الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم
Tem 13, 2018 4117

الحكومة السورية المؤقتة الثالثة مراجعة وتقييم

Font Size
أولاً: المقدمة
انتخبت الهيئة العامة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في 17/5/2016 الدكتور جواد أبو حطب رئيساً للحكومة السورية المؤقتة. وحصلت حكومته في 12/7/2016 على ثقة الهيئة العامة للائتلاف، بنتيجة (68) صوتاً من أصل (98) مشاركاً في جلسة الثقة.
وقد أعلن د. أبو حطب عند تكليفه أن الحكومة بجميع وزاراتها ومكاتبها ستعمل في الداخل، وستعتمد على مبدأ المؤسسات والانتشار الأفقي على أكبر رقعة جغرافية ممكنة من المناطق المحررة والمحاصرة.
وكانت حكومة د. أحمد طعمة الثانية قد تقدمت باستقالتها إلى الائتلاف الوطني بتاريخ 28 نيسان/ أبريل 2016.
وشهدت فترة الحكومة الثالثة برئاسة جواد أبو حطب تغيرات كبيرة في المشهد السياسي والميداني مقارنة مع الحكومتين السابقتين، وتمثّلت أهم هذه التغيرات في ظهور الأثر الميداني للتدخل العسكري الروسي، والتدخل التركي في مناطق درع الفرات ثم في عفرين، وخروج المعارضة المسلحة من حلب الشرقية، ثم من ريف حمص وريف دمشق، وأخيراً من درعا. 
ويأتي هذا التقرير بمناسبة مرور عامين على الحكومة المؤقتة الثالثة برئاسة د. أبو حطب لمهامها. ويحاول التقرير قراءة الإنجازات التي حققتها الحكومة خلال هذه الفترة، والإخفقات والتحديات التي واجته، والمآلات الممكنة للحكومة على المدى المتوسط. 
ثانياً: تشكيلة الحكومة
تشكّلت حكومة أبو حطب من ثماني وزارات ونائب لرئيس الحكومة ونائب للشؤون الاقتصادية. وكانت التشكيلة الحكومية الأولى كما يأتي: 
1. د. جواد أبو حطب، رئيساً للحكومة ووزيراً للداخلية والدفاع.
2. م. أكرم طعمة، نائباً لرئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية.
3. عبد الله حمادة، وزيراً للمالية والاقتصاد. 
4. د. محمد فراس الجندي، وزيراً للصحة.
5. د. عبد العزيز الدغيم، وزيراً للتعليم العالي.
6. م. جمال كلش، وزيراً للزراعة.
7. م. عبد الله رزوق، وزيراً للخدمات.
8. د.عماد برق، وزيراً للتربية.
9. د. عبد المنعم الحلبي، وزيراً للمالية.
10. د. يعقوب العمار، وزيراً للإدارة المحلية.
وتم تعيين المستشار حسن بكري بمنصب الأمين العام للحكومة.
وشهدت الحكومة عدّة تغيرات في تشكيلتها. حيث تولى محمد سرور المذيب موقع وزير الإدارة المحلية خلفاً ليعقوب العمار، الذي قُتل في عملية انتحارية استهدفت مخفراً في درعا في 22/9/2016.
كما استقال وزير المالية د. عبد المنعم الحلبي بعد نحو شهر ونصف من تكليف الحكومة، وكلف أبو حطب نفسه بها منذ ذلك الوقت، ليشغل بذلك 3 حقائب وزارة.
ثالثاً: ماذا حققت الحكومة المؤقتة الثالثة؟ 
بدأت الحكومة الثالثة برئاسة د. أبو حطب عملها في ظروف سياسية وعسكرية وأمنية صعبة، ترافقت مع انخفاض معدلات الدعم المقدمة لمؤسسات المعارضة بشكل عام من الدول الصديقة، وانحسار في الوضع الميداني، بما فرض تحديات أكبر على حكومة أبو حطب مقارنة مع سابقتها. 
