القضية السورية في الانتخابات الرئاسية التونسية
Eyl 03, 2019 2290

القضية السورية في الانتخابات الرئاسية التونسية

Font Size
تمهيد 
شكّل إعلان الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي يوم 4 فبراير/شباط 2012 عن طرد السفير السوري بتونس، وسحب أي اعتراف بالنظام الحاكم في دمشق، ودعوة بشار الأسد للتنحي عن السلطة، لحظة مهمة لدى السوريين، مثلما شكّل لحظة فارقة في المشهد السياسي التونسي المعاصر. 
وبقي النقاش حول إعادة العلاقات مع دمشق حيّاً في المشهد التونسي طوال السنوات السابقة، حيث يعود لدائرة الضوء بين وقت لآخر بحسب الأحداث الداخلية والخارجية. 
وأدّت الدعوة للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها، والمقرر إجراء جولتها الأولى يوم 15 أيلول/سبتمبر 2019، إحياء هذه القضية، باعتبارها واحدة من أبرز قضايا السياسية الخارجية التي يتعيّن على المرشّحين التعبير عن آرائهم بخصوصها.
ويتناول هذا التقرير أسباب حضور هذه القضية في الشأن السياسي التونسي عموماً، والانتخابات الرئاسية الحالية، ومواقف المرشحين منها، والتوقعات المحتملة لواقع العلاقة مع سورية بعد الانتخابات. 
 
