ملامح الإستراتيجية الأوروبية القادمة في سوريا
Haz 26, 2025 950

ملامح الإستراتيجية الأوروبية القادمة في سوريا

Font Size

وافق مجلس الاتحاد الأوروبي في اجتماعه يوم 23 حزيران/ يونيو 2025 على الاستنتاجات المعروضة عليه بشأن سوريا، والتي تضمنت 18 بنداً رحَّب فيها بالتزام الرئيس المؤقت أحمد الشرع والحكومة الانتقالية ببناء سوريا جديدة تقوم على المصالحة الوطنية وسيادة القانون والفصل بين السلطات، فضلاً عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع السوريين دون تمييز، مع الحفاظ الكامل على تنوُّع البلاد، وأُحيط علماً بخُطوات الانتقال السياسي الجارية في البلاد، ورحّب بالتعاون القائم مع لجان التحقيق الدولية، بما فيها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما رحَّب بالتزام الحكومة بمكافحة الإرهاب، ووقف إنتاج الكبتاغون، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين.  

يمكن القول: إن الاستنتاجات تصبّ في منحيَيْنِ رئيسيين، أول يرسم ملامح الإستراتيجية الأوروبية القادمة في سوريا، وثانٍ يضع متطلبات الاتحاد الأوروبي من الحكومة السورية.  

1. ملامح الإستراتيجية الأوروبية القادمة في سوريا:  

•  المحافظة على مشاركة الاتحاد طويلة الأمد مع المجتمع المدني السوري، ومواصلة دعمه له.  

مواصلة دعم عمل المبعوث الخاص للأمم المتحدة وفريقه إلى سوريا استناداً إلى روح المبادئ الأساسية لقرار مجلس الأمن 2254 (2015).  

مواصلة الدعم للجهود السورية والدولية الرامية إلى المساءلة عن جميع الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد وأطراف أخرى، مثل داعش وغيره من الجماعات الإرهابية أو المسلحة، خلال نظام الأسد أو بعده.  

مواصلة دعم الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، ولجنة التحقيق الدولية، والمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا.  

الاستعداد لدعم جهود الوساطة والمصالحة على المستويين المحلي والوطني.  

الاستعداد لدعم عملية إصلاح القطاع الأمني، إلى جانب شركاء آخرين.  

مواصلة دعم أنشطة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك الدعم المالي، بهدف التحقيق في جميع الأسلحة الكيميائية في سوريا وتأمينها والتدمير الكامل لها، بما في ذلك مرافق الإنتاج.  

مواصلة أداء دور رائد في التمويل الإنساني للاستجابة الطارئة، والتعافي المبكر، والالتزام بدعم سوريا في طريقها نحو الاستقرار وإعادة الإعمار.  

الالتزام بالمساعدة في تهيئة الظروف للعودة الآمنة والكريمة والطوعية والمستدامة إلى سوريا، والاستعداد لدعم الراغبين بالعودة الطوعية.  

سيضمن الاتحاد الأوروبي وجوداً دبلوماسياً أقوى، ودائماً في دمشق في أقرب وقت ممكن من خلال إعادة التنشيط الكامل لبعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا.  

2. متطلبات الاتحاد الأوروبي من الحكومة السورية  

العمل على إنشاء مؤسسات قضائية قوية ومستقلة، حيث أبدى الاتحاد استعداده لدعم هذه المساعي.  

الحفاظ على النظام العامّ، وضمان السيطرة على الجماعات المسلحة، وحماية جميع السوريين، بغضّ النظر عن خلفيتهم العِرْقية أو الدينية، ومحاسبة جميع الجناة، بما يتماشى مع القانون الدولي.  

حماية الحيِّز المدني من خلال ضمان بيئة آمنة ومواتية للمجتمع المدني المحلي والدولي ووسائل الإعلام المستقلة، وخالية من التهديدات والترهيب والعقبات الإدارية.  

الانضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقبول ولايتها القضائية.  

استبعاد جميع العناصر الإرهابية والمتطرفة العنيفة، وعدم إدماجهم في قوات الجيش والأمن.  

إدانة العدوان الروسي على أوكرانيا، والتصويت الإيجابي في الجمعية العامة للأمم المتحدة على ذلك، وإلغاء قرارات نظام الأسد التي تعترف بانتهاك سيادة أوكرانيا وجورجيا ووحدة أراضيهما.  

اتخاذ موقف متشدد تجاه روسيا وإيران؛ حيث أبدى الاتحاد الأوروبي قلقه من تواطُؤ هذين البلدين في تأجيج العنف وزعزعة الاستقرار في سوريا.  

اتخاذ مواقف وسياسات تنافسية ومستقلة تجاه العلاقة مع تركيا، ومع أنّ الاتحاد تحدث عن ضرورة معالجة المخاوف الأمنية لتركيا، لكنه دعا أن يكون ذلك مع ضمان تمتُّع جميع السوريين بالأمن والحقوق الأساسية.  

الانخراط مع التحالف الدولي ضدّ داعش، والتصدي بشكل حاسم للتهديد الذي يشكله جميع المقاتلين الإرهابيين الأجانب في سوريا، والعمل من أجل اجتثاث التطرف وإعادة تأهيل وإعادة دمج المواطنين السوريين الموجودين حالياً في مخيمَي الهول والروج، ودعم محاكمة المُشتبَه في ارتكابهم أو تسهيلهم أعمالاً إرهابية.  

ضمان التنفيذ السريع للخُطوات التالية للقضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية السوري إلى الأبد ومواجهة مخاطر الانتشار.  

الانخراط مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وضمان التنفيذ الكامل لاتفاقية ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في سوريا، وتقديم توضيح للقضايا العالقة المتعلقة بالأنشطة السابقة، وإبرام البروتوكول الإضافي المطلوب مع الوكالة ووضعه حيِّز التنفيذ دون مزيد من التأخير.  

بالمحصِّلة، منذ سقط نظام الأسد اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً إيجابياً من الحكم الجديد، وغيَّر ركيزتين أساسيتين من إستراتيجيته السابقة المتمثلة في اللاءات الثلاث: لا للتطبيع، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار، حيث بدأ بالتطبيع مع الحكم الجديد والانفتاح السياسي والدبلوماسي عليه، ورفع العقوبات المفروضة على سوريا، لكنه لم يغير إستراتيجيته تجاه إعادة الإعمار وأبقى المستوى عند الاستجابة الإنسانية، والتعافي المبكر.  

لا يمكن الوصول إلى استقرار حقيقي ودائم  في سوريا إلا عَبْر مشروع إعادة إعمار ضخم، وهو ما يتم تقييمه بمئات مليارات الدولارات، ولا يبدو أن هناك جهة قادرة ولديها الخبرة في تصميمه والإشراف على تنفيذه سوى الاتحاد الأوروبي، وما جرى في سوريا حتى الآن لا يسمى إعادة إعمار؛ إذ إنّ العقود لا تتجاوز مليارات قليلة وفي قطاعات محدودة.  

أخيراً، إنّ انخراط الاتحاد الأوروبي بشكل فعّال في عملية إعادة الإعمار مرتبط بتلبية المتطلبات والشروط -الكثيرة- الواردة في الاستنتاجات، وفي تصريحات المسؤولين الأوروبيين، مما يدعو الحكومة السورية لبذل مزيد من الجهود وتسريعها، والوصول بالبلاد إلى الوضع الذي يكون مُقنِعاً للاتحاد بتغيير إستراتيجيته في هذا الجانب، وربما يضع الحكومة أمام نقاش لمراجعة مدة الفترة الانتقالية المحدَّدة حالياً بـ 5 سنوات، حيث لا يبدو أنه سيكون هناك إعادة إعمار طالما البلاد في حالة انتقالية.