وقد حدّد رئيس الحكومة عند تكليفه أربعة أهداف استراتيجية لحكومته، وهي: 
1. الحفـاظ على وحدة الأراضي السورية من خلال حماية مكونات المجتمع وهـويته.
2. بناء المؤسسات لاستعادة الدولة من خلال الأنظمة الإدارية وتعزيز قيم الانتماء.
3. دعم استقلالية القرار الوطني السـوري من خلال تنشيط الموارد الذاتية وتفعيلها.
4. تقوية الحكومة وفاعليتها من خلال بناء علاقات وشراكات متوازنة وفعالة.
واعتمدت الحكومة في برنامجها سبع أولويات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية السابقة، وهذه الأولويات هي: 
1. تأمين حماية الهوية السورية والحفاظ على حقوق المواطن وأمنهم، وتقديم الخدمات الأساسية.
2. توحيد الأنظمة الإدارية للمؤسسات الحكومية وتطويرها وبناء قدرتها البشرية.
3. دعم التخطيط الحكومي الشامل، وتعزيز قيمة الانتماء للدولة السورية.
4. استثمار الموارد البشرية المتناثرة والمتوفرة بشكل فعال.
5. استثمار الموارد الوطنية وتكاملها وتنظيم عمليات الاستيراد والتصدير.
6. بناء وتنظيم علاقات فعالة ومتكاملة مع المكونات والمؤسسات الوطنية.
7. تعزيز العلاقة مع الدول والمنظمات الدولية الداعمة.
وقد عمل فريق الإعداد لهذا التقرير على تتبع أداء الحكومة الثالثة خلال عامين من تكليفها، بغية معرفة مدى قدرتها على تحقيق الأهداف والأولويات التي حددها د. أبو حطب عند تكليفه. وبناء على هذا التتبع، يمكن حصر الإنجازات الرئيسية التي تحققت خلال العامين الماضيين فيما يأتي: 
1) الحضور في الداخل
حاولت حكومة د. أبو حطب إثبات حضورها في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بما يتعدى المناطق الشمالية، التي كان للحكومة السابقة حضور مؤسساتي فيها. 
وحقّقت الحكومة حضورها في ريف دمشق (إلى حين خروجها بالكامل عن سيطرة المعارضة في نيسان/ أبريل الماضي) من خلال نائب رئيس الحكومة الذي كان مقيماً هناك، إضافة إلى الحضور في درعا، من خلال وزير الإدارة المحلية السابق د. يعقوب العمار، الذي كان رئيساً لمجلس المحافظة لدورتين قبل تعيينه في الحكومة. واستمر المجلس بالتعامل مع الحكومة المؤقتة باعتباره جزءاً منها، حتى بعد رحيل د. العمّار في هجوم انتحاري. 
ويضاف إلى ذلك حضور الحكومة -بطبيعة الحال- في المناطق الشمالية، التي كانت الحكومة الأولى موجودة فيها أصلاً، إلى أن أُخرجت الحكومة من إدلب في كانون الأول/ ديسمبر 2017، وهو ما سيجري عرضه لاحقاً. 
2) استلام المعابر
قامت الحكومة المؤقتة بعد تفاهمات ومفاوضات مع عدّة فصائل، باستلام وإدارة عدد من المعابر في منطقة درع الفرات بشكل رمزي، ففي 11/10/2017 استلمت الحكومة إدارة معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا بكافة موارده، وذلك بعد اتفاق مع الجبهة الشامية بدعم تركي. وافتتحت الحكومة في 16/12/2017 معبر الراعي الواقع شمالي حلب أمام الحركة التجارية وحركة المدنيين، بإشراف مشترك بين الحكومة المؤقتة والجانب التركي. 
