العلاقات السورية - الأوروبية بعد سقوط النظام السوري
مقدمة
فَوْر سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 سارع الاتحاد الأوروبي للترحيب بذلك؛ حيث أصدرت الممثلة العليا للمفوضية الأوروبية بياناً نيابة عن الاتحاد في اليوم التالي لسقوط النظام، هنَّأت فيه الشعب السوري بسقوط النظام وقدرته الاستثنائية على الصمود في سعيه إلى الكرامة والحرية والعدالة.
بدأ الانفتاح الأوروبي بزيارات إلى دمشق أجراها وزراء خارجية أوكرانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، واليونان، وقبرص، والتقى وزيرُ الخارجية السوري أسعد الشيباني وزيرَ الخارجية البريطاني على هامش مؤتمر الرياض، كما زارت دمشق مفوضة المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات، في الاتحاد الأوروبي، إضافة للقاءات عديدة أجراها القائم بالأعمال لبعثة الاتحاد الأوروبي في دمشق، وأعادت ألمانيا وفرنسا فتح سفاراتها في دمشق بعد إغلاق استمر منذ شباط/ فبراير عام 2012 استناداً إلى قرار البرلمان الأوروبي بسحب سفراء الاتحاد من سوريا، وتُوّج هذا الانفتاح بزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع بتاريخ 7 أيار/ مايو إلى فرنسا ولقاء الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس.
أولاً: موقف الاتحاد الأوروبي
بعد المشاركة في مؤتمر العقبة في الأردن بتاريخ 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024 عقد الاتحاد الأوروبي في 16 من الشهر ذاته في بروكسل الاجتماع الدوري لمجلس الشؤون الخارجية للاتحاد، تبعه اجتماع المجلس الأوروبي (القمة الأوروبية) في 19 كانون الأول/ ديسمبر، حيث أطلعت كايا كالاس الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية الدول الأعضاء في الاتحاد على ما تم الاتفاق عليه في اجتماع العقبة، وبشكل خاص ما يتعلق بمعايير الانفتاح على الحكم الجديد في سوريا، والتي شملت احترام وحدة الأراضي السورية وسيادتها، وإطلاق عملية سياسية شاملة بما يتماشى مع مبادئ قرار مجلس الأمن 2254، وحماية الأقليات، ومحاربة داعش.
تم قبول هذه المعايير من قِبل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لكن تم الاتفاق على التعامل مع الحكم الجديد على أدنى مستوى، وهو مستوى القائم بأعمال بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا والمقيم في بيروت وليس في دمشق، وفي ظل المخاوف الأوروبية وحالة عدم الثقة، دعت كالاس إلى العمل على إعداد خطة لرفع العقوبات الأوروبية عن سوريا، تمهيداً للمرحلة التي تليها، والتي يتم التأكد فيها من تبني هيئة تحرير الشام سلوكاً إيجابياً يتوافق مع معايير اجتماع العقبة، بالتزامن مع إمكانية النظر في توسيع الإعفاءات الإنسانية، مع التأكيد بأن تراجُع النفوذ الإيراني في دول منطقة الشرق الأوسط أمر إيجابي، ومن الضروري ضمان عدم عودة النفوذ الإيراني في المنطقة.
عقد الاتحاد اجتماعاً وزارياً بتاريخ 27 كانون الثاني/ يناير 2025، خصّصه لمناقشة ورقة الدول الست (ألمانيا، وفرنسا، وفنلندا، والدنمارك، وإسبانيا، وهولندا)، المعنونة بـ "إعادة التفكير في سياسة العقوبات على سوريا" والتي طالبت بالتعليق الفوري لبعض العقوبات، في قطاعات النقل والطاقة والمعاملات المالية.
كما عقد الاتحاد الأوروبي بتاريخ 17 آذار/ مارس النسخة التاسعة من مؤتمر بروكسل للمانحين بعنوان "الوقوف مع سوريا: تلبية احتياجات انتقال ناجح"، وتمت فيه لأول مرة دعوة الحكومة السورية لحضوره ممثلة بوزير الخارجية أسعد الشيباني، وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في كلمتها الافتتاحية للمؤتمر أن أوروبا مستعدة للقيام بـ 3 أدوار رئيسية تتمثل في مواصلة تلبية الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً، والرغبة في دعم التعافي الاجتماعي والاقتصادي، والرغبة في دعم انتقال سياسي شامل، وظهر في المؤتمر أن الاتحاد الأوروبي قد طوى لاءاته الثلاث التي كانت تحكم إستراتيجيته السابقة في سوريا، وهي: لا للتطبيع، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار، كما ظهر أن الاتحاد لا يضع شروطاً سياسية خارجية على الدعم الذي يقدمه.
