السلفيّة السوريّة في زمن الثورة "ديناميّات التفاعُل وأفق التعريف"
مقدَّمة
تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على تعريف السلفيّين لذاتهم في الثورة السوريّة ، والوقوف على التفاعلات الفكرية والعقائديّة والتنازعات ذات المرجعيّات المختلفة التي تغلغلت فيها، إضافة إلى محاولة تقديمِ مقاربةٍ تحليليّةٍ في فهم بُنية السلفيّة عمومًا والسوريّة خصوصًا، من خلال رصدِ العوامل التي يسردها "المنتسبون" للسرديّات السلفية ودور هذه السرديّات في الاقتراب من الجماعة السلفية والبعد عنها، والتنازع مع الأطراف الأخرى التي تدّعي تمثيلها لهذه السرديّة ومبادئها، لنحاول من خلال ذلك الوصول إلى أسباب تماسك أفكارِ الجماعات "السلفيّة" من جهة وانقسامها إلى جماعات متشظِّية باستمرار ومتناقضة في الآن نفسه من جهة أخرى، ولا ريب أن هذا الأمر يزداد أهمّيّة حين نجد "التيّار السلفي" –على اختلاف تشقّقاته وتفرّعاته- يستند إلى مرجعيّة فكريّةٍ واحدةٍ.
أهمّيّة الدراسة ومنهجيّتها:
تستند أهميّة البحث إلى الهدف الذي يسعى للوصول إليه –أي فهم بنى الجماعات السلفية وعوامل تشظّيها- ويزيد من أهميته الواقع الذي ترافق مع انطلاقة ثورات الربيع العربي، حيث انطلق التيار السلفي ليقدّم نفسه بشكلٍ أكثر تفاعليّة في مرحلة جديدة من ظهوره وتعامله مع الواقع الميداني، كالدخول إلى ميدان السياسة والعمل الحزبي ثم الانقلاب على المكتسبات الثورية في مصرَ إلى ظهور تنظيم الدولة في العراق والشام وتأسيسها "خلافةً" تمدّدت بشكل "دولتيٍّ" على نحو مفاجئ في مساحات واسعة في العراق وسوريّة وانتهت بالانحسار المتتابع والاختفاء الميدانيّ لاحقًا، إلى ظهور نماذج أخرى من السلفية المحلّيّة والتنظيمات الجهادية المهجّنة بين "الدولة" و"تنظيم القاعدة"، والذي مثّلته تيارات كجند الأقصى وحرّاس الدين، وهيئة تحرير الشام.
تتطَلّب الدراسة منهجيّة دقيقة في الرصد والتحليل والنقاش، ولذا فقد قادنا البحثُ إلى جولاتٍ "نقاشية" مع عدد من الوجوه الرمزية ذات الحضور الكاريزمي في التيّارات السلفية السوريّة على اختلاف توجهاتها وتنوّعاتها، بهدف الوقوف المباشِر على طبيعة المحاججات التي تتبنّاها هذه الجماعات في إثبات "الحقّ" السلفي داخل تيّاراتها نفسها، لنعبُر إثر ذلك إلى أسئلة تشتبك فيها قضايا المآلات والهويّة والتغيّرات والآفاق التي تتوجّه إليها السلفية في سورية؛ حيث إن فهم واقع السلفية في سورية يتطلّب الانغماس المباشر مع تفاصيلها ومختلف تضاريسها لبناء تصوُّرٍ شاملٍ عنها، وللوصول إلى هذه الغاية المهمّة يستلزم اللقاء بأبناء التجربة "السلفيّة" لفهم البنى الفكريّة والسياقات الاجتماعيّة والنفسيّة التي تدفعهم للتوجُّه نحو "التسلُّف"، نظراً لكون الدراسات "السوريّة" حول (السلفيّة المحلّيّة) ما تزال قليلة وموسومة بالانحياز –معها أو ضدّها- غالبًا، ممّا يمنعنا من التوصُّل إلى حقيقة عوامل صعودها واندماجها مع المجتمع -وهو ما تريد هذه الدراسة الوقوف عنده-، إضافةً إلى أنّ التيّار السلفيّ -العلميّ أو الدعويّ، أو التقليديّ- من التيّارات المترسّخة في وعي أعدادٍ هائلة من المسلمين ، وقد دفعت حالة التهميش والتقليل من شأنه إلى معاناة أبنائه المستمرّ جرّاء ذلك، وهو ما يستدعي منا مقاربةً لفهم سعي "السلفية" لخلق "فضاءاتٍ بديلة" في الحضور الافتراضيّ والواقعيّ، في سعي لامتلاك زمام المبادرة أمام دواعي شتى، كترسُّخ مشاعر الاغتراب الذاتي أو البحث عن النقاء الطهرانيّ الروحيّ، أو التمترس خلف "الهويّة النبويّة المتخيَّلة" مقابل وسمهم بالتطرف والإرهاب والوقوف ضد واقع العالم المعاصر ومحاربة إنجازاته.
من هذه المنطلقات "الرصد والتحليل" فإن البحث يسعى لفهم خلفيّات التيارات السلفية وتشعُّبات ارتباطاتها الفكريّة وسياقات ظهورها الاجتماعيّ والمحلّيّ والسياسيّ صورة أوضح لمعنى "التسلّف" وقدرات الانتظام الجماعي ضمنه على التأثير المجتمعي، ولذا تسعى هذه الدراسة إلى رصدِ تمظهرات هذا التيّار في سوريّة في حقبة الثورة والفواعل التي زادت قوّته ومآلاته من خلال التطوّرات الميدانيّة والفكريّة.
ولا بد -في سياق إيضاح منهجيّة الدراسة- من الوقوف على ماضي التجربة السلفيّة السوريّة –على امتداد تاريخها- التي امتلكت مزايا فريدةٍ؛ إذ كان لتيّارها الإصلاحيّ نجاحٌ واضحٌ في الدمج بين "التسلّف" وبين العمل السياسيّ المدني، كما كان لتيّارها المدرسيّ -من خلال آراء الشيخ الألبانيّ ومدرسته- آثار واضحة في إطلاق تيّار السلفيّة العلميّة -في التاريخ المعاصر- التي تتّخذ من العمل الدعويّ والعلميّ سبيلاً لرفض العمل السياسيّ وممارسته في آنٍ معًا، إضافة إلى ذلك فقد كان للمنظّر الجهاديّ أبي مصعب السوريّ في عقدي الثمانينات والتسعينات تأثير واضح في إطلاق العمل الجهاديّ المعولَم والتنظير لأساليبه واستراتيجيّاته العابرة للحدود، كما أنّه لا يمكن أن نعدّ تشكيل بعض فصائل العمل المسلّح السلفيّة سلطتها في ميدان الأمر الواقع بحيث تعمل على تنشئة مجتمع جديد واجتراح هويّة سلفيّة مهجّنة آخر مزاياها بل إحداها.
لقراءة الدراسة كاملةً يمكنكم تحميل نسخة PDF