كما أعلنت الحكومة المؤقتة في 11/1/2018 عن افتتاح أول معبر بري بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة النظام عند قرية أبو الزندين في منطقة الباب شرقي حلب، تتبع لأمانة جمارك معبر الراعي، وذلك بعد التنسيق مع النظام من خلال جهة ثالثة.
لكن سيطرة الحكومة المؤقتة على المعابر في الشمال بقيت شكليّة ورمزية، سواء من الناحية الإدارية والتنظيمية، أو من الناحية المالية، وهو ما سيجري توضيحه لاحقاً في سياق هذا التقرير. 
وذكر د. أبو حطب في كانون الثاني/ يناير 2017 أن الحكومة المؤقتة أرسلت طلباً لوزارة الخارجية الأردنية، بخصوص إعادة فتح معبر نصيب على الحدود الأردنية-السورية من أجل تنشيط التبادل التجاري بين البلدين تحت إشراف إدارة مدنية تتبع لها. ولم تقم الحكومة الأردنية بالرد على هذا الطلب. ويذكر أن المعبر خرج عن سيطرة المعارضة المسلحة يوم 6/7/2018، دون أن يُفتح للمعارضة، ودون أن يكون للحكومة المؤقتة أي دور فيه. 
3) تشكيل وزارة الدفاع
لاقت دعوة أطلقها المجلس الإسلامي السوري ورئيس الحكومة السورية المؤقتة د.جواد أبو حطب لتشكيل جيش وطني ووزارة للدفاع في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2017 استجابة عدة فصائل مسلحة، واستمر تكليف د. أبو حطب مؤقتاً بحقيبة وزارة الدفاع، وتشكيل لجنة مفاوضة من الفصائل، من أجل اختيار رئيس أركان للجيش الحر.
وأعلنت الحكومة السورية المؤقتة في 18/9/2017 تشكل هيئة الأركان التابعة لوزارة الدفاع، وتعيين العقيد "فضل الله الحجي" رئيساً للأركان، والعقيد "هيثم العفيسي" نائباً له، وتعيين كل من العقيد "عبد الجبار محمد عكيدي" والعقيد "حسين المرعي" في منصب معاون وزير الدفاع.
وأعلنت وزارة الدفاع في الـ 30/12/2017 تشكيل نواة الجيش السوري الوطني، حيث قام بتلاوة بيان التشكيل نائب رئيس هيئة الأركان العقيد "هيثم العفيسي"، الذي أكد فيه أن انتشار الجيش لن يقتصر فقط على مناطق شمال وشرق حلب، بل سيمتد إلى الأراضي السورية كافة.
كما شكلت وزارة الدفاع وهيئة الأركان في 20/2/2018 محكمة وشرطة عسكرية لشمال وشرق حلب، ومقرها مدينة الباب، وأعلنت أن مهمتها تنحصر بضبط الأمور والمخالفات العسكرية ضمن الفيالق الثلاثة التابعة للجيش الوطني والتنسيق مع المحكمة المدنية واعتماد أصول المحاكمات بما لا يخالف الشريعة الإسلامية ومبادئ الثورة، في حين تكون الشرطة العسكرية هي الذراع التنفيذي للمحكمة.
وقد أصدرت هيئة الأركان التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة في 4/3/2018 قراراً يقضي بوقف العمل في المجالس العسكرية كافة بريف حلب الشمالي، وإغلاق كل السجون التابعة للفصائل وتسليم جميع الموقوفين لديها إلى الشرطة العسكرية.
لكن تشكيل الجيش الوطني ووزارة الدفاع لم ينعكس فعلياً على الأرض أبداً، حيث لا يملك وزير الدفاع أو رئيس هيئة الأركان أي صلاحية فعلية لإصدار أوامر إلى الفصائل، وما زال أي فصيل داخل الجيش الوطني أكبر عملياً من كل الحكومة، ولا يقبل فعلياً تلقي أي نوع من الأوامر منها. 