أظهرت فون دير لاين في كلمتها أيضاً أن الاتحاد يدعم خطوات الانتقال السياسي التي قامت بها الحكومة السورية، حيث وصفتها بأنها "خُطواتٍ مُشجِّعة للغاية"، ومنها توقيع الرئيس المؤقت أحمد الشرع على الإعلان الدستوري، والاتفاق الموقَّع بين السلطات المركزية وقوات سوريا الديمقراطية، والذي وصفته بأنه "يُعَدّ إنجازًا تاريخيًا بكل معنى الكلمة". من جانب آخر، أدان بيان صحافي مشترك للرؤساء المشاركين (الممثلة السامية كالاس، والمفوضان سويكا ولحبيب) إضافة إلى الوزير الشيباني، ما وصفوه بـ "الهجمات العنيفة التي شنّتها فلول نظام الأسد على قوات الأمن، ورحّبوا بالالتزامات التي قطعتها الحكومة الانتقالية، لا سيما إنشاء لجنة تحقيق، في تلك الأحداث.
بعد ذلك بدَا أن الموقف الأوروبي تراجع في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في لوكسمبورغ بتاريخ 14 نيسان/ إبريل 2025؛ حيث صرّحت كالاس عقب الاجتماع أن الوزراء أجروا نقاشاً مكثفاً حول سوريا، وأنه ركّز على ما إذا كان ينبغي للاتحاد المُضِيّ قُدماً في تخفيف العقوبات، باعتبار أن الاتحاد لم يَرَ خُطواتٍ كثيرة من القيادة الجديدة، وأن مستقبل سوريا ما يزال هَشّاً للغاية، وأنه تم الاتفاق على تقييم عملية الانتقال التي جرت، وأنه وفق ذلك سيتم تقييم قرار الاستمرار في قرار الاتحاد برفع بعض العقوبات، وأن الاتحاد سيقدم مقترحاته إلى الحكومة السورية في خُطوات الانتقال القادمة التي تعتزم القيام بها، مع مراعاة الشروط والخطوط الحمراء التي سيضعها الاتحاد ويرغب في رؤيتها، وأن العمل سيجري خلال الفترة المقبلة على الجوانب الفنية في تطبيق الخُطوات المقترَحة، ثم سيعود الاتحاد لمناقشة موضوع ما إذا كان مستعداً للمضيّ قُدماً في سوريا.
دوافع الانفتاح الأوروبي على الحكم الجديد في سوريا يأتي في طليعتها حلّ مشكلة اللاجئين السوريين في أوروبا، وتسهيل ظروف عودتهم في أقرب فرصة، والتعاون الأمني مع الحكم الجديد في مكافحة الإرهاب، ويندرج موقفه في إستراتيجيته الحالية في إضعاف الدور الروسي في سياق النزاع "الأوروبي – الروسي" بعد غزو أوكرانيا، وإضعاف الدور الإيراني في سياق الأنشطة التخريبية الإيرانية في المنطقة وعدم التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وتتمحور شروط الاتحاد الأوروبي على الإدارة حول حفظ حقوق الأقليات الدينية والعِرْقية وضرورة مشاركتهم في الحكم الجديد، وحول احترام حقوق المرأة، والالتزام بمكافحة الإرهاب، ومعالجة وضع المقاتلين الأجانب، والتخلص من برنامج الأسلحة الكيماوية، وعدم تهديد دول الجوار.
ثانياً: الموقف الفرنسي
بعد 4 أيام من سقوط النظام قدمت فرنسا للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ورقة تحت عنوان "الاتحاد الأوروبي وسوريا.. التعامل مع الواقع الجديد ومساعدة السوريين في بناء مستقبلهم"، رأت فيها أن سقوط بشار الأسد يمثل بداية حقبة جديدة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وسوريا، وأنه انتكاسة كبيرة لروسيا وإيران؛ حيث فقدت روسيا عميلها الرئيسي وهالتها في الشرق الأوسط وجزءاً من مصداقيتها الدولية التي بُنيت على نجاح تدخُّلها العسكري لإنقاذ نظام الأسد عام 2015، ولم يَعُدْ بإمكان إيران الاعتماد على سوريا كمركز لوجستي مركزي لمحور "المقاومة"، الذي كان يضمن استمرارية الإمدادات إلى حزب الله اللبناني، حجر الزاوية في الإستراتيجية الإقليمية الإيرانية، وأن سقوط نظام الأسد يمكن أن يكون فرصة للبنان لاغتنامها في إعادة بناء مؤسساته اللبنانية، وانتخاب رئيس للجمهورية، وشددت على أهمية تعزيز القوات المسلحة اللبنانية من أجل تأمين الحدود مع سوريا، كما شددت على الأهمية القصوى لتأمين الحدود العراقية مع سوريا ومنع انتشار الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران.
