سورية ميدان مفتوح لاصطياد كوادر حزب الله وإيران
Kas 19, 2024 1416

سورية ميدان مفتوح لاصطياد كوادر حزب الله وإيران

Font Size

إنّ تزايُد الضغوط الإسرائيلية على حزب الله وإيران في سورية يعكس التحوُّلات الكبرى في الصراع الإقليمي؛ حيث تتساقط القيادات البارزة واحداً تِلْو الآخر، بينما يسعى الأسد لتغيير وجهته بعيداً عن إيران وسط فوضى متصاعدة في صفوف المحور المقاوِم.
 

نص الترجمة 

مع استمرار العمليات الإسرائيلية بشكل يومي في غزّة وجنوب لبنان، واستمرار الهجمات المتقطعة بالطائرات بدون طيار والصواريخ من العراق واليمن، كان هناك ميل إلى تجاهُل إحدى جبهات الصراع الإقليمي الدائر حالياً، وهي سورية. ولكن تُظهر الأدلة المتاحة أن الضربات الإسرائيلية ضدّ حزب الله اللبناني والأهداف الإيرانية في سورية زادت بشكل كبير على مدى الشهرين الماضيين؛ حيث شملت الأفراد المستهدَفين في سورية قادة وعناصر بارزين ومخضرمين من المحور الإقليمي الذي تقوده إيران. 

وفي الوقت ذاته، ظهرت تقارير في وسائل الإعلام في الأسابيع الأخيرة تُصوّر رئيس النظام السوري بشار الأسد باعتباره حلقة ضعيفة في المجهود الحربي الذي تقوده إيران، وأنّه يحاول إبعاد نفسه عن حليفه الإيراني والاقتراب من الدول العربية المعتدلة، ويتفق بعض المراقبين الإسرائيليين لسورية مع هذا التقييم. فما الذي يحدث إذن مع الجارة الشمالية الأكثر أهمية لإسرائيل، وإلى أين قد تتجه الأمور؟ 

يأتي ذلك بينما لم تنتهِ الحرب في سورية التي بدأت عام 2011، بل يشير الواقع إلى أنه لا يوجد هناك أي أمل في التوصل إلى حلّ سياسي؛ حيث تجمدت خطوط الاشتباك، مما أدى إلى تقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع. فبعد فترة من الجمود، تم تقسيم سورية منذ عام 2019 إلى 3 كيانات بحكم الأمر الواقع: المنطقة التي يسيطر عليها النظام، والتي تضمّ حوالَيْ 60٪ من أراضي البلاد بما في ذلك دمشق والمنطقة الساحلية بأكملها؛ والمنطقة التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية التي يهيمن عليها الأكراد شمال شرقي سورية، والتي تضم حوالَيْ 30% من أراضي سورية، وجَيْب تسيطر عليه الفصائل المعارِضة للنظام وتحميه تركيا في الشمال الغربي، ويضم 10% من أراضي البلاد. 

يعتمد استمرار هذا الترتيب على رغبة الفاعلين الدوليين في ضمان السيطرة على هذه المناطق؛ وهي كما يلي: مناطق سيطرة النظام التي تُعتبر محمية لإيران وروسيا، ومنطقة يهيمن عليها الأكراد كمحمية للولايات المتحدة، ومنطقة تسيطر عليها فصائل المعارضة تُعتبر محمية لتركيا. إلا أن الأسد لا يتمتع بسيطرة إقليمية كاملة على المناطق التي يوجد فيها وتخضع لحكمه بالاسم فقط، وجيشه ضعيف ومتواضع القدرات، ويعتمد في بقائه على الدعم الإيراني والروسي. 