ويُلاحظ أن علاقة الحكومة المؤقتة مع فصائل الشمال في معظمها قد شهدت تحسّناً ملحوظاً في عهد الحكومة الثالثة، إلا أن هذا التحسّن لم ينعكس هو الآخر في حصول الحكومة على صلاحيات أو نفوذ، إذ إن هذه الفصائل تبحث عن المظلة السياسية التي تُمكّنها من العمل بحرية أكثر دون التنازل عن أيّ من مكتسباتها، كما أن الفصائل المسلحة بشكل عام هي أضعف بكثير مما كانت عليه في عهد الحكومة المؤقتة، ومعظمها أصبح مفككاً ويخضع للتحكم من دول الجوار في الجنوب والشمال. 
4) إدارة مشاريع خدماتية
حاولت الحكومة المؤقتة العمل على إدارة مشاريع تتركز بشكل خاص في مجالي الصحة والتعليم، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي في الأغلب، كما عملت على إعداد طلبات تمويل لمشاريع جديدة. 
ويتم التمويل لهذه المشاريع بالطريقة ذاتها التي يتم فيها دعم مشاريع منظمات المجتمع المدني، إذ يأتي التمويل لمشاريع بعينها، وفي الغالب فإنّ المتابعة من قبل الممول تتم مباشرة مع إدارة هذه المشاريع، ويقتصر دور الحكومة المؤقتة فيها على إشراف عام لا أكثر. 
ولا تقوم الحكومة المؤقتة ضمن هذه المشاريع المحدودة بإدارة عمليات التعليم والصحة في المناطق التي ما زالت تحضر فيها أو تلك التي كانت موجودة فيها، إذ تتولى السلطات التركية عملياً إدارة كامل الخدمات في مناطق درع الفرات (وهي منطقة الوجود الوحيدة للحكومة المؤقتة حالياً)، فيما تتولى حكومة الإنقاذ إدارة الخدمات بكاملها في منطقة إدلب الكبرى، وكانت المجالس المحلية في ريف دمشق وريف حمص الشمالي ودرعا تتولّى الإدارة الفعلية لمعظم الخدمات في تلك المناطق إلى حين خروجها عن سيطرة المعارضة. 
5) العلاقة الإيجابية مع الاتحاد الأوروبي
تمكّنت الحكومة المؤقتة برئاسة د. أبو حطب من إقامة علاقة إيجابية مع الاتحاد الأوروبي، بعد قيام قيادات في الائتلاف الوطني باستخدام علاقاتهم لترتيب زيارة لرئيس الحكومة برفقة قيادات الائتلاف إلى بروكسل بداية حزيران/ يونيو 2017، وهو ما لم تتمكّن حكومة د. طعمة من تحقيقه. لكن هذه العلاقة لم تنعكس في حصول الحكومة على تمويل مباشر من الاتحاد الأوروبي. بمعنى أن العلاقة بقيت في إطار الدعم غير المباشر الذي لا يُحقق التمكين المطلوب للحكومة. 
6) تحسن العلاقة مع وحدة تنسيق الدعم
تعدّ الوحدة الجهة المسؤولة في الائتلاف عن استلام الدعم الإنساني والتنموي الدولي. ورغم تبعيتها التنظيمية للائتلاف، إلا أنها تحظى باستقلالية عملية عنه. 
وشهدت العلاقة بين الوحدة والحكومة المؤقتة في عهد د. أبو حطب تطوراً إيجابياً مقارنة مع الحكومة السابقة. ويعود هذا التحسن في معظمه إلى التناغم الحاصل بين إدارة الوحدة وقيادة الائتلاف في الفترة التي تولى فيها د. أبو حطب مهام عمله، ومن ثم فقد انعكس هذا التناغم على العلاقة مع الحكومة المؤقتة. 