مسار إعادة العلاقات مع سورية 
رغم إعلان الرئيس الأسبق منصف المرزوقي عن قطع العلاقات مع سورية بداية عام 2012، إلا أن العلاقات رسمياً لم تنقطع، لأن الرئاسة التونسية لم تقم آنذاك بالإجراءات الرسمية اللازمة لتفعيل القرار وفق اتفاقية فيينا، والتي تقتضي إعلام الأمم المتحدة بالقرار(1). وبقي الموظفون الإداريون في القنصلية التونسية على رأس عملهم طوال الوقت، لكن دون وجود دبلوماسيين.  
وفي 4 أيلول/سبتمبر 2015، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية التونسية إعادة فتح قنصليتها العامة في دمشق. واعتبر الطيب البكوش وزير الخارجية آنذاك أن وجود قنصل في دمشق ضروري لمصالح الجالية التونسية هناك، "لأن الموظف الإداري لا يكفي في هذه الظروف، فللقنصل صلاحيات أوسع وأشمل مما لدى الموظف الإداري"(2).
وقد فشل مجلس النواب التونسي في 20 تموز/يوليو 2017 في تمرير مقترح قرارٍ لإعادة العلاقات مع سورية. كما فشلت مساعٍ قادها الرئيس السابق الباجي قايد السبسي نهاية عام 2018 لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية، قبيل القمة التي استضافتها تونس نهاية آذار/مارس 2019، نتيجة رفض أمريكي لمثل هذه الخطوة.
أهمية القضية السورية في الشأن السياسي التونسي 
تحظى القضية السورية بحضور كبير في المشهد السياسي التونسي، بشكل يفوق حضور قضاياً في دول مجاورة، كالقضية الليبية مثلاً. وينعكس هذا الحضور في دفع المرشّحين للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها منتصف أيلول/سبتمبر لاتخاذ موقف من إعادة العلاقات مع سورية، كقضية رئيسية، وأحياناً وحيدة، في بنود السياسة الخارجية للمرشحين. 
ويعود هذا الحضور لأسباب عديدة، بعضها حقيقي، وبعضها الآخر مما يستخدم في الخطابات السياسية والإعلامية في تونس. ويمكن إجمالها فيما يلي:
1) الحضور الإيراني في المشهد السياسي
تحظى إيران بشبكة كبيرة من الحلفاء المحليين في تونس، والذين يعتقد أنها تقوم بدعم معظمهم. وتتكون هذه الشبكة من أحزاب يسارية وقومية في الغالب(3)، وتشارك هذه الأحزاب في شبكات الأحزاب العربية والإسلامية التي تدعم ما تُسمّيه إيران بـ"محور المقاومة"، كما أن الكثير من شخوصها عاشوا ودرسوا في سورية ولبنان في فترة ما من حياتهم، وتَدرّب بعضهم على السلاح هناك. 
ويُلاحظ أن معظم هذه الأحزاب هي من الأحزاب غير المؤثرة، والتي لا يضم بعضها سوى عشرات من الأفراد، لكنها تنشط بشكل كبير إعلامياً وسياسياً، كما أنها تستغل منصات مجتمعية مهمة، مثل الاتحاد التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إضافة إلى تمثيلها الكبير في وسائل الإعلام عبر أفراد منتمين لها أو مؤمنين بأفكارها.  
وتدعم هذه الأحزاب بطبيعة الحال عودة العلاقات مع سورية نظاماً ودولة، لأسباب أيديولوجية ومصلحية، وتدعم موقف النظام السوري بكل جوانبه، وتعتبر أن كل ما يجري في سورية مؤامرة كونية تستهدف سورية، لإسقاط "النظام المقاوم" فيها، "لاستبداله بكيانات ضعيفة في خدمة الكيان الصهيوني، وفي خدمة الاستراتيجية الإمبريالية الاستعمارية الجديدة، وتفتيت الوطن العربي وتقسيمه على أسس مذهبية واثنية ودينية"(4)
وينتمي إلى هذا المعسكر عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية المقبلة. أهمهم حمة الهمامي الناطق الرسمي السابق باسم الجبهة الشعبية، ومنجي الرحوي مرشح الجبهة الشعبية. 
2) رمزية قطع العلاقات مع سورية عام 2012
مثّل قطع العلاقات مع سورية واحداً من أبرز مفاصل السياسة الخارجية لحكم الترويكا، والذي امتد من تشرين الثاني/نوفمبر 2011 وحتى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، إذ اعتبر من القوى المناهضة للثورة سعياً من الإسلاميين (النهضة) والثوريين (محسن مرزوق) دعماً لثورة السوريين غير المرحب بها لديهم، واعتُبر من قبل اليساريين والقوميين مجاراةً من حكومة الترويكا لقوى الغرب، وإضعافاً للقرار الوطني المستقل. 
ويستدلّ هؤلاء في موقفهم بأن القرار جاء قبيل انعقاد مؤتمر أصدقاء سورية في تونس، في 24 شباط/فبراير 2012، والذي حضرته وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون. 
ونظراً لتلك الرمزية التي حصلت عليها خطوة قطع العلاقات آنذاك، فإنّ المطالبة بإعادة العلاقات مع سورية تمثّل بالنسبة لتلك الأطراف محاولة لمحو آثار حكم الترويكا وتجاوزه، ومحاولة التمايز عما تمثله، سواء على المستوى المحلي أو الخارجي. 
3) المقاتلون التونسيون في داعش
تُشير التقديرات إلى أن حوالي 3,000 تونسي سافروا للقتال في سورية، في الفترة من 2011 إلى 2013. انضمّ معظمهم إلى جبهة النصرة، ثم التحقوا بتنظيم داعش فور تأسيسه(5). ولا يعرف مصير هؤلاء الآن، إذ يعتقد أن كثيراً منهم قد قُتل خلال السنوات السابقة، أو فرّ أو تخفّى، فيما تحتفظ قوات سورية الديموقراطية بمعظم من وقعوا في الأسر منهم.  
وقد أنتج خصوم الترويكا خلال السنوات السابقة سردية تتهمها بالتغاضي أو حتى المشاركة في إرسال المقاتلين إلى سورية. وتوجّهت هذه التهمة بشكل خاص نحو حركة النهضة، وتم دعم هذه السردية باعترافات لتونسيين بثّها التلفزيون السوري في مراحل متعددة، وذكروا فيها أن كوادر في النهضة قاموا بتحريضهم وتسهيل سفرهم(6)
وقد اضطرت حركة النهضة إلى نفي هذه التهمة في أكثر من مناسبة. ففي 30/8/2019 قال راشد الغنوشي رئيس الحركة: " نحن مع الثورة في سورية، لكن النهضة لم ترسل جهاديين إلى هناك، ولم تُحرّض الشباب التونسي على الذهاب إلى سورية"(7).
ويُستخدم هؤلاء المقاتلون في المشهد السياسي التونسي في أكثر من مستوى، فمن ناحية، يتم استخدامهم لاستهداف حركة النهضة، وحتى المرزوقي نفسه، ومن ناحية أخرى، تُستخدم كمبرر لإعادة العلاقات مع سورية، على اعتبار أن عودة العلاقات سوف تمكّن الدولة التونسية من استعادة المقاتلين، رغم أن معظم من وقعوا في الأسر منهم ليسوا تحت سيطرة النظام السوري أصلاً. 
4) رعاية الجالية التونسية في سورية
تستخدم الأطراف السياسية التونسية مسألة رعاية الجالية التونسية في سورية على نطاق واسع، كمبرر لإعادة العلاقات مع سورية. وقد اعتبر وزير الخارجية التونسي السابق الطيب البكوش أن أهم دوافع فتح القنصلية التونسية في دمشق، والذي تمّ يوم 4 أيلول/سبتمبر 2019، هو الاطلاع على أوضاع الرعايا التونسيين هناك ومساعدتهم(8) .
ويُلاحظ أن عدد التونسيين في سورية لا يزيد عن 1700 شخص(9)، وأن تونس لا تملك علاقات دبلوماسية مع كثير من الدول الأفريقية التي يتواجد فيها تونسيون بأعداد أكبر. 
 
