النظام السوري يعيد رسم المشهد الديني وينهي خصوصية السنة للإفتاء
تحت المجهر | النظام السوري يعيد رسم المشهد الديني وينهي خصوصية السنة للإفتاء
أصدر النظام السوري يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 المرسوم التشريعي رقم 28 لعام 2021، القاضي بتعزيز دور "المجلس العلمي الفقهي" وتوسيع صلاحياته، وإعادة تشكيله بممثلين من وزير الأوقاف ونوابه، والقاضي الشرعي الأول، ورئيس اتحاد علماء بلاد الشام، وخمس داعيات نساء، وممثلين عن كلية الشريعة، وممثل عن جامعة بلاد الشام، وممثل عن الشباب، وثلاثين رجل دين من كافة المذاهب الإسلامية.
كما ألغى المرسوم الجديد الفقرة (هـ) من المادة 3 من القانون رقم 31 لعام 2018 الناظم لعمل وزارة الأوقاف، وألغى الفصل التاسع من الباب الثالث المتضمن المادة 35 من القانون المذكور.
وهو ما يعني إلغاء منصب المفتي العام للجمهورية، وإلغاء منصب مفتي المحافظات، وإناطة مهام الإفتاء للمجلس العلمي الفقهي، بحيث يستند في ذلك على الأدلة المعتمدة في الفقه الإسلامي بمذاهبه كافة، ووضع الأسس والمعايير والآليات اللازمة لتنظيمها وضبطها.
ومما ساعد في الانتقال لهذه الخطوة أنَّ المفتي لم يعد له ذلك الحضور منذ أن أصدر النظام القانون رقم 31 في تشرين الأول/أكتوبر 2018 والذي أعطى صلاحيات أوسع لوزارة الأوقاف، وأبقى منصب المفتي شكلياً؛ يقتصر على المشاركة في المناسبات الدينية الرسمية فقط. وبعد أن فقد المفتي حسون بظهوره الإعلامي آخر ما تبقى من رصيده في الوسط الديني المتأثِّر أساساً بالنزعات المناطقية في سورية، ليأتي استبعاده بعد سابقة غير معهودة في النظام، وهي أن أصدرت المؤسسة الرسمية بياناً في الرد على المفتي -وإن لم يذكر البيان اسمه- بعد تفسيراته الغريبة للقرآن الكريم بما يخدم التملق السياسي للنظام، وبالطبع فبيان الرد من المؤسسة الدينية الرسمية ليس غيرةً علميةً، لكنَّها فرصة لخلق المناخ المناسب لهذه التغييرات.
إنَّ قرار إلغاء منصب الإفتاء صاحَبَهُ قرارٌ آخرٌ بتوسيع صلاحيات المجلس العلمي الفقهي الذي تأسّس عام 2018 بموجب القانون رقم 31، وبشكل واضح يساهم المجلس في الهيمنة الإيرانية على المؤسسة الدّينية بكسر التمثيل السني لمرجعية الإفتاء، فالمستهدف إذاً ليس المفتي بشخصه وإنما المنصب برمزيته والمعروف تاريخياً أنَّه مخصص للمرجعية السنية.
والمجلس العلمي الفقهي يضمُّ رجال دين من المذاهب والطوائف المختلفة، ففيه أعضاء من السنّة، ومن مراجع الشّيعة الإماميّة، ومشايخ العقل الدروز، ومشايخ العلويين.
وهذا المرسوم كما يلغي اختصاص السنَّة بمنصب الإفتاء والمفتين هو كذلك إلغاء لهيمنة مرجعيّة المذاهب السنية الأربعة في الفتوى وقوانين الوقف وقوانين الأحوال الشخصيّة في سورية، وأصبح حالياً من الممكن أن يتم الاستمداد الواسع من المذهب الجعفري الإثني عشري كما هو منصوص عليه في المرسوم، إلى جانب تعميم العلوية والدرزية والإسماعيلية كمذاهب إسلامية وليست طوائف أو أقليات في سورية.
كما لا يمكن إغفال أثر تغييرات المشهد الديني في دعم تمدُّد المرجعية الشيعيَّة، لتغدو مرجعيَّة رسمية رئيسية تتحرَّك في الواقع السوري بقوة القانون، وتحضر في كلِّ الإصدارات الإفتائية والتشريعات القانونيّة، خصوصاً في قانون الأوقاف وقانون الأحوال الشخصية.
وهذا يعكس مدى التوغل الإيراني في المؤسسات الشرعية والقانونية التي تخضع لمرجعية المذاهب السنية مما ينبئ أنّنا أمام مرحلة بالغة الخطورة من المحو الهوياتي بعد التغيير الديمغرافي الذي جرى خلال السّنوات العشر الأخيرة.
إنّ إسناد مهمّة الإفتاء في سورية للمذاهب والطوائف المتعدِّدة بهذا الشكل هو سابقة، وهو إعلان رسمي من النظام على أنَّ السنة في سورية لم يعودوا هم الأكثرية، بل هم مجرَّد مذهب من المذاهب الأخرى المتساوية فيما بينها، وبالتالي فالحالة السياسية في سورية ليست أنَّه نظام أقلَّوي يحكم أكثرية، وإنَّما هو نظام علماني يحكم مجتمعاً متعدِّدَ الطوائف والمذاهب.
وهنا قد تختلف أجندة النظام وروسيا في هذا التعديل عن أجندة إيران، فبينما يريد النظام إلغاء الصبغة السنيَّة وترسيخ فكرة المجتمع المتعدِّد، تسعى إيران إلى التغوُّل وإصباغ المشهد الديني باللون الشيعي القاتم، وهذه الأجندة الإيرانية كان حسون جزءاً منها، فيما أجندة النظام الأولى تمثلها اليوم وزارة الأوقاف في حكومة النظام، ولا تعارُضَ في ذلك؛ حيث المجلس العلمي الفقهي يوفِّر الدور المُرضِي للمرجعيات الإيرانية، لكن بشكل مؤسَّساتي ومتوازن يناسب أيضاً باقي الأطراف المحليَّة وفي مقدمتهم العلويين والدروز، والخارجيَّة وأهمُّهم روسيا.
وحدة التحليل والتفكير - مركز جسور للدراسات
للإشتراك في قناتنا على التيليغرام اضغط هنا