رابعاً: التحديات والإخفاقات 
يمكن حصر الصعوبات التي واجهت الحكومة في عملها في البنود الآتية: 
1) ضعف الدعم المالي للحكومة المؤقتة
أكد د. أبو حطب بعد عام ونصف على استلامه منصبه أن الحكومة المؤقتة لم تتلق منذ تشكيلها أي دعم مباشر من أي دولة، وأنها تعتمد فقط على مواردها الذاتية، مشيراً إلى وجود (96) مشروعاً تعمل الحكومة على إنجازها بمساعدة جمعيات ودول، دون أن تتمكن من الحصول على موازنة واضحة.
وقد أصدرت الحكومة قراراً بتاريخ 7/8/2017 اعتبرت فيه أن العمل في الحكومة بات تطوعياً، وأنه سيتم صرف مكافأة شهرية للعاملين حسب الإمكانيات المادية المتوفرة ونسبة دوام كل موظف.
ورغم وجود عدد كبير نسبياً من المشاريع التي تديرها الحكومة نظرياً، والمدعومة من ممولين أوروبيين في الغالب، إلا أن تمويل هذه المشاريع لا يصل إلى الحكومة، حيث يتعامل الممولون مباشرة مع الجهات المستفيدة، من مجالس محلية وغيرها، ويتم استخدام الحكومة المؤقتة كغطاء رسمي لا أكثر، وفي بعض الأحيان تحصل الحكومةُ على نسبة محدودة من هذا التمويل.
وتعتمد الحكومة الثالثة في تمويلها بشكل أساسي على منحةٍ شهرية قيمتها (25) ألف دولار من الائتلاف. ويذكر أن الائتلاف لم يُقدم أي مبلغ للحكومة السابقة أبداً. كما حصلت الحكومة على تبرع لمرة واحدة بقيمة (90) ألف دولار من سوريين مقيمين في الولايات المتحدة. 
أما العائدات التي يتم تحصيلها من معبر باب السلامة باسم الحكومة المؤقتة، فإنّها تُودَع في حساب بنكي باسم الحكومة، إلا أن الحكومة لا تملك صلاحية الصرف منه، ولكنها تحصل على نسبة من العائدات، بعد خصم رواتب الجيش الوطني ومصاريف المجالس المحلية. 
2) الصدام مع حكومة الإنقاذ
واجه حضور الحكومة الثالثة في الشمال تحدياً كبيراً مع توجيه حكومة الإنقاذ (التي شُكلت في إدلب بتاريخ 2/11/2017) إنذاراً إلى الحكومة المؤقتة في 10/12/2017، يطالبها بوجوب إخلاء مقارها ومكاتبها ومغادرتها خلال مدة أقصاها 72 ساعة أو دمجها مع الحكومة الجديدة، وقيام قوة من هيئة تحرير الشام (وهي الجهة المسيطرة الفعلية في إدلب) باقتحام وإغلاق مكاتب وزارتي الصحة والتربية في إدلب ومركز مؤسسة الحبوب وإكثار البذار في مدينة سراقب يوم 19/12/2017. كما قامت حكومة الإنقاذ بحلّ المجالس المحلية كافة وإيقاف عملها بالقوة، وحاولت الاستيلاء على إدارة "جامعة حلب الحرة" وضمها إلى مجلسها التعليمي. 
وقد أدّت هذه السياسات من حكومة الإنقاذ (أو هيئة تحرير الشام عملياً) إلى انتهاء دور الحكومة المؤقتة في منطقة إدلب الكبرى، وهي أكبر منطقة تتبع لسيطرة المعارضة حالياً، وحَصْر عمل الحكومة في مناطق درع الفرات، وبشكل محدود في مناطق ريف حمص وريف دمشق ودرعا إلى حين خروجها عن سيطرة المعارضة.
