إسرائيل والأسد الجبان
Şub 15, 2024 3447

إسرائيل والأسد الجبان

Font Size

يستعرض هذا المقال، الذي أعدته إدارة التحرير لموقع Levant 24 بعنوان "إسرائيل والأسد الجبان: زئير دون عضّ" وترجمه مركز جسور للدراسات، العلاقات المعقَّدة بين النظام السوري ودول الإقليم مثل إسرائيل ولبنان وتركيا والأردن؛ حيث يُشير إلى تاريخ النزاعات العسكرية والتوتُّرات السياسية، ويتطرق إلى التفاعُلات المتنوّعة للنظام من الحرب والغزو إلى توفير ملاذات لجماعات مسلحة، ويناقش كيف تجنب النظام مواجهات مباشرة مع إسرائيل في عهد بشار الأسد، مع التركيز على الأسباب الإستراتيجية والسياسية وراء هذه السياسات.      

نصّ الترجمة      

تشكّلت العلاقة المعقَّدة بين النظام السوري وجيرانه، خاصة إسرائيل عَبْر تاريخ من النزاعات العسكرية والعلاقات المتوترة، فمنذ إنشاء إسرائيل عام 1948، كانت سورية وإسرائيل في "حالة حرب"، انخرطوا في عدة نزاعات مُسلّحة، بما في ذلك الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948، والحرب العربية الإسرائيلية الثالثة عام 1967، والحرب العربية الإسرائيلية الرابعة عام 1973.      

فيما يتعلق بلبنان، كان لسورية تاريخ مثير للجدل بلغ ذروته مع غزو النظام لها، بقيادة حافظ الأسد عام 1976، حيث استمر الوجود السوري لمدة 29 عاماً وانتهى بانسحاب قوات النظام عام 2005 بواسطة ابن حافظ، بشار.      

شمالاً هناك دولة أخرى لها تاريخ من الصراعات مع سورية، تبدأ من أزمة عام 1957 ثم تبرز استضافة حافظ الأسد لعقود طويلة حزب العمال الكردستاني PKK، الذي تلقّى دعماً وتدريباً وملاذاً في سورية، حيث كان يطلق هجمات منها إلى داخل تركيا، قبل أن يتم طردهم في النهاية، مع ذلك ما تزال تنظيمات تابعة للحزب مثل وحدات حماية الشعب ـYPG ووحدات حماية المرأة YPJ وقوات سوريا الديمقراطية SDF تسيطر على أجزاء من شمال شرق سورية المتاخمة للحدود التركية، وهذه التنظيمات في حالة صراع مع تركيا.      

جنوباً، تقع الأردن التي شهدت أيضاً علاقات متوترة مع سورية بما في ذلك التدخل السوري في الحرب الأهلية الأردنية عام 1970، والاشتباكات التي بدأت تقع بعد عام 2018 بين القوات الأردنية وقوات النظام على طول الحدود، وسلسلة متزايدة من الهجمات والتوغُّلات عَبْر الحدود من قِبل تجار المخدرات والأسلحة السوريين، مما أدى إلى عدة غارات جوية أردنية منذ عام 2023. يسلط هذا العرض الموجز الضوء على تعقيد النزاعات العسكرية لسورية مع دول الجوار، التي تشكلت بمجموعة من العوامل السياسية والتاريخية والإقليمية.      

في حالتَيْ تركيا والأردن، يوجد للنظام السوري تاريخ طويل في توفير ملاذ آمِن لمختلف الجماعات الإرهابية والإجرامية التي تقوم بغارات عَبْر الحدود على كِلا البلدين، بينما قامت بغزو عسكري كامل النطاق على لبنان استمر ما يقارب 3 عقود.      

رغم أن سورية كانت رسمياً في حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1948، إلا أن حكم بشار الأسد لم يشهد أي تعبئة عسكرية ضدها، أو حتى أي محاولات لاستعادة الأراضي السورية التي فقدتها في الحروب السابقة، لقد أظهر حكم بشار نقصاً تاريخياً في القيام بأي فعل ضد إسرائيل، وكانت طبيعة معارضة النظام لإسرائيل موضوعاً للكثير من النقاش والتحليل، وكانت السنوات العشرين الماضية من بين الأكثر سلاماً بين الطرفين.      

