قطار الاحتجاجات في إيران..... كيف انطلق وأين سيصل؟
تمهيد
شهدت إيران خلال الأسبوع الماضي مظاهرات يومية انطلقت من مدينة مشهد ذات الخصوصية الدينية والتي تعد معقلاً كبيراً للتيار المحافظ، وامتدت لاحقاً لتشمل مدناً وبلدات عديدة متفرقة في جميع أنحاء البلاد، رفعت شعارات تحتج على الغلاء والوضع الاقتصادي المتدهور، وتهاجم الرئيس حسن روحاني، وتطالب بالكف عن إنفاق الأموال على دول أجنبية والالتفات إلى الحاجات الوطنية الملحة.
وسرعان ما تطورت الشعارات والهتافات إلى مهاجمة النظام الحاكم متمثلاً بشخص المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي وإحراق صوره.
وتختلف وجهات النظر في تفسير الدافع الأساسي المباشر لانطلاق التظاهرات الصاخبة، والتي ترافقت بأحداث عنف تمثلت في إحراق سيارات للشرطة ومقرات رسمية ومؤسسات مالية، فضلاً عن الأسباب غير المباشرة، إلا أنها تتفق على الفوارق الجوهرية بين حركة الاحتجاج الحالية والحركة الخضراء عام 2009.
كما تثير الاحتجاجات الحالية وسقفها السياسي المرتفع تساؤلات حول مصيرها واحتمالات انحسارها أو تصاعدها والسيناريوهات المتوقعة بشأنها، وبالتالي حول مصير النظام الإيراني بشكل عام.
أولاً: ماذا يجري؟
شهدت العديد من المدن الإيرانية في الأيام القليلة الماضية، مشاركة مجموعات واسعة من المواطنين في مظاهرات وصفت بداية بأنها عفوية، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية ولا سيما الغلاء والفقر والبطالة.
1- المظاهرة الأولى والمحرض الأول
بدأت المظاهرات الخميس الماضي 28 كانون الأول/ ديسمبر في مدينة مشهد التي تتمتع بخصائص دينية وثقافية، وتعد ثاني كبرى المدن الإيرانية، ويهيمن التيار المحافظ والتيار المتشدد على الحركة السياسية فيها، وينحدر منها المرشح الرئاسي السابق عن المحافظين إبراهيم رئيسي.
وبحسب المعلومات التي بحوزتنا، فإن رئيسي وصهره أحمد علم الهدى، وهو خطيب الجمعة في مشهد، هما بمثابة المحرض الأول للتظاهر في أول يومين، وقد صدرت عنهما وعن وجوه المحافظين سواء في مشهد أو في غيرها ما يفيد بأن التيار المحافظ دعم المظاهرات كونها خرجت ابتداء ضد حكومة حسن روحاني وسياساته الاقتصادية، الخصم الأقوى للمحافظين.
ويقول موقع "زيتون" المعارض إن أولى مظاهرات مشهد كانت مخططاً لها، وإن المجموعة الرئيسية التي بدأت بالتظاهر كانت عبارة عن مجموعة من قوات التعبئة "الباسيج"، وهي مليشيات شبه نظامية، لكن هذه المجموعة فتحت الباب أمام المتظاهرين العاديين للانضمام إليهم وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تغير وجهة المظاهرات، وظهور هتافات في هذا اليوم تدعو لإعادة النظر في السياسة الخارجية والتركيز على التنمية الداخلية.
2- تطور المظاهرات
وامتدت المظاهرات في اليوم التالي إلى 15 مدينة وبلدة، حيث شكلت فئتان رئيسيتان عماد الحراك، وهم التيار المحافظ والفئات الشعبية المهمشة عرقياً ودينياً، التي تتركز بشكل خاص في أطراف البلاد.
ومع حلول اليوم الثالث، اتسعت رقعة المظاهرات لتشمل 30 نقطة، ووصلت إلى قلب العاصمة الإيرانية طهران، وذلك مع تجمع المتظاهرين في ساحة الثورة وسط طهران، وتظاهر طلاب جامعة طهران في حرم الجامعة وردّدوا هتافات داعمة للمظاهرات ومناهضة للنظام بجناحيه المحافظ والإصلاحي.