3) التحول إلى مؤسسة وسيطة 
أدّى غياب الدعم الدولي عن الحكومة من جهة، والتغير في سياسات ممولي المشاريع من جهة أخرى إلى فقدان الحكومة المؤقتة لدورها الرئيسي، والتحول إلى مؤسسة وسيطة بين المانحين والجهات العاملة على الأرض، حيث تقوم الحكومة باستقبال المانحين والتواصل معهم وتقديم المعلومات التي يحتاجونها بخصوص المشاريع الخدمية داخل سوريا، لتقوم الجهات المانحة بالتواصل المباشر مع الجهات المنفذة في المناطق المستهدفة، وتوقيع العقود معها بشكل مباشر.  
4) الإخفاق في ملف العلاقات الخارجية
أخفقت الحكومة الثالثة في ملف العلاقات الخارجية بشكل واضح، وخاصة في العلاقة مع الفاعلين الإقليميين والمنظمات الدولية. 
فقد فشلت الحكومة في الوصول إلى أي نوع من التفاهم مع الحكومة الأردنية، ورفض الأردن نهائياً استقبال د. أبو حطب أو أيٍّ من وزرائه، وهو ما أعاق عملياً قدرة الحكومة على العمل بشكل جديّ في المناطق الجنوبية. 
كما فشلت الحكومة في المحافظة على العلاقات الرسمية التي كانت تتمتع بها الحكومة السابقة مع دول الخليج، وخاصة دولة قطر. 
5) ضعف التسويق 
لم تستطع الحكومة المؤقتة أن تجمع حولها قاعدة شعبية أو تخلق حالة من الالتفاف والتأييد، إن كان على المستوى الفصائلي والمؤسساتي أو على المستوى الشعبي. وكان ملفتاً ضعف الجانب الإعلامي المرافق لعمل الحكومة، وضعف حضورها في مؤسسات الإعلام السورية المعارضة أو غيرها. 
ولا تملك الحكومة أو أي من وزاراتها موقعاً إلكترونياً. وتعتمد في بثّ الأخبار على صفحتها على فيسبوك وحسابها على تويتر. كما تعتمد على حسابات الائتلاف وموقعه الإلكتروني، الذي يقوم بتسويق أنشطة الحكومة ورئيسها. 
6) تجاوز الصلاحيات
تجاوزت الحكومة مهامها الخدمية، وبدأت بالتصدي لمهام تدخل في صلاحيات الائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات. 
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، البيانُ الذي أصدرته الحكومة بالتزامن مع الحملة العسكرية على مدينة حلب في أواخر عام 2016، وعلقت فيه الاتصالات بين الفريق الحكومي وفريق ديمستورا،  كما طالبت فيه بإقالة المبعوث الأممي إلى سوريا "ستيفان ديمستورا"، رداً على اقتراح تقدم به يقضي بإخراج عناصر جبهة "فتح الشام" من حلب كحلّ لإيقاف القصف وحملة الإبادة التي تتعرض لها المدينة، واتهم البيان ديمستورا بأنه "انحاز لرواية العصابة في دمشق والمحتل الروسي وقدم لهم مبررات للاستمرار في عدوانهم مقايضاً تقديم المساعدات الإنسانية وإخراج الجرحى والمرضى بالاستسلام وإفراغ المدينة من أبنائها".
كما أصدرت الحكومة السورية المؤقتة في 8/12/2017 بياناً يدين قرار الرئيس الأمريكي ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، معتبرة أن "هذا القرار المرفوض على مستوى العالم الحرّ، يُعبّر عن انحياز مفضوح للعدو الصهيوني، وضربة لقيم الحرية والعدالة، وحقوق الإنسان، ومخالفة صريحة للقرارات الدولية".
7) القرارات المتسرعة وغير المبررة
تعرّضت بعض قرارات الحكومة للكثير من الانتقادات، ووصفت بأنها متسرعة ولا تراعي طبيعة الظروف الصعبة، كقرار منع تداول العملة الورقية الجديدة من فئة ألفي ليرة، الذي لم تحدد الحكومة فيه آلية واضحة لكيفية منع التداول أو إدخال العملة إلى المناطق التابعة لسيطرة المعارضة.