الحفاظ على الوضع الراهن      

إنّ فهم سبب الوقف الأحادي لإطلاق النار بين الطرفين، رغم طبول الحرب التي تُقرع بشكل مستمر، يحتاج النظر عن كثب إلى ما إذا كان هناك مصلحة أكبر من جانب أحد الطرفين أو كِلَيْهما في استمرار هذا الوضع. لقد كتب إيدي كوهين، في مركز بيغن – السادات أن، "إسرائيل تحتاج إلى حُكّام قويين مستقرين يسيطرون على جيوشهم ويمنعونهم من إطلاق النار والتسلل إلى الأراضي الإسرائيلية، نجح كل من الأسد الأب والابن في هذا، ويستمرون في القيام بذلك حتى الوقت الراهن، هذا رغم الضربات الإسرائيلية التي تشنها داخل سورية منذ عام 2013.      

إنّ مكاسب النظام السوري وإسرائيل في الحفاظ على الوضع الراهن كبيرة، يعكس موقف إسرائيل المتطور تجاه حكم الأسد، بدءاً من إدانة العنف في سورية ووصولاً للتصالح لاحقاً مع استمرار قيادته تحوُّلاً إستراتيجياً، وإنّ التعاون بين إسرائيل وروسيا -وفقاً للمحلل زفي بارئيل في صحيفة هآرتس- لتنسيق هجماتها على حزب الله والأهداف الإيرانية في سورية، ورغبتها في تحديد عمليات إيران في المنطقة أدى إلى تحالف فعلي مع الأسد؛ حيث تدفع المصالح الإستراتيجية لإسرائيل، بما في ذلك الحاجة إلى إبقاء الحدود هادئة وتحديد نفوذ إيران في سورية، إلى تفضيلها استمرار حكم الأسد.      

هناك أسباب أخرى تجعل النظام رغم التأثير الإيراني عليه لا يضرب إسرائيل؛ حيث يمنع ذلك -وفقاً لدراسة أُجريت في كانون الثاني/ يناير 2024 قام بها مركز صوفان- وجود فصائل معارضة مختلفة داخل سورية قادرة على تشكيل تهديدات للنظام إذا ما فتح الأسد جبهة جديدة مع إسرائيل، إضافة لحقيقة أن النزاع المستمر بين إسرائيل وغزة مفيد لآلة الدعاية للنظام الذي يستغل الوضع لتحسين موقفه السياسي المحلي والإقليمي، كما أن النظام السوري يحسب -بلا شك- أن المشاركة السورية المباشرة في الحرب بين حماس وإسرائيل ستحفز على إجراء إسرائيلي قد يُضعف بشكل حاسم قدرة الجيش على حماية قبضة النظام على السلطة في دمشق.      

رغم القلق داخل إسرائيل -حسب دراسة مركز صوفان- بشأن عدم اليقين المتعلق بالنظام القادم في سورية، إلا أن العديد من القادة الإسرائيليين سيرحبون بوصول قائد سوري للسلطة غير مرتبط أو حتى معارض لإيران، ومن المحتمل أن يدرك الأسد أنه إذا ما خاطر بمواجهة مع إسرائيل، فقد يوفر ذلك فرصة لتغيير النظام الذي يكون أكثر ملاءَمة كحليف إسرائيلي محتمل من نظامه الخاص.      

إدلب بدلاً من إسرائيل      

منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وغزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كانت هناك مخاوف من انتشار العنف في المنطقة، خاصة بسبب تأثير إيران في لبنان وسورية، ومع ذلك على عكس لبنان حيث شارك حزب الله في النزاعات مع إسرائيل، لم يكن الأسد والميليشيات الإيرانية في سورية في طليعة العمل العسكري المباشر ضد إسرائيل. لقد ظلّت الحدود بين سورية وإسرائيل هادئة نسبياً مقارنة بجبهة "إسرائيل – لبنان"، مع وقوع حوادث متفرقة فقط من إطلاق الصواريخ من الأراضي السورية مما استدعى ضربات جوية إسرائيلية محدودة، يثير هذا التباين تساؤُلات حول التزام نظام الأسد الحقيقي بمعارضة إسرائيل من خلال المواجهة العسكرية المباشرة.      

