هل ينجح إصدار سندات خزينة في علاج مشاكل النظام المالية؟
مارس 09, 2020 2370

هل ينجح إصدار سندات خزينة في علاج مشاكل النظام المالية؟

حجم الخط

هل ينجح إصدار سندات خزينة في علاج مشاكل النظام المالية؟ 

خالد التركاوي 

أعلنت وزارة المالية في حكومة النظام السوري منذ مدة عن نيتها طرح سندات خزينة بقيمة 150 مليار ليرة سورية في شهر شباط/فبراير ومثلها في شهر آب/أغسطس 2020، وقامت الوزارة بتحديد موعد الثالث من شباط/فبراير الماضي موعداً للبيع بسعر فائدة أولي 7%، ثم أعلنت عن النتائج بأنها حصلت على مبلغ 148.5 مليار ليرة سورية عن طريق إقبال سبعة مصارف على عملية الشراء مقابل فائدة 6.7%. 

والسندات هي أداة دين عام، تستخدم عادة من أجل تمويل أعمال الجهات الحكومية أو تقليل المعروض النقدي في السوق لغايات كبح جماح التضخم.  

وكانت حكومة النظام أعلنت في 2010 عن نية طرح سندات وأذونات حكومية خلال الفترات المقبلة، إلا أنها عادت وسحبت الجدول الزمني للطرح في وقت لاحق ولم تتم العملية بسبب عدم الحاجة كما صرح وزير المالية في وقت لاحق. 

تسعى الحكومة -ضمن جملة أهدافها- لسد العجز الكبير في موازنتها، والذي يقدر بقرابة عشرة أضعاف الرقم المطروح عبر سندات الخزينة (1400 مليار ليرة)، والمبلغ المحصل عبر العملية يعتبر قليل نسبياً حيث بالكاد يصل إلى 150 مليون دولاراً وهو رقم ربما يغطي رواتب موظفي الدولة لشهرين فقط، إلاّ أنَّ الوزير قال إن الاستخدام سيكون لصالح استخدام المبلغ في "مشاريع استثمارية!". 

من الملاحظ أن المقصد الأبرز للوزارة هو أن تجمع قدراً من الكتلة النقدية بالليرة السورية، والهدف النهائي هو تقليل المعروض النقدي، مما يؤدي بالنتيجة إلى رفع سعر العملة المحلية.  

ولا يتوقع أن الوزارة ستكون قادرة على تحقيق هذا الهدف لسببين رئيسين، هما: 

1. أن الكتلة النقدية التي تم جمعها بالليرة السورية جرت من خلال مشاركة بنوك حكومية (ويتوقع أن يكون أحد البنوك الخاصة شارك بالعملية) لديها مبالغ مالية متجمعة دون أي تحريك أو استثمار مسبق، أي أنها غير قادرة أساساً على طرحها في الأسواق بسبب عدم اقبال القطاع الخاص ورجال الأعمال على الاقتراض، وكذلك صعوبة تحريك هذه الأموال في ظل ظروف السكان الراهنة الذين لا يقبلون على القروض، وغياب القدرة على الاستثمار في ظل الظروف الراهنة. كما صرح وزير المالية في حكومة النظام مأمون حمدان. وبالتالي المبلغ المسحوب من المصارف الحكومية كان موجوداً لديها بالفعل، وهو خارج التداول ولكن تخصيصه أصبح لصالح وزارة المالية مقابل سندات تم طرحها، ولا تزال كيفية التعامل مع المبلغ تخضع للتداول. 

2. ضعف فاعلية المبلغ المحصّل خاصة بعد انخفاض سعر الليرة السورية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع والخدمات بالتالي، إضافة إلى تضخم المصاريف التي يقوم بها النظام خاصة في العمليات العسكرية، فبحسب بعض التقديرات فإن المبلغ الذي قام النظام بجمعه بالكاد يعادل النفقات الشهرية للعملية العسكرية التي تجري حالياً على إدلب، كما أنه يساوي 4% تقريباً من قيمة الموازنة التي يفترض أن تديرها وزارة المالية. 

