أدوات ردع العدوان نموذج جديد للمعارضة السورية في إدارة المعركة
ديسمبر 06, 2024 2015

أدوات ردع العدوان نموذج جديد للمعارضة السورية في إدارة المعركة

حجم الخط

قدّمت المعارضة السورية المسلّحة في المناطق التي سيطرت عليها خلال معركة "ردع العدوان" التي انطلقت في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، نموذجاً جديداً في إدارة العمليات العسكرية واستخدام أدوات الحرب النفسية ضدّ النظام بنجاح، فأصدرت بيانات بخطاب غير مسبوق ونفذت إجراءات نوعيّة، كانت أداة فعّالة في إضعاف معنويات قواته وتأليب حاضنته العسكرية والاجتماعية للانشقاق أو تحييد نفسها عنه. وأبرز تلك الأدوات:       

ضمان أمن عناصر النظام وضباطه وسلامتهم، حيث منحت المعارضة المسلّحة بطاقات تحت مسمى "الحماية المؤقتة" لكيلا تتم بحق حملتها أي عمليات انتقامية ريثما يتحقق الاستقرار السياسي وانطلاق مسار العدالة الانتقالية المرتقب، كما التزم المقاتلون أثناء المعارك بتعليمات قواعد السلوك العسكري المنضبط الذي يحرّم العمليات الانتقامية ضدّ الأسرى وينظم آلية التعامل، وهذه المرة الأولى التي يكون فيها انضباط كبير بهذه القواعد من كل قطاعات المعركة والمقاتلين.       

ضمان عدم استهداف المدنيين أثناء تنفيذ العمليات القتالية الهجومية، مما أعطى صورة مخالفة للانطباعات التي شكلها النظام السوري لدى قواته والسكان على حدّ سواء، وكانت تصوّر فصائل المعارضة كمجموعات إرهابية وهمجية، مما زاد من وتيرة الانشقاقات عن صفوفه وانكشاف سياساته الطائفية تجاه حواضنه العسكرية والمدنية.       

ضمان استمرار تقديم الخدمات المدنيّة والاستجابة الإنسانية، من خلال إجراءات استهدفت عدم حصول فوضى ضمن التجمعات المدنية، ومهدت لخلق انطباع لدى الأهالي بأن الاستقرار ممكن خلال فترة قصيرة، ومن شأن ذلك أن يَحُول دون نزوحهم أو هجرتهم خارج البلاد، مما يمنح تطمينات للدول الإقليمية والأوروبية.       

تحييد مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية وبناها التحتية، من خلال وضع خيار ثالث أمام العناصر والموظفين بالانسحاب الآمِن منها دون تدميرها أو أَسْرهم أو قتلهم، مما بعث برسالة للمجتمع المحلي والدولي بقدرة المعارضة على أن تحل مكان النظام السوري في قيادة هذه المؤسسات وإدارتها.       

ضمان أمن الأقليات وسلامتها؛ حيث أوصلت المعارضة المسلّحة تطمينات للطوائف المسيحية والإسماعيلية والشيعية والعلوية والدرزية، واتخذت إجراءات تضمن أمن مناطقهم وسلامتهم الشخصية، وقدّمت وعوداً بأن يكون لهم حقوق متساوية كباقي فئات الشعب.       

ضمان أمن المكوِّن الكردي وسلامته، الذي تلقّى رسالة تطمين من المعارضة وإجراءات تضمن حقوقه كجزء من مكونات الشعب، وسلامة ممتلكاته ومناطقه أثناء المعارك، فضلاً عن فتح باب التفاوض لحل مشكلة المقاتلين الأكراد في حلب ومنحهم حق البقاء أو الانتقال إلى الرقة دون التعرّض لهم.  

 تحييد حلفاء النظام السوري عن المعركة؛ حيث طورت المعارضة المسلّحة من خطابها تجاه كل من روسيا والعراق، بعرض ضمانات سياسية للحفاظ على مصالحهم، بينما كان الخطاب تجاه إيران منسجماً مع التوجه الإقليمي والغربي؛ باستبعاد ميليشياتها ونفوذها عن الأراضي السورية.       

في المُحصِّلة، كانت العمليات العسكرية تُركّز بشكل غير مسبوق على الحرب النفسية ضدّ النظام السوري، بهدف تحييد حاضنته العسكرية والمدنية عنه، مما سرّع من انهيار صفوفه في حلب وإدلب وحماة. وانتهجت المعارضة المسلّحة سياسة الردع والتأثير في معنويات النظام وبيئته، من خلال الدعاية والخطاب والإجراءات الإدارية والعسكرية، التي من بينها استخدام أسلحة جديدة كالطائرات المسيّرة، وتنفيذ خطط عسكرية بمهنية توازي مهنية الجيوش المنظّمة، والتي يفتقدها النظام، فقدّمت بذلك نموذجاً بديلاً عنه في الحكم.