تنظيم الدولة وآفاق الرؤية.. قراءة تحليلية لكلمة "أبو حمزة القرشي"
Eki 22, 2020 4301

تنظيم الدولة وآفاق الرؤية.. قراءة تحليلية لكلمة "أبو حمزة القرشي"

Font Size

 

نشرت مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامي التابعة لتنظيم الدولة في 18 من تشرين الأوّل/ أكتوبر تسجيلاً صوتيًّا للمتحدّث باسم التنظيم "أبو حمزة القرشي" بعنوان: "فاقْصُصِ القَصَصَ لعلّهم يتفكّرون" تحدّث فيها مدّة اثنين وثلاثين دقيقةً حول موضوعات مختلفة. 
تميّزت هذه الكلمة بعدة فروق عن كلمات القرشيّ السابقة؛ إذ تحلّ –بدايةً- في الذكرى السنوية الأولى –بحسب التأريخ الهجري- لمقتل أبي بكر البغداديّ ونائبه أبي الحسن المهاجر الذي كان يشغل –كذلك- منصب المتحدّث الرسميّ باسم التنظيم. 
إضافة إلى هذه النقطة الأساسية، فقد اتّصَفت الكلمة الرابعة للقرشي بالشمول والحرص على الإشارة إلى أبرز الملفّات التي تنشط فروع التنظيم لتحقيقها في مناطق انتشارها، بدءًا من أفغانستان، مرورًا باليمن والقتال ضد تنظيم القاعدة وميليشيات الحوثيين فيه، وكذلك نشاط التنظيم في العراق وسوريّة وسيناء وشماليّ إفريقيا، وصولاً لدول إفريقيا الجنوبية الشرقية –الصومال وموزمبيق- والوسطى –تشاد ونيجيريا- والغربية –مالي والنيجر وبوركينا فاسو-.   

الجديد في إعلام التنظيم "ساحة انتظار" 
على خلاف إعلام تنظيم القاعدة وبياناتها المتأخّرة عادةً عن مواكبة الأحداث الجارية، فإن الإعلام المركزيّ لتنظيم الدولة يسيطر على الساحة الافتراضية لـ "جهاد المواقع الإلكترونية" فأخباره اليوميّة ما زالت مصدرًا وموضوعًا لكثير من الباحثين في شؤون الجماعات الجهاديّة والقنوات الإعلاميّة، بينما تأخّرت "القاعدة" عن تأبين أبي عياض التونسي قرابة شهرين وتأخرت في التعليق على الوباء المستجد "كورونا" عدة شهور. 
الكلمة الجديدة هي الرابعة للقرشي منذ تولّيه منصب المتحدّث باسم التنظيم في 31 تشرين الأوّل/ أكتوبر عام 2019، حيث أكّد مقتل البغدادي وتعيين أبو إبراهيم القرشي الهاشميّ، بينما ركّزت الكلمة الثانية له -في كانون الأول/يناير 2020- حول "أولوية المرحلة القادمة، وقتال اليهود والدعوة لاستخدام الأسلحة الكيماويّة ضدهم" فيما كانت الكلمة الثالثة في أيار/ مايو 2020 حول الأمور العظيمة التي تحدث في العالم، والتصريح بالعداوة لقطر وتركيا والدعوة لاستهداف مصالحهم والاقتتال مع تنظيم القاعدة في دول الساحل والصحراء الإفريقية. 
عديدةٌ هي الأمور التي جرت إثر الكلمة الثالثة، كالهجوم على سجن جلال آباد في أفغانستان، وتصاعد حراك التنظيم في موزمبيق وسيطرته على عدد من الجزر والموانئ فيها، إضافة إلى نشاطه المتنامي في باديتي العراق وسوريّة إضافة إلى الأحداث المتتالية في المنطقة كإصدار قسد قرارًا يقضي بإخراج قاطني مخيّم الهول منه إضافة إلى التغيّر السياسيّ الأبرز في المنطقة –أي اتفاق التطبيع الإماراتي/الإسرائيلي في أيلول/سبتمبر 2020- ممّا أعطى إشاراتٍ مسبَقةً عن أهمّية الكلمة التالية التي سيتوجّه بها التنظيم لأنصاره.  

رمزيّات متأصّلة وألقابٌ مستحدَثة 
أتخِمَت الكلمة الجديدة باختزالات وأوصاف جديدة لها رمزيّتها في التكوين الفكريّ للتنظيمات الجهاديّة، إضافة إلى تكرار الرمزيّات والمصطلحات المعتادة، كالطاغوت والدعوة لتحكيم الشريعة وقتال "اليهود" والعمل على إقامة "الدولة الإسلامية" والتعهّد بأن تكون دولة التنظيم هي "الباقية" وأن تزول غيرها من جماعات الجهاديين والدول "الطاغوتيّة". 
يسلّط نصّ المتحدّث الرسميّ الضوء بشكل خاصّ على منطقة الخليج العربي، واصفًا دولها بـ "دويلات الخيانة" التي تعمل على تطبيع علاقتها مع "الاحتلال الإسرائيلي" ويتوجّه إلى علماء الدين في السعوديّة ليصفهم بـ "حمير العلم"، ومن ثمّ لتنتقل هذه الصفة إلى مجموعات التنظيم وأنصاره بسرعة بالغة، فينقلب "العلماء" الرافضون لنهج التنظيم من "علماء الطاغوت" إلى "حمير العلم" وسحرة الفراعنة الجدد، ثم يوجّه لشيوخ العشائر في سوريّة تحذيره بالابتعاد عن قوات سورية الديمقراطية ونظام الأسد وحلفائه، واصفًا إياهم بـ "رؤوس الردّة"، متعهّدًا في الآن ذاته بالاستمرار بتصفيتهم ما استمرّوا على نهجهم الداعم لخصوم التنظيم. 
يتنقّل خطاب المتحدّث بإطار التنظيم الفكريّ المعهود إلى مساحات مختلفة، فيعلّق على كثيرٍ من الوقائع بأوصافٍ مستحدَثة، فـتصبح ولاية سيناء "الصخرة الكؤود" وتتحوّل موزمبيق إلى "أرض الفتوحات" بينما يستغنَى -في هذه الكلمة- عن لقب "المرتدّين" في حق خصمه الجهادي –أي القاعدة- ويستحدث لها لقب "تنظيم القاعدين عن الجهاد" في إطار الاستقطاب للتنظيم ووسمِ خصومه بالأوصاف المنفّرة التي تمنع حديثي العهد بالفكر الجهادي من الانضمام إليها.  