اقترحت الورقة مجموعة إجراءات يمكن للاتحاد الأوروبي العمل بها، منها: فتح قنوات حوار غير مباشرة مع هيئة تحرير الشام، باعتبارها أقوى قوة على الأرض، واستخدام ورقة الاستمرار في العقوبات، أو رفعها كرافعة لعملية سياسية شاملة.
كانت فرنسا أول دول الاتحاد التي تصل إلى سوريا بعد سقوط النظام؛ حيث زار وفد دبلوماسي فرنسي دمشق في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024 والتقى فيها الإدارة الجديدة، وتم رفع العلم الفرنسي على مبنى السفارة المغلقة منذ عام 2012، تبعها وصول وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى دمشق في زيارة مشتركة مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك بتاريخ 3 كانون الثاني/ يناير 2025، وتم الإعلان فيها عن نية فرنسا إعادة بعثتها الدبلوماسية إلى سوريا في وقت قريب.
شاركت فرنسا في مؤتمر العقبة في الأردن، وفي مؤتمر الرياض (العقبة 2)، وكان الحضور الفرنسي الأبرز في الملف السوري في مؤتمر باريس (العقبة 3) بتاريخ 13 شباط/ فبراير 2025 بدعوة من وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، واختتم أعماله ببيان مشترك صادر عن حكومة كل من سوريا والبحرين وكندا ومصر وألمانيا واليونان وفرنسا والعراق وإيطاليا واليابان والأردن والكويت ولبنان وسلطنة عُمان وقطر والمملكة العربية السعودية وإسبانيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة، وعن الاتحاد الأوروبي والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا والأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورغم حضورها لم تُوقّع الولايات المتحدة على هذا البيان.
سار بيان مؤتمر باريس على خُطى بيانَي العقبة والرياض في دعم الحكومة الانتقالية في سوريا، ورغبة المشاركين في العمل معاً لضمان نجاح تحقيق عملية انتقالية سلمية وموثوقة ونظامية وسريعة وشاملة تستمد من روح المبادئ الواردة في قرار مجلس الأمن 2254 (2015) بغية التوصل إلى تأليف حكومة تمثيلية تمثّل جميع عناصر المجتمع السوري، ودعا البيان الحكومة الانتقالية إلى صياغة جدول زمني واقعي يتّسم بالوضوح والشفافية، والالتزام به لإجراء إصلاحات دستورية، وتنظيم انتخابات حرّة ونزيهة عندما تتوفر الشروط لذلك، مع التأكيد على أهمية الدور الذي من شأن الأمم المتحدة أن تضطلع به في دعم المرحلة الانتقالية، والجهود التي يضطلع بها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في هذا الصدد.
تحسُّباً من أن يُلقِيَ الغياب الأمريكي بأي ظلال سلبية على سير المؤتمر فقد شارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في المناقشات، وعقد لقاء ثنائياً مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، وأكد دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة فرنسا، وتضمن بيان باريس بنداً جديداً لم يرد قبل في مؤتمرَي العقبة والرياض، وهو "الاعتراف بالحكومة الانتقالية السورية ودعمها في التزامها الحالي بصون حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع السوريين". الموقف الفرنسي المتقدم أوروبياً في استقبال الشرع، يمكن تفسيره في 4 اتجاهات:
• استعادة فرنسا نفوذها القديم في المنطقة، عَبْر استعادة نفوذها في سوريا ولبنان، اللتين كانتا تحت الاحتلال الفرنسي، وهي فعلت ذلك فعلياً في لبنان بعد تراجُع دور حزب الله في لبنان، وتسعى لمثل ذلك في سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
• مساعي فرنسا جزء من سياستها التنافسية مع تركيا، ومنعها من بسط سيطرتها على سوريا، وتحجيم نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في المنطقة وفي أوروبا.
• سعي فرنسا للحصول على حصة من عقود الاستثمارات وإعادة الإعمار، وهو ما بدأت بوادره بتوقيع الشركة الفرنسية ((CMA CGM في قصر الشعب بدمشق، وبحضور الرئيس الشرع اتفاقية لإدارة وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ اللاذقية.
