معركة الجنوب السوري الوقائع الميدانية ومواقف الفاعلين
حجم الخط
تمهيد
يُعتبر 19 حزيران/ يونيو 2018 تاريخاً فعليّاً لانتهاء اتفاق خفض التصعيد في جنوب سوريا، والذي توصّلت إليه كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والأردن. حيث قام سلاح الجو التابع للنظام السوري في ذلك اليوم باستهداف مناطق سيطرة المعارضة في ريف درعا الشرقي بالتزامن مع فتح عدّة محاور اشتباك ناري لتحقيق تقدم بري في المنطقة، قبل أن يبدأ الطيران الروسي أعماله القتالية هناك في 23 من الشهر نفسه.
وكان الجنوب السوري قد بدأ يشهد منذ نهاية شهر أيار/مايو 2018 توتراً متصاعداً وتهديدات من النظام بشن عملية عسكرية ضد فصائل المعارضة في المنطقة، وفي تلك الأثناء قام النظام في أكثر من مرة بإلقاء مناشير على قرى وبلدات في محافظة درعا، داعياً إلى المصالحة والابتعاد عن الأعمال العسكرية.
وقد توجهت الأنظار فعلياً نحو الجنوب مع إكمال النظام سيطرته في 21 أيار/ مايو 2018 على أحياء جنوب العاصمة دمشق. وبالتزامن مع الأنباء عن حملة عسكرية في الجنوب تناقلت وسائل الإعلام المحلية والدولية أنباءً عن انسحاب لميليشيات إيران من بعض نقاطها في الجنوب، وعلى إثره شاع اعتقاد بوجود اتفاق بين الدول الضامنة لخفض التصعيد في الجنوب وإسرائيل لتجنيب المنطقة حرباً واسعة.
ولم تلبث الإشاعات أن تحولّت إلى وقائع، حيث قام وفد عسكري إسرائيلي في 30 أيار/ مايو، بزيارة رسمية إلى روسيا، وضم الوفد وزير الدفاع أفغيدور ليبرمان ورئيس الاستخبارات العسكرية اللواء تامير هايمان، وقد ناقش الوفد عودة النظام السوري إلى الحدود السورية – الإسرائيلية وإعادة تفعيل اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974، وانسحاب إيران من المنطقة الحدودية مع إسرائيل ومن كامل الأراضي السورية.
وتُمثّل خطوة إيران التي سبقت الاجتماع الإٍسرائيلي – الروسي بسحب ميليشياتها من الجنوب رسالة واضحة للدول الإقليمية تفيد بالامتثال للضغوط المتصاعدة عليها والتي جاءت أيضاً بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي. كما قامت إيران للتأكيد على موقفها الميداني بالتصريح في 2 حزيران/ يونيو 2018، أنها تدعم جهود روسيا الرامية لفرض سيطرة النظام على جنوبي البلاد.
وكانت الميليشيات الإيرانية قد رفضت من قبل فكرة الخروج من الجنوب، والتي طلبتها روسيا في أواخر تموز/ يوليو 2017، واشتبكت هذه الميليشيات آنذاك مع قوات تابعة للحرس الجمهوري بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة في بلدات نامر وقرفا بالريف الشرقي للمحافظة.
وقد قامت فصائل المعارضة بحشد قواتها وقدراتها، وأعلنت في 1 حزيران/ يونيو 2018 تل الحارة منطقةً عسكرية يمنع الاقتراب منها، بالتزامن مع وصول حشود عسكرية لقوات النظام السوري إلى منطقة مثلث الموت. كما قامت معظم الفصائل باستعراض قوتها وعتادها العسكري.
ويناقش هذا التقرير مجريات معركة الجنوب، من الناحيتين الميدانية والسياسية، ويستعرض مواقف الفاعلين الدوليين والمحليين، والسيناريوهات المتوقعة للمعركة.
أولاً: مجريات الميدان والخارطة العسكرية
التجهيزات الميدانية
1) المعارضة السورية
بعد يوم واحد من اندلاع معركة الجنوب، أعلنت فصائل المعارضة في 20 حزيران/ يونيو 2018 عن تنظيم نفسها ضمن غرفتي عمليات، واحدة لمحافظة درعا وأخرى لمحافظة القنيطرة، وقد ضمّت "غرفة العمليات المركزية" في درعا كلّاً من غرفة عمليات البنيان المرصوص، وغرفة عمليات رصّ الصفوف، وغرفة عمليات توحيد الصفوف، وغرفة عمليات صدّ الغزاة، وغرفة عمليات مثلث الموت، وغرفة عمليات النصر المبين، وغرفة عمليات صدّ البغاة. فيما حملت غرفة العمليات في القنيطرة اسم "النصر المبين".
ومن ثم أكملت غرفة العمليات المركزية في الجنوب خطواتها التنظيمية الطارئة بإعلان تشكيل مكتب إعلامي موحد مسؤول عن تسيير الشؤون الإعلامية ومتابعتها، من أجل تغطية المواجهات العسكرية، ومنع الشبكات الإعلامية الأخرى من إصدار أي مادة تخص العمليات إلا بعد الرجوع لهذا المكتب.
كما قامت غرفة العمليات المركزية في 24 حزيران/ يونيو 2018 بإعلان تشكيل جهاز "قوات أمن الثورة" وحددت أهدفه بست نقاط، هي:
1. الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة وملاحقة كل من تسوّل له نفسه استغلال وضع المعارك وانشغال الثوار على جبهات القتال.
2. التحرّك بشكل سريع ضد المخربين وقطاع الطرق وتجار الأزمات وتجار الدماء حيث تنتشر مراكز قواها في مختلف قطاعات الجنوب.
3. الضرب بيد من حديد على كل من يروّج للشائعات المسببة للفوضى وينشر الإرجاف بين صفوف المدنيين.
4. المتابعة الحازمة والشديدة لكل من يروّج للمصالحات أو يسلك السبل المؤدية إليها.
5. تشكيل محاكم عسكرية ميدانية مختصة تتولى محاكمة ومحاسبة أي قائد عسكري أو عنصر يثبت تواصله مع عصابات الأسد ويعتبر أي تواصل خارج نطاق غرفة العمليات المركزية خيانة.
6. محاسبة كل فصيل متخاذل أو محتكر للسلاح والذخائر ومصادرة كامل سلاحه ووضعه تحت تصرف غرفة العمليات المركزية مع تحويل قياداته للمحاكمة العسكرية.
كما وضعت الغرفة آلية لعمل جهاز قوات أمن الثورة، واعتبرته بمثابة قوة طوارئ مستنفرة على مدار الساعة في مختلف قطاعات الجنوب، وأن غرف العمليات الفرعية الدعم والإسناد اللازم بحالات المداهمة، ويُحدِّد مسؤول قوات أمن الثورة في حينه حجم القوة، وتُسمّي قوات أمن الثورة هيئة قضائية لمحاكمها الميدانية وهيئة شرعية للفتوى.
ويبدو أن فصائل المعارضة تحاول من خلال تأسيس جهاز الأمن عدم السماح بحدوث حالة فراغ أمني بعد سحب عناصرها من المدن باتجاه الجبهات القتالية، ومن مظاهر فوضى متوقعة قد يستثمرها النظام أو حتى تنظيم داعش العامل في حوض اليرموك.
2) النظام السوري
بدأ النظام منذ بداية شهر حزيران/ يونيو 2018 بإرسال تعزيزات عسكرية لم يشهدها الجنوب منذ تموز/ يوليو 2017، حيث قامت "قوات الغيث" التابعة للفرقة الرابعة وفرق عسكرية من الحرس الجمهوري أبرزها "سرايا العرين" و"لواء القدس" بالتمركز في منطقة مثلث الموت، وتحديداً في بلدات الهبارية ودير ماكر وخان أرنبة ومزارع الأمل، وهي مناطق تقع في الريف الشمالي للقنيطرة، تجهيزاً لما يبدو لعملية عسكرية في هذا المحور ضمن معركة الجنوب. كما قام النظام في 12 حزيران/ يونيو، بنشر منظومة دفاع جوي من نوع بانتسير S-1 على الحدود مع الجولان وهي منظومة روسية يملكها الدفاع الجوي التابع لقوات النظام، وكان قد حصل عليها في عام 2012.