حراكُ التنظيم، مسوّغات وآفاق  
بدأ القرشي كلمته بآيات قرآنية مختلفة، في سياق إسقاط تفسيرها على الواقع الحالي، وطريقة التعامل مع حكّام مختلف الدول المذكورة في الخطاب كالإمارات والسعودية و"علماء السلاطين". 
ناشد التنظيم أنصاره بتصعيد التحرّك الفرديّ في دول الخليج العربيّ، وحدّد لهم الأهداف الأهمّ في هذا الإطار، وهي خطوط نقل الطاقة والنفط، واستهداف السيّاح الأجانب عامّة والإسرائيليين خاصة، إضافة لاستهداف المصالح الاقتصاديّة في إطارها العام. 
إلى جانب هذا الأفق الافتراضي لحراك التنظيم المستقبليّ، نلحَظ مناشدة التنظيم أنصاره على استهداف المصالح الاقتصاديّة لمختلف الدول الأوروبّيّة في إفريقيّة إضافة لتصعيد استهداف المنظمات الأجنبية العاملة في مجالات الإغاثة فيها، نظرًا لعملها على نشر الديانة المسيحيّة من خلال العمل الإنساني، بالتوازي مع إشارته لضرورة استقطاب عناصر جدد إلى صفوفه، والتكثيف لإعلانات البيعة له. 
منذ الخطاب الأخير للبغداديّ إلى الخطاب الأخير للقرشيّ، فإنّ التعهّد بالعمل على إطلاق سراح معتقلي التنظيم وحثّهم –إلى جانب ذلك- على الصبر هي القضية المكرّرة بشكل بارز، ومن ثمّ نجد التنظيم في خطابه يحث جميع فروعه على استهداف سجون أعدائهم وإطلاق سراح المعتقلين فيها، لما لذلك من آثار مباشرة على مرونة التنظيم وازدياد خبراته وكوادره. 
من المرجّح أن تكون دعوة التنظيم هذه –بعد عام من مقتل قائده السابق- مؤشرًا على نطاقات العمل المستقبليّة، بحيث تتوازى أنشطة الحراك العسكري في مناطق الاشتباك، مع محاولة التوسّع والاستقرار شرقي إفريقيا، وتكثيف دعوات التجنيد بتصعيد الاستقطاب والعمل الإعلامي إضافة إلى توسيع هجمات "الذئاب المنفردة" في دول الإقليم بدءًا من تركيّا وصولاً لقطر والمملكة السعوديّة.  

ختام الربع الأخير، ما الذي ينتظره التنظيم؟  
من الملفت أن تكون الكلمة الأخيرة في نطاق الربع الأخير من عام 2020، ومن ثمّ نلاحظ التنظيم يحرّض أنصاره على استغلال فرصة التغيّرات العالميّة للإقدام على هدم الدول وضرب مشاريعها الاقتصاديّة والإسهام في هزّ الأنماط الاستراتيجيّة لتشكّل الواقع، من خلال التحرّك المستمرّ للتوسّع المكانيّ، ومحاولة تنفيذ اختراقات مستمرّة للنسيج الأمنيّ في دول الطوق داخل الشرق الأوسط، إضافة للعمل على استقطاب المزيد من العناصر، وتعزيز الكوادر بالخبرات من خلال حملات إطلاق سراح المعتقلين. 
ختامًا، فإنّه من المتوقّع –في هذا الإطار- أن تستمرّ وتيرة هجمات التنظيم بالتصاعد، وبالرغم من ترجيح عدم البدء في العمليّات العسكريّة ضد مصالح الدول المذكورة على نحو مستعجَل أو فوريّ، إلا أنّه يمكن التنبّؤ بالإطار المستقبليّ لاستراتيجية التنظيم الأمنية والعسكريّة على المدى البعيد، بالارتكاز على الخطابات السابقة للناطق الحالي باسم التنظيم، والتي تتمثل بالتأكيد على رمزية "الدولة الباقية" و"ضرورة تحرير فلسطين من الاحتلال"  كإطار استراتيجي، إلى جانب الاستعداد لاستهداف مصالح الجماعات الإسلامية والجهادية المنافسة، بالتوازي مع تثبيت الحضور الأمني والعسكري في الدول التي تنشط فيها خلاياه، خاصة العراق وسورية وشمالي مصر، إضافة إلى نيته البدء بالتحرك ضد الدولِ التي حددتها خطاباته المتتالية.  

 

جميع المقالات والاوراق التي تنشر في قسم آراء تعبر عن رأي كتابها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر المركز. 

Araştırmacılar