• يمكن أن تتولى فرنسا مهمة إعادة بناء الجيش السوري، في هيكلية وتسليح تشبه هيكلية الجيش اللبناني وتسليحه، وبالتالي حرمان تركيا من تولي هذه المهمة، أو قيامها بها منفردة، وكذلك منع روسيا من العودة لممارسة هذا الدور الذي كان بحوزتها على مدار عقود عديدة مضت.
ثالثاً: الموقف الألماني
أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مؤتمر صحافي في برلين بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 2024 عن خطة حول التعامل مع سوريا بعد سقوط نظام الأسد، بعنوان "خطة من 8 نقاط من أجل سوريا حرة وديمقراطية"، وتضمنت الخطة الحديث عن تسهيل التسليم السلمي والمنظم للسلطة من الميليشيات المسلحة وبقايا نظام الأسد إلى حكومة مدنية تضم جميع القُوى المجتمعية، وتستبعد الجماعات الإرهابية، ودعت الخطة إلى التوصل إلى توافُق دولي حول سوريا، وحمايتها من التدخل الأجنبي، وإلى صياغة نهج عملي "براغماتي" مشترك للتعامل مع هيئة تحرير الشام وحكومة الهيئة، بحكم أنها في الأمر الواقع القوة القوية الجديدة في سوريا، وربطت إعادة الإعمار بتوفر الشروط السياسية لذلك، كما دعت إلى دعم العدالة الانتقالية ومحاسبة الماضي، وتأمين الأسلحة الكيميائية السورية، وإلى التنسيق الدولي للعودة الطوعية للاجئين السوريين، وتحدثت أخيراً عن ضرورة عودة الوجود الدبلوماسي الألماني إلى دمشق، حيث لم يكن هناك وجود دبلوماسي ألماني في سورية منذ عام 2012.
بعد إغلاق استمر 13 عاماً أعادت ألمانيا فتح سفارتها في دمشق بتاريخ 20 آذار/ مارس 2025، وتمت مراسم الافتتاح بحضور وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، وهي زيارتها الثانية إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وتولّي الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع مقاليد إدارة البلاد في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
قد تكون ألمانيا معنية أكثر من غيرها من الدول الأوروبية باستقرار سوريا؛ حيث تستضيف الحصة الكبرى من اللاجئين السوريين في أوروبا، الأمر الذي حاول فيه اليمين المتطرف استخدامه للإطاحة بالحكومات الألمانية المتعاقبة التي رفضت تغيير سياسة ألمانيا تجاه اللاجئين كما فعلت دول أوروبية أخرى، وزيادة الدعم الإنساني، ودعم جهود إعادة الإعمار. بالتالي إن استعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، سيعزز من فرص الاستقرار الذي يشجع اللاجئين السوريين على العودة الطوعية إلى بلادهم.
رابعاً: الموقف اليوناني والقبرصي
تحدثت تركيا مبكراً بعد سقوط النظام السوري عن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، حيث أعلن وزير النقل والبِنْية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أن بلاده تعتزم بَدْء مفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود البحرية في شرقي البحر المتوسط، وأن مثل هذه الصفقة ستسمح للبلدين بزيادة منطقة نفوذهما في استكشاف الطاقة، وسيتمكن البلدان من تقاسُم الصلاحيات وتوسيعها، فيما يتعلق بالتنقيب عن النفط والهيدروكربونات، واعتبر أن الاتفاق بهذا الشأن سيغير كل التوازنات في المنطقة.
أثارت هذه التصريحات كلاً من اليونان وقبرص، حيث قالت اليونان إن "الوضع في سوريا انتقالي، ولا يبرر مثل هذه الاتفاقات"، وإن أثينا "تتابع التطورات عن كثب، وأنها على اتصال دائم مع قبرص والدول المجاورة والاتحاد الأوروبي" وإن اليونان "أثارت هذه القضية مع الاتحاد الأوروبي، سعياً للحصول على الدعم لمنع جهود تركيا لترسيم الحدود البحرية مع سوريا في شرقي المتوسط،" وقال مسؤول يوناني إن أولوية بلاده هي "منع تركيا من خلق غطاء شرعي"، وإن أثينا "تعمل أيضاً على تعزيز تحالُفاتها مع قبرص وإسرائيل لمواجهة المناورات الإقليمية التركية".