وواجهت الشرطة وقوات الأمن الإيرانية في هذه المرحلة المتظاهرين بالهراوات والغاز المسيل للدموع والرصاص الحي على نطاق ضيق، ما أدى إلى سقوط قتيلين على الأقل في مدينة دورود في اليوم الثالث، كما خرجت تجمعات موالية للنظام في طهران تعبيراً عن رفض الاحتجاجات واستنكاراً لبعض الشعارات التي رفعتها.
كما قام المتظاهرون برشق رجال الأمن بالحجارة، وأقدم بعضهم على حرق دراجات نارية تابعة للشرطة، فيما أحرق آخرون مقرات ومراكز أمنية في أنحاء متفرقة من البلاد.
تراجع حدة التظاهر
واستمرت المظاهرات بنفس الزخم وتركزت في أوقات المساء مع انضمام مدن جديدة بعد اليوم الثالث، لا سيما في اليومين الرابع والخامس، حيث وقعت المزيد من الصدامات وسقط المزيد من القتلى، وقد أحصاهم التلفزيون الحكومي بـ23 شخصاً، بينهم عناصر من الشرطة والحرس الثوري حسب زعمه.
لكن اليومين الأخيرين، وهما السادس والسابع، شهدا تراجعاً في حدة الصدامات ورقعة المظاهرات، بالتزامن مع تصاعد التهديدات التي وجهتها الحكومة للمتظاهرين وصول عدد المعتقلين منهم إلى ما يزيد على ألف شخص، بالإضافة إلى تلميحات حول إمكانية تراجع الحكومة عن رفع أسعار بعض السلع الأساسية التي كانت قد رفعتها مع دخول قانون ميزانية العام الجديد حيز التنفيذ.
3- شعارات وهتافات
رفع المحتجون شعارات من قبيل "لا تنفقوا أموالنا على سورية وغزة ولبنان"، وهتفوا "الشعب بدأ يتسول" و"اتركوا سورية وشأنها واهتموا بأحوالنا" و"لا لغزة ولا للبنان روحي فداء لإيران"، و"يسقط حزب الله"، و"لا نريد جمهورية إسلامية" و"استقلال وحرية وجمهورية إيرانية" و"الموت للديكتاتور".
وأبدى البعض ترحمه على الشاه رضا بهلوي، آخر ملوك إيران والذي أسقطت الثورة الإيرانية بقيادة الخميني نظامه، وقامت الجمهورية الإسلامية الحالية على أنقاضه.
4- التغطية الإعلامية
وتجاهل الإعلام الحكومي الأحداث المتسارعة في اليومين الأول والثاني، لكنه بدأ بتغطيتها اعتباراً من اليوم الثالث، وأقر التلفزيون الرسمي بضرورة الإصغاء إلى "مطالب الشعب المشروعة"، لكنه حذر في الوقت ذاته من محاولات من وسائل إعلام و"مجموعات معادية للثورة" استغلال المسألة. فيما كانت وكالات الأنباء شبه الرسمية المحسوبة تقليدياً على رجال الدين والنظام والتيار المحافظ أكثر جرأة وسرعة في تغطية الأحداث، وأظهرت تعاطفاً مع مطالب المتظاهرين الاقتصادية بداية الأمر.
ومع انطلاق المظاهرات وتطورها في الأيام الأولى برز الجيل الثاني من وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فعالة في دعوات التظاهر وتنظيم المظاهرات، وذلك من خلال تطبيقي تلغرام وواتساب، وهو ما سارعت السلطات الإيرانية إلى تلافي خطره من خلال تعطيل خدمة الأنترنت على فترات، والطلب من تلغرام حذف مجموعات كان لها دور رئيسي في تنظيم المظاهرات.
