في حضرة القيصر
يونيو 25, 2020 1760

في حضرة القيصر

حجم الخط

محمد سرميني

المدير العام لمركز جسور للدراسات

 

بدأ العمل بقانون عقوبات قيصر الذي يستهدف النظام السوري ومختلف الجهات الداعمة له، وذلك بناء على الفكرة الجوهرية للقانون الذي أقرته الجهات التشريعية في الولايات المتحدة، وهي: "استخدام مختلف الوسائل الاقتصادية والدبلوماسية والقسرية لإجبار حكومة بشار الأسد على وقف هجماتها القاتلة ضد الشعب السوري، ودعم الانتقال إلى حكومة سورية تحترم حكم القانون وحقوق الإنسان والتعايش السلمي مع جيرانها"


لحظات التوثيق.. من هنا بدأت الحكاية

تختصر تسمية "قيصر" حكاية السوريين وثورتهم على النظام، فقد سرّب "الضابط المنشقّ" 55 ألف صورة لمعتقلين ارتقوا تحت التعذيب، وهي غيض من فيض، إذ توثّق هذه الصور مرحلة زمنية قصيرة لفرع بعينه في محافظة بعينها.

كانت صور قيصر فريدة في ألمها حتى على السوريين أنفسهم، فرغم أنهم يعرفون طبيعة الإجرام الذي يُمارس في أقبية السجون، فإن الصور قدّمت لهم عرضا للحظات الضحايا الأخيرة، وتركتهم أمام تأملٍ لما قضاه كل معتقل من تعذيب أمام وحوش وزبانية الأرض إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة.

لقد شكّل صدور القانون، باعتباره خطوة لمعاقبة النظام على جرائمه، مفصلا مهما في كفاح السوريين لمحاسبة الجناة، ومحطة في رحلة السوريين للبحث عن الحرية التي دفع عشرات الآلاف منهم حياتهم ودماءهم ثمنا لها.


خلفية القانون وأهم بنوده

بدأ العمل على ما بات يعرف بـ "قانون قيصر لحماية المدنيين" قبل ست سنوات من الآن، عندما استطاع أحد عناصر المخابرات السورية تسليم ملفّات للولايات المتحدة توثّق قتل أكثر من 10 آلاف معتقل تحت التعذيب في سجون الأسد، لتبدأ رحلة قانون قيصر لحماية المدنيين ويتمعّن السياسيون والنوّاب الأميركيون لمرات متكررة منذ 2014 إلى حين توقيعه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ديسمبر/كانون الأول 2019، بعدما تم إدراجه في قانون موازنة الدفاع السنوية، حرصًا على تمريره من قبل الحزبين.

 

   '' قانون قيصر لن يسقط النظام السوريّ سياسيًّا، إلا أنه سيضعه في حالة غير مسبوقة من العزلة الدولية اقتصاديًّا وسياسيًّا، وستجعل هذه النقطة بالذات من استمرار دعمه أمرًا مكلفًا لجميع حلفائه''

على الرغم من أن القانون لم يطبق بعدُ، فإن قرب سريان فاعليته أثّرت بوضوحٍ في اقتصاد النظام السوريّ الذي يعاني اقتصاديًّا جراء عوامل مختلفة كالخلافات العائلية التي تضرب أركانه، والفساد المعمّر في كل ثناياه، والانهيار العمليّ المتسارع لسعر صرف الليرة أمام الدولار، فضلا عن التوقف الفعلي لعجلة الاقتصاد المحلية عن الدوران بشكل مستمر منذ سنوات.

 

من المهم التأكيد على أن قانون قيصر لن يسقط النظام السوريّ سياسيًّا، إلا أنه سيضعه في حالة غير مسبوقة من العزلة الدولية اقتصاديًّا وسياسيًّا، وستجعل هذه النقطة بالذات من استمرار دعمه أمرًا مكلفًا لجميع حلفائه، حيث ركّز مشرّعو القانون على استهداف النظام السوري ومؤسساته، والنظام الروسي والمسؤولين فيه، والنظام الإيراني ووكلائه والراغبين بالتعامل معه.

بالتوازي مع ذلك، فقد صُمّم القانون على نحو يهدف لمنع الشركات والأفراد من الاستثمار في سوريا، سواء بهدف دعم النظام أو المشاركة في جهود إعادة الإعمار التي تقودها حكومة النظام؛ إذ إن القانون يُعاقب بشكل واضح وجذري المتعاونين مع النظام بأي شكل من الأشكال، كما أنه سيكون مستمرًّا لعشر سنوات مقبلة على الأقل قابلة للتجديد إن لم يتغير سلوك النظام السوري.