مواقف المرشحين من إعادة العلاقات مع سورية 
يمكن تقسيم المواقف الرئيسية للسياسيين التونسيين فيما يتعلق بالموقف من إعادة العلاقات مع سورية إلى أربعة مواقف رئيسية: 
1. إعادة العلاقات مع الدولة والنظام: ويضمّ هذا المحور كل المؤيدين للنظام السوري في تونس من الأحزاب اليسارية والقومية، والذين يرون أن قطع العلاقات كان ارتهاناً للغرب، ومشاركة في "الحرب الكونية" على سورية، وأن على تونس أن تُعيد العلاقات مع سورية إثباتاً لاستقلالية قرارها الوطني. 
2. إعادة العلاقات مع الدولة: ويدعو هذا المحور إلى إعادة العلاقة مع الدولة السورية، رغم ما قد يكون هناك من تحفظات على سلوك النظام السوري وطريقة تعامله مع شعبه، وأن إعادة العلاقة مع الدولة تسمح بالتعاون الأمني، ومعالجة ملف المقاتلين التونسيين في داعش، وغيرها من الملفات. وقد مثّل هذا النهج الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، ويتبناه الآن عملياً معظم الأحزاب الرئيسية في البلاد. 
3. التماهي مع الموقف العربي: حيث يدعو هذا الموقف إلى التماهي مع جامعة الدول العربية ومواقفها بشأن الأزمة السورية، وأن يكون قرار إعادة العلاقات التونسية منسجماً مع السياسة العربية في هذا المجال. وهو موقف حركة النهضة بصورة أساسية. 
4. رفض إعادة العلاقات مع الدولة والنظام: حيث يرى هذا الموقف أن قرار قطع العلاقات مع سورية كان صائباً، ولم يستجدّ ما يدعو للتراجع عنه، وأنه كان قراراً موجهاً "ضدّ نظامٍ قتلَ وشرَّد أبناء شعبه"(10)
ومن خلال استعراض مواقف كل المرشحين للانتخابات الرئاسية، والبالغ عددهم (26) مرشحاً، يُلاحظ أن حوالي 70% يؤيدون إعادة العلاقة مع الدولة، فيما يدعو ثلاثة مرشحين لإعادة العلاقة مع الدولة والنظام، ويدعو مرشح واحد للتماهي مع الموقف العربي. فيما يرفض أربعة مرشحين عودة العلاقات مع النظام والدولة (انظر الجدول رقم -1-). 
وينبغي هنا ملاحظة أن بعض المرشحين قد أعلنوا عن مواقفهم بشكل واضح وصريح، مثل وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي ومرشح التيار الديموقراطي محمد عبّو ومرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو، وغيرهم. فيما تم تقدير مواقف بقية المرشحين من مواقف الأحزاب التي ينتمون إليها، أو من مواقف عبّروا عنها قبل ترشّحهم للانتخابات. 
 
