كورونا والترابط بين القوى القمعية في سورية، العراق، لبنان وإيران
كورونا والترابط بين القوى القمعية في سورية، العراق، لبنان وإيران
خالد التركاوي
في وقت أعلنت فيه الصين – المحل الأول لانتشار فايروس كورونا في العالم- عن بدء احتوائها للمرض وتراجع متوسط عدد الإصابات اليومية، لا تزال بعض الحكومات تنكر وجود الفيروس من أساسه. لقد استخدمت كوريا الجنوبية الأقمار الصناعية وكل تقنية ممكنة لتتبع المصابين المحتملين ومن خالطوهم من أجل احتواء المرض فيما أسمته "حرباً شاملة ضد المرض", ولكن وزير الصحة في حكومة الأسد أكد أن "الجيش السوري" قضى على كل الجراثيم في سورية من خلال عملياته العسكرية.
"إن البيئة المثالية لانتشار الفايروس من نوع كورونا تتمثل في الزحام، القذارة، الفوضى، النظام الصحي الفاسد، الإنكار التجاهل وقلة الوعي، إضافة لانعدام الثقة بين المواطن والحكومة" , ربما يضاف إلى هذه الشروط هو أن تكابر الحكومة وتتجاهل الأمر وتقدم العلاقات السياسية على أي قضايا أخرى.
لقد أبقت إيران علاقاتها مفتوحة مع الصين ضاربة بالنصائح عرض الحائط، وكنوع من رد الجميل للصينيين على التعامل التجاري والسياسي في ظل عقوبات اقتصادية أبقت إيران رحلاتها وتعاملاتها بشكل طبيعي وأخفت العوارض الأولى لبدء انتشار الفايروس ولكن سرعان ما بدأت الكارثة. تتحدث إيران عن 14ألف حالة مصابة وزيادة في عدد الوفيات يفوق 700 شخص في فترة قصيرة, على جانب آخر أبقت كل من لبنان, العراق وسورية علاقاتها مع إيران بشكل طبيعي لتنعكس النتيجة مباشرة على العراق الذي سجل عشرات الإصابات القادمة من إيران بمعدل يومي مرتفع لا يزال مستمراً, ورغم أن العراق بدأ باتخاذ إجراءات سريعة في محاصرة الفايروس إلاّ أن علاقاته مع إيران استمرت لفترة طويلة رسمياً, وقد أعلن العراق تعليق الرحلات الجوية في الخامس عشر من آذار بعد أن وقعت الكارثة, وربما لم يتم إعلان إيقاف الرحلات الجوية مع إيران بسبب كورونا فحسب بل ربما يعود ذلك لسبب الإبلاغ عن قنبلة موجودة على الرحلة IA112 للخطوط الجوية العراقية التي انطلقت من طهران صباح 15 آذار, إلا أن العراق أغلق أيضاً المنافذ البرية مع إيران في اليوم ذاته مما يدل على نيته في إيقاف التعامل وإن كان متأخراً.
كما حافظت لبنان على علاقات مع إيران بشكل جيد، ورغم أن الأصوات المعارضة لحزب الله ارتفعت باتجاه وقف الرحلات إلا أن القرار لم يطبق عملياً حتى منتصف آذار الجاري بسبب العلاقات الوثيقة بين قوى حزب الله والنظام الإيراني والزيارات اليومية المتبادلة مما أوقع لبنان في مشكلة تضاف لسلة مشاكله التي تكبر يوماً فيوماً.
وبعد المقاطعة التي أجرتها معظم الدول مع سورية, فإن مناطق النظام بقيت مفتوحة بشدة على كل من إيران, العراق ولبنان وهي بلدان سجلت حالات إصابة كبيرة نسبياً, بل إن الطائرات التي كانت تجلي لبنانين من إيران بعضها هبط في سورية بمطار دمشق الدولي ثم عبر نحو نقطة المصنع الحدودية بعد تشديد الإجراءات في مطار بيروت الدولي, ومثال على ذلك الرحلة الواصلة من إيران بتاريخ 1 آذار 2020 نحو مطار دمشق الدولي, كذلك في الثاني من آذار وعلى متنها طلاب لبنانيين قادمين من طهران , كما دخلت أسر لبنانية من سورية تم الاشتباه بها وحجرها ، بل إن حالات ثبت إصابتها بشكل مؤكد وصلت إلى لبنان من نقطة المصنع كالحالة التي أعلن عنها في بيروت بتاريخ 4آذار وهي حالة قادمة من إيران عبر نقطة المصنع الحدودية مع سورية, رغم هذا أعلن نظام الأسد عن خلو البلاد من كورونا وحتى يومنا هذا لا تزال الرحلات نحو العراق وإيران مفتوحة وتم مؤخراً إضافة مصر إلى قائمة الرحلات من وإلى دمشق وكلها دول ينتشر فيها الفايروس بقوة.
ومنذ منتصف شباط الماضي, بدأت الأخبار تتسرب عن وجود حالات مشتبه بها على أنها كورونا وصلت إلى بعض المشافي في سورية في كل من دير الزور ودمشق وحماة واللاذقية, وما إن بدأ حديث الأطباء والعاملين في بعض المشافي ينتقل خارج المشفى حتى تم استهداف واعتقال البعض بغية التكتم على الحالات الواردة, حيث قتل الدكتور عماد طاهر إسماعيل في مدينة القرداحة معقل الأسد في ظروف غامضة والطبيب البالغ من العمر 58 عاماً والذي يرأس قسم الأشعة في مشفى القرداحة الحكومي كان على رأس عمله وسرب معلومات بأن حالات وردت للمشفى مصابة بالفايروس الجديد.