وقد توّج النظام تعزيزاته العسكرية بإرسال وزير دفاعه علي عبد الله أيوب إلى المنطقة الجنوبية في 15 حزيران/ يونيو 2018، كما وصل العقيد سهيل الحسن الذي يقود مجموعة من الحرس الجمهوري تدعى "قوات النمر" إلى مدينة درعا في 17 حزيران/ يونيو. وفي إطار التحضيرات الاستباقية للعملية العسكرية قام الحسن بالذهاب إلى مطار خلخلة العسكري في ريف محافظة السويداء، وكانت برفقته تعزيزات عسكرية انتشرت على طول المنطقة الفاصلة بين شرق درعا وغرب السويداء، وهذه القوات هي الفرقة التاسعة والقوات الخاصة والفرقة 15.
وبالتزامن مع اندلاع أولى المعارك في ريف درعا الشرقي، قام النظام في 19 حزيران/ يونيو، بإغلاق المعبر الواصل بين محافظتي السويداء ودرعا في بلدة صما الهنيدات. باستثناء طريق سميع الذي بقي مفتوحاً بشكل جزئي لكن دون مرور المواد الغذائية، كما عزّز النظام القوة المنتشرة على الحاجز الموجود شرقي بلدة صما، ومنع الدخول والخروج إليها.
وقبيل بدء المعركة في الجنوب، عمد النظام إلى تأمين الخاصرة الشرقية له، وذلك بفتح معركة ضد مواقع تنظيم داعش في بادية ريف السويداء الشمالي الشرقي، والتي تمركز فيها عقب اتفاق الطرفين على إخراج عناصر التنظيم من جنوب دمشق نحو مواقع في البادية.
ما سبق، يوضح أن التحضيرات الميدانية التي قام بها النظام تركزت على عدة محاور في ريف درعا الشرقي، إضافة لمنطقة مثلث الموت وريف القنيطرة الشمالي.
المواجهات العسكرية
انطلقت المواجهات العسكرية المباشرة في ريف درعا الشرقي في ظل استمرار الاستعدادات والتجهيزات العسكرية للنظام السوري في الريف الغربي. وفي 19 حزيران/ يونيو 2018، بدأت المواجهات من محور كتيبة الرادار (كتيبة الصواريخ) قرب بلدة مسيكة في الريف الشرقي لمحافظة درعا، وقد استطاع النظام السيطرة عليها لساعات قبل أن ينسحب منها. ويبدو أن سعي النظام للسيطرة على هذه القاعدة يهدف لتأمين الجبهة الشمالية لمدينة بصر الحرير، وقطع خطوط الاتصال نارياً بين مناطق سيطرة المعارضة في منطقتي اللجاة وبصر الحرير.
ومن ثم وسع النظام من نطاق عملياته التي تركزت في ريف درعا الشرقي وفتح ثلاثة محاور للتقدم منها، وهي محور بصر الحرير ومحور غرب درعا، بالإضافة لمحور خربة غزالة – النعيمة. ويريد النظام من خلال هذه المحاور تقسيم ريف درعا الشرقي إلى ثلاثة قطاعات وهي اللجاة والحراك ومدينة درعا.
ويشمل التقدم من محور بصر الحرير جبهات قتال متعددة، وهي حران وصما الهنيدات والبستان. وقد استطاع النظام في 26 حزيران/ يونيو 2018 السيطرة على بلدة بصر الحرير الاستراتيجية ومن ثم مليحة العطش، وعزل بذلك اللجاة إلى قطاع منفصل.
وجاء التقدم إلى بصرّ الحرير بعد تحقيق السيطرة على تسع قرى في محيطها الشرقي والشرقي الشمالي. ويبدو أن الخطة التي اتبعها النظام لعزل منطقة اللجاة تسعى لتجنب دخولها عسكرياً، ومحاولة الضغط عليها للاستسلام دون قتال، لأن المنطقة تُعرف بوعورتها الجغرافية الصخرية وبيئتها العشائرية، ما يجعلها حصناً لفصائل المعارضة، ويتيح لها الصمود لفترة أطول.
أما هدف التقدم من محور خربة غزالة – النعيمة فيبدو أنه الالتفاف على الأحياء الشرقية، وتجنب الصدام المباشر مع فصائل المعارضة في مخيم درعا، ومحاولة جرّهم إلى معركة في المناطق المفتوحة، ويساعد ذلك على فصل درعا البلد عن ريفها الشرقي، ومنع وصول الإمدادات العسكرية لمقاتلي الفصائل داخلها.
ويسعى النظام إلى فتح جبهات متعددة في هذا المحور؛ تصل الكتيبة المهجورة بمعبر نصيب، ويلزمه لذلك السيطرة على بلدة الغارية الغربية والنعيمة وصيدا ومن ثم أم المياذن حتى يوسع من نطاق الجبهة القتالية في التقدم نحو معبر نصيب. في حال حقق النظام من أهدافه الميدانية في هذا المحور؛ يكون قد أطبق العزل على قطاع الحراك وما تبقى من قرى في الريف الشرقي.
ويهدف التقدم من محور غرب درعا إلى الوصول نحو الجمرك القديم، من خلال التقدم من أطراف حي سجنة إلى حي البدو، وصولاً إلى نقطة كتيبة الدفاع الجوي، وبالتالي عزل قطاع مدينة درعا عن الريف الغربي بشكل كامل وأيضاً عزلها عن مناطق الريف الشرقي في حال حقق التقدم من محور النعيمة إلى معبر نصيب، كما سيكون النظام في حال تحقيق أهدافه في محور غرب درعا ومحور النعيمة قد سيطر نارياً على الطريق العسكري الممتد من تل شهاب حتى معبر نصيب.
وليس من المستبعد أن يفتح النظام محوراً عسكرياً رابعاً نحو بلدة بصر الشام يهدف من خلاله الإشغال وتشتيت قوة فصائل المعارضة والقضم البطيء لمناطق الريف الشرقي التي يريد السيطرة عليها لاحقاً بشكل كلي بعد عزلها لثلاثة قطاعات.
وتتمتع منطقة تل الحارة في ريف درعا الغربي بأهمية استراتيجية، وهو ما يجعلها هدفاً لقوات النظام، بعد أن عزز من وجوده العسكري فيها قبيل انطلاق المعارك في الريف الشرقي للمحافظة. حيث تعتبر تل الحارة أعلى التلال المرتفعة في ريف درعا الشمالي الغربي، ويشرف التل على مساحات واسعة من ريفي درعا والقنيطرة، وكان له دور في السيطرة على هذه المناطق سريعاً بعد السيطرة عليه من قبل فصائل المعارضة في تشرين الأول/ أكتوبر 2014. وتوّفر السيطرة على هذه المنطقة تثبيت نقاط اتصال واستطلاع.
وإن أراد النظام السيطرة على تل الحارة لا بدّ له من الانطلاق من مواقع قواته في قرية وكتيبة جدية والسيطرة على بلدة زمرين ومدينة الحارة، وربمّا يضطر أيضاً لشن هجوم على بلدة كفر شمس. كما أن سقوط تل الحارة بيد قوات النظام السوري تعني تتالي سقوط البلدات في ريفي درعا والقنيطرة. وربما يعمد النظام في معارك الريف الغربي ومحافظة القنيطرة إلى إغلاق جيب جباتا الخشب الذي تنتشر فيه فصائل المعارضة.
ومن الجدير بالذكر أن غرفة العمليات المركزية قد توصلت في 26 حزيران/ يونيو 2018 لاتفاق مع جيش خالد –الذي أعلن بيعته لتنظيم داعش بشكل رسمي في 3 حزيران/ يونيو– يتضمن إقامة هدنة مؤقتة ووقف لإطلاق النار، بالتزامن مع الحملة العسكرية التي يشنها النظام بدعم من روسيا على المنطقة. وقد تم الاتفاق بوساطة من هيئة الإصلاح في حوران بعد مفاوضات ومناقشات استمرت لما يقارب الشهر.
