عقيدة الصدمة كإطارٍ لفهم آثار وباء كورونا
مارس 25, 2020 1862

عقيدة الصدمة كإطارٍ لفهم آثار وباء كورونا

حجم الخط
عقيدة الصدمة كإطارٍ لفهم آثار وباء كورونا 
 
"الصدمة" أصل النظرية: 
في 1 حزيران/يونيو 1951 التقى وكلاء مرتبطون بعدة وكالات من الاستخبارات الغربية بعدة علماء ومحللين نفسيين في فندق ريتز كارلتون بمونتريال الكندية، وإثر مناقشات طويلة حول آثار حرمان الشخص من الشعور بحواسّه قرر تقديم منحة تمويليّة لجامعة ماكغيل لدراسة هذه القضية على أرض الواقع.  
كان الطبيب والعالم النفسي الكنديّ دونالد أولدينغ هيب المقترح الأوّل لهذه الفكرة، كما كان ضمن الفريق المشارك في إحدى المصحّات النفسية في خمسينيات القرن العشرين حيث أجرى عددًا من التجارب الجديدة لمعرفة آثار حرمان المرء من الشعور بحواسه وقد توصّل الطبيب إلى وجوب إيقاف هذه التجارب بسبب آثارها الكارثية على الشخص، خاصة تشتت تركيزه وعدم قدرته على التخيل والتحكّم الواعي بالتصرفات إضافة إلى المعاناة من الاضطرابات وفقدان الذاكرة، وقد انسحب البروفيسور دونالد من التجربة عندما أدرك النتائج الكارثيّة التي ستنتج عنها، خاصة إذا ما استخدمت هذه التجارب كسلاح واستراتيجيّات لتعذيب المعتقلين واستجوابهم.  
على الرغم من انسحاب د. دونالد إلا أن البروفيسور أوين كاميرون رئيس قسم الطب النفسي في جامعة ماكغيل استمرّ في تطوير وإجراء التجارب على عدد كبير من المرضى حتى دون موافقتهم، وأصبح الهدف الرئيس من التجارب هو الوصول إلى طريقة فعّالة لكيفية محو القناعات القديمة وتكوين آراء وأفكار جديدة في عقول الخاضعين للتجربة، وذلك عبر تدمير القدرة على الحسّ والشعور وتشتيت الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية وأدوية الهلوسة والعزل التام. 
تطوّرت هذه التقنيات عندما حوّلت  CIA أبحاث د. كاميرون إلى دليل لكيفية التحقيق مع المعتقلين عبر تعريضهم لصدمات متتالية من التعذيب وجعلهم مستعدين للتعاون والتخلي عن أفكارهم بأساليب متعددة. 
 
فكرة الصدمة وأثرها في الاقتصاد والسياسة 
طرح دونالد رامسفيلد عشية أحداثِ سبتمبر 2001 أفكارًا تتعلّق بصناعة الأمن وخصخصة قطاعات الجيش، مستندًا في ذلك على أفكار أستاذه ميلتون فريدمان أحد أبرز منظّريها والمؤثرين فيها. 
استغلّت إدارة بوش الهجمات لتقوية صناعة الأمن التي تضاعفت بصورة مباشرة إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بما قبل الهجمات، بينما كانت الهجمات مسوّغًا كافيًا لشن حربين متتاليتين في أفغانستان والعراق وإدارة الكوارث الناتجة عن هذين الحربين بما يعود على الولايات المتحدة بالفائدة الاقتصادية.  
تشير ناعومي كلاين مؤلفة كتاب عقيدة الصدمة إلى أنّ الإدارة الأمريكيّة عملت على صنع صدمةٍ قويّة في الإعلام الأمريكيّ والعالميّ لتهيئة الأجواء لقبول الاحتلال الأمريكي ونتائجه والتصرّف مع سلوكيّاته بما يعود من فوائد اقتصاديّة وعسكريّة 
تعود فكرة تحويل نظرية د. أوين كاميرون من التطبيق على الأفراد إلى المجتمعات من خلال البروفيسور ميلتون فريدمان الاقتصادي المعروف الذي نال جائزة نوبل للاقتصاد عام 1976 وشكّل نظريّة ممارسة علاج الأزمات الاقتصادية عبر استغلال صدمات الشعوب سواء بالكوارث أو الحروب أو الانقلابات أو الانهيارات الاقتصادية وذلك لدفع الحكومات لمعالجة الاقتصاد المتدهور برفع السقف عن أسعار السوق وإتاحة الحريّة الليبراليّة، وقد تمكّن من تطبيق هذه الأفكار من خلال طبقات عديدة من طلابه الذين اقتنعوا بأفكاره في عدة دول من أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة إضافة إلى دوره في إقناع دونالد ريغان ومارغريت تاتشر بها أثناء عمله مستشارًا اقتصاديًّا لهما. 
 