في هذا السياق، لم تدخل سورية في مواجهة مع إسرائيل -وَفْق مقال لـ آرون لوند Aron Lund فيThe New Humanitarian- مع أنه تم الإبلاغ عن خروج بضع رشقات من الصواريخ من الأراضي السورية، مما دفع إسرائيل للرد بضربات جوية إضافية، حتى مع ذلك، تظل الحدود بين البلدين هادئة بشكل لافت مقارنة بجبهة "إسرائيل – لبنان".      

يظهر بوضوح عدوان حافظ الأسد وشراسته في غزو جاره لبنان بينما كان يُبدي احتراماً وتواضُعاً تجاه إسرائيل في عدم محاولته حتى استعادة مرتفعات الجولان المحتلة من إسرائيل، بالمثل يهاجم الابن بشار المدنيين السوريين في الشمال المحرَّر بدلاً من الردّ على إسرائيل.      

حاولت وزارة دفاع النظام السوري تبرير الهجمات ضد المدنيين في إدلب شمال سورية بادّعاءات سخيفة وغير مُثبَتة بأنهم كانوا يضربون "وكلاء إسرائيل" شمال سورية بطريقة مماثلة للطريقة التي قامت إسرائيل فيها بضرب الأصول الإيرانية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وأنّ ذلك "جزء من النهج المستمر لدعم الجماعات المتطرفة التي يقاتلها النظام في شمال البلاد، والتي تُشكّل ذراعاً للكيان الإسرائيلي.      

في أعقاب عملية 7 أكتوبر التي قامت بها حماس والدمار الهائل الذي أطلقته إسرائيل على المدنيين، خاصة النساء والأطفال في غزة، لم يَقُم النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس بأي محاولات للتدخل أو الرد، بل اختاروا بدلاً من ذلك مهاجمة السكان المدنيين شمال غرب سورية في إدلب وحلب، حيث النساء والأطفال هم الأغلبية بين الضحايا، شهد تشرين الأول/ أكتوبر أسوأ تصعيد في الحرب منذ 4 سنوات.       

الخطاب الفارغ والمواقف السياسية      

لقد أبرز الخبراء استخدام النظام السوري للقضية الفلسطينية لأغراضه السياسية الخاصة، كوسيلة لصرف الانتباه عن انتهاكاته المحلية لحقوق الإنسان، يعتمد النظام على إيران وروسيا، وتردده في إطلاق جبهة عسكرية مباشرة ضد إسرائيل، مما يؤكد أولويته لبقائه ومصالحه الجيوسياسية على مسألة تحرير فلسطين.      

هناك إدراك واسع في العالم العربي بأن النظام يتبنى القضية الفلسطينية لأغراضه السياسية الخاصة، بهدف صرف الانتباه عن انتهاكاته المحلية لحقوق الإنسان، حَسَبَ تصريحات صحافية لنسرين أختر، وهي باحثة في العلاقات بين حماس وحزب الله وسورية، من جانب آخر إنّ القضية الرئيسية بالنسبة للنظام ليست تحريرَ فلسطين، بل بقاءه ومصالحه الجيوسياسية؛ حسبما يذكر جوزيف ضاهر، في تصريحات صَحِيفية أيضاً وهو أكاديمي وخبير في شؤون حزب الله وسورية.      

تميز نهج النظام تجاه محيطه الإقليمي، خاصة إسرائيل، بمزيج من الخطاب الفارغ، والمواقف السياسية، والحسابات الإستراتيجية، رغم الحفاظ على "حالة الحرب" مع إسرائيل، غالباً ما تمتنع أفعال النظام عن المواجهة العسكرية المباشرة، مما يثير تساؤُلات حول التزامه الحقيقي بمعارضة إسرائيل. يستمر تفضيل الأسد لبقائه ومصالحه الجيوسياسية، فضلاً عن استغلال القضية الفلسطينية لأغراض سياسية، في تشكيل ديناميكيات العلاقات مع الدول المجاورة.      
 

المصدر:      Levant 24               
ترجمة: عبد الحميد فحام