ولدى الحديث عن الخطة العسكرية لفصائل المعارضة في مواجهة النظام، يبدو أن غرفة العمليات المركزية التي تم تشكيلها لا تخرج عن كونها تنسيقاً طارئاً دفعت إليه الضرورة بين الفصائل وأن توزيع غرف العمليات على مساحة الجنوب جاء بشكل غير فعّال، لأنها لم تستطع تغطية كافة الثغرات التي يمكن أن تتقدم منها قوات النظام والميليشيات المتحالفة معها، وتشير التقديرات الأولية لنسق المواجهات بين الجانبين أن غرفة العمليات المركزية لم تستطع توزيع المهام بشكل مناسب. ويُمكن القول إن الحلول العاجلة التي ذهبت إليها فصائل الجنوب ربّما لن تكفي لمواجهة النظام وحلفائه الدوليين، خصوصاً في ظل غياب أي بوادر عن إمكانية تقديم دعم خارجي للفصائل.
وكان لفصائل المعارضة أن تجتنب هذا الواقع الميداني الحالي لو أنها شكّلت مسبقاً قيادة عسكرية مشتركة تنبثق عنها غرفة العمليات المركزية توزع المهام بشكل يحرم النظام من التقدم والمناورة بالنيران أو فتح الثغرات؛ خصوصاً وأن الفصائل في الجنوب تمتلك وفق تقديرات متعددة أسلحة وعتاداً متنوعاً من الثقيل والمتوسط والخفيف، بما في ذلك الكوادر العسكرية ذات الخبرة القتالية الميدانية والأكاديمية.
وعدا عن ضعف التنسيق بين غرف العمليات الطارئة العاملة ضمن غرفة العمليات المركزية، قد يكون من العسير فهم عدم قيام غرف العمليات بفتح جبهات إشغال في محاور متعددة هادئة بالنسبة للنظام السوري، وبما يؤدي لتخفيف الضغط عن محاور القتال في الريف الشرقي.
ثانياً: موقع اتفاقيات المصالحة من معركة الجنوب
بدأت منذ شهر شباط/ فبراير 2018 جهود يقودها مركز المصالحة الروسي في حميميم، تهدف إلى تعميم نظام المصالحات مع قرى وبلدات الجنوب؛ على غرار ما قامت به مدن وبلدات محيط دمشق وشمال حمص وغيرها.
وفي 22 شباط/ فبراير، جرى اجتماع بمدينة درعا حضره رئيس مركز المصالحة الروسي في المنطقة الجنوبية الأدميرال الروسي كوليت فاديم، وعضو لجنة المصالحة التابعة للنظام السوري عواد السويدان، إلى جانب ممثلين عن قرى وبلدات داعل، ابطع، الحراك، ناحتة، المليحة الغربية والشرقية، طفس، ودرعا البلد.
ونقل المكتب الصحفي التابع للنظام عن الأدميرال الروسي، تأكيده على "ضرورة العمل من أجل حل النزاع بالطرق السلمية في الجنوب والسعي الجاد لإقناع المجموعات الإرهابية المسلحة بتسليم سلاحهم والعودة إلى حضن الوطن". وأكد أن وجهة النظام بعد الانتهاء من العمليات العسكرية في إدلب والغوطة الشرقية هي المنطقة الجنوبية، وأنه لم يبقَ الكثير من الوقت ولا بد من بذل الجهود اللازمة بهدف إعادة السلام للمنطقة للتخلص من ويلات الحرب والحفاظ على الأرواح والبنى التحية، وقد وزّعت خلال الاجتماع ورقة تتضمن نص اتفاقية انضمام الأطراف إلى نظام وقف إطلاق النار، على أن تكون نموذجاً توقع عليه الأطراف (1).
وبناءً على هذا الاجتماع أصدرت أبرز مجالس المدن المحلية والعسكرية في ريف درعا الغربي بياناً في نهاية شهر آذار/ مارس، هدّدت فيه عرّابي المصالحات القاطنين في المناطق المحررة، وتحدث البيان عن اتخاذ كافة الخطوات التنفيذية الرادعة بحقهم دون أي اعتبار(2).
وعلى الرغم من هذه التهديدات السابقة توجهت روسيا لفتح قنوات اتصال مع القوى المدنية عبر عرّابي المصالحات في مدن وبلدات درعا، وقامت روسيا بتوجيه دعوات للجلوس والتفاوض مع هذه القوى، وبناءً عليه ظهرت استجابة وفد من الفعاليات المدنية في نيسان/ أبريل 2018، في مدينة الحارة بريف درعا الشمالي الغربي، وعُقد اجتماع مع مسؤولين عن مركز المصالحة الروسي وممثلين عن النظام في محافظة السويداء، لكن وفد المعارضة المدني خرج من الاجتماع دون التوصل لاتفاق نتيجة أسلوب الحوار الذي انتهجه الضابط الروسي، والذي اتسم بالتهديد المستمر بسيناريو الغوطة، والمطالبة باستعجال الدخول إلى المصالحة قبل بدء الخيار العسكري، وأن تُبادر فصائل مدينة الحارة بتسليم كامل سلاحها وعودة المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، أو تشكيل جهة مسلحة واحدة في المدينة تتبع للدفاع الوطني ويكون قادتها من المدينة نفسها، ويتلقون الدعم المادي والعسكري من النظام(3).
وفي خطوة مماثلة، طالبت روسيا في 16 أيار/ مايو 2018، مجلس بلدة محجة المحلي شمال مدينة درعا بتشكيل وفد عسكري للتفاوض معها على مصير البلدة المحاصرة من قبل النظام. وقبل يومين تم إرسال نفس الطلب إلى المجلس المحلي لبلدة نجيج، لكن سرعان ما رفضت البلدة الدعوة الموجهة(4). وفي 25 أيار/ مايو، وجهت روسيا رسالة تهديد جديدة إلى أهالي وفصائل بلدة ابطع ومدينة داعل في درعا، مطالبة إياهم بتسليم مناطقهم والخضوع لشروطها، لكن أيضاً تم رفض هذه الرسالة بشكل قاطع من قبل الفصائل والفعاليات المدنية(5). وفي مطلع شهر حزيران/ يونيو نفى عضو مجلس قيادة الثورة في درعا، وأحد وجهاء المحافظة الشيخ فادي العاسمي موافقة وجهاء "هيئة الإصلاح في حوران"، و"مجلس قيادة الثورة" على الاجتماع مع الجانب الروسي(6).
وفي 20 أيار/ مايو 2018، ألقى الطيران المروحي مناشير في سماء الريف الشرقي لدرعا، طالب فيها المدنيين بالانخراط باتفاقيات المصالحة، وكثّف النظام من توزيع هذه المناشير، لكن سرعان ما بدأت سلسلة من الاغتيالات الواسعة استهدفت أعضاء بارزين في لجان المصالحة(7)، ومع أن أحداً لم يتبنّ هذه العمليات، إلا أنه في الغالب تقف وراءها فصائل المعارضة التي وجهت تنبيهاً مسبقاً قبل أشهر لما وصفتهم بعرّابي المصالحات. كما سارعت الفصائل أيضاً إلى شن حملة اعتقالات بحق عدد من القيادات البارزة بتهم ترتبط بإجراء اتصالات مع الجانب الروسي، وشملت الاعتقالات قياديين من "جبهة أنصار الإسلام"، وقائد فرقة "فجر التوحيد" والمنسق العام للجبهة الوطنية لتحرير سوريا براءة القبعاني، والمعروف بأبو محمد الأخطبوط، قبل أن يتم إطلاق سراحه والاحتفاظ به قيد التحقيق، كما قامت "ألوية سيف الشام" بعزل قائدها في محافظة درعا عاصم الصبيحي، وأحالته إلى التحقيق بالتهمة ذاتها.
وفي 22 حزيران/ يونيو 2018، أعلنت وزارة الدفاع الروسي انتقال بلدات داما والشياح وجزء من قرية جدل إلى سيطرة النظام عقب انضمام قائد تجمع أولية العمري لنظام المصالحة عقب مفاوضات جرت بين فصيله وممثلين عن مركز المصالحة الروسي والنظام. لكن غرفة العمليات المركزية في درعا التابعة لفصائل المعارضة، نفت على الفور حدوث أي تقدم للنظام السوري وعدم صحة الادعاءات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية حول تسليم قرى في منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي، مشيرة أن قائد ألوية العمري وجدي أبو ثليث تم فصله من الفصيل قبل شهر بعد ثبوت خيانته.