نتيجة لذلك، أصبح الداعمون اليوم هم الشركاء الكبار، مما يعني عملياً أن الإيرانيين ووكلاءهم من الميليشيات يسيطرون اليوم على المعبر الحدودي الجنوبي الشرقي بين العراق وسورية في البوكمال، وعلى الطرق المؤدية منه إلى الغرب، ولا تدخل قوات النظام السوري إلى هذه المنطقة إلا بإذن من الإيرانيين. بالتالي فإن جنوب سورية يشكل حلقة في سلسلة السيطرة الإيرانية المتجاورة الممتدة من إيران عَبْر العراق وسورية إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط. ولا تُبدي إسرائيل أيّ اهتمام خاص بالأسد بأي شكل من الأشكال، باستثناء سعي قواته إلى تسهيل أو مساعدة أو الدفاع عن مسار نقل الأسلحة الإيرانية من العراق إلى لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله. 

الاهتمام الإسرائيلي 

لدى إسرائيل اهتمام شديد بأنشطة إيران على الأراضي السورية، وتسعى لتعطيل هذا الجهد، ففي الأسابيع الأخيرة، ظهر هذا الاهتمام من خلال تحقيق إسرائيل -على ما يبدو- إنجازات كبيرة ضدّ "محور المقاومة" باستخدام قوتها الجوية على الأراضي السورية. 

قد لا تحمل الأسماء على هذه القائمة الشهرة ذاتها لزعيم حزب الله حسن نصر الله أو إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، لكنها تمثل شخصيات بارزة، ويُعَدّ الغياب المفاجئ لتلك الشخصيات مساهمة كبيرة في الفوضى التي يبدو أنها تسود هذا المعسكر الإقليمي حالياً. وتشمل القائمة علي موسى دقّوق، وهو عنصر مخضرم في حزب الله اللبناني، واسمه معروف للأمريكيين الذين خدموا في العراق، فخلال سنوات التمرد الشيعي ضدّ القوات الأمريكية وحلفائها في ذلك البلد، كان دقّوق منسقاً رئيسياً وذراعاً إيرانياً في العمليات. 

وتعتقد الولايات المتحدة أنه كان قد شارك في هجمات مميتة على الجنود الأمريكيين. ووفقاً للتقارير الإعلامية السورية، قُتل دقّوق في غارة جوية إسرائيلية على حي السيدة زينب في دمشق في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر. 

كما أدت غارة جوية إسرائيلية هذا الأسبوع في منطقة القصير إلى تصفية عنصر رفيع آخر من حزب الله اللبناني. وتُعَدّ منطقة القصير، الواقعة في منطقة الحدود "السورية-اللبنانية"، ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لطريق الأسلحة الإيراني إلى لبنان. كانت القصير موقعاً لمعركة شرسة في الحرب السورية، تمكَّن فيها حزب الله من الانتصار على الثوار السوريين. هذا الأسبوع، استهدفت غارة جوية إسرائيلية موقعاً في تلك المنطقة، أسفرت عن مقتل سليم عياش، وهو عنصر من عناصر حزب الله مُدان غيابياً باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في عام 2005. 

كما تم أيضاً تصفية العديد من الشخصيات البارزة في حزب الله في سورية في الأسابيع الأخيرة؛ حيث تم اغتيال محمود شاهين، الذي كان يرأس شبكة الاستخبارات التابعة لحزب الله في سورية، وكان مشاركاً في جهود الدفاع الجوي، في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر. وأبو صالح، الذي كان يرأس وحدة 4400 التابعة لحزب الله والمسؤولة عن الإشراف على تمويل الحزب من مبيعات النفط الإيراني، قُتل في غارة دقيقة في 22 تشرين الأول/ أكتوبر في دمشق. كذلك أدهم جحود، أحد مسؤولي حزب الله في منطقة القنيطرة والمسؤول عن الأنشطة الاستخباراتية للحزب في هذه المنطقة المهمة، قُتل في غارة جوية إسرائيلية في 10 تشرين الأول/ أكتوبر، إلى جانب حسن جعفر قصير، صهر زعيم حزب الله الراحل نصر الله، الذي قُتل في دمشق في 3 تشرين الأول/ أكتوبر. 