5- التصريحات المتبادلة
وكما اختلفت طريقة تغطية المظاهرات بين الإعلام الرسمي التابع للحكومة المحسوبة على تيار الاعتدال، وبين الإعلام المحافظ الذي يتخذ موقع المعارضة في المرحلة الحالية، فقد اختلفت نظرة السياسيين المحسوبين على التيارين مع الأحداث، وفيما يلي أمثلة عليها.
المحافظون
كان تعليق راعي العتبة الرضوية في مشهد، المرشح الرئاسي المحافظ الأسبق، إبراهيم رئيسي، الأبرز في تعاطفه مع المحتجين، فقد اعتبر أنه "من الضروري تلبية المطالب الشعبية، وإذا ما بدأت الحكومة بذلك بشكل عملي فسيكون الشارع إلى جانبها".
من جهته، قال إمام صلاة الجمعة في مشهد، أحمد علم الهدى، صهر رئيسي، إن "للمواطنين الحق في إظهار مطالبهم عبر تجمعات قانونية، إلا أن هناك من استغل الظروف وردد شعارات"، وصفها بـ"غير التقليدية" مشيراً إلى أن "هناك من دعا لعدم الاهتمام بسورية وغزة ولبنان"، وحذر ممن وصفهم بـ"أعداء البلاد".
بدوره، ذكر المتحدث باسم لجنة الأمن القومي البرلمانية حسين نقوي، إنه "على الحكومة أن تجري إصلاحات اقتصادية للتعويض عن حالة عدم الرضا". أما رجل الدين المحافظ، أحمد خاتمي، فقد أكد أن 80% من المحتجين هم ممن خسروا أموالهم في المؤسسات المالية، و"على الحكومة أن تتابع الموضوع وأن تحاسب هذه الجهات".
الإصلاحيون
النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، قال في خطاب إن "القضايا الاقتصادية استخدمت كذريعة للدخول إلى مواضيع أخرى. هناك سيناريوهات مختلفة تجري في الخفاء"، وأضاف أن "الأمور ستنقلب على بعض من في الداخل، كونهم يعتقدون أن التحريض للتحرك ضد الحكومة قد يصب لمصلحتهم"، في إشارة واضحة إلى التيار المحافظ.
ثانياً: دوافع الحراك
بات بحكم المؤكد أن فئات من التيار المحافظ كانت السبب الرئيسي وراء إشعال شرارة الاحتجاجات، وذلك ليس لأنها متضررة سياسياً من تولي روحاني الرئاسة على حساب مرشحيها ورموزها فحسب، بل لأنها متضررة اقتصادياً أيضاً، وهي حالة تختصر، على نحو ما، البنية المعقدة للحراك الحالي الذي بدأ على هوى التيار المحافظ، لكنه سرعان ما أبرز طابعاً راديكالياً يناهض هذا التيار وخصومه على حد سواء، وتحول إلى منبر لجميع الفئات الناقمة على النظام بجناحيه بوصفهما وجهين لحقيقة واحدة.
1- الأسباب المباشرة
انطلقت المظاهرات الأولى في مدينة مشهد لأسباب تتعلق بشكل عام بتراكم فشل السياسات الاقتصادية لحكومة الرئيس حسن روحاني، التي توجها بقانون الميزانية الجديدة.
غلاء فاحش
تضمن قانون الميزانية للعام الجاري رفعاً لأسعار المحروقات وبعض المواد الغذائية، وذلك بعد موجة غلاء وتضخم غير مسبوقة اجتاحت الأسواق في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي فاقم الموقف وشكل الأرضية الملائمة لانفجار الاحتجاجات الشعبية العفوية، وتكفل بعض المحافظين من خصوم روحاني بتعمد إشعال شرارتها الأولى.
إفلاس جماعي
ومن الأسباب البعيدة زمنياً لكنها أقرب في واقع الحال إلى الأسباب المباشرة، العدد الكبير من المواطنين الذين خسروا أموالهم التي أودعوها في مؤسسات القروض والتمويل التي أفلست قبل نحو عام، ما دفع المئات منهم، لا سيما ضحايا مؤسسة "كاسبين"، إلى تنظيم مظاهرة احتجاجية مطلع عام 2017 أمام البنك المركزي الإيراني في طهران.