وبالتزامن مع بدء معركة الجنوب كان واضحاً أن القوات الروسية تبذل جهداً من أجل حسم ملف ريف درعا الشرقي عبر نظام المصالحات، بشكل أكبر من تعويلها على الإنجاز العسكري الميداني، وقد استطاعت القوات الروسية عبر هذه السياسة السيطرة على العديد من القرى، كان أولها قرية أبطع التي دخلت إليها قوات النظام السوري بدون قتال في 29 حزيران/ يونيو. وتلاها في 30 حزيران/ يونيو، السيطرة بنفس الطريقة على داعل في الريف الغربي، وعدد من القرى في الريف الشرقي وهي: الصورة، وعلما، ودير سلط، والمليحة الغربية، والمليحة الشرقية، وزحم، والكرك، والغارية الغربية، والغارية الشرقية، وكحيل، والمسيفرة، والحراك، وجبيب، والسهوة، والمتاعية، قبل أن تتمكن غرفة العمليات المركزية في الجنوب من شن هجوم استعادت فيه السيطرة على بعض هذه القرى، وهي كحيل والمسيفرة وجبيب والسهوة والمتاعية.
وفي 1 تموز/ يوليو استطاعت القوات الروسية ضم قرية بصرى الشام لنظام المصالحات؛ بعد أن عقدت اتفاقاً جانبياً مع قوات شباب السنة، وهو اتفاق لم توافق عليه لجنة التفاوض المكلفة من قبل قوى المعارضة المدنية والمسلحة في الجنوب السوري.
ويبدو أن نظام المصالحات الذي تعتمد عليه روسيا في سيطرتها الميدانية، يقوم بشكل رئيسي على إقناع واستمالة قوى عسكرية ومدنية كانت على اتصال مسبق مع القوات الروسية بتقديم مزيد من الوعود لهم تتضمن مكاسب داخل مؤسسات النظام السوري. وهناك تركيز منصب من قبل روسيا على إعادة هيكلة فصائل المعارضة المنضوية في نظام المصالحات ضمن الفيلق الخامس – اقتحام. ويماثل هذا التكتيك نوعاً ما السياسة التي اتبعتها روسيا في الشيشان.
ثالثاً: أهمية المعركة بالنسبة للفاعلين
تُعتبر معركة الجنوب ذات أهمية بالغة بالنسبة للفاعلين المحليين والإقليميين وهم النظام والمعارضة وروسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والأردن. وفيما يلي استعراض لأهمية المعركة بالنسبة لكل من الفاعلين، وأثر المعركة على مصالحه في الجنوب.
1. النظام وحلفاؤه الدوليون
يعني نجاح المعركة بشكل كامل توسيعاً لسيطرة النظام لتشمل كامل الجنوب، وحصر سيطرة المعارضة في المنطقة الشمالية فقط.
وتعني السيطرة على معبر نصيب الحدودي وتأمين كامل الطريق الدولي دمشق – حلب، والسيطرة على سكة الحجاز، أن مسألة فتح الطريق الدولي مع الأردن ستصبح مسألة وقت قصير، وهو ما يعني منح النظام رئة اقتصادية مهمة، بعد أن حُصرت خطوط النقل البرية له خلال السنوات السبعة السابقة بالحدود اللبنانية فقط.
وتحمل عملية حسم السيطرة بالكامل على الجنوب بالنسبة لروسيا أهمية خاصة، حيث تعني انتهاء واحد من آخر ملفين معلقين أمام الحل السياسي، وهما ملفا الجنوب وإدلب. وسيكون بإمكان روسيا التحرك بشكل أكثر مرونة تجاه طرح خياراتها السياسية.
ويشمل مسار الحل السياسي وفقاً للرؤية الروسية إنهاء الصراع المسلح وإنهاء البؤر والجزر التابعة لفصائل المعارضة، والمحافظة على شكل الدولة المتماسكة، بما فيه رمزية إعادة مؤسسات الدولة في كل الأراضي السورية، وتطبيق الحل السياسي من خلال الدستور.
وأظهرت روسيا بشكل متزايد تصميماً على استخدام كل أنواع الضغط السياسي والعسكري من أجل فرض هذه الرؤية، ورفضا لكل التسويات الجزئية التي يمكن أن تُعطل هذا المسار أو تضع العراقيل أمامه.
أما بالنسبة لإيران، ورغم أن كل المجريات الميدانية التي تجري الآن تُحيّدها من الحضور المباشر في الجنوب، إلا أن أي سيناريو لعودة سيطرة النظام على الجنوب سيكون ضمن المصلحة الإيرانية. حيث تحظى إيران أولاً بسيطرة عالية على مفاصل النظام السوري، كما أنها يمكن أن تعود إلى الجنوب أو إلى أي منطقة أخرى من مناطق سيطرة النظام في وقت لاحق بعد انتهاء حالة الضغط السياسي، فإيران تُجيد اللعب بورقة النَفَس الطويل، ولديها القدرة على الانحناء للعواصف وعدم التوقف عند تفاصيل العثرات والمعيقات.
2. فصائل الجنوب
يُمثل وجود الفصائل في درعا والقنيطرة آخر وجود للمعارضة في جنوب سورية، بعد خروج فصائل المعارضة من ريف دمشق في شهر نيسان/إبريل الماضي. ولذا فإنّ المعركة هي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لوجود المعارضة ككل، وتموضعها السياسي والعسكري، إذ أن خسارة الجنوب يعني أن المعارضة ستُحصر في المنطقة الشمالية وحدها، كما يعني أن قوات النظام والقوات الأجنبية الحليفة لها ستتفرّغ لمعركة محتملة في إدلب بعد انتهاء سيطرتها على الجنوب.
وبالنسبة لفصائل الجنوب، فإنّ المعركة لها شكل وجودي بالنسبة لهم، إذ أن خسارة هذه المعركة تعني الانتهاء بشكل كامل، وبالتالي فإنّ الخيارات المتاحة أمام هذه الفصائل هي خيارات محدودة، خاصة مع رفع غطاء الحماية الدولية عنها، والذي وفّر لها عبر السنوات الماضية حصانة لم تتمتع بها بقية مناطق سيطرة المعارضة.
3. الولايات المتحدة الأمريكية
يُعتبر اتفاق خفض التصعيد في الجنوب ثمرة لجهد بذله الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، تَكلل بالإعلان عن إنشاء منطقة خفض تصعيد جنوب البلاد في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. ولم يقم أي من الطرفين بنشر مضمون الاتفاق، ولكن المفروض أنه تضمن تجميد القتال بين فصائل الجنوب من جهة؛ والنظام وداعميه الدوليين من جهة أخرى.
ويُمكن القول إن أهمية الجنوب بالنسبة للولايات المتحدة ترتكز على مبدئي حماية أمن الأردن وإسرائيل، وإبقاء إيران وميليشياتها بعيدة عن هذه المنطقة.
وقبيل انطلاق المواجهات العسكرية في الجنوب هددت واشنطن النظام بالرد على أي انتهاكات في محافظة درعا، وقد قالت الخارجية الأمريكية ببيان لها في 15 حزيران/ يونيو 2018، إنها ستتخذ إجراءات حازمة وملائمة رداً على انتهاكات النظام في منطقة تخفيف التوتر جنوب غربي سوريا، وأضافت أن روسيا بوصفها عضواً بمجلس الأمن الدولي تقع عليها بالتبعية مسؤولية استخدام نفوذها الدبلوماسي والعسكري مع النظام لوقف الهجمات وإرغامه على الامتناع عن شن حملات عسكرية أخرى(8).
لكن مع انطلاق العملية العسكرية في الجنوب، أكدت غرفة العمليات المركزية إن الولايات المتحدة الأمريكية قد وجّهت في 23 حزيران/ يونيو 2018 رسالة مقتضبة لقادة فصائل الجنوب مفادها أن واشنطن تتفهم الظروف الصعبة التي يواجهونها، وأنها نصحت الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا، وأن أي قرار يتخذه قادة الفصائل لمواجهة التصعيد ينبغي أن يكون قراراً منطلقاً من مصالح الفصائل ومجتمعها المحلي، وأن لا يستند أي قرار إلى افتراض أو توقع تدخل عسكري أمريكي.
وفي حين لم يصدر تصريح من واشنطن عن محتوى الرسالة، طالبت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن في 22 حزيران/ يونيو النظام بوقف القصف والتصعيد واحترام اتفاقية خفض التصعيد، وطالبت روسيا بإيقاف العملية العسكرية أو أنها ستتحمل أي نتائج لخرق الاتفاق.
