحة التي يسيطر عليها، ويجعل قدرته على تثبيت نفوذه غير ممكنة دون الارتباط المستمر بعوامل خارجية.

يتقاطع وجود الحرس الوطني في السويداء مع توغُّل الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية بنسبة 0.1%، ورغم ضآلة هذه المساحة، فإن اختيار المواقع يعكس طابعاً إستراتيجياً؛ فالجيش الإسرائيلي يتموضع في نقاط مرتفعة وقرى صغيرة لها قيمة مراقبة عالية تُشرف على خطوط الحركة في الجنوب الشرقي. هذا الوجود لا يهدف إلى السيطرة الجغرافية بقدر ما يستهدف إنشاء خطّ إنذار مبكر، وضبط المجال القريب من الحدود، ودعم البيئة التي تمنع استقراراً كاملاً في الجنوب، وهو ما ينسجم مع الدور غير المباشر في تعزيز موقع قوات الحرس الوطني في السويداء.

أخيراً، طرأ على خريطة السيطرة السورية نهاية عام 2024 تغيُّر جِذْريّ، مع استمرار بعض الأنشطة الأمنية والعسكرية التي رسمت خريطة البلاد خلال عام 2025، بينما لا يُتوقَّع استمرار الخريطة على هذا الشكل مع التوجُّه الإقليمي والدولي لمنع الفوضى والتقسيم الذي يهدد أمن المنطقة واستقرارها، غير أن تغيير الخريطة في المستقبل القريب غالباً ما يكون بدفع سياسي وأمني أكثر من اللجوء إلى الأعمال العسكرية الواسعة.
 

خريطة النفوذ والسيطرة