كما وُجِّهت انتقاداتٌ لقرار الحكومة الخاص بافتتاح معبر مع النظام، وخاصة من قبل التجار، باعتبار أنه يؤثر سلباً على حركة التصدير، وسيحول مناطق المعارضة لسوق استيراد فقط، ويسمح للنظام بالتحكم بالسوق، ويقدم دعماً لاقتصاده من جهة، وقد يُشكّل ثغرة أمنية يصعب التحكم بها من جهة أخرى.
سادساً: المآلات الممكنة للحكومة المؤقتة
يتعلق وجود واستمرار الحكومة المؤقتة على المدى القريب والمتوسط بعدة عوامل، أهمها: 
1. السياسة التركية المعتمدة في إدارة منطقة الشمال، والشكل الإداري الذي سيتم اعتماده في حال وصل مناطق الشمال ببعضها بعضاً. 
2. مواقف داعمي الحكومة مالياً، وخاصة الاتحاد الأوروبي.  
3. موقف ودور الفصائل المسلحة في منطقة الشمال وتموضعاتها العسكرية والسياسية.
ويمكن حصر السيناريوات المتوقعة فيما يأتي: 
1) حكومة الحد الأدنى
يبدو من خلال تتبع سياسات الدول الإقليمية الداعمة لمؤسسات المعارضة أنها لا ترغب بإنهاء الأجسام والهيئات التي تم إنشاؤها، حتى عند انتهاء مهامها. ويستمر الدعم بالحدود الدنيا التي تمنع موتها الكامل، فيما يبدو أنه رغبة بإبقاء هذه المؤسسات تحت الإنعاش، تحسباً لقدوم لحظة تظهر فيها حاجة لوجود هذه المؤسسة. وينطبق هذا التوصيف على حالة الحكومة المؤقتة. 
وفي هذا السيناريو تستمر الحكومة المؤقتة في وجودها الشكلي حتى يتم التوافق على شكل الحل النهائي، وحتى ذلك الحين سيتأثر دورها بالرؤية التركية لشكل الإدارة المدنية والإخراج الممكن لهذا الشكل، وواقع السيطرة العسكرية على الأرض، وطبيعة علاقتها مع الفصائل والقوى العسكرية المختلفة. 
2) إثبات الوجود
في هذا السيناريو تتمكن الحكومة المؤقتة من تحقيق اختراقات نوعية في العقبات التي تواجهها، سواء عبر الحصول على دعم كبير ونوعي، أو عبر اعتماد تركي للحكومة لتتولى فعلياً الإدارة المدنية في منطقة درع الفرات أو حتى عفرين. 
وتملك منطقة درع الفرات مقومات كبيرة تساعد الحكومة المؤقتة على النجاح وخاصة مع وجود حالة من الاستقرار الأمني النسبي، وعدد من الخبرات التي استقرت في المنطقة نتيجة لعمليات التهجير بالإضافة الى رغبة تركيا بتطوير المنطقة وتحسين المرافق الخدمية فيها، والمؤشرات الاقتصادية التي تؤكد أن المنطقة ستشهد حالة انتعاش اقتصادي و تجاري في المستقبل.
ولا يبدو لهذا السيناريو أي فرص حقيقية على المستوى المنظور.  
3) الانخراط في مشروع أكبر
تواجه منطقة الشمال السوري ككل مصيراً غامضاً في انتظار الإقرار الإقليمي والدولي لوضعها في إطار الحل السياسي النهائي. ويعتمد هذا المصير على عدّة عوامل، أهمها توافق الفاعلين الرئيسين، وخاصة تركيا وروسيا، على شكل التسوية الممكنة، ودور وموقف الفاعلين المحليين في إنتاج شكل من الحوكمة القابلة للحياة، والتي تُحقق مصالح المجتمعات المحلية في الشمال، وتتعاطى بشكل عملي مع المعطيات الميدانية والسياسية في بقية مناطق سوريا. 