ولا تُشكّل سيطرة روسيا والنظام على درعا خسارة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة طالما أن هناك ضمانات مقدّمة للطرف الإسرائيلي والأردني، وخاصة فيما يتعلق بعدم وصول الميليشيات المدعومة إيرانياً إلى حدود البلدين، وهو ما يعتقد أن روسيا قد قدّمته لعمّان وتل أبيب.
4. الأردن
مثل الجنوب السوري عمقاً استراتيجياً للأردن منذ سيطرة فصائل المعارضة على مساحات كبيرة منه في نهاية عام 2012. حيث حصر الأردن اهتماماً بالأزمة السورية بهذه المنطقة الجغرافية. وتمكن الأردن من خلال علاقاته المتميزة مع واشنطن وموسكو وتل أبيب من إبقاء الجنوب خارج عمليات الاستهداف الروسية، كما تمكّن من المحافظة على فصائل الجنوب معزولة في تفاهماتها الميدانية والسياسية عن بقية فصائل المعارضة.
وقد دعى الأردن قبل انطلاق معركة الجنوب بيومين إلى المحافظة على اتفاق خفض التصعيد في منطقة الجنوب، وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في 17 حزيران/ يوليو 2018 إن الاْردن ملتزم بالاتفاق ومستمر في العمل مع الولايات المتحدة وروسيا للحفاظ على الاتفاق كخطوة نحو وقف شامل للقتال في سورية ونحو حل سياسي شامل للأزمة، وأضاف أن الاْردن تجاوز طاقته الاستيعابية من اللاجئين(9).
وتشمل المصالح الأردنية في الجنوب السوري المحافظةَ على هذه المنطقة خالية من الوجود الإيراني، وعدم استقبال المزيد من اللاجئين. وقد قام الأردن بإغلاق حدوده أمام اللاجئين بعد بدء المعركة، وأعلنت عمان عبر بيان لوزارة الخارجية ثم عبر تصريح لرئيس الوزراء الأردني بأنها لا ترغب باستقبال أي لاجئين جدد.
ومن جانب آخر، فإن الأردن يعاني من تحديات اقتصادية وأمنية، ولديه مصلحة مباشرة في فتح معبر نصيب والطريق الدولي دمشق–عمّان، وتحقيق استقرار أكبر في الجنوب، بما يُمهّد لاستقرار أوسع في سوريا ضمن نطاق الحل السياسي في جنيف، وبالتالي فإن الأردن لا يعارض من حيث المبدأ الأهدافَ التي تسعى إليها روسيا من معركة الجنوب والمحددة بسيطرة النظام على معبر نصيب وتأمين الطريق الدولي وسكة الحجاز، لأن من شأن ذلك أن ينعش الوضع الاقتصادي في الأردن.
ورغم عدم المعارضة الأردنية الفعلية لعودة النظام إلى الجنوب، إلا أن عمّان يمكن أن تسعى لتأمين مخرج أقل إيلاماً لحلفائها في فصائل الجنوب، بما يحفظ علاقتها مع عشائر المنطقة أولاً، وهي عشائر متداخلة اجتماعياً مع العشائر الأردنية، وبما يمنع حدوث كارثة إنسانية على حدودها الشمالية. ولذا يلاحظ أن الأردن شهد حملات شبه منظمة لجمع التبرعات الشعبية في المدن الشمالية لإغاثة النازحين، الأمر الذي يُساعد على حفظ العلاقات العشائرية، ويضمن إيصال المساعدات للنازحين داخل سورية دون كلف سياسية عالية.
5. إسرائيل
تنظر إسرائيل للجنوب السوري من منطلق حماية أمنها القومي من النفوذ الإيراني، وربما تميل لخيار الإبقاء على حالة من توازن القوى بين النظام والمعارضة، ولا تميل لسيطرة شاملة لقوات النظام دون وجود اتفاق شامل يخص الجنوب ويضمن آليات مراقبة غير مؤقتة بين روسيا والولايات المتحدة والأردن والأمم المتحدة، كما تنظر إسرائيل للجنوب السوري من منطلق الحفاظ على اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 مع سوريا.
الاعتبارات الإسرائيلية السابقة أشارت إلى جزء منها تقارير إعلامية إسرائيلية عقب اتفاق مبدئي أعقب المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفياً، والتي أجراها وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، وتم الحديث عن دعم إسرائيل لسيطرة النظام على ثلاثة نقاط استراتيجية في الجنوب وهي تل الحارة وبصر الحرير ومعبر نصيب الحدودي.
لكن قيام الولايات المتحدة برفع يدها عن منطقة الجنوب، بعد تعثّر اتفاقها مع روسيا على إعادة النظر في اتفاق خفض التصعيد هناك، أدّى على ما يبدو إلى تواصل روسي-إسرائيلي، وربما قدّمت موسكو من خلاله ضمانات إلى تل أبيب، بما يحفظ مصالحها الحيوية في تلك المنطقة، وخاصة من جهة خلوها من الوجود الإيراني.
ولا تُمانع إسرائيل عملياً في وجود النظام على حدودها، خاصة وأن هذا الوجود قد تمّ تجريبه خلال عقود طويلة، وأثبت فاعليته في حماية الحدود ومنع حصول أي خرق لقرار وقف إطلاق النار، لكنها تخشى فقط من النسخة المعدّلة للنظام، والتي لا يملك فيها نظام الأسد السيطرة الفعلية على القرار، وهو ما تحتاج تل أبيب إلى ضمانات روسية بخصوصه.
رابعاً: المسار المتوقع للمعركة
لا يبدو في الأفق أي خيار آخر سوى السيطرة الروسية الكاملة على الجنوب، مع وجود خيارات تفصيلية في الوقت المتوقع لإتمام هذه السيطرة، أو الكلف البشرية والمادية لهذه السيطرة. وهي خيارات ترتبط بشكل ونوع ردود الفعل التي ستبديها فصائل الجنوب.
ويعزز خيار السيطرة الروسية الكاملة عدم وجود رغبة أمريكية كبيرة بالتوصل إلى اتفاق جديد في الجنوب، مقابل تنازلات لموسكو خارج سوريا. وبالتالي فإنّ غياب الطرف الأمريكي أتاح المجال لموسكو للتوصل إلى تفاهمات ثنائية مع تل أبيب وعمان، بما يتجاوب مع مخاوف البلدين من الوجود الإيراني، ويضمن أمن حدودهما على المدى المتوسط على الأرض.
ويمكن أن تتم عملية السيطرة الكاملة على الجنوب على شكل مراحل، بحيث يتم الانتهاء من القطاع الشرقي أولاً، ثم يتم الانتقال إلى شمال القطاع الغربي، وتكون السيطرة على مناطق سيطرة جيش خالد المبايع لتنظيم داعش هي نهاية المعركة بالكامل. وربما يستغرق هذا الأمر عدة أشهر إن كانت روسيا ترغب بالحد النسبي من الخسائر في صفوف المدنيين مع مقاومة فعلية من طرف الفصائل، أو عدة أسابيع إن أرادت استخدام العنف المفرط في إعادة تنفيذ لسيناريو دوما أو في حال توقف الفصائل عن المقاومة.
وستقوم روسيا بعد سيطرتها بنشر قواتها وشرطتها في كل المناطق التي سيتم السيطرة عليها، مع تركيز على المناطق الحدودية مع الأردن والحدود مع الجولان.
ولن تقبل روسيا في هذا السيناريو بأي نوع من التفاوض مع الفصائل، إلا ذلك الذي يناقش تسليمها للسلاح والخضوع دون شروط لسلطتها.
ولا يعتقد أن بإمكان فصائل المعارضة الموجودة في الجنوب المقاومة لأكثر من عدّة أسابيع في أفضل الظروف، خاصة إذا ما تمكّنت القوات المهاجمة من فصل القطاعين الشرقي والغربي، ولم يصل أي دعم لوجستي أو حتى إنساني عبر الحدود إلى الفصائل والسكان المدنيين.
بدأت منذ شهر شباط/ فبراير 2018 جهود يقودها مركز المصالحة الروسي في حميميم، تهدف إلى تعميم نظام المصالحات مع قرى وبلدات الجنوب؛ على غرار ما قامت به مدن وبلدات محيط دمشق وشمال حمص وغيرها.