ومع هذا، من الناحية العملية قد لا يسهم هذا القرار بتثبيت سعر الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية عند الحدود الحالية (حوالي 1000 ليرة لكل دولار) حيث أن السندات تطرح عادة على عامة الناس، ولكن الحكومة خافت من الطرح كون ذلك سيعكس شعبيتها وثقة الناس بها، حيث يتوقع أن تجمع صفر ليرة في حال طرحت السندات على الجمهور. 

كما أن الهدف الآخر الذي يتوقع أن الوزارة تعمل عليه هو تحويل هذه الأموال لمشاريع استثمارية، لكن الوزارة فيما يبدو ليس لديها أي مخططات مسبقة بحسب كلام الوزير، والذي قال إن "هذه الأموال ستوجه لتمويل مشروعات واستثمارات حيوية مهمة تعزز قيم الإنتاج، وترفع معدلاته، إضافة إلى تمويل بعض المشروعات الخدمية كشق طريق مهم أو شراء طائرة أو باخرة أو قاطرات جديدة".  

ويتوقع أن يتم تجميدها لفترة من الزمن دون أن تتمكن الحكومة من استثمارها والاحتمال الأكبر أن تذهب لصالح تمويل نفقات الموازنة التي تم إعدادها في العام الماضي، عندما كانت الأسعار عند مستوى أقل من المستوى الحالي بكثير؛ وبالتالي ستذهب هذه الأموال لتغطية جزء من العجز الذي ظهر أنه أكبر بكثير من المتوقع عند إعداد الموازنة، ولن يكون هناك أي قدرة على إعادته للمصارف التي قامت بعملية الاكتتاب. 

المسألة الأخرى المهمة هو أن سعر الفائدة المحدد لهذه السندات هو 6.7%، وهو أقل من سعر التضخم بكثير حيث أن التضخم الحالي على أساس سنوي يقارب 80% على أساس سنوي، فأسعار السلع الرئيسية ارتفعت خلال تسع سنوات أكثر من ثمانية أضعاف، وبالتالي فإن المبلغ المسترد (على فرض استرداده) سيخسر جزءاً كبيراً من قيمته، ولن يتم تعويض سوى 6.7% منه، وبالتالي فإن المصارف المقرضة خسرت سلفاً الجزء الأكبر من المبلغ، وهي لن تكون قادرة على إعادة هذه القروض لأصحابها في المستقبل. 

لقد أصدرت حكومة النظام قرارات وقوانين أساسها تجاهل الأزمة العميقة التي انعكست في أحد مؤشراتها في انخفاض شديد في سعر الليرة، فالمرسومين 3 و4 الصادرين في شهر شباط/فبراير يفرضان عقوبات على التداول بالعملات الأجنبية والترويج لأسعار فوق الأسعار المعلنة رسمياً، وقام البنك المركزي بإغلاق عدد من محلات الصرافة، كما قامت الشرطة وأجهزة الأمن بملاحقة المتعاملين بالعملة الأجنبية، في ظل غياب كامل للثقة بين رجال الأعمال والسلطات المشرفة على الاقتصاد السوري.  

ويعتبر قرار بيع السندات هو أول قرار اقتصادي يصدر عن النظام هذا العام في إطار محاولة طرح حل للمشكلة، لكن هذا الحل المطروح يتجاهل الفهم الحقيقي لدورة الاقتصاد السوري الحالي مما يجعل منه فارغاً من أي مضمون عملي تجرب عبره الحكومة -بعد أن استنزفت أدواتها النقدية عبر البنك المركزي بما فيها قوة الاقناع التي خسرتها كلياً- أدوات السياسة المالية التي تفتقد لوجود الشروط الموضوعية اللازمة لعملها، في ظل غياب المحرك الأساسي لتدوير عجلة الاقتصاد، والمتمثّل في المعامل والقوة الإنتاجية المترتبة، وهو غيابٌ تَرتَّبَ نتيجة لاتباع الحل العسكري، وبالتالي فإن أي عملية حقن أو سحب أو تمويل للكتل النقدية ستتوقف فاعليتها على وجود جهاز انتاجي وعجلة اقتصادية متحركة إضافة لوجود الثقة، لتتفاعل كل هذه العوامل مع الأدوات المستخدمة من قبل وزارة المالية، وهي معطيات غير متوفرة في الحالة السورية الراهنة. 

الباحثون