وانضم ضحايا شركات أخرى مثل "آرمان" و"فرشتكان" و"ثامن" و"بدیده" إلى هؤلاء المتظاهرين، وقام بعضهم بإضرام النيران في بعض المكاتب التابعة لتلك المؤسسات.
عقب هذه الأحداث، قدّم (130) نائباً مساءلة برلمانية إلى مجلس الشورى الإيراني بخصوص الرئيس حسن روحاني؛ إلا أن الحكومة لم تتخذ أية خطوات لمعالجة مشاكل المواطنين الذين فقدوا أموالهم في المؤسسات المفلسة.
ويرأس مؤسسات التمويل والقروض شخصيات من الطبقة المحافظة، معظمهم أعضاء في حزب الائتلاف الإسلامي المحافظ، وينظر إلى عمل هذه المؤسسات على أنها أنشطة تابعة للحرس الثوري والباسيج (ميليشيات متطوعة)، ومن ثم يمكن فهم سبب إعراض الحكومة الإصلاحية عن سداد ديونها وعددها بالمئات، باستثناء "قزوين" و"البورز"، إلا أن المتضررين من التجاهل الحكومي لم يكونوا المحافظين فقط، بل فئات شعبية أوسع تحسب على الطبقة المتوسطة، وهي التي تستثمر مدخراتها عادة في هذا النوع من المؤسسات.
2- الأسباب غير المباشرة
إذا كانت الأسباب المباشرة في جلها اقتصادية بحتة، ممزوجة بالسجال السياسي بين جناحي السلطة في إيران، فإن الأسباب غير المباشرة تتوزع على المستويين الاقتصادي والسياسي.
المستوى الاقتصادي
بدأت الأوضاع الاقتصادية بالانحدار في عهد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، ذو التوجهات المحافظة المتشددة، حيث أدّت العقوبات الأمريكية والدولية على طهران على خلفية برنامجها النووي، إلى تضييق الخناق على الوضع الاقتصادي، كما أدّت سياسات التبذير التي اتبعها أحمدي نجاد إلى انتشار الفقر والبطالة والتضخم.
وأضيف إلى ذلك خيبة أمل الإيرانيين من عدم تحقيق روحاني وعوده الانتخابية المتعلقة بتحسين الأوضاع الاقتصادية من جهة، وعدم انعكاس أي أثر لرفع العقوبات الدولية على البلاد كجزء من الاتفاق النووي من جهة أخرى، وهو الاتفاق الذي عول عليه الإيرانيون كثيراً وتوقعوا انفراجاً اقتصادياً كبيراً مع رفع الحظر عن النفط الإيراني وانفتاح البلاد على الاستثمارات الغربية، وهو ما دفع الكثيرين إلى مضاعفة استثماراتهم في مؤسسات التمويل التي أفلست لاحقاً.
المستوى السياسي
يُجمع المراقبون تقريباً على عدم تشابه احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009 مع موجة الاحتجاجات الحالية، من حيث أن الأولى كانت لها مطالب سياسية بالدرجة الأولى وليست اقتصادية، ومحددة بسقف يتعلق بإلغاء الانتخابات الرئاسية التي فاز بها أحمد نجاد بدورة رئاسية ثانية، وسط شبه تزور واسع النطاق، وتنصيب منافسه الإصلاحي مير حسين موسوي مكانه، ومن حيث وضوح رموز الحركة الاحتجاجية والطابع النخبوي الذي سادها، رغم ما شابها من شعارات وهتافات وسلوكيات تجاوزت هذه المحددات.
وعلى الرغم من أن هذه السمات تجعل الحراك الشعبي الحالي منفصلاً عن الحركة الخضراء، إلا أن التطور السريع للمطالب الشعبية والشعارات السياسية التي رفعها المتظاهرون بكثرة، بالإضافة إلى حضور العديد من العناصر التي ساهمت في تشكيل حركة 2009، يجعله امتداداً لها أو نسخة مطورة عنها تتفق معها في الاتجاه العام، وهو التغيير في النظام السياسي، سواء جزئياً أو كلياً، وتختلف معها في المدخل.