وفي 22 شباط/ فبراير، جرى اجتماع بمدينة درعا حضره رئيس مركز المصالحة الروسي في المنطقة الجنوبية الأدميرال الروسي كوليت فاديم، وعضو لجنة المصالحة التابعة للنظام السوري عواد السويدان، إلى جانب ممثلين عن قرى وبلدات داعل، ابطع، الحراك، ناحتة، المليحة الغربية والشرقية، طفس، ودرعا البلد.
ونقل المكتب الصحفي التابع للنظام عن الأدميرال الروسي، تأكيده على "ضرورة العمل من أجل حل النزاع بالطرق السلمية في الجنوب والسعي الجاد لإقناع المجموعات الإرهابية المسلحة بتسليم سلاحهم والعودة إلى حضن الوطن". وأكد أن وجهة النظام بعد الانتهاء من العمليات العسكرية في إدلب والغوطة الشرقية هي المنطقة الجنوبية، وأنه لم يبقَ الكثير من الوقت ولا بد من بذل الجهود اللازمة بهدف إعادة السلام للمنطقة للتخلص من ويلات الحرب والحفاظ على الأرواح والبنى التحية، وقد وزّعت خلال الاجتماع ورقة تتضمن نص اتفاقية انضمام الأطراف إلى نظام وقف إطلاق النار، على أن تكون نموذجاً توقع عليه الأطراف (1).
وبناءً على هذا الاجتماع أصدرت أبرز مجالس المدن المحلية والعسكرية في ريف درعا الغربي بياناً في نهاية شهر آذار/ مارس، هدّدت فيه عرّابي المصالحات القاطنين في المناطق المحررة، وتحدث البيان عن اتخاذ كافة الخطوات التنفيذية الرادعة بحقهم دون أي اعتبار(2).
وعلى الرغم من هذه التهديدات السابقة توجهت روسيا لفتح قنوات اتصال مع القوى المدنية عبر عرّابي المصالحات في مدن وبلدات درعا، وقامت روسيا بتوجيه دعوات للجلوس والتفاوض مع هذه القوى، وبناءً عليه ظهرت استجابة وفد من الفعاليات المدنية في نيسان/ أبريل 2018، في مدينة الحارة بريف درعا الشمالي الغربي، وعُقد اجتماع مع مسؤولين عن مركز المصالحة الروسي وممثلين عن النظام في محافظة السويداء، لكن وفد المعارضة المدني خرج من الاجتماع دون التوصل لاتفاق نتيجة أسلوب الحوار الذي انتهجه الضابط الروسي، والذي اتسم بالتهديد المستمر بسيناريو الغوطة، والمطالبة باستعجال الدخول إلى المصالحة قبل بدء الخيار العسكري، وأن تُبادر فصائل مدينة الحارة بتسليم كامل سلاحها وعودة المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، أو تشكيل جهة مسلحة واحدة في المدينة تتبع للدفاع الوطني ويكون قادتها من المدينة نفسها، ويتلقون الدعم المادي والعسكري من النظام(3).
وفي خطوة مماثلة، طالبت روسيا في 16 أيار/ مايو 2018، مجلس بلدة محجة المحلي شمال مدينة درعا بتشكيل وفد عسكري للتفاوض معها على مصير البلدة المحاصرة من قبل النظام. وقبل يومين تم إرسال نفس الطلب إلى المجلس المحلي لبلدة نجيج، لكن سرعان ما رفضت البلدة الدعوة الموجهة(4). وفي 25 أيار/ مايو، وجهت روسيا رسالة تهديد جديدة إلى أهالي وفصائل بلدة ابطع ومدينة داعل في درعا، مطالبة إياهم بتسليم مناطقهم والخضوع لشروطها، لكن أيضاً تم رفض هذه الرسالة بشكل قاطع من قبل الفصائل والفعاليات المدنية(5). وفي مطلع شهر حزيران/ يونيو نفى عضو مجلس قيادة الثورة في درعا، وأحد وجهاء المحافظة الشيخ فادي العاسمي موافقة وجهاء "هيئة الإصلاح في حوران"، و"مجلس قيادة الثورة" على الاجتماع مع الجانب الروسي(6).
وفي 20 أيار/ مايو 2018، ألقى الطيران المروحي مناشير في سماء الريف الشرقي لدرعا، طالب فيها المدنيين بالانخراط باتفاقيات المصالحة، وكثّف النظام من توزيع هذه المناشير، لكن سرعان ما بدأت سلسلة من الاغتيالات الواسعة استهدفت أعضاء بارزين في لجان المصالحة(7)، ومع أن أحداً لم يتبنّ هذه العمليات، إلا أنه في الغالب تقف وراءها فصائل المعارضة التي وجهت تنبيهاً مسبقاً قبل أشهر لما وصفتهم بعرّابي المصالحات. كما سارعت الفصائل أيضاً إلى شن حملة اعتقالات بحق عدد من القيادات البارزة بتهم ترتبط بإجراء اتصالات مع الجانب الروسي، وشملت الاعتقالات قياديين من "جبهة أنصار الإسلام"، وقائد فرقة "فجر التوحيد" والمنسق العام للجبهة الوطنية لتحرير سوريا براءة القبعاني، والمعروف بأبو محمد الأخطبوط، قبل أن يتم إطلاق سراحه والاحتفاظ به قيد التحقيق، كما قامت "ألوية سيف الشام" بعزل قائدها في محافظة درعا عاصم الصبيحي، وأحالته إلى التحقيق بالتهمة ذاتها.
وفي 22 حزيران/ يونيو 2018، أعلنت وزارة الدفاع الروسي انتقال بلدات داما والشياح وجزء من قرية جدل إلى سيطرة النظام عقب انضمام قائد تجمع أولية العمري لنظام المصالحة عقب مفاوضات جرت بين فصيله وممثلين عن مركز المصالحة الروسي والنظام. لكن غرفة العمليات المركزية في درعا التابعة لفصائل المعارضة، نفت على الفور حدوث أي تقدم للنظام السوري وعدم صحة الادعاءات الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية حول تسليم قرى في منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي، مشيرة أن قائد ألوية العمري وجدي أبو ثليث تم فصله من الفصيل قبل شهر بعد ثبوت خيانته.
وبالتزامن مع بدء معركة الجنوب كان واضحاً أن القوات الروسية تبذل جهداً من أجل حسم ملف ريف درعا الشرقي عبر نظام المصالحات، بشكل أكبر من تعويلها على الإنجاز العسكري الميداني، وقد استطاعت القوات الروسية عبر هذه السياسة السيطرة على العديد من القرى، كان أولها قرية أبطع التي دخلت إليها قوات النظام السوري بدون قتال في 29 حزيران/ يونيو. وتلاها في 30 حزيران/ يونيو، السيطرة بنفس الطريقة على داعل في الريف الغربي، وعدد من القرى في الريف الشرقي وهي: الصورة، وعلما، ودير سلط، والمليحة الغربية، والمليحة الشرقية، وزحم، والكرك، والغارية الغربية، والغارية الشرقية، وكحيل، والمسيفرة، والحراك، وجبيب، والسهوة، والمتاعية، قبل أن تتمكن غرفة العمليات المركزية في الجنوب من شن هجوم استعادت فيه السيطرة على بعض هذه القرى، وهي كحيل والمسيفرة وجبيب والسهوة والمتاعية.
وفي 1 تموز/ يوليو استطاعت القوات الروسية ضم قرية بصرى الشام لنظام المصالحات؛ بعد أن عقدت اتفاقاً جانبياً مع قوات شباب السنة، وهو اتفاق لم توافق عليه لجنة التفاوض المكلفة من قبل قوى المعارضة المدنية والمسلحة في الجنوب السوري.
ويبدو أن نظام المصالحات الذي تعتمد عليه روسيا في سيطرتها الميدانية، يقوم بشكل رئيسي على إقناع واستمالة قوى عسكرية ومدنية كانت على اتصال مسبق مع القوات الروسية بتقديم مزيد من الوعود لهم تتضمن مكاسب داخل مؤسسات النظام السوري. وهناك تركيز منصب من قبل روسيا على إعادة هيكلة فصائل المعارضة المنضوية في نظام المصالحات ضمن الفيلق الخامس – اقتحام. ويماثل هذا التكتيك نوعاً ما السياسة التي اتبعتها روسيا في الشيشان.