عارضت اليونان وقبرص في اجتماع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 27 كانون الثاني/ يناير 2025 مقترح اتخاذ قرار تعليق عقوبات الاتحاد على سوريا، واستبقتا صدور القرار بزيارة وزيرَيْ خارجيتَيْهما إلى دمشق، وكانت هذه القضية على جدول أعمالهما، حيث صرح وزير الخارجية اليوناني جيورجوس جيرابتريتيس في زيارته بتاريخ 14 شباط/ فبراير أنه "بالنسبة لليونان، من الأهمية بمكان ضمان أن يحترم النظام الجديد في سوريا القانون الدولي بشكل كامل، وخاصة قانون البحار. كما صرح وزير الخارجية القبرصي كونستانتينوس كومبوس في زيارته بتاريخ 22 شباط/ فبراير أنه نقل "رسالة إلى دمشق بشأن تعاون النظام الجديد في سوريا مع تركيا، والتقارير الصحفية المتعلقة بترسيم محتمل للمنطقة الاقتصادية الخالصة بين سوريا وتركيا، والتي تشمل جمهورية قبرص التركية"، ويبدو أن هاتين الزيارتين أثمرتا؛ حيث رفعت اليونان وقبرص الفيتو عن قرار رفع العقوبات عن سوريا، وتم تمريره بتاريخ 23 شباط/ فبراير.
خامساً: الموقف البريطاني
أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي بتاريخ 16 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أن بلاده أوفدت مسؤولين رفيعي المستوى إلى دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة، وشهدت الزيارة وصول أول دبلوماسي بريطاني إلى دمشق منذ إغلاق السفارة عام 2012 بمشاركة الممثلة البريطانية الخاصة لسوريا آن سنو في الوفد، وبتاريخ 24 نيسان/ إبريل أعلنت بريطانيا رفع عقوباتها عن 12 كياناً سوريّاً بينها وزارتَا الدفاع والداخلية، إضافة إلى عدد من المؤسسات الأمنية والإعلامية، وذكرت الخارجية البريطانية في تصريحها أن "التعديلات المعلَن عنها على لائحة العقوبات بشأن سوريا من شأنها أن تساعد شعبها في إعادة بناء بلده واقتصاده بعد سقوط الأسد".
شاركت بريطانيا في مؤتمرات العقبة، والرياض، وباريس حول سوريا، ووقّعت على بيان باريس الذي اعترف بالحكومة السورية الجديدة، وموقف بريطانيا هو جزء من موقف مجموعة الدول السبع التي أصدرت بياناً في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أبدت فيه استعدادها لدعم عملية انتقالية تؤدي إلى حكم ذي مصداقية وشامل جامع وغير طائفي يضمن احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان العالمية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحماية جميع السوريين، بمن فيهم الأقليات الدينية والعِرْقية، ويضمن الشفافية والمساءلة، وأن المجموعة ستعمل مع حكومة سوريّة مستقبلية تلتزم بهذه المعايير والنتائج التي ستسفر عنها هذه العملية، وتدعمها بشكل كامل، وأن المجموعة تأمل من أي شخص يسعى إلى الحصول على دور في حكم سوريا أن يُظهر التزامه بحقوق جميع السوريين، ومنع انهيار مؤسسات الدولة، والعمل على تعافي البلاد وإعادة تأهيلها، وضمان الظروف اللازمة للعودة الطوعية الآمنة والكريمة إلى سوريا لجميع الذين أُجبِرُوا على الفرار من البلاد.
خُلاصة
بعد مقاطعة بدأت منذ عام 2012 للنظام السوري، استعادت دول عديدة من الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى بريطانيا، علاقاتها مع الحكومة السورية الجديدة، وأظهر الاتحاد استعداد دعمه لها، مع شروط تتلخَّص في تحقيق تقدُّم ملموس في عملية انتقال سياسي شاملة، تتضمن تمثيلاً حقيقياً لجميع الأقليات في سوريا، بما في ذلك الأكراد والعلويون والمسيحيون، واحترام حقوق الإنسان، وتأكيد حقوق المرأة، وضمان حرية التعبير، والمحاسبة على الجرائم المرتكبة خلال الحرب، ومكافحة التطرف والإرهاب، والاستعداد للرفع التدريجي للعقوبات طالما اتخذت الحكومة السورية خُطوات إيجابية، وأن ذلك سيترافق مع تقييم مستمر لهذه الخُطوات، وأنه يمكن للاتحاد التراجع عن رفع العقوبات إذا لم تُوَفِّ الحكومة السورية بالالتزامات المطلوبة منها. لكن من الواضح أن دمشق تلبي الشروط الأوروبية بشكل مقبول حتى الوقت الراهن، وهو ما عبَّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اللقاء الصحافي الذي جمعه مع الرئيس أحمد الشرع في باريس بتاريخ 7 أيار/ مايو 2025.