اعتقالات رموز القاعدة في إدلب ...تكتيك آني أم خطوة استراتيجية؟
نوفمبر 29, 2017 1882

اعتقالات رموز القاعدة في إدلب ...تكتيك آني أم خطوة استراتيجية؟

حجم الخط

تمهيد
تأسست جبهة النصرة لأهل الشام التي تتبنى التوجه السلفي الجهادي أواخر عام 2011، وأعلن أبو محمد الجولاني في تسجيل مصور عن فك الارتباط عن القاعدة وزعميها أيمن الظواهري في 28يوليو/حزيران 2016م، كما أعلن إلغاء العمل باسم جبهة النصرة وتشكيل جماعة جبهة فتح الشام.
وتعدّ تجربة تنظيم القاعدة في سورية، من خلال فرعه المتمثل بجبهة فتح الشام، التجربة الأهمّ والأكثر فرادة ضمن تجارب القاعدة في البلدان الأخرى، لتوفرها على عدد وعتاد ومساحة نفوذ وعلاقات بالمجتمع المحلي أكبر مما حظيت به فروع القاعدة الأخرى، عدا عن التحولات الحركية والخطابية التي مرّت بها، ففي 28 ديسمبر/كانون الثاني2017 أعلنت عدد من كبرى الفصائل في الشمال السوري، عن اندماجها في مكون عسكري جديد باسم "هيئة تحرير الشام"، يضم كلاً من "جبهة فتح الشام، وحركة نور الدين الزنكي، ولواء الحق، وجبهة أنصار الدين، وجيش السنة". 
ولم يكن مفاجئاً لكثير من المتابعين ذلك الإجراء الأخير الذي اتخذته هيئة تحرير الشام باعتقال الرموز المتمردة على القيادة والتي تخطط لإعادة إعلان (القاعدة) في سورية متمثلة في رموز كالعريدي وأبو جليبيب الأردني، إذ يعتبر ذلك الإجراء الحلقةَ الأخيرة في الطلاق البائن تنظيمياً وفكرياً بين هيئة تحرير الشام وتنظيم القاعدة المعولم، وللخطوات دلالات جديّة تعكس حالة الحسم لدى قيادة الهيئة في معالجة الظواهر الشاذة التي تؤثر على سمعة الهيئة مثل داعش وجند الأقصى وأخيراً تنظيم الفرقان. 


موروث القاعدة وكلمة الفصل 
أحدثت عملية انفصال الهيئة ( جبهة النصرة آنذاك) عن القاعدة هزة عنيفة داخل التنظيم الجهادي العامل في سورية، وتركت بصمة عميقة بين الأفراد المنتمين فكرياً لدائرة القاعدة وأخواتها بشكل خاص، وبدت ملامح مشروع جديد بالظهور على شكل إجراءات جذرية فكرية وتكتيكية في بنية جبهة تحرير الشام بقيادة الجولاني. 
وقد سبب فك الارتباط انشقاقات داخلية كبيرة لدى "جبهة فتح الشام"، وعزوف العديد من القادة العسكريين والشرعيين والعناصر عن العمل ضمن مكوناتها، فمنهم من انتقل لمناطق سيطرة تنظيم الدولة ومنهم من فضل البقاء في مناطق سيطرة الجبهة. 
وتجدد الحديث عن مشروع الارتباط بالقاعدة والذي قادته شخصيات عدة منهم شرعيين كبار، لهم تأثير في الوسط الجهادي لاسيما لدى المهاجرين في سورية، بعد تشكيل هيئة تحرير الشام وبدأ الانشقاقات عنها، وسعت الهيئة من طرفها إلى احتواء وإقناع كافة الأطراف المؤثرة وبوسائل مختلفة منها سرية وأخرى أعلن عنها لاحقاً تحت إسم مبادرة (والصلح خير)، وذكرت وسائل اعلام غربية وعربية في تقارير خلال تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر أن الظواهري كلف حمزة بن لادن بتأسيس فرع للقاعدة في سورية. 
وتطور الأمر أيضاً عندما أعلن لواء الأقصى على لسان أحد الإعلاميين المقربين له عن استعداده لتأمين حماية للملاحقين من قبل الهيئة. 
من جانب آخر يشعر الجولاني بضغط يهدد استقراره، ويتمثّل هذا الضغط في تقدم داعش في جبهة حماة، لذلك فإن قيادة الهيئة حسمت أمرها بالانتقال من تنظيم مغلق له آلياته " كالسرية المفرطة"، ومحدداته الفكرية المتمثلة "بجرعات أيديولوجية دينية"، إلى حركة مفتوحة تسيطر على مساحة كبرى جغرافية، وتملك موارد اقتصادية وتنادي بتشكيل حكومة انتقالية بما يعني البحث عن وسائل وآليات جديدة للتعاطي مع المرحلة الجديدة. وإن الهيئة بقتالها العسكري والعنيف لداعش في بادية حماة وباستئصالها الأمني المبكر لقيادة القاعدة ترسل رسالة واضحة حول جديتها في المضي بالتغيير الفكري والسلوكي. وهي جادّة في البرهنة على خيارها الاستراتيجي بقطع كامل ارتباطها بالقاعدة وفكرها التي تدعي قيادة الهيئة أنها اضطرت للانخراط به ضمن سياق تاريخي معين في سياق المناكفة مع داعش.