ثالثاً: أهمية المعركة بالنسبة للفاعلين
تُعتبر معركة الجنوب ذات أهمية بالغة بالنسبة للفاعلين المحليين والإقليميين وهم النظام والمعارضة وروسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والأردن. وفيما يلي استعراض لأهمية المعركة بالنسبة لكل من الفاعلين، وأثر المعركة على مصالحه في الجنوب.
1. النظام وحلفاؤه الدوليون
يعني نجاح المعركة بشكل كامل توسيعاً لسيطرة النظام لتشمل كامل الجنوب، وحصر سيطرة المعارضة في المنطقة الشمالية فقط.
وتعني السيطرة على معبر نصيب الحدودي وتأمين كامل الطريق الدولي دمشق – حلب، والسيطرة على سكة الحجاز، أن مسألة فتح الطريق الدولي مع الأردن ستصبح مسألة وقت قصير، وهو ما يعني منح النظام رئة اقتصادية مهمة، بعد أن حُصرت خطوط النقل البرية له خلال السنوات السبعة السابقة بالحدود اللبنانية فقط.
وتحمل عملية حسم السيطرة بالكامل على الجنوب بالنسبة لروسيا أهمية خاصة، حيث تعني انتهاء واحد من آخر ملفين معلقين أمام الحل السياسي، وهما ملفا الجنوب وإدلب. وسيكون بإمكان روسيا التحرك بشكل أكثر مرونة تجاه طرح خياراتها السياسية.
ويشمل مسار الحل السياسي وفقاً للرؤية الروسية إنهاء الصراع المسلح وإنهاء البؤر والجزر التابعة لفصائل المعارضة، والمحافظة على شكل الدولة المتماسكة، بما فيه رمزية إعادة مؤسسات الدولة في كل الأراضي السورية، وتطبيق الحل السياسي من خلال الدستور.
وأظهرت روسيا بشكل متزايد تصميماً على استخدام كل أنواع الضغط السياسي والعسكري من أجل فرض هذه الرؤية، ورفضا لكل التسويات الجزئية التي يمكن أن تُعطل هذا المسار أو تضع العراقيل أمامه.
أما بالنسبة لإيران، ورغم أن كل المجريات الميدانية التي تجري الآن تُحيّدها من الحضور المباشر في الجنوب، إلا أن أي سيناريو لعودة سيطرة النظام على الجنوب سيكون ضمن المصلحة الإيرانية. حيث تحظى إيران أولاً بسيطرة عالية على مفاصل النظام السوري، كما أنها يمكن أن تعود إلى الجنوب أو إلى أي منطقة أخرى من مناطق سيطرة النظام في وقت لاحق بعد انتهاء حالة الضغط السياسي، فإيران تُجيد اللعب بورقة النَفَس الطويل، ولديها القدرة على الانحناء للعواصف وعدم التوقف عند تفاصيل العثرات والمعيقات.
2. فصائل الجنوب
يُمثل وجود الفصائل في درعا والقنيطرة آخر وجود للمعارضة في جنوب سورية، بعد خروج فصائل المعارضة من ريف دمشق في شهر نيسان/إبريل الماضي. ولذا فإنّ المعركة هي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لوجود المعارضة ككل، وتموضعها السياسي والعسكري، إذ أن خسارة الجنوب يعني أن المعارضة ستُحصر في المنطقة الشمالية وحدها، كما يعني أن قوات النظام والقوات الأجنبية الحليفة لها ستتفرّغ لمعركة محتملة في إدلب بعد انتهاء سيطرتها على الجنوب.
وبالنسبة لفصائل الجنوب، فإنّ المعركة لها شكل وجودي بالنسبة لهم، إذ أن خسارة هذه المعركة تعني الانتهاء بشكل كامل، وبالتالي فإنّ الخيارات المتاحة أمام هذه الفصائل هي خيارات محدودة، خاصة مع رفع غطاء الحماية الدولية عنها، والذي وفّر لها عبر السنوات الماضية حصانة لم تتمتع بها بقية مناطق سيطرة المعارضة.
3. الولايات المتحدة الأمريكية
يُعتبر اتفاق خفض التصعيد في الجنوب ثمرة لجهد بذله الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، تَكلل بالإعلان عن إنشاء منطقة خفض تصعيد جنوب البلاد في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017. ولم يقم أي من الطرفين بنشر مضمون الاتفاق، ولكن المفروض أنه تضمن تجميد القتال بين فصائل الجنوب من جهة؛ والنظام وداعميه الدوليين من جهة أخرى.
ويُمكن القول إن أهمية الجنوب بالنسبة للولايات المتحدة ترتكز على مبدئي حماية أمن الأردن وإسرائيل، وإبقاء إيران وميليشياتها بعيدة عن هذه المنطقة.
وقبيل انطلاق المواجهات العسكرية في الجنوب هددت واشنطن النظام بالرد على أي انتهاكات في محافظة درعا، وقد قالت الخارجية الأمريكية ببيان لها في 15 حزيران/ يونيو 2018، إنها ستتخذ إجراءات حازمة وملائمة رداً على انتهاكات النظام في منطقة تخفيف التوتر جنوب غربي سوريا، وأضافت أن روسيا بوصفها عضواً بمجلس الأمن الدولي تقع عليها بالتبعية مسؤولية استخدام نفوذها الدبلوماسي والعسكري مع النظام لوقف الهجمات وإرغامه على الامتناع عن شن حملات عسكرية أخرى(8).
لكن مع انطلاق العملية العسكرية في الجنوب، أكدت غرفة العمليات المركزية إن الولايات المتحدة الأمريكية قد وجّهت في 23 حزيران/ يونيو 2018 رسالة مقتضبة لقادة فصائل الجنوب مفادها أن واشنطن تتفهم الظروف الصعبة التي يواجهونها، وأنها نصحت الروس والنظام السوري بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تخفيف التوتر في جنوب غربي سوريا، وأن أي قرار يتخذه قادة الفصائل لمواجهة التصعيد ينبغي أن يكون قراراً منطلقاً من مصالح الفصائل ومجتمعها المحلي، وأن لا يستند أي قرار إلى افتراض أو توقع تدخل عسكري أمريكي.
وفي حين لم يصدر تصريح من واشنطن عن محتوى الرسالة، طالبت مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن في 22 حزيران/ يونيو النظام بوقف القصف والتصعيد واحترام اتفاقية خفض التصعيد، وطالبت روسيا بإيقاف العملية العسكرية أو أنها ستتحمل أي نتائج لخرق الاتفاق.
ولا تُشكّل سيطرة روسيا والنظام على درعا خسارة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة طالما أن هناك ضمانات مقدّمة للطرف الإسرائيلي والأردني، وخاصة فيما يتعلق بعدم وصول الميليشيات المدعومة إيرانياً إلى حدود البلدين، وهو ما يعتقد أن روسيا قد قدّمته لعمّان وتل أبيب.
4. الأردن
مثل الجنوب السوري عمقاً استراتيجياً للأردن منذ سيطرة فصائل المعارضة على مساحات كبيرة منه في نهاية عام 2012. حيث حصر الأردن اهتماماً بالأزمة السورية بهذه المنطقة الجغرافية. وتمكن الأردن من خلال علاقاته المتميزة مع واشنطن وموسكو وتل أبيب من إبقاء الجنوب خارج عمليات الاستهداف الروسية، كما تمكّن من المحافظة على فصائل الجنوب معزولة في تفاهماتها الميدانية والسياسية عن بقية فصائل المعارضة.
وقد دعى الأردن قبل انطلاق معركة الجنوب بيومين إلى المحافظة على اتفاق خفض التصعيد في منطقة الجنوب، وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في 17 حزيران/ يوليو 2018 إن الاْردن ملتزم بالاتفاق ومستمر في العمل مع الولايات المتحدة وروسيا للحفاظ على الاتفاق كخطوة نحو وقف شامل للقتال في سورية ونحو حل سياسي شامل للأزمة، وأضاف أن الاْردن تجاوز طاقته الاستيعابية من اللاجئين(9).