من تشيلي إلى العراق، الفكرة واحدة والآثار كارثية 
حين تسلّم بول بريمر زمام الأمور في العراق قام بتغيير النظام الاقتصادي في البلاد ونفّذ قوانين مدرسة شيكاغو التي يقودها فريدمان، وابتدأ قراراته بفصل 500 ألف عامل في الدولة وربط اقتصاد العراق بالشركات الأمريكية كشركة كرييتف أسوسياشن التي أعادت طبع كتب المدارس مقابل 100 مليون دولار 
كما تلقّت شركات أخرى مثل شركة RTI عقودًا 466 مليون دولار، لتقديم استشارات حول التحول الديمقراطي، ونالت شركة بيرنج بوينت عقودًا بقيمة 240 مليون دولار لبناء نظام السوق الاقتصادي في العراق، بينما كانت تصرفات جيش الاحتلال الأمريكي مستمرّة في إثارة الرعب بالقتل والاعتقال والتعذيب 
في نماذج سابقةٍ طبق تلاميذ فريدمان نموذج العلاج بالصدمة في عدّة بلدان كما حدث في أزمات ما بعد الانقلابات العسكرية في تشيلي عام 1973 وفي الأرجنتين عام 1976. 
قامت قوات الجيش التشيلي باعتقال 13 ألف معارض للانقلاب وأمرت بتعذيبهم في أستاد تشيلي الدولي الذي أقيمت فيه بعض مباريات كأس العالم بعد ذلك بفترة، وقام الجنرال بينوشيه بتطبيق أفكار فريدمان فألغى الرقابة على الأسعار وقام ببيع ممتلكات الدولة للشركات الخاصة وخفّض الإنفاق الحكومي. 
أعلن فريدمان نفسه عن إعجابه بتجربة تشيلي التي خاضت برأيه تحوّلًا -عبر أفكاره- من النظام الشيوعي إلى الرأسمالي، إلا أن الفائدة لم تكن لعامة الشعب الذي عانى من وصول التضخم إلى 375% خلال عام واحد من الانقلاب فزادت نسبة البطالة والفقر وأصبح 74% من دخل الأسَر مخصصًا لشراء الخبز فقط 
كانت الفائدة متركزة بيد الأغنياء، حيث تظهر ناعومي في كتابها الفرق الهائل بين مدخولات العامل العادي ومدير العمل ما بين 100 ضعف إلى 400 ضعف شهريًّا في الولايات المتحدة على سبيل المثال، كما تظهر أرقام أخرى تركز المال العالمي في بضعة أشخاص مقابل فقر مليارات أخرى من البشر 
 
عقيدة الصدمة: كيف ولماذا؟  
استعرضت المؤلفة في كتابها سلسلة الصدمات والأزمات منذ الكساد الكبير عام 1938 والمعالجات التي تمّ التعامل بها لإنهائها، إضافة الوقوف بشكل دقيق ومستفيض عند تطبيقات "عقيدة الصدمة" كاقتراح منها في تكوين إطار عام لفهم طرق تعامل الأنظمة الغربية في السيطرة على الكوارث وتحويلها إلى مكاسب اقتصاديّة لفئات معيّنة. 
ما تريد الباحثة الأمريكيّة إيصاله هو أن الصدمة هو "شيءٌ يفقدنا الوعي والتركيز في فهم الصورة العامة"، وعند ذلك يستطيع الطرف الأقوى استغلال تلك الحالة فيتحكم بأرواحنا واقتصادنا ويحقق مكاسب بأضعاف مضاعفة عما يمكنه تحقيقه في حال عدم وجود هذه الصدمة. 
 
تقول ناعومي:  
"لنبدأ مع الأساسيات، ما هي رأسمالية الكوارث، وما علاقتها بـ "مبدأ الصدمة"؟ 
إن الطريقة التي أعرّف بها رأسمالية الكوارث واضحة ومباشرة حقًا: فهي تصف الطريقة التي تنبثق بها الصناعات الخاصة للاستفادة مباشرة من الأزمات واسعة النطاق، حيث إن الاستغلال في الكوارث والاستفادة من الحرب ليس مفهومًا جديدًا، ولكنه تعمّق حقًا في ظل إدارة بوش بعد 11 سبتمبر، عندما أعلنت الإدارة عن هذا النوع من الأزمات الأمنية التي لا تنتهي، وخصخصتها واستعانت بمصادر خارجية في الوقت نفسه وهذا يشمل الوضع الداخلي، الدولة الأمنية المخصخصة، وكذلك الغزو والاحتلال المُخَصْخَصَينِ للعراق وأفغانستان. 
 إن "مبدأ الصدمة" هو الاستراتيجية السياسية لاستخدام الأزمات واسعة النطاق لدفع السياسات التي تعمق عدم المساواة بشكل منهجي، وتثري النُّخَب، وتقوّض الجميع [...] يقوم نظام رأسمالية الكوارث على استغلال أو صنع كارثة سواء كانت انقلابًا أو حرباً أو انهيارًا اقتصاديًّا، أو كارثة طبيعية" 
في أزمة التعامل مع كورونا نشهد حقًّا رأسمالية الكوارث ففي الولايات المتحدة نرى حزمة التحفيز وإصدار العملة الورقية بقيمة 700 مليار دولار لتلافي الخسائر التي قد يلحِقها الركود بسبب الفايروس، إضافة إلى اقتراب الموافقة على برنامج قروض لمكافحة كورونا بـ 2 تريليون دولار. 
تقول كلاين "إنهم لا يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون أنها الطريقة الأكثر فاعلية لتخفيف المعاناة أثناء الوباء، بل لأنّ لديهم هذه الأفكار الجاهزة سلفًا وهم يرون الآن الفرصة سانحةً لتنفيذها"  
إنه لا شيء يغير "الواقع" أكثر من صدمة واسعة النطاق. 
 
المصادر:  
1. ناعومي كلاين، فايروس كورونا هو الكارثة المثاليّة لرأسماليّة الكوارث.  
2. واشنطن بوست، اقتراب الموافقة على قروض لمواجهة كورونا بـ 2 تريليون دولار. https://wapo.st/39fs0ra 

الباحثون