المساعيّ الروسيّة المتعثرة في حشد عشائر الحسكة
أبريل 14, 2021 1615

المساعيّ الروسيّة المتعثرة في حشد عشائر الحسكة

حجم الخط

تمهيد 

عندما استطاعت روسيا اختراق منطقة شرق الفرات بعد توقيع مذكرة سوتشي (2019) مع تركيا، والتوصّل لتفاهم مع الإدارة الذاتية الكردية في 13 تشرين الأوّل/ أكتوبر من العام ذاته، بدأت تعمل على التواصل مع العشائر العربية في محافظة الحسكة؛ إلّا أنّ هذا الاهتمام تراجع في النصف الثاني من عام 2020.
عادت روسيا في شباط/ فبراير 2021، للتواصل مع عشائر محافظة الحسكة، ويبدو أنّ لديها إصراراً هذه المرّة لتحصيل مكاسب فعلية من التفاهمات التي تم التوصّل إليها بين الطرفين ولم يتم تطبيقها نتيجة جملة من التحديات والعوائق. 
كان اجتماع القوات الروسية مع وجهاء قبيلة طيء في قرية جرمز جنوبي القامشلي في 13 نيسان/ أبريل 2020، أوّل تواصل فعلي مع العشائر، وتلاه اجتماع في 18 من الشهر نفسه مع وجهاء آخرين من قبيلة حرب في قرية ذبانة جنوب القامشلي أيضاً.
علما، أنّ قبيلة طيء تُعتبر من أكبر عشائر الحسكة ويدين معظم وجهاؤها بالولاء للنظام السوريّ، حيث يُشكّل أبناؤها الجزء الأكبر من تعداد ميليشيا الدفاع الوطني في المحافظة. 

أولاً: دوافع استقطاب روسيا لعشائر الحسكة 

عرضت روسيا على وجهاء قبيلتي طيء وحرب في أكثر من اجتماع تشكيل قوّة عسكرية يكون قوامها من أبناء هذه العشائر، على أن تتكفّل روسيا بعمليات التمويل والتسليح والتدريب، وهو ما تم التوافق عليه بين الطرفين. 

لم يكن المقترح يتضمن إلحاق القوّة العربية العسكرية بالقوات الرديفة التابعة للنظام السوري، لأنّ روسيا لا تريد لها أن تنشط فقط ضمن مناطق المربّع الأمني في محافظة الحسكة، بما يشمل مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية، لاسيما عين عيسى وتل تمر واللتين تتواجد فيهما قوات روسية. 

إلّا أنّ روسيا كانت تسعى أيضاً للاستفادة من تجنيد أبناء العشائر من أجل القتال في مناطق غرب الفرات مثل العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش في البادية، وكذلك خارج سورية، حيث تم تسجيل إرسال دفعة من مقاتلي قبيلتي طيء وحرب في حزيران/ يونيو 2020. 

مع أنّ روسيا تتجنّب دوماً الإضرار بصورتها كوسيط أمام قوات سورية الديمقراطية، لكنّها تسعى لتحقيق مكاسب إضافية لتعزيز نفوذها وخياراتها شرق الفرات، فيُمكن الاستفادة من التواصل مع وجهاء العشائر والقبائل في زعزعة استقرار مناطق سيطرة قسد عبر تشكيل الخلايا التي تقوم بمراقبة الأنشطة وتنفيذ عمليات الاغتيال وغيرها. 

يبدو أنّ روسيا تحتاج لمزيد من أدوات الضغط على قوات سورية الديمقراطية، وربّما تكون الوسيلة لذلك العشائر والقبائل في محافظة الحسكة التي تُعتبر مركز ثقل وحدات الحماية الكردية. على سبيل المثال، منذ أواخر عام 2020 وحتى شباط/ فبراير 2021، سعت روسيا بشكل حثيث لتشكيل مربّع أمني جديد للنظام السوري في عين عيسى وهو ما قوبل بالرفض من قسد رغم كل الضغوط، وعليه قد تتولد قناعة لدى روسيا بأنّ قوّة عسكرية عربية تابعة لروسيا وغير مرتبطة بالنظام السوري قد تكون بمثابة حلّ مرضٍ بديل. 