وتشمل المصالح الأردنية في الجنوب السوري المحافظةَ على هذه المنطقة خالية من الوجود الإيراني، وعدم استقبال المزيد من اللاجئين. وقد قام الأردن بإغلاق حدوده أمام اللاجئين بعد بدء المعركة، وأعلنت عمان عبر بيان لوزارة الخارجية ثم عبر تصريح لرئيس الوزراء الأردني بأنها لا ترغب باستقبال أي لاجئين جدد.
ومن جانب آخر، فإن الأردن يعاني من تحديات اقتصادية وأمنية، ولديه مصلحة مباشرة في فتح معبر نصيب والطريق الدولي دمشق–عمّان، وتحقيق استقرار أكبر في الجنوب، بما يُمهّد لاستقرار أوسع في سوريا ضمن نطاق الحل السياسي في جنيف، وبالتالي فإن الأردن لا يعارض من حيث المبدأ الأهدافَ التي تسعى إليها روسيا من معركة الجنوب والمحددة بسيطرة النظام على معبر نصيب وتأمين الطريق الدولي وسكة الحجاز، لأن من شأن ذلك أن ينعش الوضع الاقتصادي في الأردن.
ورغم عدم المعارضة الأردنية الفعلية لعودة النظام إلى الجنوب، إلا أن عمّان يمكن أن تسعى لتأمين مخرج أقل إيلاماً لحلفائها في فصائل الجنوب، بما يحفظ علاقتها مع عشائر المنطقة أولاً، وهي عشائر متداخلة اجتماعياً مع العشائر الأردنية، وبما يمنع حدوث كارثة إنسانية على حدودها الشمالية. ولذا يلاحظ أن الأردن شهد حملات شبه منظمة لجمع التبرعات الشعبية في المدن الشمالية لإغاثة النازحين، الأمر الذي يُساعد على حفظ العلاقات العشائرية، ويضمن إيصال المساعدات للنازحين داخل سورية دون كلف سياسية عالية.
5. إسرائيل
تنظر إسرائيل للجنوب السوري من منطلق حماية أمنها القومي من النفوذ الإيراني، وربما تميل لخيار الإبقاء على حالة من توازن القوى بين النظام والمعارضة، ولا تميل لسيطرة شاملة لقوات النظام دون وجود اتفاق شامل يخص الجنوب ويضمن آليات مراقبة غير مؤقتة بين روسيا والولايات المتحدة والأردن والأمم المتحدة، كما تنظر إسرائيل للجنوب السوري من منطلق الحفاظ على اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 مع سوريا.
الاعتبارات الإسرائيلية السابقة أشارت إلى جزء منها تقارير إعلامية إسرائيلية عقب اتفاق مبدئي أعقب المحادثات التي أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هاتفياً، والتي أجراها وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، وتم الحديث عن دعم إسرائيل لسيطرة النظام على ثلاثة نقاط استراتيجية في الجنوب وهي تل الحارة وبصر الحرير ومعبر نصيب الحدودي.
لكن قيام الولايات المتحدة برفع يدها عن منطقة الجنوب، بعد تعثّر اتفاقها مع روسيا على إعادة النظر في اتفاق خفض التصعيد هناك، أدّى على ما يبدو إلى تواصل روسي-إسرائيلي، وربما قدّمت موسكو من خلاله ضمانات إلى تل أبيب، بما يحفظ مصالحها الحيوية في تلك المنطقة، وخاصة من جهة خلوها من الوجود الإيراني.
ولا تُمانع إسرائيل عملياً في وجود النظام على حدودها، خاصة وأن هذا الوجود قد تمّ تجريبه خلال عقود طويلة، وأثبت فاعليته في حماية الحدود ومنع حصول أي خرق لقرار وقف إطلاق النار، لكنها تخشى فقط من النسخة المعدّلة للنظام، والتي لا يملك فيها نظام الأسد السيطرة الفعلية على القرار، وهو ما تحتاج تل أبيب إلى ضمانات روسية بخصوصه.
رابعاً: المسار المتوقع للمعركة
لا يبدو في الأفق أي خيار آخر سوى السيطرة الروسية الكاملة على الجنوب، مع وجود خيارات تفصيلية في الوقت المتوقع لإتمام هذه السيطرة، أو الكلف البشرية والمادية لهذه السيطرة. وهي خيارات ترتبط بشكل ونوع ردود الفعل التي ستبديها فصائل الجنوب.
ويعزز خيار السيطرة الروسية الكاملة عدم وجود رغبة أمريكية كبيرة بالتوصل إلى اتفاق جديد في الجنوب، مقابل تنازلات لموسكو خارج سوريا. وبالتالي فإنّ غياب الطرف الأمريكي أتاح المجال لموسكو للتوصل إلى تفاهمات ثنائية مع تل أبيب وعمان، بما يتجاوب مع مخاوف البلدين من الوجود الإيراني، ويضمن أمن حدودهما على المدى المتوسط على الأرض.
ويمكن أن تتم عملية السيطرة الكاملة على الجنوب على شكل مراحل، بحيث يتم الانتهاء من القطاع الشرقي أولاً، ثم يتم الانتقال إلى شمال القطاع الغربي، وتكون السيطرة على مناطق سيطرة جيش خالد المبايع لتنظيم داعش هي نهاية المعركة بالكامل. وربما يستغرق هذا الأمر عدة أشهر إن كانت روسيا ترغب بالحد النسبي من الخسائر في صفوف المدنيين مع مقاومة فعلية من طرف الفصائل، أو عدة أسابيع إن أرادت استخدام العنف المفرط في إعادة تنفيذ لسيناريو دوما أو في حال توقف الفصائل عن المقاومة.
وستقوم روسيا بعد سيطرتها بنشر قواتها وشرطتها في كل المناطق التي سيتم السيطرة عليها، مع تركيز على المناطق الحدودية مع الأردن والحدود مع الجولان.
ولن تقبل روسيا في هذا السيناريو بأي نوع من التفاوض مع الفصائل، إلا ذلك الذي يناقش تسليمها للسلاح والخضوع دون شروط لسلطتها.
ولا يعتقد أن بإمكان فصائل المعارضة الموجودة في الجنوب المقاومة لأكثر من عدّة أسابيع في أفضل الظروف، خاصة إذا ما تمكّنت القوات المهاجمة من فصل القطاعين الشرقي والغربي، ولم يصل أي دعم لوجستي أو حتى إنساني عبر الحدود إلى الفصائل والسكان المدنيين.
الهوامش:
(2) "مجالس وفصائل ريف درعا الغربي تهدد عرابي المصالحات". 31-3-2018، عنب بلدي،
(3) "فصائل درعا تعلن تل الحارة منطقة عسكرية". 6-1-2018، عنب بلدي،
(4) "محجة ترفض مفاوضة الروس". 16-5-2018، شبكة جيرون،
(5) "روسيا تطالب "الحر" في ابطع وداعل بدرعا بتسليم البلدتين". 25-5-2018، سمارت،
(6) "درعا: حميميم تستعجل المصالحات بعد فشل التفاوض مع الأمريكيين". 13-6-2018، المدن،
(7) "قائمة اغتيالات في درعا. مقتل ستة من لجان المصالحة خلال حزيران". 14-6-2018، عنب بلدي،
(8) "أمريكا تهدد: سنتخذ إجراءات ردًا على انتهاكات النظام في درعا". 15-6-2018، عنب بلدي،
(9) "الصفدي يوكد أهمية الحفاظ على اتفاق خفض التصعيد بجنوب سورية". 17-6-2018، الغد الأردني،
(3) "فصائل درعا تعلن تل الحارة منطقة عسكرية". 6-1-2018، عنب بلدي،
(4) "محجة ترفض مفاوضة الروس". 16-5-2018، شبكة جيرون،
(5) "روسيا تطالب "الحر" في ابطع وداعل بدرعا بتسليم البلدتين". 25-5-2018، سمارت،
(6) "درعا: حميميم تستعجل المصالحات بعد فشل التفاوض مع الأمريكيين". 13-6-2018، المدن،
(7) "قائمة اغتيالات في درعا. مقتل ستة من لجان المصالحة خلال حزيران". 14-6-2018، عنب بلدي،
(8) "أمريكا تهدد: سنتخذ إجراءات ردًا على انتهاكات النظام في درعا". 15-6-2018، عنب بلدي،
(9) "الصفدي يوكد أهمية الحفاظ على اتفاق خفض التصعيد بجنوب سورية". 17-6-2018، الغد الأردني،