 
 
خلاصة 
يحضر الموقف من إعادة العلاقات مع سورية بشكل كبير في المشهد السياسي التونسي، لاعتبارات عديدة، بعضها متعلق بالاصطفافات والولاءات الخارجية لفريق من الأحزاب والسياسيين، فيما يتعلق بعضها الآخر بالمناكفات الداخلية بين الفاعلين السياسيين، بعد أن تحول قطع العلاقات مع سورية إلى رمز لإرث المرحلة التي تلت الثورة. 
ورغم أن الفصل )77(من الدستور التونسي يخوّل رئيس الجمهورية وحده التصرّف في شؤون السياسة الخارجية للبلاد، إلا أن الرئيس السابق الباجي قايد السبسي، والذي قاد جهوداً على المستوى العربي لإعادة سورية إلى الجامعة العربية، لم يقم باتخاذ قرار إعادة العلاقات، ولم يقم حزبه، نداء تونس، بالضغط في البرلمان من أجل تمرير قرار في البرلمان بهذا الخصوص، رغم امتلاك الحزب حتى بداية هذا العام كتلة وازنة وتحالفات مهمة تمكّنه لو أراد من تمرير مثل هذا القرار. 
كما أن ما يبدو من توافق كبير بين كل الأحزاب الرئيسية والهامشية على إعادة العلاقات، إلا أن هذه الأحزاب فشلت في تمرير قرار بهذا الخصوص في البرلمان الذي انتهت صلاحيته، ولا يُعتقد أن البرلمان القادم سيُقدم على مثل هذه الخطوة، بغض النظر عن تركيبته، لاعتبارات عديدة، أهمها تأثير عواصم عديدة على صناعة القرار، وخاصة باريس وواشنطن، وأن النقاش حول إعادة العلاقات مع سورية لا يستند إلى دوافع حقيقية تتطلب الحل، بقدر ما هي شماعة للتعبير عن مواقف للتسويق الخارجي أو الداخلي لا أكثر.  
ولا يُعتقد أن يقوم الرئيس القادم بأي تغيير بخصوص العلاقات مع سورية في المراحل الأولى لتوليه مهام منصبه، وفي الغالب فإنّ هذا القرار سيؤجّل إلى مرحلة مقبلة، ريثما تتغيّر المعطيات الدولية المتعلقة بالأزمة، وخصوصاً فيما يتعلق بالموقف الفرنسي والأمريكي منها. 
 
المراجع: 
1- الجهيناوي: العلاقات الدبلوماسية التونسية السورية لم تنقطع، الصباح نيوز، 30/7/2017
2- تونس تعيد فتح قنصليتها في دمشق، روسيا اليوم، 4/9/2015
3- تضمن قائمة الأحزاب التونسية المؤيدة للمحور الإيراني في المنطقة كلاً من: الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، والحزب الجمهوري المغاربي، والحزب الشعبي للحرية والتقدم، والحزب الاشتراكي التونسي، وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، وحركة الشعب، وحزب البعث العربي الاشتراكي التونسي، وحركة الوحدة الشعبية، وحزب الخضر للتقدم، وحزب الطليعة العربي الديمقراطي، وحزب العمال، وحزب العمل الوطني الديمقراطي، وحزب الوحدة الشعبية، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، والوطنيون الديمقراطيون (وطد)، وحزب النضال التقدمي، وحزب الطليعة العربي الديمقراطي، ورابطة اليسار العمالي، والجبهة الشعبية الوحدوية، والتيار الشعبي، وحركة التجديد، وحركة البعث.
4- حمه الهمامي - الناطق الرسمي للجبهة الشعبية في تونس، قناة الميادين، 4/4/2017 
5-Aaron Y. Zeli, Tunisian Foreign Fighters in Iraq and Syria, The Washington Institute for Near East Policy, November 2018 
6- الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون-سورية، اعترافات الإرهابي التونسي بلحاج أحمد، 28/8/2012
7- حركة النهضة تنفي اتهامات دمشق بإرسال "جهاديين" إلى سوريا، France24، 30/8/2012 
8- عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس ودمشق، الوكالة الوطنية للإعلام، 10/10/2017
9- العلاقات التونسية مع بلدان المشرق العربي، وزارة الشؤون الخارجية-تونس
10-  من تصريح المرشح للانتخابات الرئاسية عن حزب التيار الديموقراطي محمد عبو. انظر: 
ساكن قرطاج، الحلقة 3، محمد عبو، قناة التاسعة التونسية، 27/8/2019
 
 

Araştırmacılar