بطبيعة الحال فإن بنود القانون توسّع من بنود العقوبات السابقة المفروضة على سوريا عبر استهداف المؤسسات الحكومية مثل "المصرف المركزي في سوريا"، باعتباره -بحسب رؤية المشرعين الأميركيين- مؤسسة مالية هدفها الأساسي هو غسيل الأموال، إضافة إلى معاقبة الأفراد الداعمين للحكومة والنظام، من مسؤولين مدنيين أو عسكريين أو متعاونين يمولون أي نشاط للنظام السوري، أو يساهمون في دعم وتمويل أي من النطاقات الثلاثة، العسكرية والتنموية والاقتصادية.

كما يجمّد القانون عملية إعادة الإعمار، إذ ينصّ على فرض عقوبات على أي شركة أو فرد يدعم النظام في قطاعات الطاقة أو الطيران أو الإقراض، أو الإسهام في تحسين أو توسيع أو صيانة إنتاج الحكومة السورية للغاز الطبيعي والبترول ومشتقاتهما، مما يعني أن مختلف الشركات الروسية والإيرانية والأوروبية والعربية التي تسعى للحصول على قسم من كعكة السوق السورية المنهارة لن تستطيع الوصول إلى غاياتها، حيث تمتلك بنوده قدرات رادعة.

في هذا الجانب، يتخوف كثيرون من التأثير المباشر على حياة البسطاء من المدنيين والناس في سوريا، حيث إنّ هذه العقوبات ستحول دون إعادة تأهيل البنى التحتية وإصلاح الخدمات الأساسية، إضافة إلى تفاقم حاجتها بصورة مطردة للغاز والبترول.

وعلى الرغم من وجود أسباب موضوعية سابقةٍ على بنود قانون "قيصر" أوصلت الاقتصاد السوري لهذه المرحلة، فإن القانون وضع بنودًا في محاولة لتحديد أُطُرٍ لحماية المدنيين ومساعدتهم، بدءًا من استثناء المساعدات الإنسانية من العقوبات وانتهاء بالإمكانات الممنوحة للرئيس الأميركي لإيقاف سريان القانون لمدة مؤقتة ضمن شروط معيّنة.


صلاحيات استمرار القانون وإيقافه

لم يوضع سقف زمني لاستمرار القانون، إلا أن ستة شروطٍ وضعها مشرّعوه يمكن أن تشكّل أساسًا فعليًّا لإيقاف القانون وآثاره.

تتمحور هذه الشروط حول وقف قصف المدنيين عبر سلاح الجو الروسي والسوري، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بِحُرية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وكذلك السماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية، ووقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق.

كما تشمل الشروط ضمان عودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة وطوعية، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري.

  '' يمنح القانون الولايات المتحدة مساحة كبيرة لفرض رؤيتها حول مستقبل البلاد، وسيدفع النظام السوري للقبول بحلٍّ سياسيّ حقيقي ويمهّد الطريق لانتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة''

ويعوّل أعضاء الكونغرس على أن تكون هذه الشروط دافعًا لإيقاف دعم نظام الأسد وسحب غطاء حلفائه عنه، إضافة إلى الإسهام في حماية المدنيين.

ختامًا فإنه لا بدّ من الإشارة إلى أن قانون قيصر سيشكل منطلقًا جديدًا وحاسمًا في مسيرة القضية السورية، سواءً من حيث تأثيراته في النظام أو حلفائه أو المدنيين، إذ سيُسهم بشكل واضحٍ في تفعيل أدوات الولايات المتحدة لمحاصرة النظام السوري وحلفائه.

ويمثل القانون أوراق ضغط مختلفة لواشنطن تجعل من استمرار انفراد الروس بإدارة الملف السوري أمرًا شبه مستحيل، حيث يستهدف القانون النظام السوري في الظاهر، لكنه يستهدف بالمحصلة كل حلفائه.

كما يمنح الولايات المتحدة مساحة كبيرة لفرض رؤيتها حول مستقبل البلاد، حيث أشار جيمس جيفري المبعوث الأميركي لسوريا إلى أن القانون سيدفع النظام السوري للقبول بحلٍّ سياسيّ حقيقي ويمهّد الطريق لانتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة.

هذا كله بالتوازي مع سيطرة الولايات المتحدة على أهم الموارد الاقتصادية كالنفط والغاز واستمرار سيطرتها -مع التحالف الدولي- على أهمّ مساحات سورية شرقي نهر الفرات.

 

المصدر: الجزيرة