كما سجلت حالات إصابة تم تحويلها لمشفى المجتهد بدمشق وتطور الأمر حتى وصل لدرجة وفاة بعض المرضى حيث توفيت الصيدلانية ديانا محمد ملا البالغة من العمر 24 عاماً بتاريخ السادس من اذار والصيدلانية تناوب في أحد المشافي الحكومية ووالدها ممرض في أحد المشافي الحكومية.
كما توفيت الممرضة ريما حيدر عمران البالغة من العرم 44 عاماً والعاملة في مشفى الباسل بطرطوس بسبب مرض رئوي حاد وأعراض ارتفاع حرارة وضيق تنفس فيما يشبه ما يصيب مرضى كورونا , والممرضة كانت على احتكاك مع مرضى في المشفى لم يعرف مصيرهم بعد. كما تم تسجيل إصابة لمقاتل سوري في صفوف قوات إيرانية يدعى كيان العلي من أبناء بلدة حطلة من محافظة دير الزور شرق البلاد , وتم نقله لمشفى عائشة في البوكمال مع ثلاث حالات. كذلك أصيب المقاتل السوري في صفوف قوات إيرانية حسين أحمد رسلان وأحيل إلى أحد المشافي دمشق العاصمة وكان قبلها بأيام مشاركاً في دوريات قرب تدمر مع قوات تتبع لإيران بشكل مباشر . وأيضاً تم تسجيل حالات حظر في مشفى المجتهد بدمشق ومشافي أخرى حكومية لمقاتلين وصلوا إلى المشافي بأعراض تشبه أعراض كورونا ومنهم من رفض البقاء في الحجر بعد أيام ليتم إخراجه.
ولم يتبع نظام الأسد حتى تاريخ متأخر جداً أي إجراءات (الرابع عشر من آذار) وبعد استفحال المرض بشكل كبير وانتشاره بين مقاتلين ومدنيين في مدن رئيسية أصدر قراراً بتعليق دوام المدارس والجامعات لمدة أسبوعين كما أخر انتخابات مجلس الشعب، وكان قبلها قد أصدر عبر رئاسة الوزراء قراراً بإغلاق المعابر مع لبنان والعراق إلا أن التدفق استمر نتيجة عدم سيطرته على المعابر البرية مع هذين البلدين.
لقد أدارت قوات حزب الله، الحكومة العراقية، النظام السوري ونظام إيران الأزمة بمنطق "تقديم المصالح السياسية على أي اعتبارات أخرى" فتبادلوا الزيارات لأغراض تخص المعركة التي يخوضها "محور الممانعة: ضد ما يسمونه بالقوى الإرهابية الأمر الذي تسبب بسيولة الحدود وسهولة انتقال الفايروس بين هذه الدول.
إن نظرة أقرب إلى واقع هذه الدول تجعلنا نرى أنها دول هشة اقتصادياً واجتماعياً, فلبنان يعاني من أزمة ديون خانقة أعلنت حكومته على إثرها في السابع من آذار أنها لن تسدد الدفعات المستحقة في ذمتها للدائنين, وسورية بلد يخوض حرباً منذ تسع سنوات وهو فاقد للموارد والبنى التحتية الصحية والخدمية وموجات النزوح فيه تبلغ عنان السماء ولن يستطيع مقاومة أي جائحة أو وباء مهما كان بسيطاً, وأما العراق فقد أكد وزير صحته أنه يحتاج إلى 150 مليون دولار شهرياً لملاحقة المرض وأن حكومته لا تمتلك هذه الأموال خاصة بعد انخفاض أسعار النفط, ورغم أن إيران تعتبر الاقتصاد الأقوى ضمن هذه المجموعة فإننا نلاحظ عجزها الكامل عن احتواء المرض تقنياً بسبب بنية نظامها الصحي الهش واقتصادياً بسبب وضعها الآخذ بالتراجع مما دفعها إلى طلب معونة طارئة من البنك الدولي تقدر بخمس مليارات دولار وهو ذات الرقم الذي أمدت به نظام الأسد قبل مدة عبر خط ائتماني لمواجهة "الإرهاب" لتحرم شعبها من تطوير نظام صحي كان يستطيع أن ينقذ حياة المئات أو ربما الآلاف في مثل هذه المحنة.
لقد أثبت فايروس كورونا حجم الترابط العضوي بين هذه القوى القمعية، وعن النظرة الخاطئة التي تمتلكها، ونظراً لما قامت به هذه الأطراف في الفترة الماضية فإنه لا يتوقع أن تلتفت مؤسساتها بشكل فعلي لمكافحة المرض بل إن أولوياتها ستبقى في حشد خط "ممانع ومقاوم" من أجل خوض حرب من نوع آخر، حرب يموت فيها أفراد يتم زجهم في ساحاتها ويموت آخرون بسبب تسخير مواردهم لخدمة الحرب.
المراجع
1- الدكتور أيمن أبو لبن: اخصائي في الصحة العامة وعلم الوبائيات، عمل في منظمة الصحة العالمية، إضافة لترأسه بعثات دولية تابعة للأمم المتحدة في أكثر من بلد.
2- راجع عربي21
وكذلك حرية 13, اذار, 2020
3- مجموعة ال بي سي اللبنانية، وصول خمس عائلات لبنانية من إيران عبر نقطة المصنع, 4أذار 2020
4- المرصد السوري لحقوق الإنسان
5- راجع العربي بوست، شهادات بانتشار كورونا في سورية،
6- خبر الوفاة دون إعلان السبب
7- العربية 10 أذار 2020
8- مصادر خاصة لوكالة صدى الشرقية , 10 أذار 2020
9- أعلنت صفحة هنا اللاذقية عن وفاته في وقت لاحق