احتقان عام
يمكن وصف الشارع الإيراني بأنه محتقن على العموم بسبب القبضة الأمنية للنظام، واستئثار رموز النظام بالثروة والسلطة.
وقد تفاقم هذا الاحتقان مع فشل روحاني في الوفاء بوعوده المتعلقة بتعزيز الحريات العامة والانفتاح على الغرب، بما يفترض أن ينعكس إيجابياً على الوضع الاقتصادي الداخلي، وهو ما تسبب بانزياح فئات متزايدة كانت تؤمن بالإصلاح ودعاته إلى حيز آخر أكثر ثورية.
سخط يتحين الفرص
ورغم أن الشائع بشأن المعارضة الإيرانية التقليدية وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق أنها معارضة ضعيفة داخلياً، وأن الكتلة الشعبية الأكبر لا تزال تؤيد النظام الإيراني الحالي، فإن الأدق من ذلك أن حجم الشرائح الاجتماعية الساخطة على شكل نظام الحكم واسعة جداً، وإن لم يكن ذلك يعني بالضرورة أنها شرائح مؤيدة للمعارضة الداخلية أو الخارجية، بقدر ما هي فئات معارضة بذاتها لأسباب اجتماعية واقتصادية، ولا تشترك في خيارات سياسية معينة.
ويعبر هذا السخط الشعبي الشامل عن نفسه عند كل فرصة تتاح له للاحتجاج بغض النظر عن المناسبة والظروف الآنية، وهو ما يجعل الحراك الشعبي الحالي امتداداً لكل التحركات المماثلة منذ الثمانينيات في القرن الماضي مروراً باحتجاجات عام 1996 في عهد محمد خاتمي.
تياران ثوريان
في خضم السخط العام إزاء النظام بشكله الحالي، يبرز تياران رئيسيان في الأوساط المثقفة والطلابية في إيران فيما يتعلق بتصور مستقبل نظام الحكم الذي يريدونه في بلادهم.
يدعو أحدهما إلى نظام علماني يفصل بين رجال الدين ونظام الحكم، ما يعني إنهاء ولاية الفقيه ومنصب مرشد الثورة، ومعظم حالات التداخل بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الحكم، فيما يدعو التيار الآخر إلى علمانية لائكية مبنية على مفاهيم الإلحاد وإقصاء الدين في الحياة العامة إلى أبعد درجة ممكنة، ويتغذى هذا التيار على فشل النظام الحالي وتقديمه نموذجاً مشوهاً للدين وأحكامه وتغطية كل سوءات النظام بشعارات دينية.
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة
فتحت الاحتجاجات الإيرانية الباب على مصراعيه لتصورات مستقبل الحراك الشعبي وانعكاساته على النظام السياسي المتجذر في البلاد، وفيما يلي 3 سيناريوهات يبدو كل منها ممكناً، وتتفاوت قوة كل منها بحسب الظروف المرافقة والعوامل المرجحة.
1- سيناريو الثورة الخضراء
الوصف
في هذا السيناريو تنتهي الاحتجاجات القائمة في إيران على نحو ما انتهت عليه احتجاجات الثورة الخضراء عام 2009، وهو القمع التام، وذلك باستخدام أكبر قدر ممكن من العنف من جانب السلطات بما يؤدي إلى سيادة الرعب في نفوس المتظاهرين وترددهم في معاودة التظاهر.
المرجحات
يدعم هذا السيناريو حجم القوة الأمنية التي يملكها نظام طهران، وحجم الخبرة التي اكتسبها على مدار عقود في إدارة البلاد أمنياً، ناهيك عن امتلاكه تجربة ناجحة في قمع حركة احتجاج ضخمة وغير مسبوقة، وقريبة زمنياً.
الوزن
يملك هذا السيناريو فرصاً متوسطة، نتيجة لغياب المطالب السياسية الواضحة لدى المتظاهرين، وافتقارهم لقيادة تمكّنهم من إدارة المواجهة مع السلطات.
