قراءة تحليلية الهيئة وعودة الحسبة في إدلب
مايو 18, 2020 1600

قراءة تحليلية الهيئة وعودة الحسبة في إدلب

حجم الخط
تحت المجهر | قراءة تحليلية الهيئة وعودة الحسبة في إدلب 
 
تُعدّ "الحِسبة" نقطةً مفصليّة في فكر الجماعات الإسلاميّة منذ بدء إقرارها وتحولها إلى أداة أساسية من أدوات ضبط الأسواق والمجال العام واستغلال بعض الحكّام والسلاطين في التاريخ للحسبة بهدف إقصاء بعض خصومهم السياسيين واغتيالهم.
تعتمد الجماعات الإسلاميّة في الدعوة لفكرة الحسبة بمبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر" وتتدرّج هذه الجماعات في تطبيق هذا المبدأ بدءًا من "النصيحة" وصولاً لاستخدام "القوة" بشكل فرديٍّ لتغيير ما يُرى أنه مُنكَر، وقد استطاع تنظيم الدولة سابقًا تحويل هذا المبدأ من نظرة تاريخيّة إلى جهازٍ بيروقراطيٍّ متكامل مهمّته ضبطُ المجتمع للانصياع الكامل للخط الفكريّ المعلَن للتنظيم في العبادات والشعائر.  
لم تتمكن هيئة تحرير الشام والجماعات الأخرى من تأسيس جهاز مستقرٍّ يطبّق مبادئ الحسبة في مناطق سيطرتها، رغم تكليفها مؤسّسة "سواعد الخير" بذلك في إدلب قبل سنتين، وتمّ إلغاؤها بسبب تجاوزات أفرادها ضد حريات الناس العامة، إضافة إلى ظهور شبهات فساد حولها. 
تعودُ هيئة تحرير الشام لتفعيل فكرة الحسبة مرة أخرى في مدينة إدلب والمناطق بها تحت مسمّى "مركز الفلاح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وقد أعلنت عن مهامّ محدّدة لها، كالعمل على منع الاختلاط بين الجنسين ومنع المنكرات والمجاهرة بها، واتخاذ الإجراءات المشدّدة في حقّ المخالفين، إضافة إلى تفاصيل ووظائف أخرى مما يجعل من موظفي "المركز" بمقام الشرطة الدينيّة التي تمتلك توجيه التهم والاعتقال والمحاسبة وتقديم الناس للقضاء. 
تحرص الهيئة على الدفع قدُمًا لتطبيق هذه الفكرة على الرغم من فشلها السابق لأهداف متعددة، أهمّها: 
• تعميق التغلغل في المجتمع: فإلى جانب المؤسّسات الأخرى التي ترتبط بالهيئة بعدة أشكال فإنّ فرض مؤسسة جديدة للحسبة تابعة للهيئة ومرتبطة بحكومة الإنقاذ، سيعطيها بُعدًا شرعيًّا من ناحية الوجود، كما سيتيح لها تنفيذ سياسات محدّدة تدعمُ الهيئة وتوجهاتها في المنطقة. 
• الموازنة بين تكتّلات الهيئة: حيث إن وجود هذه الحسبة بحد ذاته يعد عاملاً في التوازن الداخلي في الهيئة، نظرًا لكون بعض المسؤولين ينتقدون تراخي الهيئة في القيام بواجباتها الدينيّة، وتعيين هؤلاء أو مقربين منهم على رأس الهيئة يزيد –نظريًّا- من تماسكها التنظيمي. 
• التناغم مع التوجّهات الجهاديّة: بالرغم من أنّ الهيئة ترى نفسها ضابطًا لملف التنظيمات الجهاديّة وتحركاتها في إدلب، إلا أنها تسعى بالتوازي مع ذلك في تخفيف حدّة التنافر المتوقّع فيما بينها، ويكون فرض هذه الإدارة إحدى سبُل تخفيف الاحتقان، نظرًا لإمكان مشاركة بقية التنظيمات في أداء مهام الحسبة تحت إدارة المركز الجديد. 
• ضبط تحرّكات المجتمع وتوجّهاته: على المنوال الذي اتبعه تنظيم الدولة في هندسة المجتمعات التي وقعت تحت سيطرتها، كما أن الهيئة تستطيع من خلال هذا الجهاز فرض مزيد من القيود على المجتمع ومراقبته عن كثبٍ. 
عمليًّا؛ قد لا تقوم مجموعات الحسبة الجديدة بفرض توجّهات دينيّة معينة؛ إلا أن وجودهم واستمراريتهم سيحقق للهيئة عدّة مكاسب، كتعميق التغلغل الاجتماعي وضبط تحرّكاته الجمعيّة، إضافة إلى إرساء توازن معيّن بين مكوّناتها والمجموعات الدينيّة الأخرى في المنطقةـ كما أن الحسبة ستكون بمثابة قناة اتصال بين الهيئة والوجوه الاجتماعيّة.
 

وحدة الحركات الدينية - مركز جسور للدراسات

لزيارة قناتنا على التلغرام اضغط هنا