الصعيد المدني والسياسي
تجاوزت الهيئة في مسيرة قيادتها لمناطق السيطرة التابعة لها الامتحان الأصعب في إثبات قدرتها على إدارة المناطق مدنياً، وهيكلة المؤسسات الاجتماعية والسياسية وخاصة في إدلب، والامتحان الثاني بالمرونة الني أبدتها الجبهة للتعامل الحذر مع قوات درع الفرات التركية، لذلك فإن قيادة الهيئة تعتبر أن التوافق بينها وبين تركيا في دخول القوات التركية لسورية دون منغصات كان سبقاً سياسياً ناجحاً يمكن التعويل عليه دولياً في محاولة الهيئة للهروب من شبح العزلة الدولية، وعليه فإنها لن تسمح لأحد بتعكير صفو تخطيطها السياسي، وأيضاً إن قيادة الهيئة تدرك الحجم الشعبي المتواضع لمجموعة القاعدة المزمع إنشاؤها بالداخل، ولذا عزمت أمرها باجتثاثهم دون خوف من انشقاق داخلي، حيث تؤكّد قيادة الهيئة بقرارها هذا على مركزية القرار الشديدة لديها، وإنها قادرة على اتخاذ قرارات جريئة بهذا الاتجاه.


خلاصة
تظهر المعطيات السابقة أن عملية اعتقال الشرعيين القاعديين في الهيئة تأتي ضمن سياسة تنتهجها قيادة الهيئة بشكل واضح منذ فترة طويلة. 
ولعلّ قيادة الهيئة ترنو من خلال عمليات الاعتقال بشكل غير مباشر لمغازلة الغربيين والأمريكان، للتأكيد على أن الهيئة باتت حسنة السلوك السياسي، وإنها خارج نظرية الجهاد المعولم التي تتبناها القاعدة والتي تشكل هاجس رعب للغرب، وأنها تسعى لصياغة نظريتها الخاصة بها فكريا وممارساتياً، وأن أي محاولة لإلصاقها بآخرين هي رؤية سطحية، مما يعني ضرورة مراجعة الغرب لفكرة التصنيف الدولي للهيئة.
وأظهرت بيانات الاستنكار المتعددة التي صدرت من شخصيات ميدانية واعتبارية بالهيئة دلالة على مدى مقبولية نسبية لهؤلاء الأشخاص بذواتهم وليس بصفتهم القاعدية، إذ لوحظ أن البيانات تدافع عنهم ولا تذكر تنظيم القاعدة بالثناء، ولكن قيادة الهيئة تدرك الحجم الحقيقي لتلك الاعتراضات فتمضي بعملها الأمني رغمها، معتبرة أن ذلك جزء من قرار استراتيجي اتخذته .
لكن التحدي الأكبر للهيئة يتمحور في قدرتها الحقيقية على التحول لكيان له رؤية سياسية يمكنه التعايش مع الحلول الدولية الممكنة لمستقبل سورية والموافق عليها دولياً، وقدرته على العيش كمؤسسة من مؤسسات المعارضة.