كانت روسيا –وما تزال– تسعى إلى أن تكسر احتكار الولايات المتّحدة للعلاقة مع العشائر والقبائل العربية في شرق الفرات، وكذلك إضعاف نفوذ قوات سورية الديمقراطية، فاختراق المنطقة يحتاج إلى تأسيس حوامل اجتماعية ولا يجب أن يقتصر على التواجد العسكري المباشر. 

ثانياً: التحديات التي تواجه روسيا في حشد عشائر الحسكة 

تواجه روسيا –وما تزال– عدداً من التحديات في حشد عشائر الحسكة، فالتواجد العسكري الأمريكي لطالما حال دون توسيع أنشطتها، فيما يبدو أنّها استثمرت فترة الانسحاب الجزئي للولايات المتّحدة من مناطق شمال شرق سورية مطلع عام 2020، في بدء تواصلها مع أبرز قبائل المحافظة، والذي تراجع لاحقاً بعد عودة اهتمام واشنطن وحلفائها بالمنطقة سياسياً وعسكرياً. 

وكان لعدم اِلتزام روسيا بالوعود التي قدّمتها لوجهاء القبائل في الحسكة دورٍ كبير في إضعاف قدرتها على  الحشد، فقد أدّت عملية تجنيد وإرسال أبناء تلك القبائل إلى ليبيا إلى زعزعة الثقة بين الطرفين، كون ذلك يُخالف ما تم التفاهم عليه سابقاً بتحديد مناطق نشاط الأفراد المجندين ضمن مناطق شرق الفرات. 

أيضاً، تواجه روسيا صعوبة في حشد عشائر وقبائل محافظة الحسكة؛ بسبب غياب قدرتها على التعاون مع إحدى الدول العربية لأداء دور في الوساطة والتأثير بتلك العشائر على غرار ما تقوم به السعودية في إطار التحالف مع الولايات المتّحدة الأمريكية والذي يضمن ولاء قبيلة شمّر وتحييد قبائل أخرى لصالح قوات سورية الديمقراطية. 

حتى أنّ روسيا تعاني من مشكلة ضعف القدرة على تمويل الوجهاء والقبائل العربية في الحسكة، مقارنة مع ما تقُدّمه الولايات المتّحدة الأمريكية وشركاؤها في التحالف الدولي مثل السعودية. ظهر ذلك بشكل واضح بعدم قدرة الوجهاء والقبائل على إقناع أبنائهم بالانسحاب من قوات سورية الديمقراطية مع ضعف الامتيازات والحوافز المقابلة. 

عموماً، تفتقر روسيا إلى المرونة والخبرة الكافية للتعامل مع القبائل العربية، مقارنة مع الولايات المتّحدة التي لا تدخّر جهداً في أداء دور فعال لحل النزاعات وتقديم التوصيات والدعم اللازم لضمان استمرار علاقة العشائر العربية مع قوات سورية الديمقراطية. 

خلاصة 

لا يُمكن لروسيا أن تتراجع عن الجهود والمحاولات في حشد عشائر محافظة الحسكة، حتى وإن كانت الظروف غير مواتية لتحسين العلاقة بالمستوى الذي يضمن لها تحقيق مكاسب فعلية، مقارنة مع ما تحصل عليه الولايات المتّحدة الأمريكية من العلاقة الجيدة مع تلك القبائل. 

ومع ذلك، لن تفوّت روسيا الفرصة لزعزعة العلاقة بين قوات سورية الديمقراطية والعشائر العربية سواءً من خلال دعم وتوسيع نشاط الخلايا الأمنية أو تأجيج التنافس على المكانة والسلطة والموارد داخل تلك القبائل. 

في الواقع، قد تلجأ روسيا إلى الضغط على عشائر الحسكة من خلال محاولة الوصول إلى العشائر والقبائل الأخرى شرق الفرات، حتى وإن اضطرت للتعاون مع تركيا وقطر لتحقيق ذلك، كما أنّ هذا الإطار يوفّر إمكانية لتجاوز ضعف القدرة على التمويل والتأثير. 

 

لقراءة المادة بشكل كامل يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية (اضغط هنا) 

 

الباحثون