محدّدات مواقف الفاعلين الدوليين من العمليّة العسكريّة التركيّة المحتملة في سورية
حجم الخط
في أواخر حزيران/ يونيو 2022، ربط الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، موعد انطلاق العملية العسكرية الجديدة في سورية بالانتهاء من التحضيرات، دون تحديد طبيعتها.
ولا يبدو أنّ المقصود بذلك الاستعدادات العسكريّة؛ فتركيا تمتلك قواعدَ ونقاطاً في شمال سورية، تتيح لها دعم العمليّات البريّة في أيّ وقت، ممّا يعني أنّ التحضيرات ترتبط غالباً بالمواقف السياسية من الفاعلين الدوليين تجاه استكمال تركيا لإنشاء الحزام الأمني.
وبالفعل، تخوض تركيا مباحثات متعدّدة الأطراف مع كل من الولايات المتّحدة وروسيا وإيران؛ بغرض التوصّل إلى تفاهُمات معها تضمن عدم وقوع أيّ تصادُم عسكري بين القوّات أو تأثير على العلاقات الدبلوماسية.
عمليّاً، تمتلك كلّ من واشنطن وموسكو وطهران محدّدات لمواقفها إزاء العمليّة العسكريّة التركيّة المحتملة شمال سورية مثلما هو موضَّح أدناه:
1. إيران:
أعلنت إيران بشكل صريح معارضة العمليّة العسكريّة التركيّة في سورية على لسان المتحدث باسم الخارجية في 20 حزيران/ يونيو 2022، الذي اعتبر أنّ استخدام الحلّ العسكري لتسوية الخلافات يُعتبر انتهاكاً لوحدة الدول وسيادتها الوطنية.
لكن في 27 من الشهر ذاته، وخلال زيارة وزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان للعاصمة أنقرة، تغيّرت لهجة طهران بشكل ملحوظ إزاء الموقف من العملية العسكريّة، من ناحية تفهُّم مخاوف تركيا الأمنيّة والحاجة إلى معالجتها بشكل دائم وكامل.
يرتبط رفض طهران للعمليّة التركية بعدد من العوامل أبرزها تراجُع التنسيق الثنائي في سورية والعراق، وتهديد نفوذ ومصالح إيران شمال سورية، بما في ذلك تغيُّر خارطة السيطرة لصالح المعارضة على حساب النظام، إضافة إلى المخاوف من أي زيادة للتنسيق الأمني بين تركيا وإسرائيل بما يشمل الملف السوري.
بالمقابل، هناك ما قد يدعو طهران لتغيير موقفها الرافض للعمليّة العسكريّة شمال سورية؛ كالحصول على ضمانات من تركيا بعدم التعرُّض لمصالحها شمال حلب، وضمان عدم التزام أنقرة بالعقوبات الغربية المفروضة عليها، وتقديم الدبلوماسية على أي سُبل أخرى لحل الخلافات الثنائية حول سورية وغيرها.
ومع ذلك، فإنّ إيران تُفضّل أن يكون أي نشاط عسكري لتركيا في سورية بناء على عودة التنسيق مع النظام السوري.
2. روسيا:
أعلنت روسيا مراراً خلال الأسابيع الماضية، معارضة أيّ عمليّة عسكرية جديدة على الأراضي السورية، على اعتبار أنّ هذه الخطوة تُهدّد الاستقرار، فيما أكّد الوفد الروسي خلال جولة أستانة (18) على موقف بلاده الرافض للعمليّة.
وبطبيعة الحال، لا تُرحّب روسيا بأي تغيُّر جديد في خارطة السيطرة يكون على حساب النظام، وأي محاولة في هذا الصدد تستغلّ انشغالها في الصراع بأوكرانيا. ومع ذلك فإنّ موسكو لطالما استخدمت -وما تزال- تهديد تركيا بشنّ عملية عسكريّة جديدة في سورية للضغط على قوات سورية الديمقراطية من أجل حملها على تقديم تنازُلات بما يخصّ العلاقة مع النظام.
كما يُمكن فهم موقف روسيا المتحفّظ إزاء العملية التركية من حرصها على عدم خسارة دورها كوسيط موثوق أمام "قسد"، خاصة أن مثل هذه الخُطوة قد تقوّض جهودها الرامية لإبعاد الأخيرة عن الولايات المتحدة، واستمالة الأكراد عموماً لإجراء تسوية مع النظام.
أيضاً، من غير المتوقع أن تُفرّط روسيا بموقفها لصالح تركيا بسهولة، في ظلّ التوتر غير المسبوق بين موسكو والناتو، وما لم تحصل على مقابل في قضايا أخرى سواءً كانت تتعلّق بسورية أو أوكرانيا.
3. الولايات المتحدة:
عبّرت الولايات المتّحدة في مطلع حزيران/ يونيو، عن القلق العميق بشأن نوايا تركيا لشنّ عمليّة عسكريّة جديدة في سورية، عدا أنّها لم تُبدِ تَجاوُباً مع مطالبها المستمرّة حول إنهاء أنشطة وحدات حماية الشعب وقسد من المنطقة الآمِنة بعمق 30 كم على طول الشريط الحدودي.
بل ما تزال تُحاول إعطاء قسد التطمينات؛ بالتأكيد على استمرار العمل معها كشريك محلّي في مكافحة الإرهاب، وإظهار أهمية الحفاظ على الاستقرار العسكري في مناطق مثل عين العرب؛ بإعادة تفعيل النشاط ضِمن قاعدة خراب عشق قرب عين العرب من أجل تنفيذ العمليات ضد قادة تنظيم "داعش" في مناطق حلب وإدلب شمال غرب سورية.
ويُمكن القول: إنّ واشنطن لا ترغب في منح موسكو فرصة استخدام العمليّة العسكريّة التركيّة لإنجاز تفاهُم بين قسد والنظام. من جانب آخر، فهي غالباً ما تُفضّل معالجة مخاوف تركيا عَبْر الدبلوماسية أي بإعادة صياغة مذكّرة تفاهُم جديدة، على غرار وثيقة أنقرة (2019)، تضمن فيها الولايات المتحدة إخراج حزب العمال من المنطقة الآمنة، وتقديم خيارات تقبلها تركيا لثنيها عن التنسيق المشترك مع روسيا فيما يخصّ شمال وشمال شرق سورية.