وفي هذا السيناريو، فإنّ الحكومة المؤقتة، مثل غيرها من المؤسسات السورية الموجودة بشكل أو بآخر في مناطق الشمال، ستواجه مصيراً مشتركاً إلى حد كبير، بشكل يشبه وحدة المصير التي واجهتها مؤسسات ريف دمشق على سبيل المثال. 
وتملك الحكومة المؤقتة فرصة للحياة إن تمكنت بمشاركة القوى الفاعلة في الشمال من إنتاج نظام للحوكمة، حيث تستطيع الاضطلاع بدور رئيسي في مثل هذا النظام في المجال الخدمي، مستفيدة من خبرة تراكمية يكاد عمرها يصل إلى خمس سنوات. 
 
الخلاصة
تُظهر مراجعة أداء الحكومة المؤقتة الثالثة أنها لم تتمكن خلال عامين من عمرها من تحقيق أي من الأولويات التي قامت بإلزام نفسها بها عند التكليف. وعلى العكس من ذلك، فإنّ أداء الحكومة وحضورها شهد تراجعاً حاداً مقارنة مع الحكومة الأولى، رغم الدعم المادي والسياسي الذي تحصل عليه من الائتلاف الوطني، الذي غاب عن سابقتها. 
لكن هذا التراجع لا يرتبط في جزء كبير منه بأداء الحكومة الثالثة، بقدر ما يرتبط بالظروف السياسية والميدانية التي تعيشها المعارضة ككل، حيث تغيّر مزاج الداعمين الدوليين عموماً، ولم تعد الفرص متاحة أمام مؤسسات المعارضة المختلفة للحصول على الدعم السخي، كما كان الأمر في الأعوام السابقة، كما أن مساحة سيطرة المعارضة على الأرض تقلّصت هي الأخرى بشكل تدريجي، وخاصة في عام 2018. 
وشكل شحُّ الدعم الدولي والإقليمي عن الحكومة، ومعظم مؤسسات المعارضة الأخرى، تعبيراً عن تغيّر مزاج المجتمع الدولي تجاه النظام السوري، إذ لم تعد هناك رغبة حتى في مناكفة حكومة النظام أو في منازعتها للشرعية، واتجه كل الفاعلين تقريباً للاعتراف بواقع السيطرة الروسية على النظام والأرض، بما يعنيه ذلك من التحول نحو آليات للتعامل مع مخرجات هذا الواقع بدلاً من آليات تغييره أو حتى تعطيله. 
لكن الحكومة الثالثة حصلت على فرص إيجابية بالمقابل، كان أهمها ظهور منطقة درع الفرات، التي لم تكن موجودة في وقت ولاية حكومتي د. طعمة، ثم عفرين في بداية عام 2018. وقد منحت هاتان المنطقتان الواقعتان تحت السيطرة التركية فرصة للحكومة المؤقتة للبقاء على قيد الحياة، بعد خروج ريف دمشق ومعظم مناطق درعا عن سيطرة المعارضة، وقيام حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام بإخراج الحكومة من محافظة إدلب. 
وترتبط فرص الحكومة المؤقتة، ومعها الائتلاف أيضاً، في الاستمرار ولو بالحد الأدنى، بسياسات وتوجهات أنقرة في سوريا. إذ إن مساحة تحركها أصبحت محصورة بمناطق السيطرة التركية في درع الفرات وعفرين، ولا يمكن للحكومة العمل هناك إلا ضمن المحددات التركية حصراً. 
ويتضح أن الحكومة المؤقتة قد فقدت الغاية التي وجدت من أجلها، وبذلك تكون شبه معطلة كبقية مؤسسات المعارضة، وتنتظر قرار إنهاء دورها.