ويواجه هذا السيناريو صعوبات أهمها هي الدعم الإعلامي من بعض دول الخليج المجاورة، بالإضافة إلى التشجيع الأمريكي، لكن الأهم هم مشاركة أطراف من داخل التيار المحافظ في الحراك الحالي، وهو ما يصعب مهمة القمع التام، وهو ما يفسر أيضاً تريث السلطة في استخدام كامل قدراتها الأمنية لقمع الحراك.
2- سيناريو منتصف الطريق
الوصف
يقوم النظام في هذا السيناريو بإجراء إصلاحات جزئية، بحيث تقنع فئات أساسية من المتظاهرين بتحقق مطالبها، والتعامل مع أبرز الدوافع الاقتصادية للحراك، رغم صعوبة الأمر، وهذا يمكن أن يقود المحتجين إلى التنازل عن مواصلة الاحتجاج، أو يفقدهم على الأقل بريق شعاراتهم ويخمد جذوتهم التي تجتذب الآلاف.
المرجحات
يؤيد هذا السيناريو الرصيد السياسي الذي لا تزال حكومة روحاني تتمتع به لدى فئات واسعة من التيار الشعبي الغاضب إزاء الأوضاع السياسية والاقتصادية، بوصفها حكومة إصلاحيين، وتحمل وعوداً بالانفتاح والتغيير، ومن ثم فإن تراجعها عن النهج التقشفي الذي اتبعته تدريجياً قد يحل جزءاً من عقدة المشاكل التي فجرت موجة الاحتجاجات.
الوزن
يبدو هذا السيناريو هو الاكثر ترجيحاً، حيث ستدفع الاحتجاجات إلى نقطة توازن بين التيارات السياسية في منظومة الحكم في إيران. وسيكون الوصول إلى نقطة التوازن متأثراً بأوزان الفاعلين في المنظومة أكثر من وزن المحتجين في الشارع، والذين لا يملكون قيادة أو مطالب واضحة.
3- سيناريو سورية
الوصف
التصعيد من الطرفين، وإقدام السلطات الإيرانية على حملة قمع دموية، في محاولة لإنهاء الاحتجاجات بأسرع وقت ممكن، ما يعني مزيداً من الصدامات والضحايا، وهو ما سيحول طبيعة الاحتجاجات بصورة تامة نحو خيارات أكثر عنفية، في محاكاة لسيناريو الحرب الداخلية السورية والفوضى الشاملة التي تفتح الباب على التقسيم الفعلي وربما الرسمي في نهاية المطاف.
المرجحات
لا يبدو السيناريو السوري رغم أضراره على الأمن العالمي والإقليمي سيئاً تماماً بالنسبة لصانع القرار الأمريكي. ومن منظور استراتيجي، فإن إيران انشغال إيران بأزمات داخلية سيجعل التفاوض الأمريكي معها أكثر مرونة، وهو ما قد يدفع الإدارة الأمريكية إلى دعم مجموعات معارضة إيرانية على توسيع تحركاتها، وربما الانتقال إلى العمل العسكري على النمط السوري.
الوزن
لا توجد بوادر حقيقية ترجّح هذا السيناريو. فرغم الدعم الإعلامي الذي أبدته الولايات المتحدة والسعودية للحراك في إيران، إلا أن من غير المتوقع أن يُقدِما، أو أي طرف آخر، على تقديم الدعم الفعلي للمتظاهرين، وفي حالة قيامهم بذلك فإنّ ذلك سيتسبب في قسمة المتظاهرين على أنفسهم.
لكن ما يمكن أن يعطي هذا السيناريو فرصاً، هو تركز الحراك في المنطقة الشرقية من إيران، وهي الخواصر الرخوة للبلاد، حيث تتقاطع إيران بحدود طويلة مع باكستان وأفغانستان، ويمكن أن تُستخدم هذه الحدود لنقل السلاح والدعم لأي مجموعات يمكن أن تكون الآن في طور التشكل.