الفوضى تعصف بحزب الله 

تعكس هذه القائمة مدى اختراق الاستخبارات الإسرائيلية لسورية ولحزب الله، وكذلك المدى الذي وصل إليه تعامُل إسرائيل، منذ اندلاع الحرب قبل عام، مع سورية كجزء لا يتجزأ من التحالف الذي أصبحت تل أبيب في حالة حرب معه حالياً، متجاهلةً القواعد الضمنية السابقة للتعامل مع دمشق. وتُظهر عمليات الاغتيال الأخيرة أيضاً الفوضى النسبية التي وصل إليها حال حزب الله وحلفائه في مواجهة الحرب والضغوط الإسرائيلية المستمرة. 

يتوافق هذا مع تقارير من مصادر أخرى، تُفيد بأن مسؤولي حزب الله وعائلاتهم وصلوا إلى العراق بأعداد كبيرة في الأسابيع الأخيرة. فهناك يتم إيواؤهم، بمساعدة رفقائهم في الميليشيات الشيعية العراقية، في المدن الشيعية المقدسة في النجف وكربلاء. ويبدو أن هذه هي الأماكن الوحيدة التي يشعرون فيها بالأمان من إسرائيل. 

وقد اقترح بعض المراقبين أن الفوضى النسبية الحالية في "محور المقاومة" تدفع رئيس النظام السوري إلى محاولة الابتعاد عن هذا المحور؛ حيث نشرت صحيفة العربي الجديد هذا الأسبوع مقالاً جمع الأدلة على هذا الموضوع، وأشار إلى الانخفاض الأخير في تهريب الكبتاغون إلى الأردن، بما يتماشى مع طلبات كل من الأردن والإمارات. كما يعكس قرار المملكة العربية السعودية بإعادة فتح سفارتها في دمشق رغبة لا شك فيها لدى دول الخليج المؤيِّدة للغرب في إنهاء الحرب السورية واستخدام الحوافز الاقتصادية لإغراء الأسد بالابتعاد عن حلفائه، وتجري حالياً جهود وراء الكواليس، بقيادة الإيطاليين، لإعادة العلاقات بين النظام وأوروبا. لكن أي آمال في أن يقوم الأسد بقطع علاقاته بشكل حاسم مع إيران يجب أن تكون محطّ شكّ. 

ولكن يظلّ الدكتاتور السوري مديناً لطهران لبقائه على قيد الحياة خلال الحرب السورية. ومن المؤكد أنه يدرك تماماً أنه لو كان قد واجه الربيع العربي وهو متحالف مع الغرب، لكان مصيره على الأرجح مشابهاً لمصير قادة استبداديين آخرين مثل زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، فضلاً عن ذلك صمد النظام السوري لمدة نصف قرن؛ لأنه استغل الصراع مع إسرائيل والغرب، (مع إبقاء الباب مفتوحاً قليلاً لاحتمالية التوافُق في المستقبل). 

إن المساعي الخليجية والغربية تُمكِّن النظام السوري من الاستمرار في اتباع هذا النمط؛ فالتخلي التامّ عن الإيرانيين سيمثّل قطيعة كبيرة مع نموذج كان قد خدم عائلة الأسد بشكل جيد. لذلك فإن أيّ قطيعة من هذا القَبِيل تظلّ غير مرجَّحة، ويبدو أن الوضع الحالي للنظام -كوصف جغرافي أكثر من كونه دولة- سيظل كما هو في المستقبل المنظور. هذا يعني أنه من المرجَّح أن تظل سورية أيضاً ساحة تستطيع فيها الطائرات الإسرائيلية التي تعمل على تنفيذ ضربات في إطار قائمة طويلة من الأهداف الإيرانية وحزب الله في البلاد تصيُّدَ المزيد من تلك الأهداف. 



ترجمة: عبد الحميد فحام        
المصدر: جيروزاليم بوست